كيف فاز ترمب... وكيف خسرت هاريس؟

حملته تخلّت عن الاستراتيجية التقليدية واستفادت من إداناته

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يرقص أثناء إلقاء خطاب النصر في بالم بيتش بفلوريدا (أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يرقص أثناء إلقاء خطاب النصر في بالم بيتش بفلوريدا (أ.ب)
TT

كيف فاز ترمب... وكيف خسرت هاريس؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يرقص أثناء إلقاء خطاب النصر في بالم بيتش بفلوريدا (أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يرقص أثناء إلقاء خطاب النصر في بالم بيتش بفلوريدا (أ.ب)

شهد توني فابريزيو، كبير خبراء استطلاعات الرأي لدى دونالد ترمب، كل سيناريو محتمل خلال عمله على الحملات الثلاث التي خاضها الرئيس المنتخب. ولكن حتى هو نفسه بدا كأنه يستعد لأخبار سيئة.

كان ترمب قد خاض للتو مناظرة مع نائبة الرئيس بايدن، كامالا هاريس، وابتلع طعمها مراراً وتكراراً، وأهدر الوقت في التباهي بشأن حشوده الغفيرة، ونشر شائعات بلا أساس حول مهاجرين «يأكلون الحيوانات الأليفة».

وكان فابريزيو قد تنبّأ لزملائه بأن التغطية الإعلامية الوحشية لأداء ترمب، في مناظرة شاهدها 67 مليون شخص، سوف ترفع حظوظ كامالا هاريس في استطلاعات الرأي. وفي حين أنه كان محقاً بشأن التغطية الإعلامية، فإنه أخطأ بشأن البقية، فقد صدمه أول استطلاع للرأي بعد المناظرة: كامالا هاريس اكتسبت بعض الدعم المحدود، لكن ترمب لم يفقد ميزته في السباق الرئاسي.

وقال فابريزيو في مكالمة هاتفية مع كبار قادة الحملة الانتخابية: «لم أرَ شيئاً من هذا القبيل مطلقاً». كان ذلك دليلاً إضافياً -كما لو كانت هناك حاجة إلى مزيد- على شعبية ترمب على مدى عقد من الزمن في السياسة، وقدرته على تحدي قوانين الجاذبية الطبيعية. نجح في تجاوز نقاط ضعف سياسية بدت قاتلة، وشملت 4 لوائح اتهام جنائية، و3 دعاوى قضائية مكلفة، وإدانة في 34 تهمة جناية وعبارات متهورة لا نهاية لها في خطبه، بل إنه حوّل بعضها على الأقل إلى مزايا تنافسية في السباق الرئاسي.

رهان أساسي

ويعود فوز ترمب في عام 2024 إلى رهان أساسي واحد؛ أن مظالمه يمكن أن تمتزج مع مظالم حركة «اجعل أميركا عظيمة مجدداً»، ومع الحزب الجمهوري، ومع أكثر من نصف سكان البلاد. وأصبحت القمصان التي تحمل صورته بعد إدانته من أكثر القمصان مبيعاً. فيما ألهمت إدانته الجنائية تدفق 100 مليون دولار من التبرعات في يوم واحد، وأصبحت صوره وهو ينزف بعد محاولة اغتيال فاشلة رمزاً لما عدّه مؤيدوه «حملة مصيرية».

وقال في خطاب النصر الذي ألقاه، في وقت مبكر من يوم الأربعاء: «لقد أنقذ الله حياتي لسبب ما، وسوف ننجز هذه المهمة معاً». في بعض الأحيان، قد يكون ترمب فظّاً ومتغطرساً للغاية، إلى درجة أن مساعديه تساءلوا عمّا إذا كان منخرطاً في تجربة عبثية لاختبار مدى السلوك الضال الذي يمكن أن يتسامح معه الناخبون. لكن ترمب نجح في تسخير مشاعر الغضب والإحباط التي يشعر بها ملايين الأميركيين تجاه بعض المؤسسات والأنظمة نفسها، التي سيسيطر عليها قريباً بصفته الرئيس السابع والأربعين للبلاد.

