هاريس وبايدن: وجهان لعملة واحدة؟

السياسات مختلفة بالنبرة وليس بالجوهر

هاريس وبايدن في المؤتمر الحزبي الديمقراطي في 19 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
هاريس وبايدن في المؤتمر الحزبي الديمقراطي في 19 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

هاريس وبايدن: وجهان لعملة واحدة؟

هاريس وبايدن في المؤتمر الحزبي الديمقراطي في 19 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
هاريس وبايدن في المؤتمر الحزبي الديمقراطي في 19 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

مع قرب موعد الانتخابات الأميركية، تتزايد التساؤلات حول مدى اختلاف السياسات بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس الحالي جو بايدن؛ فنائبة الرئيس التي حرصت على الاستمرار بإظهار ولائها لبايدن، تسعى جاهدة لرسم خطط واضحة لسياستها على الصعيدين الداخلي والخارجي، لكنها غالباً ما تصطدم بواقع استثنائي تلعب فيه دورين: دور نائبة بايدن مهمتها تنفيذ سياسات الإدارة الأميركية من دون انتقادها، ودور المرشحة الديمقراطية التي يجب أن تقدم أجندة فعلية لمعالجة قضايا حساسة ستحسم رأي الناخب الأميركي.

يستعرض تقرير واشنطن وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، مواقف المرشحة الديمقراطية الفعلية في ملفات السياسة الداخلية والخارجية، وما إذا كانت ستصبح امتداداً لسياسات بايدن أو انشقاقاً عنها.

هاريس ومحاولة «الانشقاق» عن بايدن

هاريس خلال حدث انتخابي في ويسكونسن في 17 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تقول هاريس إنها ما كانت لتغير شيئاً في سياسات إدارة بايدن في الأعوام الأربعة الأخيرة، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن إدارتها لن تكون استكمالاً للإدارة الحالية، ويرى آري أراميش، الخبير الاستراتيجي الديمقراطي والباحث في شؤون الأمن القومي، أن هاريس كانت نائبة مخلصة لبايدن طوال فترة إدارته، مشيراً إلى أنها نفّذت مهامها الدستورية بالشكل المطلوب، وقال: «إن نائب الرئيس الجيد ينفذ أوامر الرئيس الحالي، فهو لا يضع أي برامج أو سياسات... لكنها (هاريس) تملك شخصيتها المستقلة، فهي المرشحة الديمقراطية الآن وتدير حملتها الرئاسية الخاصة»، ويرى أراميش أنه من غير العدل توجيه اللوم لهاريس بسبب ولائها لبايدن.

من ناحيته، يتحدث لوك برودواتر مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في الكونغرس عن وضع هاريس الصعب؛ لأنها لا تزال جزءاً من إدارة بايدن، ولا يمكنها أن تقوم بأشياء مختلفة عن أجندة الرئيس. ويضيف: «إن المرشحين الرئاسيين يرغبون بتقديم أنفسهم على أنهم مرشحو التغيير، والوعد الوحيد الذي سمعتها تقدّمه والذي ستختلف فيه عن الرئيس بايدن، هو أنها ستعين جمهورياً في إدارتها. ما عدا ذلك، في أغلبية الملفات التي تحدثت عنها كان هناك اختلاف بالنبرة عن بايدن وليس الجوهر».

لكن ماريانا مونكوسو، المتحدثة باسم المجموعة الجمهورية المحافظة RepublicEN، الداعمة لهاريس، تشير إلى أن حملة هاريس تشبه حملة «جمهوري محافظ» من جمهوريي ريغان، وتتحدث عن سعي المرشحة الديمقراطية إلى استقطاب أصوات الجمهوريين المعتدلين، قائلة: «نعلم أن 20 في المائة من الجمهوريين لا يؤيدون ترمب، هذا يعني أن هاريس يمكنها استهداف 20 في المائة من الناخبين الجمهوريين من خلال تذكيرهم بما فعله في السادس من يناير (كانون الثاني) عندما دعا مؤيديه للتمرّد على الكابيتول. وأعتقد أن هذا أمر مهم جداً».

التحدي الأبرز: الهجرة

مجموعة من طالبي اللجوء على الحدود مع المكسيك في 22 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

وتسعى هاريس جاهدة إلى طرح سياسات جديدة مختلفة عن سياسات الإدارة الحالية، ولعلّ الملف الأبرز الذي تعاني من صعوبة فيه هو ملف الهجرة، وهنا يشير أراميش إلى أنه ورغم أن هاريس لن تقوم بانتقاد بايدن وسياسته حيال الهجرة فإنها يجب أن «تسلّط الضوء على سياسات جديدة، وأن تظهر بأن موقفها يمكن أن يكون مختلفاً حول الحدود». ويضيف قائلاً: «برأيي، الأمر الذي سيؤذيها بشكل كبير في هذه الانتخابات هو موضوع الهجرة. يجب أن يتم رسم خط واضح. عندما تتجنب الإجابة عن أسئلة حول الهجرة، هل ستقوم بالتصرف فيما يتعلّق بالحدود؟ إن القول بأنها ستقوم بتطبيق القوانين الفيدرالية الحالية لا يكفي، يجب الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك».

