تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

القاهرة تؤكد الاستمرار في دعم مقديشو

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)
TT

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تزامن تلميح إثيوبيا باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو، بعد قرار الصومال باستبعادها رسمياً بنهاية العام، مع نتائج أولية لانتخابات رئاسية في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي قد تطيح بالرئيس موسى بيحي عبدي الذي وقع اتفاقاً مطلع العام مع أديس أبابا، ترفضه الحكومة الصومالية، وسط تأكيد مصري جديد بالاستمرار في دعم استقرار ووحدة وسيادة مقديشو.

ذلك التلميح الإثيوبي الذي يأتي غداة تهنئة أديس أبابا لـ«أرض الصومال» على نجاح الانتخابات المرتقب إعلان نتائجها، يراه خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، «يحمل مزيداً من تعميق التوتر بمنطقة القرن الأفريقي، خصوصاً مع تحذير من مقديشو باعتبار بقاء القوات الإثيوبية احتلالاً».

ولفت الخبراء إلى أن حكومة آبي أحمد تحاول أن تتخذ حركة «الشباب» الإرهابية «ذريعة للبقاء»، رغم انتهاء مدتها بعد أقل من شهرين، خصوصاً أن سنوات الوجود الإثيوبي لم تحمل أي نهاية للإرهاب؛ بل أضرت بالجيش الصومالي، الذي تحاول مصر حالياً دعمه وتدريب قواته دون الانجرار لـ«الاستفزازات الإثيوبية» المحتملة مع وجود القوات المصرية.

وتتمسك إثيوبيا بالمُضيّ في اتفاق مبدئي وقعته في يناير (كانون الثاني) 2024 مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناءً تجارياً، وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، وسط رفض من مقديشو بوصفه يمس السيادة.

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً يلغي اتفاق إقليم «أرض الصومال» مع أديس أبابا (الرئاسة الصومالية)

وطالب رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، في أغسطس (آب) الماضي، بـ«انسحاب إثيوبيا من مذكرة التفاهم؛ وإلا لن تكون القوات الإثيوبية جزءاً من بعثة الاتحاد الأفريقي»، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها، توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس الماضي، ومد الصومال بأسلحة ومعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029، وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

في المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم»، وسط نتائج أولية تشير إلى «تقدم كبير لمرشح حزب وطني المعارض، عبد الرحمن عرو (الذي أكد مواصلة الاتفاق مع أديس أبابا شريطة عرضه على البرلمان)»، وفق ما نقلته وسائل إعلام صومالية.

وملمحاً إلى البقاء في الصومال رغم طلب سحب قوات بلاده، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، نبيات غيتاتشو، الخميس، أن «إثيوبيا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب) بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي، والحفاظ على المكاسب المحققة ضد الإرهاب»، وفق ما نقلته وكالة «فانا» الإثيوبية الرسمية.

ولم تعلق مقديشو على موقف إثيوبيا، غير أن وزير الخارجية الصومالي، أحمد فقي، طالب في وقت سابق، بـ«مغادرة القوات الإثيوبية (المقدرة بنحو 4 آلاف)، الأراضي الصومالية بنهاية تفويضها هذا العام؛ وإلا سيُعدّ بعد ذلك احتلالاً عسكرياً، ويتم التعامل معه بكل الإمكانات المتاحة».

وترى الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية، أسماء الحسيني، أن «تلك التصريحات والمواقف الإثيوبية تعمق التوترات في منطقة القرن الأفريقي، وتجر المنطقة لتصعيد كبير، وليس أمام أديس أبابا غير الاستجابة لقرار سيادي صادر من الصومال باستبعاد قواتها».

وأكدت أن «إثيوبيا تحاول اتخاذ مواجهة حركة (الشباب) ذريعة للبقاء؛ لكن الحقيقة أن سنوات وجودها من دون فائدة للصومال، واستخدمتها الحركة ذريعة للحشد في مواجهة العدو الخارجي، وبالتالي الانسحاب الإثيوبي قد يعزز فرص الجيش الصومالي في فرض السيطرة أكثر».

وبشأن التحرك الصومالي المتوقع، تعتقد الحسيني أن مقديشو تتحرك منذ فترة لمواجهة تلك التهديدات، وذلك عبر التحالفات، وأبرزها كان مع مصر منذ أغسطس الماضي، وكذا جولات رئاسية أخيراً لدول جوار كجيبوتي وأوغندا وكينيا، لنقل رسالة بشأن التهديدات الإثيوبية وتأمين استقرار المنطقة، لافتة إلى أن الاتحاد الأفريقي المسؤول عن قوات حفظ السلام عليه دور في الضغط على إثيوبيا لتنفيذ طلب مقديشو دون أي مناورات.