لقد حوّله الناخبون غير الراضين عن توجهات الأمة إلى وعاء لغضبهم. وقال نيوت غينغريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب، والمستشار غير الرسمي للرئيس المنتخب: «النخب لا تدرك مدى انعزالها عن البلاد».

حملة منظّمة

ولكن لم تكن القوى المجتمعية واسعة النطاق وحدها هي التي لعبت دوراً في هذا الانتصار، إذ يرجع فوزه، جزئياً، إلى قرارات استراتيجية اتخذها خلال عملية انتخابية كانت الأكثر استقراراً حتى الآن، وحافظت على تماسكها لمدة 4 سنوات تقريباً، بفضل وجود عضو مخضرم، هي سوزي وايلز، حتى لو كان المرشح نفسه، خلال جزء كبير من عام 2024، متقلباً كعادته.

خطّط فريق ترمب لسبل توفير أمواله النقدية في حملة دعائية ضخمة، متخلياً عن الاستراتيجية التقليدية لحشد ناخبيه، والاعتماد بدلاً من ذلك على فريق عمل صغير نسبياً مدفوع الأجر يدعمه متطوعون وغرباء، بمن في ذلك أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك. ودفع ترمب بلا هوادة إلى تعريف كامالا هاريس ليس فقط بأنها ليبرالية، وإنما أيضاً بأنها «حمقاء».

كان الإلهام -كما قال مستشاروه- نابعاً من مقولة لا تُنسى للخبير الاستراتيجي الجمهوري آرثر فينكلستاين، من عهد الرئيس نيكسون، مفادها أن «المخادع» -أو، في حالة ترمب: المدان- «دائماً ما يهزم الأحمق». وراهن مساعدو ترمب على حشد الناخبين الرجال، على الرغم من أن الرجال يصوتون أقل من النساء، وقد أتى هذا الرهان بثماره. كما راهنوا على محاولة تقليص الهوامش الكبيرة التي يحظى بها الديمقراطيون عادة بين الناخبين السود واللاتينيين، وقد أثمر ذلك أيضاً.

خسارة هاريس

قصة فوز ترمب، هي أيضاً قصة خسارة هاريس. فقد واجهت هاريس صعوبات بسبب تدني شعبية الرئيس بايدن، وكافحت للانفصال عنه في عيون الناخبين التواقين إلى التغيير. ولم يكن لديها سوى 3 أشهر فقط، لتُعيد تقديم نفسها إلى البلاد. أولاً، حاولت هي والمرشّح لمنصب نائبها، تيم والز، التقليل من ترمب عبر السخرية منه، ووصفه بـ«الغريب» و«غير الجاد»، متجاهلين تحذيرات بايدن الخطيرة بأن ترمب كان يُشكل تهديداً وجودياً للديمقراطية الأميركية. ثم ركّزت على رسالة شعبوية: بأن ترمب لا يهتم سوى بأصدقائه الأثرياء، في حين أنها ستُخفض أسعار البقالة والمساكن للمواطنين العاديين.

وأخيراً، في وقت متأخر من الحملة الانتخابية، غيَّرت كامالا هاريس موقفها مرة أخرى، إذ حذّرت من أن ترمب «فاشي»، ما يعد عودة إلى التهديد الوجودي الذي تحدث عنه بايدن قبلها.

وقد ظهرت بعض الاتهامات من داخل الحزب الديمقراطي، بما في ذلك ما إذا كانت كامالا هاريس قد ركزت كثيراً على مناشدة الجمهوريين المترددين، أو ما إذا كان بايدن قد عرقل فرصها في الفوز منذ البداية.

وكتب ديفيد بلوف، أحد كبار مستشاري كامالا هاريس، على موقع «إكس»: «لقد خرجنا من حفرة عميقة، ولكن ليس بما فيه الكفاية».

