ماذا ينتظر الاقتصاد العالمي بعد فوز ترمب؟

الصين والمكسيك الأكثر تضرراً... و«الفيدرالي» قد يعكس مساره

المرشح الجمهوري دونالد ترمب لدى إعلانه الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية وسط مؤيديه صباح الأربعاء (أ.ب)
المرشح الجمهوري دونالد ترمب لدى إعلانه الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية وسط مؤيديه صباح الأربعاء (أ.ب)
TT

ماذا ينتظر الاقتصاد العالمي بعد فوز ترمب؟

المرشح الجمهوري دونالد ترمب لدى إعلانه الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية وسط مؤيديه صباح الأربعاء (أ.ب)
المرشح الجمهوري دونالد ترمب لدى إعلانه الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية وسط مؤيديه صباح الأربعاء (أ.ب)

في الوقت الذي أعلن المرشح الجمهوري دونالد ترمب، فوزه في انتخابات الرئاسة الأميركية، سيكون لذلك عواقب اقتصادية على بقية العالم من المرجح أن تكون عميقة وفورية للغاية. ومع تدفق التهاني من زعماء العالم، زعم ترمب يوم الأربعاء، أنه حصل على «تفويض قوي» للحكم، حسب «رويترز».

وإذا ما نفَّذ ترمب جزءاً ضئيلاً فقط من تعهداته -من زيادة الرسوم الجمركية التجارية إلى تحرير القيود التنظيمية، ومزيد من التنقيب عن النفط، ومزيد من المطالبات لشركاء أميركا في حلف شمال الأطلسي- فإن الضغوط على مالية الحكومات والتضخم والنمو الاقتصادي وأسعار الفائدة سوف تؤثر على كل ركن من أركان العالم.

ويزداد التأثير المحتمل مع ضمان الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترمب مجلس الشيوخ، وتحقيق مكاسب في مجلس النواب، مما يجعل من السهل على الرئيس تشريع مقترحاته والدفع بالتعيينات الرئيسية.

وقال إريك نيلسن، كبير مستشاري الاقتصاد في مجموعة «يوني كريديت» لـ«رويترز»: «إن تعهدات ترمب المالية مزعجة للغاية -بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية العالمية- لأنها تَعِد بتوسيع عجز مفرط بالفعل في نفس الوقت الذي يهدد فيه بتقويض المؤسسات الرئيسية». وأضاف نيلسن: «يجب على المرء أن يستنتج أن ترمب يشكل تهديداً لسوق الخزانة الأميركية وبالتالي للاستقرار المالي العالمي».

وتعد الرسوم الجمركية على الواردات، بما في ذلك التعريفة الجمركية العالمية بنسبة 10 في المائة على الواردات من جميع الدول الأجنبية، وتعريفة بنسبة 60 في المائة على الواردات من الصين، بمثابة ركيزة أساسية لسياسات ترمب، ومن المرجح أن يكون لها تأثير عالمي ضخم.

شاشات تعرض تطورات الأحداث الخاصة بالانتخابات الأميركية وتحركات مؤشر «داكس» في بورصة فرانكفورت بألمانيا (إ.ب.أ)

وتعوق الرسوم الجمركية التجارة العالمية، وتُخفض النمو للمصدرين، وتُثقل كاهل المالية العامة لجميع الأطراف المعنية. ومن المرجح أن تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، مما يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى العمل بسياسة نقدية أكثر صرامة.

وقد وصف صندوق النقد الدولي بالفعل النمو العالمي بأنه طفيف، حيث يشهد معظم الدول توسعاً «ضعيفاً». ومن المرجح أن تشكل ضربة أخرى للتجارة العالمية خطراً سلبياً على توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.2 في المائة للعام المقبل.