وتحذر الحسيني من تكرار إثيوبيا سيناريو غزو الصومال عام 2006، الذي انتهى عام 2009 بانتصار إرادة الشعب الصومالي المتمسك بسيادته ووحدة أراضيه، مؤكدة أنه لا يجوز لأديس أبابا أن تكون حكماً وخصماً، وعليها أن تكف عن سياسة حافة الهاوية وتهديد المنطقة.

عناصر من قوة «حفظ السلام» قبل الشروع في دورية مشتركة بالمناطق الواقعة جنوب شرقي دوساماريب (أرشيفية - رويترز)

ويرى الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إثيوبيا تريد بهذه التصريحات اللعب على حبال الحاجة المُلحة لحفظ السلام والأمن في الصومال، خوفاً من استجابة مؤسسات الاتحاد الأفريقي لرغبة الصومال في الاستغناء عن خدمات القوات الإثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام والأمن في أراضيها».

وأضاف أن «إثيوبيا تدرك أن ثقلها في المنطقة يرتبط في المقام الأول بوجود شرعي لقواتها في الصومال، تجنباً لمخاوفها الخاصة من المآلات المستقبلية لاتفاق التعاون العسكري بين مصر والصومال المبرم بينهما في أغسطس الماضي».

وبتقدير الحاج، فإن «إثيوبيا ستكثف خلال الفترة المقبلة من خطابها الدبلوماسي الغارق في تذكير المجتمع الدولي بأهمية إضعاف حركة النشاط الإرهابي بالمنطقة، استباقاً لأي قرارات أفريقية وأممية تمنح مصر حق الأولوية القصوى للقيام بأدوار عليا في عمليات حفظ السلام والأمن بالمنطقة، بديلاً عن إثيوبيا».

وقرّر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في يونيو (حزيران) الماضي، إرسال بعثة جديدة لحفظ السلم في الصومال، باسم «بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال»، بدءاً من يناير 2025، وتستمر حتى عام 2029.

وكانت «التحديات التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي وتصاعد حدة التوتر بها، والأوضاع في الصومال» على قمة جدول محادثات جرت، السبت، بين وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت فيبر، وسط تأكيد مصري على استمرارها في دعم استقرار وسيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية» المصرية.

وبحسب أسماء الحسيني، فإن «مصر تذهب للصومال من أجل السلام وتدريب ودعم الجيش الصومالي، وستستمر في المشاركة بقوات حفظ السلام»، مؤكدة أن «مصر ستبقى على قدر من الحكمة والمواقف الداعمة والمستمرة للصومال دون أي تأثير بأي موقف إثيوبي رافض لوجودها».

ويرى عبد الناصر الحاج أن «مصر لا تزال مراهناتها قائمة على التفاهمات المبرمة مع الصومال؛ وإثيوبيا لا تمتلك مفاتيح أخرى في يدها غير تحفيز المجتمع الدولي لأجل الإبقاء على قواتها ضمن البعثة العسكرية الجديدة المنتظرة في الصومال».


مقالات ذات صلة

تشاد تطلب من فرنسا سحب قواتها قبل نهاية يناير المقبل

أفريقيا جندي تشادي خلال التدريب (الجيش الفرنسي)

تشاد تطلب من فرنسا سحب قواتها قبل نهاية يناير المقبل

طلبت السلطات في دولة تشاد من القوات الفرنسية المتمركزة في البلد الأفريقي الانسحاب قبل نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو طلب يرى الفرنسيون أنه «غير واقعي».

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا جانب من الاجتماع التشاوري حول السودان في نواكشوط الأربعاء (الخارجية الموريتانية)

السعودية تطالب بوقف القتال في السودان وتنفيذ «إعلان جدة»

احتضنت العاصمة الموريتانية نواكشوط، اجتماعاً تشاورياً بين المنظمات متعددة الأطراف الراعية لمبادرات السلام في السودان، في إطار مساعي توحيد هذه المبادرات.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا صور نشرتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لجانب من نقاش قادتها حول مخاطر الإرهاب وتشكيل القوة العسكرية لمواجهته

دول غرب أفريقيا تبدأ تشكيل لواء عسكري لمحاربة «الإرهاب»

قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، تسريع العمل من أجل تفعيل قوة عسكرية مشتركة، هدفها الأول مواجهة خطر الجماعات الإرهابية التي بدأت تتوسع.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا النقيب إبراهيم تراوري القائد العسكري الحالي في بوركينا فاسو (متداولة)

استراتيجية الأمن في تجنيد ميليشيات رخيصة تتحول إلى كارثة في أفريقيا

دفع تسليح المدنيين الذين يفتقرون إلى التدريب الجيد ولا يحترمون حقوق الإنسان، القوات المسلحة في بوركينا فاسو ودول أفريقية أخرى إلى حافة حرب أهلية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
شمال افريقيا مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

مصر والصومال وإريتريا لعقد اجتماع يستهدف «التنسيق في القضايا الإقليمية»

تلقى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالاً هاتفياً، مساء السبت، من نظيره الصومالي، أحمد معلم فقي، «تناول العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين البلدين».