قوة قناعاته

بالنسبة لأي سياسي آخر تقريباً، فإن الإدانة بـ34 تهمة جنائية تتعلق بدفع مبالغ مالية لنجمة أفلام إباحية كانت ستُعدّ أسوأ أيام الحملة. أما ترمب، فقد منحته الإدانة وقوداً مالياً. وأُبلغت لجنة العمل السياسي الرئيسية الخاصة به، عن تحويل مصرفي بقيمة 50 مليون دولار في اليوم التالي للإدانة، لكنها احتاجت أولاً إلى تأكيد من أرسل المبلغ للتأكد من أنه لم يكن احتيالاً. وكانت بذلك واحدة من كبرى الإسهامات في التاريخ الأميركي التي أُرسلت من دون أي إخطار مسبق. في نهاية المطاف، حددوا المبلغ ومصدره: الملياردير المنعزل تيموثي ميلون. ولتمويل سلسلة متأخرة من الإعلانات التلفزيونية، قام فريق ترمب بتمديد الحدود القانونية لتحويل عشرات الملايين من الدولارات من نفقات الحملة إلى الحزب الجمهوري وجماعات أخرى. والأهم من ذلك، بمجرد أن أصبح المرشح المحتمل، ألغوا العملية الميدانية التقليدية التي تديرها الحملة ويمولها الحزب، وحوّلوا مصادرها بدلاً من ذلك إلى لجان العمل السياسي الفائقة.

وكانت حملة كامالا هاريس قد قضت أشهراً في توظيف 2500 عامل، وفتح 358 مكتباً في جميع أنحاء الولايات المتأرجحة، وهي تكاليف ثابتة هائلة لم تكن حملة ترمب لتتحملها. في نهاية الأسبوع الماضي، قرع نحو 90 ألف متطوع ديمقراطي أكثر من 3 ملايين باب، ووصلت الوتيرة إلى 1000 باب في الدقيقة في بنسلفانيا. وأظهرت استطلاعات الرأي أن السباق كان واحداً من أقرب السباقات في التاريخ الحديث. ويعتقد فريق كامالا هاريس أن بنية الحملة المتفوقة، وجيش المتطوعين سيحدثان الفرق. ولكن الاستطلاع الداخلي الذي أجراه فابريزيو أظهر قصة مختلفة وأكثر دقة؛ قصة حافظ فيها ترمب على تقدم ثابت.

* خدمة صحيفة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

حكومة ترمب الجديدة تحمل بصمات نجله

الولايات المتحدة​ ترمب ونجله دونالد جونيور (أ.ف.ب)

حكومة ترمب الجديدة تحمل بصمات نجله

اختتم الرئيس المنتخب دونالد ترمب ترشيحات حكومته الجديدة، بإعلان رئيسة مركز «أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت»، بروك رولينز، وزيرةً للزراعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ترمب ونتنياهو يتصافحان في «متحف إسرائيل» بالقدس يوم 23 مايو 2017 (أ.ب)

فريق ترمب للشرق الأوسط... «أصدقاء لإسرائيل» لا يخفون انحيازهم

اختصر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سياسته المحتملة في الشرق الأوسط باختياره المبكر شخصيات لا تخفي توجهها اليميني وانحيازها لإسرائيل.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ د. جانيت نشيوات (أ.ف.ب)

ترمب يستكمل تعيينات حكومته الجديدة

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عن أسماء جديدة لشغل مناصب رفيعة ضمن حكومته المقبلة. واختار ترمب سكوت بيسنت، مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الملياردير إيلون ماسك يظهر أمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

إيلون ماسك أكثر ثراءً من أي وقت مضى... كم تبلغ ثروته؟

أتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بفوائد على الملياردير إيلون ماسك بحسب تقديرات جديدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

انتقادات لبلينكن بعد تقرير عن جلسات علاجية لموظفين عقب فوز ترمب

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مبنى الكابيتول بواشنطن في 20 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مبنى الكابيتول بواشنطن في 20 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)
TT

انتقادات لبلينكن بعد تقرير عن جلسات علاجية لموظفين عقب فوز ترمب

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مبنى الكابيتول بواشنطن في 20 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مبنى الكابيتول بواشنطن في 20 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

انتقد نائب جمهوري من ولاية كاليفورنيا، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بعد أن وردت أنباء عن أن الوزارة عقدت جلسات علاجية للموظفين الذين انزعجوا من فوز الرئيس المنتخب دونالد ترمب في الانتخابات.