وتمرر الشركات في الغالب تكاليف الاستيراد إلى العميل، لذلك من المرجح أن تكون التعريفات الجمركية تضخمية للمشترين الأميركيين، مما يُجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء أسعار الفائدة مرتفعةً لفترة أطول؛ أو حتى عكس المسار وزيادة تكاليف الاقتراض مرة أخرى.

وسيكون هذا أكثر احتمالية إذا حافظ ترمب على تعهداته بالإنفاق والضرائب، التي قد تزيد من الدين الأميركي بمقدار 7.75 تريليون دولار حتى عام 2035، وفقاً للجنة غير الحزبية للميزانية الفيدرالية المسؤولة.

وقال أنيس بن سعيداني، المحلل في «بي إن بي باريبا» لـ«رويترز»: «إن ارتفاع التضخم من شأنه أن يُثقل كاهل الطلب المحلي، خصوصاً أنه سيستدعي استجابة سياسة نقدية تقييدية، مع تأثير سلبي على النمو».

الصين والمكسيك في مرمى النيران

وبالنسبة إلى الأسواق الناشئة التي تعتمد على التمويل بالدولار، فإن مثل هذا المزيج من السياسات من شأنه أن يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يشكِّل ضربة مزدوجة فوق الصادرات المفقودة.

وقد تقود نفس القوى التي قد تدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى الارتفاع، إلى إثقال كاهل الأسعار في أماكن أخرى، خصوصاً إذا فرض ترمب رسوماً جمركية ضخمة على الصين كما وعد.

وبوصفها أكبر دولة مصدِّرة في العالم، فإن الصين يائسة بالنسبة إلى إحياء النمو، لذلك قد تسعى إلى أسواق جديدة للسلع، خصوصاً تلك التي يتم إخراجها من حسابات الولايات المتحدة، وتتخلص من المنتجات في أماكن أخرى، خصوصاً أوروبا.

مؤيدو المرشح الجمهوري دونالد ترمب يُلوِّحون بالأعلام الأميركية بسان فرنسيسكو خلال حشد في الانتخابات الأميركية (أ.ب)

ومن المرجح أن تتفاعل البنوك المركزية بسرعة مع تدهور معنويات الأعمال، خصوصاً بالنسبة إلى الاقتصادات المفتوحة المعتمدة على التجارة.

وقال غريغ فوزيسي، المحلل في «جي بي مورغان»: «قد يميل البنك المركزي الأوروبي إلى تسريع تخفيضات أسعار الفائدة إلى معدل محايد بنسبة 2 في المائة، وبمجرد أن تصبح سياسات التعريفات الجمركية الأميركية أكثر وضوحاً، سيكون من المعقول خفض الأسعار إلى ما دون الحياد».

ومن المرجح أيضاً أن ترد الحكومات بشكل انتقامي على أي رسوم جمركية تفرضها الولايات المتحدة على الواردات، مما يعوق التجارة بشكل أكبر ويقطع بشكل أعمق النمو العالمي.

ومن شأن ارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية وانخفاض تكاليف الاقتراض في أماكن أخرى أن يعزز الدولار -كما يتضح من انخفاض قيمة اليورو والين بنسبة 1.5 في المائة بين عشية وضحاها- مما يسبب مزيداً من الألم للأسواق الناشئة، حيث إن أكثر من 60 في المائة من الديون الدولية مقوَّمة بالدولار.

وقد تكون المكسيك الأكثر تضرراً نظراً لخطاب ترمب حول إغلاق الحدود، الذي يأتي في ظل توقعات محلية متدهورة بالفعل.

وقال جون هاريسون من «تي إس لومبارد»: «المكسيك هي الأكثر عرضة للخطر»، حيث انخفض البيزو المكسيكي بنسبة 3 في المائة مقابل الدولار. وأضاف أن المكسيك معرَّضة للخطر بشكل خاص لأن التوترات التجارية وتهديدات الترحيل يمكن أن تؤدي إلى تفاقم المشكلات المحلية، مثل نشاطات الاحتكار وفشل الحكومة في الحد من العنف.