وهنا يلمّح أراميش إلى أجوبة هاريس خلال عدد من المقابلات التلفزيونية التي أجرتها، في غياب أي مؤتمر صحافي لها منذ ترشحها للرئاسة، ويرى برودواتر أن هذه استراتيجية إعلامية مقصودة من قبل حملة هاريس التي بدأت باستهداف البودكاست والوسائل غير التقليدية لإيصال رسالتها؛ لأنها تحاول التركيز على شرائح محددة من الناخبين، ويفسر قائلاً: «سعت إلى دفع النساء الشابات إلى التصويت لها شاركت، في بودكاست Call her Daddy، وسعتْ لجذب محبي الرياضة من خلال مشاركتها في بودكاست NBA وفي هذه المقابلات، لا تواجه نوع الأسئلة الصعبة التي يمكن أن تواجهها مع الصحافيين، لكنها توصل رسالتها إلى شرائح ديموغرافية محددة».

ويسعى ترمب إلى استغلال نقاط ضعف هاريس، خاصة في ملف الهجرة، من خلال استقطاب الفئات المشككة بها، وهذا ما تتحدث عنه مانوسكو، مشيرة إلى أن الفئة الكبرى التي يركز عليها ترمب حالياً هي أصوات اللاتينيين، وهو يبذل جهوداً مكثفة لاستقطاب هؤلاء الناخبين، وتضيف: «نحن نعلم أن هذه الأصوات قد تكون العامل المقرر في انتخابات 2024».

وهنا يعترف أراميش بالتحدي الذي تواجهه هاريس بمواجهة ترمب، فيقول: «إن أحد الأمور التي تعجب الناس في ترمب، ويجب أن نتعلم منه، هو أنه عندما يُطرح عليه سؤال، يجيب بشكل مباشر... هو لا يغرّد رسائل طويلة متحدثاً عن السياسات... ومستخدماً عبارات معقدّة، بل يتحدث بطريقة مباشرة ومبسطة ويتواصل مباشرة مع الناخبين». ويقارن أراميش هذا بأداء هاريس، مشيراً إلى أنها تستطيع أن تقوم بعمل أفضل في التواصل مع الناخبين، فيقول: «عندما يطرح عليها سؤال بسيط يمكنها أن تقول: لم تعطَ لي الفرصة لتنفيذ هذا، لكن يمكنني أن أقوم بأكثر من ذلك بكثير».

الاقتصاد والإجهاض

ترمب يتحدث خلال عشاء مؤسسة «ألفرد سميث» السنوي في نيويورك في 17 أكتوبر 2024 (رويترز)

ويعقب برودواتر على هذه النقطة في أداء هاريس وأسلوبها، مشيراً إلى أن الناخب الأميركي يثق بترمب أكثر من هاريس وبايدن في الاقتصاد، رغم أن الوضع الاقتصادي كان جيداً في عهد بايدن، ويقول: «هذا يعد مصدر إحباط للديمقراطيين وإدارة بايدن، فقد تحدّثت مع مستشاري بايدن الذين لا يعلمون لماذا يشعر الناس سلبياً تجاه الاقتصاد، فهم يشيرون إلى معدل البطالة المنخفض وخلق فرص عمل كبيرة خلال إدارة بايدن التي أيضاً ساهمت في إخراجنا من جائحة (كوفيد)، لكن في الوقت نفسه، هناك مشكلة التضخّم، وقد ارتفع معدل التضخم كثيراً تحت إدارة بايدن، وكان ذلك جزئياً بسبب الجائحة، وقد ألقى الناخبون اللوم على الديمقراطيين وعلى إدارة بايدن، ولديهم ذكريات رائعة عن سوق أسهم مزدهر تحت إدارة دونالد ترمب قبل الجائحة».

كما يذكر برودواتر أن الناخب الأميركي يثق بشكل عام بالجمهوريين في ملف الاقتصاد، ويرون دونالد ترمب على أنه رجل أعمال ناجح، مشيراً إلى أن هاريس تعلم أن الاقتصاد ليس نقطة قوتها، لهذا فهي تسعى لاستخدام مواضيع مثل الإجهاض، حيث يدعمها معظم الناخبين، ولا يريدون رؤية عودة سياسة دونالد ترمب في هذا الموضوع».

