الخلافات الفرنسية - الإسرائيلية تتفاقم رغم سعي باريس لاحتوائها

ماكرون يتصل بنتنياهو بعد يوم من إعلان تل أبيب مقاضاته

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القدس العام الماضي (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القدس العام الماضي (أ.ب)
TT

الخلافات الفرنسية - الإسرائيلية تتفاقم رغم سعي باريس لاحتوائها

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القدس العام الماضي (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القدس العام الماضي (أ.ب)

في البيان الذي أصدره قصر الإليزيه عن الاتصال الهاتفي، الاثنين، بين الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غابت أي إشارة عن الخلاف المستحكم بين باريس وتل أبيب حول مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الدفاع البحري «يورونافال» الذي تستضيفه فرنسا ما بين 4 و7 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في ضاحية فيلبانت الواقعة قريباً من مطار العاصمة الدولي رواسي - شارل ديغول.

الواضح أن باريس تسعى لتفكيك هذه القنبلة التي من شأنها أن تضاعف التوتر بين الطرفين، خصوصاً أن العلاقات بينهما متوترة أصلاً على خلفية حدثين، الأول، مطالبة الرئيس ماكرون بوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تستخدمها في حربها على غزة ولبنان.

والآخر، دعوته نتنياهو «ألا ينسى دور لأمم المتحدة في ولادة دولة إسرائيل»، وهو الكلام الذي نقل عنه خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء.

مآخذ إسرائيلية على باريس

وثمة «مآخذ» إسرائيلية أخرى، منها التعجب من مسارعة ماكرون للدعوة إلى مؤتمر دولي لدعم لبنان سيعقد الخميس المقبل في باريس.

وآخر ما صدر عن الجانب الإسرائيلي يتناول ملف «يورونافال» الذي مرّ في مراحل عدة، أولها ما أعلنته، بداية، الهيئة المشرفة على المعرض وفيه أنه يمنع على إسرائيل أن يكون لها جناح في المعرض أو تمكينها من عرض منتجاتها العسكرية. بالمقابل، تتاح الفرصة للشركات والأفراد أن يأتوا إلى المعرض وأن يقوموا بالاتصالات التي يرغبون فيها.

أشخاص يدعمون إسرائيل في ليون بوسط فرنسا أكتوبر 2023 (أ.ب)

وبالنظر لردة الفعل السلبية والعنيفة من الشركات ومن وزير الدفاع الإسرائيلي، لكن أيضاً من الداخل الفرنسي، عمدت باريس إلى تعديل موقفها؛ إذ أعطت الإذن للشركات الدفاعية الإسرائيلية للمشاركة في المعرض مع استبعاد «شرط ألا يكون بينها شركات استخدمت آلياتها ومعداتها العسكرية في حرب غزة أو حرب لبنان»؛ ما يعني عملياً استبعاد ما لا يقل من عشر شركات إسرائيلية ضالعة في الصناعات الدفاعية البحرية عن المشاركة في المعرض الذي يعد الثاني من حيث الأهمية في العالم.

وبما أن هذا «التنازل» لم يرضِ الطرف الإسرائيلي، فقد عمد وزيران كبيران إلى مهاجمة فرنسا.

دعوى قضائية

وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، كتب الاثنين على منصة «إكس» ما حرفيته: «لقد أمرت وزارة الخارجية بإطلاق دعاوى قضائية ودبلوماسية ضد قرار الرئيس ماكرون بمنع الشركات الإسرائيلية من عرض منتجاتها في معرض (يورونافال) البحري». وأضاف: «إن مقاطعة الشركات الإسرائيلية للمرة الثانية وفرض شروط غير مقبولة عليها تعدّ تدابير منافية للديمقراطية وليس معمولاً بها بين الدول الصديقة. ولذا؛ أدعو الرئيس ماكرون لإلغائها كلية. إن إسرائيل موجودة في الخط الأول لمحاربة محور الشر الإيراني والإسلاموية الراديكالية. ويتعين على فرنسا وكذلك على دول العالم الحر كافة أن تقف إلى جانبها وليس العمل ضدها».

وكان وزير الدفاع يوآف غالانت قد عدّ أن قرار ماكرون بمثابة «العار على الشعب الفرنسي وعلى القيم التي يدعي (ماكرون) الدفاع عنها».

وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت هاجم فرنسا لمنعها مشاركة الصناعات الدفاعية الإسرائيلية (إ.ب.أ)

وبنظره، فإن حرمان الشركات الفرنسية من الحضور يعني «مدّ يد المساعدة لأعدائها في زمن الحرب». وخلاصته أن فرنسا «تنهج سياسة معادية للشعب اليهودي وليست هذه للمرة الأولى في التاريخ ونحن سنواصل القتال من أجل وجودنا ومستقبلنا مع هؤلاء (الفرنسيين) أو من دونهم».

ضغوط على ماكرون

ويبدو أن ما سبق غرضه، وفق مصادر فرنسية، «مضاعفة الضغوط على ماكرون لدفعه للتخلي عن سياسته» التي تراها تل أبيب معادية لمصالحها رغم حرص الرئيس الفرنسي المطلق الذي أكده مراراً في الأيام الماضية على «سلامة إسرائيل وأمنها».

وفي مؤتمره الصحافي ليل الجمعة الذي أعقب القمة الأوروبية في بروكسل، فنَّد ماكرون الادعاءات الإسرائيلية وكشف عن المساعدات المتنوعة التي ساهمت بها فرنسا للدفاع عن إسرائيل، بما في ذلك مساهمات لم يكن قد كشف النقاب عنها في السابق أبداً مثل العمليات الاستخبارية. أما بخصوص ملاحقته أمام القضاء، فإن الرئيس ماكرون يتمتع بالحصانة الدستورية التي تحميه من أي ملاحقة في إطار عمله الرئاسي، فضلاً عن أن أي دعاوى تستهدفه شخصياً لا يمكن أن تمرّ لدى المحاكم الفرنسية.

اللافت، أن ماكرون زاد من اتصالاته الهاتفية مع نتنياهو. فقد اتصل به الأربعاء الماضي وعاود الاتصال صباح الاثنين ولم يمنعه السقف الحاد للتجريح الذي لحقه من قِبل نتنياهو من الحرص على متابعة الاتصال به.

وأفاد البيان الصادر عن الرئاسة بأن ماكرون «أعرب عن تضامنه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في أعقاب الهجوم غير المقبول بطائرة من دون طيار على مقر إقامته الشخصي. وكرر تمسك فرنسا بأمن إسرائيل».

فرصة ما بعد السنوار

ككل مرة، شكلت غزة ولبنان وإيران محاور المحادثة. وبخصوص غزة رأى ماكرون أن «تصفية يحيى السنوار يجب أن تُستغل بصفتها فرصةً لإطلاق مرحلة جديدة من المفاوضات من أجل التوصل لوقف إطلاق النار في غزة وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن وتمكين إيصال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع».

والحال، أن المطالبة الفرنسية (والدولية) تصطدم بحائط إسرائيلي، حيث إن نتنياهو، وفق أكثر من جهة، عازم على تنفيذ مخططه في غزة ولبنان من غير أن يعير الرأي العام الفرنسي، الأوروبي أو الدولي أي أهمية ما دام أن الحليف الأميركي يغطيه في مجلس الأمن ويحميه عسكرياً ويزوّده بكل ما يحتاج إليه من سلاح ومال.

ممثل فرنسا في مجلس الأمن نيكولا دي ريفيير وممثل إسرائيل داني دنون في ختام جلسة حول لبنان أغسطس الماضي (رويترز)

وما يصح على غزة يصح على لبنان إلا أن لباريس علاقة خاصة معه، وسبق لماكرون أن طرح مبادرة مشتركة مع الرئيس الأميركي جو بايدن وبدعم غربي وعربي لإيقاف الحرب في لبنان والعودة إلى الحل الدبلوماسي، لكن نتنياهو وأدها في المهد.

ونقل قصر الإليزيه عن ماكرون أنه طلب من نتنياهو «ضمان الحفاظ على البنية التحتية وحماية السكان المدنيين وإقرار وقف إطلاق النار بأسرع وقت ممكن».

وثمة تحول في الصياغة الفرنسية لجهة المطالبة بوقف للنار «بأسرع وقت ممكن» ما هو مختلف عما كانت تنادي به باريس من «وقف فوري» للنار.

«يونيفيل»

يبقى أن باريس خائفة على سلامة وعلى مصير ودور قوة السلام الدولية (يونيفيل) في جنوب لبنان، حيث تتعرض لعملية تخويف وأعمال معادية إسرائيلية.

ولفرنسا 700 عنصر يعملون في نطاقها.

وجاء في بيان الإليزيه أن ماكرون «ندَّد بأعمال الجيش الإسرائيلي ضد قواعد (يونيفيل)، وأعرب عن رغبته في أن تقوم الأمم المتحدة بدورها الكامل في جنوب لبنان لتمكين السكان المدنيين من العودة إلى ديارهم بأمان على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل».

