إسرائيل تُدرِج النازحين ضمن «بنك الأهداف» العسكرية

خبير: غايتها إحداث شرخ بين الشيعة والطوائف الأخرى

امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)
امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تُدرِج النازحين ضمن «بنك الأهداف» العسكرية

امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)
امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)

تخطت الغارات التي تنفذها إسرائيل يومياً في العمق اللبناني، الأهداف العسكرية التابعة لـ«حزب الله» وتفكيك قدراته وبنيته العسكرية، كما كانت تقول، لتطال بشكل ممنهج النازحين في مناطق بعيدة عن نقاط المواجهة، وغير محسوبة على الطائفة الشيعية التي تشكل حاضنة شعبية للحزب، وترتكب مجازر يومية يذهب ضحيتها عشرات الضحايا من النساء والأطفال، من دون أن تبرر أسباب هذه المجازر.

وحملت هذه العمليات تفسيرات باتت شبه واضحة، ومفادها أن الجيش الإسرائيلي «يلجأ إلى هذا الأسلوب لإحداث شرخ كبير ما بين الحزب وبيئته أولاً، وما بين النازحين والبيئات المستضيفة لهم ثانياً، ومحاولة خلق ردّات فعل شعبية رافضة لوجود النازحين الشيعة في المناطق المسيحية والسنيّة والدرزية، والتضييق عليهم في مراكز الإيواء البعيدة كلياً عن مناطق المواجهات».

نازحون قرب موقع استهداف لشقة سكنية في منطقة عرمون بجبل لبنان (أ.ف.ب)

استهداف النازحين

استهلّت إسرائيل استهداف المباني السكنيّة التي يقطنها نازحون، بغارة في 10 أكتوبر (تشرين الأول) على منطقة النويري الواقعة في عمق العاصمة بيروت (ذات الغالبية السنيّة)، وأسفرت عن مقتل 22 مدنياً وإصابة 177 آخرين، وأعلنت أن العملية «استهدفت رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في (حزب الله)، وفيق صفا، الذي لم يعرف مصيره حتى الآن»، ليتوالى بعدها استهداف المباني والشقق السكنية التي تستضيف نازحين.

وعدَّ الباحث السياسي وناشر موقع «جنوبية» المحلي، علي الأمين، أن «هذه العمليات لها مستويان، على المستوى الأول، تفرض على (حزب الله) مسؤولية منع عناصره وكوادره من الوجود بين النازحين، والثاني إصرار إسرائيل على تنفيذ الاغتيالات بغض النظر عن أضرارها الجانبية».

وذكّر الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن إسرائيل «دأبت منذ فتح جبهة الجنوب في الثامن من أكتوبر 2023، على تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة لكوادر (حزب الله) من دون أن تصيب أي مدني، أما بعد توسّع الحرب لم تعد تهتمّ للضحايا المدنيين، بل أكثر من ذلك باتت تتعمّد تنفيذ الاغتيالات داخل مراكز النزوح».

مسعفون قرب موقع استهداف إسرائيلي في بلدة بعلشميه بجبل لبنان (أ.ف.ب)

مناطق التنوع الطائفي

ولم تسلم المناطق اللبنانية التي اعتقد أهلها أنهم بمنأى عن تداعيات الحرب والاستهدافات الإسرائيلية، إذ بدأت في 14 أكتوبر في بلدة أيطو بمنطقة زغرتا ذات الغالبية المسيحية، بغارة أسفرت عن مقتل 22 مدنياً من النازحين أغلبهم من النساء والأطفال، تبعها عمليات مماثلة في بلدات تقع في جبل لبنان، هي: برجا (بلدة سنية في جبل لبنان)، عين يعقوب (بلدة سنيّة في عكار ـ شمال لبنان)، وأخيراً عمليتان في جبل لبنان، وتحديداً في بلدتي بعلمشيه (درزية)، وعرمون (سنيّة)، وأسفرت هذه الاستهدافات عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين الأبرياء، وتردد أن غايتها قتل كوادر من الحزب كانوا في زيارة إلى هذه الأبنية المستهدفة.

وشدد علي الأمين على أن هذه العمليات «بدأت تترك تأثيراً سلبياً لدى البيئة الشيعية والنازحين بالدرجة الأولى، أي أن كلفة اللقاء بمسؤول أو عنصر من الحزب لها أثمانٌ مرتفعة جداً على هذه البيئة، وعلى المجتمع المضيف أيضاً». وأشار في الوقت نفسه إلى أن «البيئة المضيفة سواء كانت من سنّية أو درزيّة أو مسيحيّة، باتت حذرة جداً من استقبال نازحين لديها، وهذا من شأنه أن يخلق شرخاً كبيراً ما بين الحزب وبيئته من جهة، وما بين النازحين والبيئات الأخرى من جهة ثانية، وللأسف هذه الوتيرة ستتصاعد في الأيام المقبلة، وهذا يفرض على (حزب الله) مسؤولية منع عناصره من الوجود بين النازحين حتى في مهمات لوجيستية».

وعن الغاية من استهداف تجمعات النازحين في المناطق ذات الغالبية السنيّة والدرزية والمسيحية وليس داخل المناطق الشيعية، عبّر الأمين عن أسفه بأنه «لم تبقَ هناك مناطق شيعية قابلة للعيش فيها، فإما أضحت مدمّرة وإما معرضة للتدمير يومياً، بدليل ما يحصل من غارات يومياً في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، التي بات أهلها بغالبيتهم العظمى نازحين لدى الطوائف الأخرى».