وتحذر مانوسكو من أن ملف الإجهاض هو الذي قد يكلف ترمب الرئاسة، وتذكّر بالانتخابات النصفية، حيث عمدت النساء إلى التصويت لصالح الديمقراطيين في ولايات حمراء بسبب قرار المحكمة العليا إلغاء حق الإجهاض، مضيفة: «أعتقد أن هناك فرصة لرؤية ذلك يحدث مجدداً هنا في 2024».

السياسة الخارجية بين إيران والصين

هاريس ونتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن في 25 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

ملف آخر أظهر انشقاقاً في المواقف بين هاريس وبايدن هو ملف السياسة الخارجية، فهاريس رأت أن إيران هي الخطر الأبرز الذي يواجه الولايات المتحدة، في حين أن استراتيجية إدارة بايدن الدفاعية تذكر الصين وروسيا كأبرز تهديدين على صعيد السياسة الخارجية، وهنا ينتقد أراميش سياسة الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بإيران، فيقول:

«جزء من مشكلتي مع حزبي هو أنه يعتقد أن المفاوضات مع إيران قد تغير من هويتها وطريقة عملها. إن جمهورية إيران الإسلامية أو نظام ولاية الفقيه هو نظام يعمل على أساس واحد: العداء لأميركا وتصدير الثورة».

لكن أراميش يشير في الوقت نفسه إلى تهديد الصين وروسيا، عادّاً أن «الصين هي من دون شك العدو الاستراتيجي طويل الأمد»، أما بالنسبة لإيران فهي «لاعب إقليمي يحاول قتل رئيس سابق، ويشكل مشكلة كبيرة يجب التعامل معها فوراً».

من ناحيته يرى برودواتر أن سياسات هاريس لن تختلف عن سياسات بايدن في الشرق الأوسط «رغم اختلاف نبرتها»، ويعطي مثالاً على ذلك في حرب غزة، قائلاً: «لقد تحدّثت بشكل متعاطف أكثر من بايدن فيما يتعلق بآلام الفلسطينيين، لكن فعلياً في الجوهر لم أرَ أي اختلاف في السياسة بينها وبين بايدن على هذا الموضوع، نحن لم نرَ تغييراً في السياسة نحو نهج أكثر توازناً مع إسرائيل وفلسطين، ولا تزال المقاربة تميل كثيراً إلى إسرائيل».


مقالات ذات صلة

جورج كلوني: اختيار كامالا هاريس بديلاً لبايدن «كان خطأ»

يوميات الشرق الممثل جورج كلوني وكامالا هاريس (أ.ف.ب)

جورج كلوني: اختيار كامالا هاريس بديلاً لبايدن «كان خطأ»

قال الممثل الأميركي الشهير جورج كلوني إنه يشعر بأن اختيار كامالا هاريس بديلاً لجو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 كان «خطأً».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يغادر المسرح بعد أن تحدث إلى أفراد الجيش على متن حاملة الطائرات «يو إس إس جورج واشنطن» بجنوب طوكيو (أ.ب) play-circle

ترمب: أرغب في الترشح لولاية رئاسية ثالثة

تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن إمكانية ترشح نائبه جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو للرئاسة في عام 2028، لكنه لم يستبعد نفسه من السباق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي السابق كامالا هاريس (أ.ب)

كامالا هاريس تلمح إلى إمكان خوضها الانتخابات الرئاسية مجدداً

ألمحت نائبة الرئيس الأميركي السابق كامالا هاريس، في مقابلة تلفزيونية مع قناة بريطانية، إلى أنها قد تترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي السابقة كامالا هاريس (رويترز) play-circle

«الأكثر تأهيلاً على الإطلاق»... كامالا هاريس تلمّح لإمكانية ترشحها للرئاسة عام 2028

لمّحت نائبة الرئيس الأميركي السابقة، كامالا هاريس، إلى احتمال ترشحها للرئاسة عام 2028، وأكدت أن البعض وصفها بأنها «المرشحة الأكثر تأهيلاً على الإطلاق».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس (إ.ب.أ) play-circle

هاريس في كتاب جديد: تعاطف بايدن مع غزة كان «مصطنعاً وغير كافٍ»

قالت نائبة الرئيس الأميركي السابقة كامالا هاريس، إن الرئيس السابق جو بايدن لم يكن قادراً على إظهار تعاطف كبير مع المدنيين في غزة، والذين قُتلوا على يد إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

زيلينسكي يأمل في إقناع ترمب بخطّته الجديدة للسلام

جانب من اجتماع زيلينسكي وكارني مع قادة أوروبيين عبر اتّصال فيديو في هاليفاكس يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
جانب من اجتماع زيلينسكي وكارني مع قادة أوروبيين عبر اتّصال فيديو في هاليفاكس يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي يأمل في إقناع ترمب بخطّته الجديدة للسلام

