الهجرة غير الشرعية تضاعف التهديدات الأمنية في اليمن

دعوة لرفع كفاءة خفر السواحل لمواجهة التهريب

جانب من ندوة في مأرب حول تحديات الهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن (سبأ)
جانب من ندوة في مأرب حول تحديات الهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن (سبأ)
TT

الهجرة غير الشرعية تضاعف التهديدات الأمنية في اليمن

جانب من ندوة في مأرب حول تحديات الهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن (سبأ)
جانب من ندوة في مأرب حول تحديات الهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن (سبأ)

مع استمرار تدفق اللاجئين من القرن الأفريقي إلى اليمن، حذر مسؤولون في الحكومة الشرعية ومختصون أمنيون من انعكاسات سلبية لتلك الهجرة على الأمن الوطني ودول الجوار؛ حيث تعد البلاد التي تعيش في صراع منذ 10 أعوام محطة عبور أساسية لهذه المجاميع بغرض الوصول إلى الدول المجاورة.

وفي حلقة نقاشية أمنية عن تأثيرات تدفق المهاجرين نُظمت في محافظة مأرب (شرق صنعاء)، نبّه المتحدثون إلى ضرورة تطوير القوات البحرية وقوات خفر السواحل اليمنية ورفدها بالتكنولوجيا الحديثة للرقابة والتصدي لعمليات القرصنة والاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة والمخدرات في المياه الإقليمية والدولية.

غالبية مطلقة من المهاجرين تستخدم اليمن محطة عبور إلى دول الجوار (الأمم المتحدة)

ومع مطالبتهم بتشديد العقوبات على المهربين، رأى المشاركون أن استمرار هذه الظاهرة «يرفع مؤشرات خطورتها الأمنية»، التي تهدد الأمن على المستوى المحلي ودول الجوار؛ حيث تظهر التقارير استغلال الحوثيين بعضَ هؤلاء المهاجرين واستخدامهم في عمليات التهريب أو أعمال القرصنة.

وعدّ وكيل وزارة الداخلية اليمنية اللواء محمد سالم بن عبود الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي «تحدياً كبيراً وهاجساً أمنياً» وضغطاً كبيراً على جميع الجوانب الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية، وأنها تلقي على الحكومة اليمنية مسؤولية كبيرة. داعياً المنظمات الأممية ودول الجوار إلى التعاون مع الجهات المختصة وتعزيز التنسيق معها والعمل معاً على حل هذه المشكلة الخطيرة.

بدوره، أوضح رئيس المركز القومي، عبد الحميد عامر، أن النقاشات تهدف إلى التعريف بواجبات المجتمع المضيف تجاه اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وتسليط الضوء على مخاطر اللجوء والهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي من جوانبها كافة وخصوصاً الأمنية. والبحث عن حلول ناجعة لها ودعوة المنظمات الدولية المعنية للقيام بواجبها.

واستعرضت أوراق العمل القوانين والتشريعات المتعلقة باللجوء في اليمن وطالبت بتطويرها، كما تناولت سلوك اللاجئين والأخطار الأمنية المترتبة عليها، بالإضافة إلى محطات وطرق تهريبهم ودور المنظمات الأممية تجاه اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، والاتفاقيات الدولية الخاصة باللجوء التي وقعت عليها البلاد.

بيانات أممية

النقاشات اليمنية أتت متزامنة مع تأكيد الأمم المتحدة أنها دعمت أكثر من 72 ألف لاجئ وطالب لجوء ونازح داخلي في اليمن بخدمات الرعاية الصحية، خلال النصف الأول من العام الحالي.

وأفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 45.935 لاجئاً وطالب لجوء و13.929 نازحاً داخلياً تلقوا خدمات صحية في أحد مراكز الرعاية الصحية الأولية الخمسة التي تدعمها المفوضية، والموجودة في كل من صنعاء، وعدن، ومخيم خرز للاجئين بلحج.

الفقر والصراع في القرن الأفريقي من أهم أسباب تدفق المهاجرين نحو اليمن (الأمم المتحدة)

وتحدثت المفوضية عن تقديم الدعم الصحي النفسي والاجتماعي لـ3.491 لاجئاً وطالب لجوء و483 نازحاً داخلياً، وقالت إن 5.902 لاجئ وطالب لجوء ونازح حصلوا على الدعم والمشورة في مجال الصحة الإنجابية في العيادات التي تدعمها.

كما تم قبول 194 طفلاً لاجئاً دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد الشديد في برنامج الإدارة المجتمعية لسوء التغذية الحاد، إضافة إلى 117 طفلاً لاجئاً دون سن الخامسة و210 نساء حوامل ومرضعات في برنامج التغذية التكميلية، خلال الفترة نفسها.

أغلبية أثيوبية

كانت نتائج المسح الذي أجرته منظمة الهجرة الدولية قد بينت أن 94 في المائة من المهاجرين هم من حملة الجنسية الإثيوبية، فيما كان حملة الجنسية الصومالية 6 في المائة فقط، بعد أن كانوا يشكلون أغلبية المهاجرين إلى اليمن منذ بداية الصراع في الصومال عقب انهيار الدولة عام 1990، وتبين أن أغلبهم لا يمتلكون جوازات سفر أو أشكالاً أخرى من بطاقات الهوية.

وأفاد غالبية المهاجرين الذين تمت مقابلتهم (96 في المائة) بأنهم استخدموا الطريق الجنوبي الشرقي من ميناء باري في الصومال إلى سواحل محافظة شبوة اليمنية، بينما غادر 4 في المائة فقط من ميناء أبوق في جيبوتي إلى محافظة شبوة. وكان غالبية المهاجرين (61 في المائة) يعتزمون الهجرة إلى دول الخليج؛ حيث سلكوا طرقاً مختلفة داخل اليمن للوصول إلى هناك، بما في ذلك محافظات حضرموت وحجة وصعدة.

المئات من المهاجرين الأفارقة عادوا إلى بلدانهم ضمن برنامج العودة الطوعية (الأمم المتحدة)

وتظهر نتائج المسح أن 42 في المائة من المهاجرين غادروا المناطق الريفية في بلدانهم الأصلية بنيّة الذهاب إلى المناطق الريفية في بلد المقصد. بالإضافة إلى ذلك، خطط 7 في المائة ممن غادروا المناطق الريفية للذهاب إلى المناطق الحضرية (البلدات والمدن) في وجهتهم.

وعلاوةً على ذلك، غادر 28 في المائة من المهاجرين المناطق الحضرية للهجرة إلى المناطق الحضرية، وسافر 18 في المائة آخرون من المهاجرين من المناطق الحضرية بهدف الذهاب إلى المناطق الريفية في بلد المقصد.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.