تقييم الخسائر الإسرائيلية يحدد مصير المعركة البرية على لبنان

تهديد جديد لمستشفى في الضاحية الجنوبية لبيروت

TT

تقييم الخسائر الإسرائيلية يحدد مصير المعركة البرية على لبنان

عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)
عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)

يُسجَّل في الفترة الأخيرة سقوط قتلى للجيش الإسرائيلي على جبهة جنوب لبنان بشكل شبه يومي، في المعركة البرية التي تقترب من بلوغ شهرها الأول، بحيث يجمع المراقبون على وصفها بـ«الصعبة» بالنسبة إلى الطرفين، ما يطرح علامة استفهام حول مصير هذه المعركة، وكيف سيكون تقييم الجانب الإسرائيلي لها، والقرار الذي سيتخذه بشأنها، وهو الأمر الذي يعوّل عليه اليوم «حزب الله» ولبنان ليشكّل ضغطاً على تل أبيب.

وبانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات الدبلوماسية التي يربطها كثيرون بنتائج الميدان، تحتدم المعارك على الأرض؛ حيث يتم تسجيل مواجهات يومية بين الطرفين.

وفي حين يعلن الجيش الإسرائيلي، في بعض الأحيان، خسائره البشرية التي تشير التقديرات إلى تجاوزها 40 قتيلاً، العدد الأكبر منهم في الأيام الأخيرة، سبق أن توقَّف «حزب الله» عن نعي مقاتليه منذ نهاية الشهر الماضي، وكان عددهم حينها 508، فيما تشير التقديرات إلى أنهم باتوا اليوم نحو ألف قتيل.

والأحد، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن 22 جندياً وضابطاً قُتلوا في الجيش الإسرائيلي بمعارك جنوب لبنان وغزة خلال الأسبوع الأخير، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي (الأحد) مقتل جندي بعدما كان أعلن (السبت)، مقتل 4 جنود في معارك جنوب لبنان.

وأشارت كذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى إصابة 88 عسكرياً إسرائيلياً في معارك لبنان خلال الـ48 ساعة الماضية.

ويقول رئيس «مركز الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي، لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحصل اليوم في المواجهات البرية أمر طبيعي، لا سيما أن «حزب الله» مستعد بشكل كبير لها، وبنى أنفاقاً وحصّن نفسه ويدرك جيداً طبيعة الأرض، وبالتالي لا بدّ من أن يتكبّد الجيش الإسرائيلي الخسائر، وهو الذي أقرّه مسؤولوه من حيث صعوبة المعركة، لكن السؤال اليوم وفق قهوجي، هو: «هل الخسائر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي اليوم متوقعة أو مقبولة بعدما بات يخسر بشكل يومي بين 4 و5 جنود إضافة إلى الجرحى، أم لا تزال ضمن الهامش المقبول بالنسبة إليه والفترة التي وضعها لهذه المواجهة، مقارنة بالأهداف التي يحققها وفق وجهة نظر الإسرائيليين؟»، مضيفاً: «هذا الأمر سيتحدد في المستقبل القريب، بحيث إذا استمرّت المعركة أسابيع، فهذا يعني أنها متوقعة بالنسبة إليهم، وإذا توقفت خلال أيام يعني ذلك أنها تفوق توقعاتهم وسيعيدون حساباتهم».

ويتوقف قهوجي في المقابل عند توقف «حزب الله» عن نعي مقاتليه منذ هجوم الـ«بيجرز» قائلاً: «في الفترة الأخيرة لم نعد نعرف شيئاً عن خسائر الحزب، لكن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يخبئ قتلاه، لكنه قد يفعل هذا مع الجرحى الذين يسقطون في المعركة».

