«بساط الريح»... معرض مصري يستعيد أحلام الطفولة ويحتفي بالخيال

الفنان محمد عبلة يستلهم «ألف ليلة وليلة»

التحرر من ضغوط الواقع والتحليق في سماوات الحلم (الشرق الأوسط)
التحرر من ضغوط الواقع والتحليق في سماوات الحلم (الشرق الأوسط)
TT

«بساط الريح»... معرض مصري يستعيد أحلام الطفولة ويحتفي بالخيال

التحرر من ضغوط الواقع والتحليق في سماوات الحلم (الشرق الأوسط)
التحرر من ضغوط الواقع والتحليق في سماوات الحلم (الشرق الأوسط)

يخوض الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة مغامرةً فنيةً جديدةً، في معرضه الأحدث «بساط الريح»، الذي يستدعي فيه أحلام الطفولة، ويحتفي بالخيال، مستلهماً حكايات «ألف ليلة وليلة»، ليسقطها على الواقع بتفاصيله اليومية العادية، فضلاً عن تضمين لوحاته حالة من البهجة سواء على مستوى اللون أو المضمون.

المعرض الذي يستضيفه «غاليري الزمالك» (غرب القاهرة) يتضمَّن نحو 40 لوحة، أنجزها الفنان في 5 أشهر، انطلاقاً من إحدى أشهَر أساطير «ألف ليلة وليلة»، التي تتعلق بسجادة مسحورة تطير بصاحبها إلى مدن وممالك بعيدة، وتطوي المسافات الشاسعة في غمضة عين.

وبينما ترتبط الحكاية الأسطورية بشاب وسيم يمتلك ملامح البطل الملحمي الذي يهب روحه فداءً لمعشوقته الأميرة؛ من أجل تحريرها من السجن، يمنح عبلة البطولة في معرضه لشخصيات عادية مستقاة من الواقع على غرار الأطفال، ورب الأسرة، والأم، والمارة في الشوارع.

حالة من السعادة والبهجة برزت في ألوان اللوحات (الشرق الأوسط)

وأوضح محمد عبلة أنه «منذ أن شاهد الفيلم الأميركي الشهير (لص بغداد)، إنتاج 1923، وهو في مرحلة الصبا، ورأى كيف يطير البطل عبر البساط المسحور ويصنع المعجزات، ظلت فكرة البساط تسكن وجدانه، وإن كانت توارت قليلاً في إحدى المراحل العمرية، إلى أن ألحَّت عليه لتُولَد تشكيلياً في هذا المعرض».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الفكرة الأساسية التي أراد أن يعبِّر عنها هنا هي أحلام الطفولة في اختصار المسافات وتحقيق الأمنيات في لمح البصر».

وإذا كانت مغامرات أبطال «ألف ليلة وليلة» مع بساط الريح تهدف إلى صنع قصص خارقة للعادة، فإن البساط في هذا المعرض يتحول إلى أداة لاستعادة فرحة الصغار، وتحرير الخيال الإنساني من أثقال الواقع المعيش، ومنح البهجة مجاناً للحشود المهمومة بلقمة العيش أو مَن يُوصَفون بـ«ملح الأرض».

خيال جامح في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يتسع إطار البساط عبر اللوحات المختلفة ليشمل الأب، والزوج، والزوجة، والجدَّين، والأحفاد في بانوراما عائلية مدهشة، كما يتحوَّل رغم مساحته المحدودة إلى حالة اجتماعية حميمة تتجاوز فكرة النظر إلى العالم بعين طائر، إلى إقامة طقوس مختلفة مثل الاستلقاء ساعة القيلولة، أو الاجتماع الأسري التقليدي على مائدة الطعام.