البحث عن ناجين تحت ركام منزل دمرته غارة إسرائيلية في بلدة جون بجبل لبنان (أ.ف.ب)

ارتكاب مجازر

وفي حين تمتنع إسرائيل عن ذكر الأسباب التي تقف وراء هذه العمليات، فإنه تردد أن «الغارات استهدفت مسؤولين في (حزب الله) بعضهم كان يوزع مساعدات مالية وعينية للنازحين، وبعضهم ممن كان يتفقد عائلته»، إلّا أن مصدراً مقرباً من «حزب الله» أشار إلى أن إسرائيل «لا تحتاج إلى ذريعة لارتكاب المجازر»، عادّاً أن «قتل المدنيين يعبّر عن إفلاسها الأخلاقي وسقوط كل ذرائعها من هذه الحرب».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا سلّمنا جدلاً أن المسيرات الإسرائيلية تراقب مسؤولين من الحزب وتغتالهم في منازل تأوي نازحين، فلماذا لم تستهدفهم قبل وصولهم إلى هذه الأماكن، أو بعد مغادرتهم؟»، مؤكداً أن «الغاية من هذه الجرائم إحداث شرخ داخل المجتمع اللبناني، وخلق حالة رعب وذعر لدى طوائف أخرى من أبناء الطائفة الشيعية الهاربين من الجحيم الإسرائيلي وعدم استقبالهم».


مقالات ذات صلة

واشنطن أبلغت بري استمرار وساطة هوكستين بـ«مباركة» الإدارة الجديدة

المشرق العربي لبنانيون يوثّقون الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت بجوَّالاتهم (أ.ف.ب)

واشنطن أبلغت بري استمرار وساطة هوكستين بـ«مباركة» الإدارة الجديدة

كثّف الجيش الإسرائيلي غاراته على الضاحية الجنوبية لبيروت، بموازاة الترويج لتسوية وشيكة مع لبنان، تقوم على احتفاظ إسرائيل بحرّية تنفيذ العمليات داخل لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية قصف إسرائيلي على الضاحية الجنوبية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي وإصابة آخر في معارك بجنوب لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الخميس، مقتل أحد جنوده وإصابة آخر بجروح خطيرة في المعارك الدائرة في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يشاركون في تشييع جندي قُتل بمعارك جنوب لبنان (إ.ب.أ)

إسرائيل تطلق أوسع محاولة توغل بالعمق اللبناني

أطلق الجيش الإسرائيلي «أوسع محاولة توغل» في العمق اللبناني عبر ثلاثة محاور، تمكّن في أحدها من الوصول إلى تخوم بلدة شمع بالمحور الغربي على بُعد نحو 4 كم.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي خلال تشييع قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي استهدف بلدة السكسكية في جنوب لبنان الأربعاء (أ.ب)

ثقة مفقودة بين «حزب الله» والإعلام اللبناني

تتسم العلاقة بين «حزب الله» والإعلام اللبناني بـ«التوتر» وعدم الثقة في نقل مجريات الحرب الدائرة اليوم.

كارولين عاكوم (بيروت)
شمال افريقيا محادثات السيسي ورونالد لامولا في القاهرة تناولت دعم القضية الفلسطينية (الرئاسة المصرية)

تنسيق مصري - جنوب أفريقي لدعم القضية الفلسطينية

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «استمرار التشاور والتنسيق مع جنوب أفريقيا على جميع المستويات بهدف التقدم نحو تحقيق السلم والأمن والتنمية بأفريقيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

واشنطن تستهدف شركة سورية بعقوبات بتهمة تمويل «الحرس الثوري» والحوثيين

وزارة الخزانة الأميركية بالعاصمة الأميركية واشنطن يوم 30 أغسطس 2020 (رويترز)
وزارة الخزانة الأميركية بالعاصمة الأميركية واشنطن يوم 30 أغسطس 2020 (رويترز)
TT

واشنطن تستهدف شركة سورية بعقوبات بتهمة تمويل «الحرس الثوري» والحوثيين

وزارة الخزانة الأميركية بالعاصمة الأميركية واشنطن يوم 30 أغسطس 2020 (رويترز)
وزارة الخزانة الأميركية بالعاصمة الأميركية واشنطن يوم 30 أغسطس 2020 (رويترز)

فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات، اليوم (الخميس)، على شركات وسفن وأفراد ذوي صلة بشركة «القاطرجي» السورية، التي تقول واشنطن إنها تموّل «فيلق القدس» الإيراني وجماعة الحوثي اليمنية.

وذكرت الوزارة، في بيان، أن الشركة السورية مسؤولة عن تحقيق إيرادات بمئات الملايين من الدولارات لمصلحة «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، وللحوثيين، عن طريق بيع نفط إيراني إلى سوريا والصين، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء. وقال برادلي سميث، المسؤول في الوزارة: «تزيد إيران من اعتمادها على شركاء أعمال رئيسيين، مثل شركة (القاطرجي)؛ لتمويل أنشطتها المزعزعة للاستقرار وشبكة من الوكلاء الإرهابيين في أنحاء المنطقة». وقالت «الخزانة» إن «(القاطرجي) خاضعة بالفعل لعقوبات بسبب دورها في تسهيل بيع الوقود بين النظام السوري الحاكم وتنظيم (داعش) المتشدد». وأضافت أن «العقوبات المفروضة (اليوم) استهدفت نحو 26 شركة وسفينة وفرداً على صلة بالشركة السورية».