وسُجِّلت (الأحد) مواجهات بين الطرفين، حيث أعلن «حزب الله» استهداف قوة مشاة إسرائيلية في حولا بصاروخ، مؤكداً وقوع أفرادها بين قتيل وجريح، ومن ثم استهداف تجمعات لجنود إسرائيليين عند أطراف بلدة عيترون وجنوب بلدة الضهيرة، وعند أطراف حولا بصليات صاروخية، في حين أشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى «اشتباكات عنيفة بين المقاومة وجيش العدو بالأسلحة الرشاشة والصاروخية في محيط بلدة يارين».

تهديد جديد لمستشفى الساحل

وبعدما كانت ضاحية بيروت الجنوبية قد تعرَّضت لغارات ليلاً، جدّد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي تهديده لمستشفى الساحل في جنوب لبنان، بعدما سبق أن أعلن وجود مخزن للأسلحة تحته، وقامت إدارة المستشفى بجولة إعلامية لتأكيد عدم صحة الاتهامات.

جانب للدمار نتيجة القصف الإسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

وليلاً، تعرّضت الضاحية الجنوبية لغارات، حيث قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم ليلاً مواقع لإنتاج وتخزين أسلحة لـ«حزب الله» في الضاحية الجنوبية، ونفّذ غارات على 120 هدفاً في عموم لبنان في الساعات الـ24 الماضية.

وبعدما أعلن أدرعي (الأحد) أنه سيكشف «معلومات مهمة عن ملجأ أموال وذهب (حزب الله) تحت مستشفى الساحل في ضاحية بيروت الجنوبية، وسندحض أكاذيبه»، عاد وتحدث عن «مدخل إلى سرداب نصر الله، حيث مئات الملايين من الدولارات مخبأة تحت المستشفى»، داعياً «مؤسسات القانون الحكومية في لبنان ووسائل الإعلام لترى بنفسها... كما عرفنا مكان نصر الله، ومكان صفي الدين، أمين عام (حزب الله) ورئيس المجلس التنفيذي، نحن نعرف أيضاً مكان المخبأ».

مقتل 8 أشخاص وإصابة 25 في حارة صيدا

في استهداف هو الأول من نوعه في منطقة حارة صيدا، نفَّذ الجيش الإسرائيلي (الأحد) عملية اغتيال استهدفت مسؤولاً أمنياً في «حزب الله» أدت إلى مقتل 8 أشخاص على الأقل وإصابة 25 آخرين. وأشارت المعلومات إلى أن المستهدَف هو المسؤول الأمني في «حزب الله» حسين فنيش.

عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)

وقالت وزارة الصحة في بيان إن «غارة العدو الإسرائيلي على حارة صيدا أدت في حصيلة جديدة إلى استشهاد 8 أشخاص وإصابة 25 آخرين بجروح».

واستهدفت الغارة الطابق الثالث في أحد المباني؛ ما أدى إلى دمار كبير في الأبنية السكنية وعشرات المتاجر المحيطة في المنطقة المكتظة في بلدة حارة صيدا.

وضربت قوة من الجيش اللبناني طوقاً أمنياً في المكان، بينما واصلت فرق الإسعاف عملها في البحث عن جرحى أو قتلى.

وكان الجيش الإسرائيلي قد أصدر (الأحد) أوامر إجلاء جديدة لسكان قرى عدة في جنوب لبنان، محذراً من أنه سيضرب أهدافاً لـ«حزب الله» فيها من دون أن تشمل بلدة حارة صيدا الواقعة على بُعد نحو 56 كيلومتراً من الحدود.

تهديد 14 قرية

وأتى استهداف حارة صيدا بعدما كان قد نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على منصة «إكس»، أمر الإجلاء الموجه لسكان 14 قرية في جنوب لبنان، قائلاً: «عليكم إخلاء منازلكم فوراً والانتقال إلى شمال نهر الأولي؛ لضمان سلامتكم، يجب عليكم إخلاء المنازل دون تأخير».

في موازاة ذلك، تَواصَل القصف على الجنوب والبقاع. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» باستهداف الطيران الإسرائيلي مبنى مدرسة «الأونروا» في حي صلحى في بلدة البرج الشمالي في صور (جنوب)؛ ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.