البساط يتسع للجميع (الشرق الأوسط)

وتعليقاً على أجواء البهجة التي تحيط بالمعرض عبر الألوان والحكايات أو المشاهد الطريفة في الأعمال، يشير عبلة إلى أنه «يحب أن يفكر في نفسه بوصفه إنساناً متفائلاً بطبيعته، وتحمل لوحاته جزءاً من هذا التفاؤل بشكل أو بآخر»، لافتاً إلى أن «هذا هو السبب في أن غالبية اللوحات تحمل ألواناً مبهجة وتخلو من الظلال القاتمة، فقد أردت أن أبعث برسالة مفادها: على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

بهجة الطفولة ملمح أساسي في المعرض (الشرق الأوسط)

وحول علاقته بعالم الأساطير بصفته فناناً تشكيلياً، أوضح أن «كلاً من اللوحة والأسطورة موضوعهما واحد، وهو الإنسان، وبالتالي فإن استدعاء الأسطورة في العصر الحديث يساعدنا على تقبل الواقع وفهمه من خلال رؤية جديدة».

بالإضافة إلى اللوحات التي تستدعي بساط الريح، فقد تضمَّن المعرض بساطاً حقيقياً أو بالأحرى سجادة رمزية معلقة في الهواء يجلس عليها الزوار بالطريقة التي يفضلونها وكأنهم يسجِّلون حضورهم الخاص على البساط السحري، في جزء من العرض الفني.


مقالات ذات صلة

«يوميات القاهرة» تُلهم 5 تشكيليين مصريين لاكتشاف السعادة والمعاناة

يوميات الشرق «الحزن» لوحة للفنان فتحي علي (الشرق الأوسط)

«يوميات القاهرة» تُلهم 5 تشكيليين مصريين لاكتشاف السعادة والمعاناة

يمكن للمشاهد الذي لا يعرف تفاصيل القاهرة، أو لم تسبق له زيارتها من قبل، أن يتعرّف على زخمها الإنساني، من خلال تأمل أعمال هذا المعرض الجماعي.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق «سفينة الزمن» للفرنسية جان ماري أبريو (إدارة المعرض)

«الأبد هو الآن»... مغامرات تشكيلية تُغرّد خارج السّرب في سفح الأهرامات

يُغرّد المعرض خارج السّرب من خلال مغامرات تشكيلية وأعمال مركبة ذات صبغة حداثية تسعى للتماهي مع اسم المعرض عبر تجسيد «فكرة الزمن».

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق من أعمال معرض «ولدوا في السبعينات» (الشرق الأوسط)

50 غاليري من 14 دولة في معرض إسطنبول للفن المعاصر

استقبلت مدينة إسطنبول بتركيا، الأسبوع الماضي، محبي الفنون من تركيا وخارجها لحضور افتتاح الدورة الجديدة من معرض وسوق إسطنبول للفن المعاصر في نسخته التاسعة عشرة

عبير مشخص (إسطنبول)
يوميات الشرق عرض عمل لكاتيلان على الحائط (سوذبي)

«موزة على الحائط»: مزاد على العمل الفني المثير للجدل بسعر افتتاحي مليون دولار

أعلنت دار المزادات «سوذبي» عرض قطعة من العمل تتضمّن موزة مثبتة على الحائط بشريط لاصق، بتقدير أولي يتراوح بين مليون و1.5 مليون دولار.

يوميات الشرق لا حدود للخيال (مواقع التواصل)

مارلين مونرو وموناليزا... بالمعجنات

يحتفل معرض فنّ البوب البريطاني بالذكرى السنوية الـ60 لظهور «بوب تارتس»، وهو الفنّ المولود من المعجنات، تكريماً لواحدة من أكثر قِطع فنّ البوب شهرةً على الإطلاق.

«الشرق الأوسط» (لندن)

« دبلوماسية الكشري»... الطبق المصري يبني جسوراً للتواصل السياسي

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)
TT

« دبلوماسية الكشري»... الطبق المصري يبني جسوراً للتواصل السياسي

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتناول الكشري خلال زيارته للقاهرة (مطعم أبو طارق)

هنا، في قلب القاهرة، عندما تقصد شارع شامبليون، الذي يحمل اسم مكتشف رموز اللغة الهيروغليفية المصرية، يمكنك التعرف عن قرب على رمزٍ آخر للهوية المصرية، ممثلاً في طبق «الكشري»، لدى مطعم «أبو طارق»، أحد أشهر محال الكُشري في مصر، حيث اكتسب الطبق الشعبي فيه مذاقاً سياسياً، وتحوّل لأداة دبلوماسية، تقرّب المسافات بين الثقافات.