وقال النائب داريل عيسى، في رسالة إلى بلينكن، الأسبوع الماضي: «أنا قلِق من أن الوزارة تلبي احتياجات الموظفين الفيدراليين الذين (دمّرهم) الأداء الطبيعي للديمقراطية الأميركية، من خلال توفير المشورة الصحية العقلية المموَّلة من الحكومة؛ لأن كامالا هاريس لم تُنتخب رئيسة للولايات المتحدة».

تأتي الرسالة بعد تقريرٍ نشره موقع «فري بيكون»، في وقت سابق من هذا الشهر، والذي زعم أن جلستين علاجيتين عُقدتا في وزارة الخارجية بعد فوز ترمب، حيث أخبرت مصادر الموقع أن إحدى هذه الحالات كانت بمثابة «جلسة بكاء».

ووفق ما نقلت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، فقد جرى إرسال بريد إلكتروني إلى موظفي الخارجية الأميركية لـ«ندوة عبر الإنترنت ثاقبة منفصلة نتعمق فيها في تقنيات إدارة الإجهاد الفعّالة لمساعدتك على التنقل في هذه الأوقات الصعبة»، بعد فوز ترمب.

الرئيس المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ووفقاً لرسالة البريد الإلكتروني: «التغيير ثابت في حياتنا، لكنه غالباً ما يؤدي إلى التوتر وعدم اليقين، انضم إلينا في ندوة عبر الإنترنت ثاقبة نتعمق فيها في تقنيات إدارة الإجهاد الفعّالة لمساعدتك على التنقل في هذه الأوقات الصعبة. ستوفر هذه الجلسة نصائح واستراتيجيات عملية لإدارة الإجهاد والحفاظ على صحتك».

وفي رسالته إلى بلينكن، زعم عيسى أن الجلسات المبلَّغ عنها كانت «مزعجة»، وأن «المسؤولين الحكوميين غير الحزبيين» ينبغي ألا يعانوا «انهياراً شخصياً بسبب نتيجة انتخابات حرة ونزيهة».

وبينما أقر النائب الجمهوري بأن الصحة العقلية لموظفي الوكالة مهمة، فقد تساءل عن استخدام أموال دافعي الضرائب لتقديم المشورة لأولئك المنزعجين من الانتخابات، مطالباً بإجابات حول عدد الجلسات التي جرى إجراؤها، وعدد الجلسات المخطط لها، ومقدار تكلفة الجلسات على الوزارة.

كما أثار عيسى مخاوف من أن الجلسات قد تثير أيضاً تساؤلات حول استعداد بعض موظفي وزارة الخارجية لتنفيذ رؤية ترمب الجديدة لـ«الخارجية» الأميركية.

وذكرت الرسالة: «إن مجرد استضافة الوزارة هذه الجلسات يثير تساؤلات كبيرة حول استعداد موظفيها لتنفيذ أولويات السياسة القانونية التي انتخب الشعب الأميركي الرئيس ترمب لملاحقتها وتنفيذها».

وتابع النائب الأميركي: «إن إدارة ترمب لديها تفويض بالتغيير الشامل في ساحة السياسة الخارجية، وإذا لم يتمكن ضباط الخدمة الخارجية من متابعة تفضيلات الشعب الأميركي، فيجب عليهم الاستقالة والسعي إلى تعيين سياسي في الإدارة الديمقراطية المقبلة».