وسُجِّل استهدافٌ مباشرٌ لمنازل في الجنوب، منها في بلدة حاورف وفي مدينة النبطية؛ حيث تحدّثت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام» عن «تدمير منزل تدميراً كاملاً، وإلحاق أضرار فادحة بالمباني السكنية والمحال التجارية وعشرات السيارات» في أحد أحياء المدينة بعد قصف إسرائيلي.

وكان القصف الذي تعرَّضت له بلدة النبطية الفوقا، منتصف الليل، قد أدى إلى تدمير كبير بحارة الساحة، القريبة من النادي الحسيني، التي تضم منازل تراثية قديمة، ودمّرها بالكامل وحوّل الحي المستهدف إلى ركام وخراب، وأُفيد بمقتل شخصين، وفق «الوطنية»، مشيرة كذلك إلى أن الطائرات الإسرائيلية نفَّذت غارات على منزلين في يحمر الشقيف ودمرتهما بالكامل.

كذلك شنّت الطائرات الإسرائيلية غارة جوية، مستهدفة منزلاً في بلدة زوطر الشرقية في قضاء النبطية، ودمرته، وأُفيد بسقوط 3 قتلى، بحسب «الوطنية».

وفي البقاع، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، بأن «مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة (فان) في بلدة حوش بردى غرب بعلبك، وأدى ذلك إلى سقوط شهيدين وجريح، وتولى فريق إطفاء الدفاع المدني إخماد الحريق».

من جهة أخرى، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، «القضاء على قائد قطاع بنت جبيل في (حزب الله) أحمد جعفر معتوق، وعلى قائد المدفعية في القطاع نفسه».

وأشار إلى كشف «قوات لواء جولاني عن مستودعات أسلحة تحت الأرض في مناطق سكنية في جنوب لبنان». ولفت إلى أنه «في إحدى عمليات المداهمة عثرت القوات على مستودع أسلحة تحت الأرض عثر داخله على صواريخ مضادة للدروع، وقذائف هاون، ورشاشات، وبنادق كلاشينكوف».

صواريخ على إسرائيل

في المقابل واصل «حزب الله» إطلاقه عشرات الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً مستوطنات ومواقع عسكرية، بعد ساعات على تحذير وإنذار إلى 25 مستوطنة في شمال فلسطين بإخلائها؛ لأنه سيتعامل معها على أنها أهداف عسكرية.

وفي إطار هذا التحذير قصف مدينة نهاريا. وقال في بيانات متفرقة إنه استهدف «قاعدة زوفولون للصناعات العسكرية شمال مدينة حيفا بصلية صاروخية كبيرة».

وتبنّى الحزب في بيانات أخرى قصف تجمعات جنود في شمال إسرائيل، بالإضافة إلى شنّ «هجوم جوي بسرب من المسيّرات الانقضاضية على منطقة بارليف الصناعية شرق عكا».

كذلك استهدف تجمعات إسرائيلية في مستعمرتَي المنارة ومرغليوت، ومربض الزاعورة بصليات صاروخية، ومساءً استهدف تجمعاً في مستعمرة مسكفعام بصلية صاروخية.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي (الأحد) رصد إطلاق 75 صاروخاً من لبنان على منطقتَي الجليل الأعلى والجليل الأوسط في شمال البلاد.

ونقلت وسائل إعلام عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله إنه في «أعقاب التحذيرات التي تم تفعيلها في منطقتَي الجليل الأعلى والجليل الأوسط، تم رصد نحو 75 عملية إطلاق عبرت الأراضي اللبنانية، وتم اعتراض بعضها ورصد تحطمها في المنطقة».

وكان الإعلام قد ذكر أن قصفاً صاروخياً من لبنان على وسط الجليل أدى إلى إصابة شخصين في بلدة طمرة، وأفادت «القناة 13» الإسرائيلية بـ«إصابة مباشرة في منزل في طمرة، ما أدى إلى وقوع إصابات».


مقالات ذات صلة

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.