فعلى مدار السنوات الماضية، استقبل «أبو طارق» عشرات الوزراء والدبلوماسيين والمسؤولين الأمميين في القاهرة، كان أحدثهم وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي تغزّل في الطبق بعد تناوله، قائلاً إنه «وجبة لذيذة وشهية». ما عدّه مراقبون بأن تناوله للوجبة الشعبية يؤرخ لـ«دبلوماسية الكشري»، في ظل سنوات من جمود العلاقات بين القاهرة وطهران.

على مدار السنوات الماضية، كتب «أبو طارق» فصولاً أخرى من رواية «دبلوماسية الكشري». فالمطعم الشعبي تحوّل إلى ما يشبه نادياً دبلوماسياً غير رسمي في القاهرة، يجمع وزراء ودبلوماسيّي الشرق والغرب، بعد أن جذبتهم مكونات الطبق من الأرز والمعكرونة والعدس والحمص والبصل، ومعها «الدقة والشطة»، في خلطةٍ وضع سرَّها العم يوسف، مؤسس المطعم، منذ عام 1950.

سفير مالي في القاهرة بوبكر ديالو في مطعم «أبو طارق» (مطعم أبو طارق)

أسفل صورة مؤسّس المطعم، تحدثنا إلى نجله طارق يوسف، رئيس مجلس إدارة سلسلة محلات «أبو طارق»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «اجتذب مطعمنا نحو 47 سفيراً في مصر، ومرافقيهم من الملاحق والممثلين الدبلوماسيين، وعشرات المسؤولين من دول عدّة لتجربة الكشري»، مشيراً إلى أن مطعمه، الذي صنّفه الموقع العالمي «TasteAtlas» من بين أكثر 100 مطعم متميّز حول العالم في العام الماضي، أطلق مبادرة منذ 4 سنوات، لتنشيط سياحة الطعام وتبادل الثقافات عبر استضافة كثير من السفراء، الذين رحّبوا بالمشاركة، وتناول الكشري وسط الأجواء الشعبية المصرية.

عباس عراقجي أشاد بطبق الكشري (مطعم أبو طارق)

المحلل والصحافي المصري المتخصص في الشؤون الدولية، خالد الشامي، الذي جمعته مائدة كشري «أبو طارق» مع الوزير الإيراني، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «اختار عراقجي الكشري تحديداً لأنه حاول إيصال رسالة بتقارب الثقافة والتقاليد المصرية والإيرانية، وحرص بلاده ورغبتها في الانفتاح على التقارب مع مصر».

كان سفير نيوزيلندا السابق، جريج لويس، أول من شارك في مبادرة المطعم، ومن ثمّ توالى حضور سفراء بريطانيا، وأستراليا، وتشيلي، والأرجنتين، والمكسيك، وجورجيا، ومالي، وكولومبيا، وبلجيكا، وهولندا، وأفغانستان، ونيبال، والدنمارك، وبيرو، وكوريا الجنوبية، والبوسنة والهرسك، وغيرهم العشرات.

يقول رئيس مجلس إدارة المطعم: «الأمين العام للجامعة العربية الحالي، أحمد أبو الغيط، عندما كان وزيراً للخارجية المصرية، كان يصطحب ضيوفه من المسؤولين الأجانب لتذوّق الكشري لدينا، وكان يداعبنا بقوله إنه (يقوم بنفسه بعمل الدعاية لنا بين الأوساط الدبلوماسية)».

طبق الكشري الشهير (مطعم أبو طارق)

ويذكر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط»، أنه أثناء مباحثات مسؤولين مصريين مع نظرائهم الأجانب يتم التطرق أحياناً لبعض الأحاديث الجانبية، للتخفيف من «ثقل» الأحاديث السياسية، قد تكون حول موضوعات ثقافية أو عن العادات والمأكولات الشعبية، وبالتالي يتعرّف الضيف على بعض أنواع الأطعمة الشهيرة، وبعضها تُرشّح له لتذوّقها، وفي الغالب يختار من بينها الكُشري.