ومن بين الرابحين المحتملين من فوز ترمب، قد تتمتع البرازيل بتجارة أكبر مع الصين نظراً لأن بكين استبدل بجميع وارداتها من فول الصويا الأميركي أخرى برازيلية عندما اندلعت التوترات التجارية خلال رئاسة ترمب الأولى.

دونالد ترمب وزوجته ميلانيا في حشد انتخابي بولاية فلوريدا الأميركية (أ.ف.ب)

ولكنَّ أوروبا قد تعاني أيضاً من ضربة إضافية تتمثل في زيادة تكاليف الدفاع إذا قلل ترمب من دعمه لحلف شمال الأطلسي. وتعتمد القارة الأوروبية على الوجود العسكري الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع عدم وجود نهاية في الأفق للحرب الروسية في أوكرانيا، فإن أوروبا سوف تضطر إلى سد أي فجوة قد يخلِّفها انسحاب الولايات المتحدة.

ولكن الدين الحكومي في أوروبا يقترب بالفعل من 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن التمويلات متوترة وسوف تكافح الحكومات لتحفيز الاقتصاد الذي يعاني من الحواجز التجارية في حين تمول الإنفاق العسكري في الوقت نفسه.

ومن المرجح أن تستمر جهود ترمب في تحرير القيود التنظيمية على مدى فترة أطول، ولكن المقترحات المتفق عليها دولياً التي تهدف إلى جعل البنوك أكثر مرونة، والمعروفة باسم «بازل 3»، قد تكون الضحية الأولى.

ومن المقرر أن تطبَّق القواعد الجديدة اعتباراً من الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، ويناقش صناع السياسات بالفعل ما إذا كان ينبغي لهم المضيّ قدماً حتى لو انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق.


مقالات ذات صلة

الجنيه الإسترليني يواصل الانخفاض لليوم السادس على التوالي

الاقتصاد أوراق نقدية من فئة 5 جنيهات إسترلينية (رويترز)

الجنيه الإسترليني يواصل الانخفاض لليوم السادس على التوالي

يتجه الجنيه الإسترليني إلى تسجيل انخفاض لليوم السادس على التوالي مقابل الدولار يوم الثلاثاء، وبلغ أدنى مستوى في شهرين ونصف الشهر مقابل اليورو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا سويسرا تنشر آلاف الجنود لتأمين المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (د.ب.أ)

طائرات مقاتلة سويسرية لحماية المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس

تم نشر الآلاف من الجنود في منتجع دافوس السويسري للتزلج قبل أسبوع من بدء فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يضم قادة عالميين ومسؤولين اقتصاديين سنوياً.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد شعار منتدى «اكتفاء 2025» (الشرق الأوسط) play-circle 02:16

«أرامكو» توقِّع 145 اتفاقية بـ9 مليارات دولار لتعزيز سلاسل الإمداد المحلية

وقَّعت «أرامكو السعودية»، يوم الاثنين، 145 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تُقدر قيمتها بنحو 33.75 مليار ريال (9 مليارات دولار).

«الشرق الأوسط» (الدمام)
الاقتصاد وزيرا المالية السعودي والعماني بعد توقيعهما مذكرة التفاهم (وكالة الأنباء العمانية)

وزيرا المالية السعودي والعماني يوقِّعان مذكرة للتعاون في المجال المالي

وقّع وزيرا المالية السعودي محمد الجدعان والعماني سلطان الحبسي، يوم الاثنين، مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون في الشؤون المالية بين السعودية وعمان.

«الشرق الأوسط» (المدينة المنورة)
الاقتصاد أوراق نقدية من الجنيه الإسترليني والعملات المعدنية داخل صندوق في مقهى بمانشستر (رويترز)

عائدات السندات البريطانية لأجل 30 عاماً تبلغ أعلى مستوى منذ 27 عاماً

ارتفعت عائدات السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوى لها في 27 عاماً، يوم الاثنين، مما أدى إلى تمديد موجة بيع بسوق السندات.


