هوكستين «المتفائل» في تل أبيب يحتاج إلى جولات إضافية لإحكام الاتفاق مع لبنان

مفاوضات نتنياهو الحقيقية مع فريق ترمب وحلفائه في اليمين المتطرف

هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي (وزارة الدفاع)
هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي (وزارة الدفاع)
TT

هوكستين «المتفائل» في تل أبيب يحتاج إلى جولات إضافية لإحكام الاتفاق مع لبنان

هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي (وزارة الدفاع)
هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي (وزارة الدفاع)

على الرغم من اللقاءات الكثيرة التي أجراها، آموس هوكستين، مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، في تل أبيب يومي الأربعاء والخميس، والأجواء الإيجابية المتفائلة التي يبثها فريقه، يشير الضالعون بأسرار هذه المحادثات إلى أن المفاوضات الحقيقية يجريها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في قناتين أخريين؛ الأولى مع رفاقه في اليمين الحاكم، والثانية مع فريق الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

وأجرى هوكستين في تل أبيب محادثات لأربع ساعات مع نتنياهو، ثم مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي في وزارة الدفاع، وذلك غداة وصوله من لبنان، إذ ناقش مع المسؤولين اللبنانيين بنوداً معدلة في الورقة الأميركية لوقف إطلاق النار.

وواكبت تل أبيب التعديلات اللبنانية، بتأكيد مسؤول إسرائيلي في إحاطة صحافية، أن «حرية عمل الجيش الإسرائيلي لمهاجمة وجود (حزب الله) جنوب الليطاني، سيتم الحفاظ عليها إذا جرى رصد تهديد ضد إسرائيل». وذكرت تقارير إسرائيلية أن «هناك مخالفات أخرى، مثل إعادة تأسيس تشمل إنشاء مستودعات أسلحة»، مشيرة إلى أنه «سيتم عرض المواقع القتالية والمخابئ تحت الأرض على اللجنة الدولية التي سيتم تشكيلها لتنفيذ الاتفاق».

وعلى مستوى القناتين اللتين يعتمدهما نتنياهو، ذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أن المبعوثين الذين يصلون من مقر ترمب تباعاً إلى إسرائيل، يؤكدون تأييدهم لجهود هوكستين، ويطلبون من نتنياهو إنجاز الاتفاق مع لبنان في أقرب وقت، وهناك من يقول إنهم حددوا له مدة أسبوعين. وهو غير معني بخلاف أو صدام مع ترمب من بداية الطريق.

أما المقربون منه فيؤكدون أنه معني بإرضاء الرئيس الجديد، حتى يكسب تأييده في الجبهات الأخرى، أي فرض السيادة على مستوطنات الضفة الغربية، وتخفيف الضغط عليه لوقف الحرب في غزة والجبهة الرئيسة مع إيران.

وحتى لو اقتنع نتنياهو ووافق على الاتفاق مع لبنان، فإنه يحتاج إلى موافقة حلفائه في اليمين المتطرف. ووفق آخر الاستطلاعات، الذي نشرته «القناة 12»، فإن 51 في المائة من الجمهور بات يؤيد وقف إطلاق النار مع لبنان، ولكن هذه النسبة تنقلب عندما يجري الحديث عن جمهور مصوتي نتنياهو وائتلافه الحاكم. فهناك 25 في المائة فقط يؤيدون الاتفاق مع لبنان، ويعارضه 55 في المائة. ويحتاج نتنياهو للتظاهر أمامهم بأنه قاوم الإدارة الأميركية وقيادة الجيش الإسرائيلي ولم يوافق على الاتفاق إلا بعد معارك شديدة، وأنه أخضع «حزب الله»، وفرض عليه شروطاً قاسية.

وهو يقول إن الاتفاق المقترح يتحدث عن تجربة 60 يوماً، فإذا لم تنجح هذه التجربة في وقف عمليات «حزب الله» تماماً وفي إبعاده عن الجنوب إلى شمال الليطاني، فإن الجيش الإسرائيلي سيعود إلى القتال. وستكون الظروف عندها أفضل لإسرائيل، إذ يكون الرئيس جو بايدن قد أخلى البيت الأبيض، وحل محله الصديق ترمب، الذي أعلن أنه سيقف مع إسرائيل في السراء والضراء.

وفي هذه الأثناء، يواصل هوكستين بث روح التفاؤل، بعد لقاءاته مع نتنياهو التي سبقها بلقاءين مع وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، الذي يُعدّ أقرب الناس إلى نتنياهو. وحصل تقدم آخر في المحادثات، وفق هوكستين، وأنه يحتاج إلى بضع جولات أخرى لإحكام بنود الاتفاق.

ووفق مصادر إسرائيلية، فإن نقاط الاختلاف المركزية التي بقيت عالقة، هي موضوع تحديد حق إسرائيل في العمل في أعقاب خرق الاتفاق، والتدخل الأميركي في الإشراف على تنفيذه. فإسرائيل تصر على هذا الحق وممارسته بشكل فوري حال اكتشاف خلية لـ«حزب الله»، أو غيره، تنوي اجتياز الليطاني لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، واللبنانيون يرفضون. فوجد هوكستين صياغة مرضية يستطيع كل طرف منهما ابتلاعها، تقول: «إن إسرائيل تتريث وتبلغ لجنة المراقبة، فإذا تمكن الجيش اللبناني من معالجة الأمر تنتهي القضية، وإذا لم ينجح، تتدخل إسرائيل ساعتئذ. ولكي يقبل (حزب الله) بهذه الصيغة، تحدثوا ليس عن حق تدخل، بل عن (حق الدفاع عن النفس لكل طرف من الطرفين)».