سفير البوسنة والهرسك بالقاهرة ثابت سوباشيتش ومساعدة وزير الخارجية البوسنية عايدة هودزيك يتناولان الكشري (مطعم أبو طارق)

«لماذا يجتذب الكشري تحديداً الأجانب؟»، تجيب أستاذة العلاقات الدولية في جامعة القاهرة، الدكتورة نورهان الشيخ، «الشرق الأوسط»، قائلة: «الكشري هو الوجبة الوحيدة التي لا تقدّمها دولة أخرى، وبالتالي تحمل خصوصية شعبية، إلى جانب مرونة تجهيز مكوناتها بالزيادة والنقصان، ما يجعله يقدم بتفضيلات كثيرة، وبالتالي مناسبته لثقافات السفراء المختلفة».

في حين تقول الدكتورة سهير عثمان، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «ينال الكشري شهرة كبيرة مع اسمه القائم على فكرة المزج بين مكوناته، وهي الفكرة نفسها التي تقوم عليها الدبلوماسية، والتي تحاول المزج بين الدول وثقافاتها».

سفير هولندا السابق بالقاهرة يتناول الكشري في المطعم برفقة ممثلة منظمة الصحة العالمية السابقة في مصر نعيمة القصير (مطعم أبو طارق)

عودة إلى السفير رخا، الذي يروي واقعة طريفة عندما كان سفيراً لمصر في زيمبابوي، قائلاً: «مع تنظيم السفارة سنوياً حفل العيد الوطني المصري، كان يتم الاحتفاء بتقديم بعض المأكولات الشعبية المصرية لضيوف الحفل، ومنها الكشري، الذي كان يروق كثيراً لممثل دولة الفاتيكان، الذي أخبرني أنه ينتظر الحفل المصري سنوياً ليتذوّق الكشري، وفي مناسبات عديدة كان دائم الإشادة به».

الإشادة نفسها تمتد مع تناول دبلوماسيين أجانب الكشري في القاهرة، وفي مقدمتهم سفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة، كريستيان برجر، الذي أكد أن «الكشري من الوجبات المفضلة له»، بجانب وزير خارجية سويسرا، إيجنازيو كاسيس، والمساعدة السابقة لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة، يائل لامبرت. كما أبدى سفير تشيلي، بابلو أرياران، إعجابه الشديد بـ«الكشري» ورأى أنه يستحق نشره في دول العالم وتعلم طهيه. بينما قال سفير جورجيا، ألكسندر نالبندوف، إن «دبلوماسية الطعام تُعدّ أفضل دبلوماسية».

مطعم «أبو طارق» أشهر محال الكشري في مصر (مطعم أبو طارق)

يُظهر نجل مؤسس «أبو طارق» أن كلّ سفير يحاول أن يوثق تجربته في تناول الكشري لديهم عبر الكلمات والصور ومقاطع الفيديو ونشرها بمنصات التواصل الاجتماعي، مُبيناً أنه أصبح هناك تنافس بين السفراء في عدد المشاهدات التي ستجلبها هذه المقاطع، قائلاً إن خوان راتاناك، سفير كمبوديا السابق، حقّق فيديو مشاركته أكثر من مليون ونصف مليون مشاهدة.

هنا، تلفت أستاذة الإعلام إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأساس الذي يروج لجميع الأطعمة الشعبية التي تشتهر بها مصر، حيث منحت «الفوود بلوغرز» الأجانب فرصة الترويج لها، وسمحت بانتشار صفحات تهدف للتأريخ للمطبخ المصري، كما استخدمتها المطاعم، وعلى رأسها كشري «أبو طارق»، لإبراز استقباله للسفراء والمشاهير، وبالتالي كانت هي السبب الأول لتقديم فكرة «دبلوماسية الكشري».