فتحية الدخاخني (القاهرة )

 مؤسس إمبراطوريتها المالية... وفاة القيادي «الإخواني» يوسف ندا

يوسف ندا (وسائل التواصل الاجتماعي)
يوسف ندا (وسائل التواصل الاجتماعي)
TT

 مؤسس إمبراطوريتها المالية... وفاة القيادي «الإخواني» يوسف ندا

يوسف ندا (وسائل التواصل الاجتماعي)
يوسف ندا (وسائل التواصل الاجتماعي)

أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، صباح اليوم (الأحد)، وفاة أحد قادتها، يوسف ندا، الذي يعد مؤسس إمبراطوريتها المالية، والمدرج على قوائم الإرهاب بالبلاد، عن عمر ناهز 94 عاماً.

وندا، الذي وُلد في الإسكندرية (شمال مصر) عام 1931، شغل منصب رئيس مجلس إدارة «بنك التقوى» ومفوض العلاقات السياسية الدولية في الجماعة.

 

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه.

 

وانضم ندا لجماعة «الإخوان» عام 1947، وتخرَّج في كلية الزراع، بجامعة الإسكندرية، في بداية الخمسينات، واعتُقل مع كثير من عناصر وقادة الجماعة بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1954، وفقاً لما ذكرت وسائل إعلام محلية.

و بدأ ندا نشاطه الاقتصادي لحساب الجماعة عام 1956 بعد أن أُفرج عنه، وفي عام 1960 قرَّر نقل نشاطه المالي من مصر، حيث توجَّه إلى ليبيا ومنها إلى النمسا، وتوسَّع نشاطه بين البلدين، حتى لُقِّب نهاية الستينات بأنه «ملك الإسمنت في منطقة البحر المتوسط».

 

داخل منزله في إيطاليا (وسائل إعلام سويسرية)

وبعد ثورة سبتمبر (أيلول) عام 1969 في ليبيا، فرَّ ندا إلى اليونان ومنها إلى سويسرا، وأسَّس شركات اقتصادية عدة تعمل لحساب الجماعة، كما كان له دور بارز في تمويل أنشطتها، واتُّهم في مصر ودول عدة بأنه أحد داعمي الإرهاب.

أسس ندا «بنك التقوى» في جزر البهاما مع القيادي بالإخوان غالب همت في عام 1988، وكان أول بنك إسلامي يعمل خارج الدول الإسلامية، واستطاع البنك تحقيق مكاسب كبيرة في سنواته الأولى، ما دفع يوسف ندا إلى أن يكون شخصية بارزة في عالم الاقتصاد والمال في أوروبا.

 

قوائم الإرهاب

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 اتهمه الرئيس الأميركي جورج بوش بضلوع شركاته في دعم الإرهاب وتمويل هجمات 11 سبتمبر، وأعدت الإدارة الأميركية تقريراً أدرجت فيه اسم يوسف ندا في «القائمة السوداء للداعمين للإرهاب»، ورغم أن مجلس الأمن شطب اسمه من الداعمين للإرهاب بناءً على طلب سويسري، فإن الإدارة الأميركية رفضت شطبه من «القوائم السوداء».

وفي أبريل (نيسان) 2008 أحاله الرئيس المصري الراحل حسني مبارك إلى المحاكمة العسكرية، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات غيابياً، وذلك قبل أن يصدر الرئيس الراحل محمد مرسي عفواً عاماً عنه في 26 يوليو (تموز) 2012.

وفي منتصف الشهر الحالي، أُدرج ندا على قائمة الكيانات الإرهابية في مصر لمدة 5 سنوات، وكانت الجريدة الرسمية المصرية قد نشرت في عددها الصادر 15 ديسمبر (كانون الأول)، حكم محكمة الجنايات الدائرة الثانية «جنائي بدر»، بإدراج 76 متهماً على قائمة الكيانات الإرهابية، لمدة 5 سنوات.

أصدرت المحكمة القرار في طلب الإدراج رقم 8 لسنة 2024 قرارات إدراج إرهابيين، و3 لسنة 2024 قرارات إدراج كيانات إرهابية، والمقيدة برقم 1983 لسنة 2021 حصر أمن الدولة العليا، حيث قررت المحكمة إدراج 76 متهماً، على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة 5 سنوات، بينهم يوسف مصطفى علي ندا.