عناصر من قوات الأمن تشتبك مع أشخاص أثناء محاولتهم إخلاء نازحين من فندق قديم وسط حي الحمرا في بيروت (رويترز)

ووسط ما يروّج من أن إسرائيل تتأهب لشنّ ضربات على إيران ردا على الصواريخ الـ181 التي أطلقتها على إسرائيل بداية الشهر الحالي، ناقش ماكرون ونتنياهو «مسؤوليات إيران في انتشار الأزمات في الشرق الأوسط»، كما أفاد بيان الإليزيه.

وأضاف أن ماكرون عازم على مواصلة الحوار «المتطلب» مع السلطات الإيرانية؛ سعياً منه للحصول على «ضمانات منها بشأن برامج إيران النووية والباليستية وسياستها الإقليمية».

يتضح مما سبق أن الهوة بين ماكرون ونتنياهو واسعة لدرجة يصعب جسرها مهما سعى الأول لتلطيف لهجته. وترى مصادر سياسية فرنسية أن إسرائيل «لم تعد تتقبل أي انتقاد من أي جهة جاءت، بما في ذلك من جهة صديقة».


مقالات ذات صلة

ماكرون يندد بموقف روسيا «التصعيدي» إزاء أوكرانيا ويدعو بوتين «للتعقّل»

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في ريو دي جانيرو (د.ب.أ)

ماكرون يندد بموقف روسيا «التصعيدي» إزاء أوكرانيا ويدعو بوتين «للتعقّل»

ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، بموقف روسيا «التصعيدي» في الحرب في أوكرانيا، داعياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «التعقّل».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بوينس أيرس (أ.ف.ب)

ماكرون: بوتين «لا يريد السلام» في أوكرانيا

أوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين «لا يريد السلام» مع كييف و«ليس مستعداً للتفاوض».

«الشرق الأوسط» (بوينس أيرس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

«الإليزيه»: ماكرون يزور السعودية بين 2 و4 ديسمبر القادم

يزور الرئيس إيمانويل ماكرون السعودية في الفترة بين الثاني والرابع من ديسمبر المقبل، حسبما أعلن قصر الإليزيه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الخارجية السعودية)

ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي يستعرضان التطورات هاتفياً

استعرض الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الخميس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

ماكرون قبل مباراة فرنسا وإسرائيل: «لن نرضخ لمعاداة السامية»

أعلن الرئيس الفرنسي، الخميس، أن بلاده «لن ترضخ إطلاقاً لمعاداة السامية»، قبل ساعات من مباراة كرة القدم بين إسرائيل وفرنسا سيحضرها الرئيس في ملعب استاد دو فرنس.

«الشرق الأوسط» (باريس)

إلغاء زيارة وزير الخارجية الهولندي لإسرائيل

وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب (أ.ب)
وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب (أ.ب)
TT

إلغاء زيارة وزير الخارجية الهولندي لإسرائيل

وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب (أ.ب)
وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب (أ.ب)

ذكرت وكالة الأنباء الهولندية «إيه إن بي»، اليوم الخميس، أن زيارة مقررة لوزير الخارجية الهولندي إلى إسرائيل أُلغيت، مشيرة إلى أن السبب وراء القرار هو تسريب معلومات سرية عن الزيارة.

وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن وزير الخارجية جدعون ساعر ألغى، اليوم الخميس، زيارة كانت مزمعة لنظيره الهولندي كاسبار فيلدكامب إلى إسرائيل، يوم الاثنين المقبل. جاء ذلك بعد تصريحات الوزير الهولندي حول استعداد بلاده لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، اليوم، بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب» في غزة.

وقال ساعر، في بيان، إنه تحدَّث مع فيلدكامب، وعبَّر عن خيبة أمله إزاء تصريحه أمام البرلمان الهولندي، عقب قرار المحكمة الجنائية الدولية.

وقالت المحكمة، في بيان، إن لديها أسبابها المنطقية لجعل نتنياهو وغالانت شريكين في «جرائم ضد الإنسانية هي جريمة التجويع بوصفها سلاحاً... وجرائم ضد الإنسانية مثل القتل». وأكدت المحكمة أن «نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن توجيه هجوم متعمد ضد المدنيين». وأصدرت المحكمة الدولية أيضاً مذكرة اعتقال بحق محمد الضيف القيادي في حركة «حماس».