وقال مصدر سياسي في تل أبيب، الخميس، إن هذا الاتفاق محفوف بكثير من المخاطر، ويُشبه الدخول إلى حقل ألغام. لكن، لا بد مما ليس منه بد، فهو ضروري وحيوي، ويحتوي أيضاً على مؤشرات إيجابية كثيرة، ومن شأنه أن يسهم في حل عقد السياسة اللبنانية برمتها، فهو يحوي في طياته آمالاً حقيقية بعودة سكان الشمال الإسرائيلي النازحين إلى بيوتهم آمنين. فإذا أضيف هذا كله إلى حقيقة أن الجيش الإسرائيلي حقق مكاسب كبيرة في الحرب، فهو قام بتصفية معظم القيادة العليا السياسية والعسكرية في الحزب في الأشهر الأخيرة، وفي مقدمتهم حسن نصر الله، وتم تدمير جزء كبير (70 – 80 في المائة) من قوة نيرانه وقياداته الميدانية. (عدد الإصابات في صفوفه تجاوز حسب تقدير الجيش الإسرائيلي الـ3 آلاف قتيل و11 ألف جريح).

ولكن الجبهة الإيرانية تبقى أمراً مبهماً يُثير قلق الإسرائيليين، فإيران تُعد اللاعب الأكثر أهمية من وراء الكواليس. فلم يكن صدفة أنها -حتى قبل وصول هوكستين- أرسلت إلى بيروت مبعوثاً آخر؛ الشخصية الإيرانية الرفيعة علي لاريجاني، مبعوث الزعيم الأعلى علي خامنئي. ووفق الإسرائيليين، فإيران قامت بحساب أوسع، وبالنظر إلى الإمام، قبل عودة ترمب إلى البيت الأبيض. فهي تخشى من خط أميركي متصلب أكثر في عهده. وتريد التوصل إلى اتفاق يقلص العقوبات على اقتصادها المتعثر، ويرفع تهديد هجوم عسكري مقابل وقف تقدم المشروع النووي. في إطار ذلك، جرى جس نبض من جانبهم تجاه الإدارة الجديدة، وهكذا تزداد الإشارات إلى أنه في هذا الإطار تبدو إيران مستعدة لكبح «حزب الله» كي تنقذ ما تبقّى من قوتها العسكرية، وفي محاولة لحل المواجهة حول المشروع النووي.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يطالب سكان في جنوب لبنان والضاحية بإخلاء منازلهم فورا

المشرق العربي سحابة من الدخان ترتفع في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت جراء غارات إسرائيلية (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يطالب سكان في جنوب لبنان والضاحية بإخلاء منازلهم فورا

طالب الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، سكان في منطقتي الحدث وحارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، وعدة بلدات في جنوب لبنان بإخلاء منازلهم فورا.

شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نيران مشتعلة بمبنى استهدفته غارة إسرائيلية في حارة حريك بالضاحية الجنوبية (أ.ف.ب) play-circle 00:36

موجات غارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت بُعيد مغادرة هوكستين

لم تمضِ ساعات قليلة على مغادرة الموفد الرئاسي الأميركي، آموس هوكستين، بيروت باتجاه تل أبيب، حتى استأنف الجيش الإسرائيلي ضرباته على الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المبعوث الأميركي آموس هوكستين ملتقياً رئيس حزب «القوات» سمير جعجع (القوات اللبنانية)

لقاءات هوكستين وقيادات لبنانية... محاولة لتأمين موقف عام مؤيد لمفاوضات الحل

رأى بعض الأفرقاء في لقاءات المبعوث الأميركي آموس هوكستين مع القيادات اللبنانية أنها محاولة لتأمين موقف لبناني عام مؤيد لمفاوضات الحل.

كارولين عاكوم

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

في سابقة تاريخية، كرست مذكرة اعتقال أصدرتها «المحكمة الجنائية الدولية»، أمس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «مطلوباً دولياً» جراء اتهامه مع آخرين بارتكاب «جرائم حرب» في غزة التي تجاوز عدد ضحاياها، أمس، 44 ألف قتيل.

وجاء أمر المحكمة ليشمل كلاً من نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، وقائد «كتائب القسام» محمد الضيف. وقالت المحكمة إنها وجدت أسباباً وجيهة لاتهامهم بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب».

وبعدما أعلن نتنياهو رفضه القرار، اتهم «الجنائية الدولية» بـ«معاداة السامية» على حد زعمه. أما المدّعي العام للمحكمة، كريم خان، فقد طالب الدول الأعضاء في المحكمة والبالغ عددها 124 دولة بالتحرك لتنفيذ مذكرات التوقيف.

وأعرب متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي عن رفض واشنطن بشكل قاطع للقرار بحق المسؤولين الإسرائيليين.

لكن دولاً أوروبية، أكدت التزامها القانون الدولي بشكل عام، مع تحفظ البعض عن تأكيد أو نفى تنفيذ أمر الاعتقال. وشدد مسؤول السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على أن «جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومنها دول أعضاء في الاتحاد، ملزَمة تنفيذ قرارات المحكمة».

ورحبت السلطة الوطنية الفلسطينية بالقرار، ورأت أنه «يُعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته»، وكذلك أيدته حركة «حماس» وعدّته «سابقة تاريخيّة مهمة»، من دون الإشارة إلى المذكرة بحق الضيف.