الإمارات وماليزيا توقعان اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأنور إبراهيم خلال توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين البلدين وقعها ثاني الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية وظفرول عزيز وزير الاستثمار والتجارة الماليزي (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأنور إبراهيم خلال توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين البلدين وقعها ثاني الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية وظفرول عزيز وزير الاستثمار والتجارة الماليزي (وام)
TT

الإمارات وماليزيا توقعان اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأنور إبراهيم خلال توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين البلدين وقعها ثاني الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية وظفرول عزيز وزير الاستثمار والتجارة الماليزي (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأنور إبراهيم خلال توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين البلدين وقعها ثاني الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية وظفرول عزيز وزير الاستثمار والتجارة الماليزي (وام)

وقّعت الإمارات وماليزيا اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تهدف إلى تعزيز التجارة، وتفعيل تعاون القطاع الخاص، إضافة إلى توفير فرص جديدة للاستثمار في القطاعات ذات النمو المرتفع في البلدين.

وجرى توقيع الاتفاقية بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وأنور إبراهيم رئيس وزراء ماليزيا؛ حيث ستؤدي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين، بعد دخولها حيّز التنفيذ، إلى تقليل أو إلغاء الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من السلع، وتبسيط إجراءات التجارة، وتيسير وصول صادرات الخدمات إلى الأسواق.

ووقّع الاتفاقية في مركز أبوظبي الوطني للمعارض (أدنيك) الدكتور ثاني الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي، وظفرول عزيز وزير الاستثمار والتجارة والصناعة الماليزي.

وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أهمية الاتفاقية في تعزيز اقتصاد البلدين، مشيراً إلى أنها تتوّج العلاقة القوية بين الإمارات وماليزيا، وقال إن ماليزيا باقتصادها سريع النمو، وسياساتها الداعمة للتجارة تعد شريكاً حيوياً في جنوب شرقي آسيا.

وأضاف: «تهدف الاتفاقية إلى تعميق تعاوننا في القطاعات الرئيسية، وتعزيز سلاسل التوريد، وتفعيل إمكانات الاستثمار، وفتح أبواب جديدة لنمو القطاع الخاص في كلا البلدين».

ووفق المعلومات الصادرة اليوم، فإن ماليزيا تعد رابع أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا، ومن أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات في منطقة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)؛ حيث بلغ حجم التجارة غير النفطية بينهما 4.9 مليار دولار في عام 2023، في حين بلغ 4 مليارات دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.

وتعدّ دولة الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لماليزيا في العالم العربي؛ إذ تُمثّل 32 في المائة من تجارة ماليزيا مع الدول العربية، ومن المُتوقع أن تعمل الاتفاقية على ترسيخ مكانة دولة الإمارات مركزاً استراتيجياً للصادرات الماليزية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغيرها، مع فتح سوق منطقة رابطة دول جنوب شرقي آسيا أمام المستثمرين ورواد الأعمال الإماراتيين.

ويعد برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة لدولة الإمارات ركناً أساسياً في جهودها، لرفع قيمة تجارتها الخارجية غير النفطية إلى 4 تريليونات درهم (1.1 تريليون دولار) بحلول عام 2031، وتعزيز التعاون الدولي مع الأسواق المهمة استراتيجياً، مثل رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 2.9 تريليون دولار، ويبلغ عدد سكانها 647 مليون نسمة.

ومع دخول اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة حيّز التنفيذ بالفعل مع إندونيسيا وكمبوديا، تعمل دولة الإمارات على توثيق صلاتها بالمنطقة، وترسيخ مكانتها مركزاً تجارياً عالمياً يربط بين الاقتصادات ذات النمو المرتفع، ويوسّع الفرص المتاحة للقطاع الخاص في مختلف أنحاء القارة الآسيوية.