جانب من اجتماع زيلينسكي وكارني مع قادة أوروبيين عبر اتّصال فيديو في هاليفاكس يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
جانب من اجتماع زيلينسكي وكارني مع قادة أوروبيين عبر اتّصال فيديو في هاليفاكس يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)

يلتقي فولوديمير زيلينسكي مع دونالد ترمب، الأحد، في فلوريدا للبحث في قضية أوكرانيا ومحاولة الحصول على موافقة الرئيس الأميركي على النسخة الأخيرة من خطة السلام الرامية إلى إنهاء الحرب المستمرة مع روسيا منذ أربع سنوات. وقال الرئيس الأميركي لموقع «بوليتيكو»، الجمعة، إن نظيره الأوكراني الذي يصل حاملاً معه أحدث مقترحاته بشأن القضية الشائكة المتعلقة بتقاسم الأراضي، «لا يملك أي شيء حتى أوافق أنا عليه». مع ذلك، بدا ترمب واثقاً في نتائج المحادثات، قائلاً: «أعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام معه. وأعتقد أنها ستسير على ما يرام مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين»، الذي يعتزم التحدث معه «قريباً».

وصول زيلينسكي إلى هاليفاكس يوم 27 ديسمبر (أ.ب)

وأكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو ستواصل «انخراطها مع المفاوضين الأميركيين لوضع اتفاقات دائمة تعالج الأسباب الجذرية للنزاع»، مع انتقاده للأوروبيين، وفق تصريحات نقلتها وكالة «تاس» للأنباء. وقال لافروف: «بعد تغيّر الإدارة في الولايات المتحدة، أصبحت أوروبا والاتحاد الأوروبي العقبة الرئيسية أمام السلام»، عادّاً أن الأوروبيين «لا يخفون نواياهم في الاستعداد لحرب ضد روسيا». وتابع أن «طموح القادة الأوروبيين يعميهم حرفياً: فهم ليسوا غير مبالين بالأوكرانيين فحسب، بل يبدو أنهم غير مبالين أيضاً بشعوبهم».

أمل أوكراني

يستقبل الرئيس الأميركي نظيره الأوكراني في «مارالاغو»، مقرّ إقامته الخاص في بالم بيتش، حيث يمضي الرئيس الجمهوري البالغ 79 عاماً عطلته، والذي أصبح بمثابة ملحق للبيت الأبيض. ومن المقرر أن يستضيف ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المقر عينه، الاثنين.

وبعد لقاء زيلينسكي بترمب، من المرتقب أن يجري الرئيسان مكالمة هاتفية مع الزعماء الأوروبيين، بحسب ما أفاد الناطق باسم الرئاسة الأوكرانية. وقال سيرغي نيكيفوروف في تصريحات للإعلام إنه «من المرتقب إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي دونالد ترمب، والزعماء الأوروبيين»، بعد اللقاء الثنائي.

وأعرب زيلينسكي خلال محطة له في كندا السبت، عن أمله في أن يكون الاجتماع مع ترمب «بنّاء للغاية»، مشيراً إلى أنه تشاور مسبقاً مع حلفائه الأوروبيين. وأكد الأوروبيون للرئيس الأوكراني «دعمهم الكامل»، وفق المستشار الألماني فريدريش ميرتس. وفي كندا، حصل زيلينسكي على حزمة مساعدات اقتصادية جديدة بقيمة 2,5 مليار دولار كندي (1,8 مليار دولار أميركي) من رئيس الوزراء مارك كارني.

لم يكن الاجتماع الأخير بين الرئيسين الأميركي والأوكراني في أكتوبر (تشرين الأول)، حين طلب فولوديمير زيلينسكي صواريخ «توماهوك» من دون جدوى، ودياً بشكل خاص.

بوتين يُهدّد

وتأتي القمة في فلوريدا عقب اقتراح الرئيس الأوكراني نسخة جديدة من الخطة الأميركية لإنهاء الحرب، بعد تعديلها إثر محادثات مع أوكرانيا، وهو ما أثار استياء موسكو. ويعتقد الكرملين أن كييف تحاول من خلال هذه النسخة الأخيرة «نسف» المحادثات، بعد نسخة أولية كانت أكثر مراعاة للمطالب الروسية.

صورة وزّعها الكرملين يوم 27 ديسمبر لزيارة بوتين أحد مراكز قيادة القوات المسلحة الروسية في موقع غير محدد (رويترز)

وفي تصعيد للضغط الميداني، أعلنت روسيا السبت أنها سيطرت على بلدتين جديدتين في شرق أوكرانيا، هما ميرنوغراد وغوليايبول. وقال بوتين السبت: «إذا لم ترغب السلطات في كييف في تسوية هذه القضية سلمياً، فسنحل كل المشكلات التي تواجهنا بالوسائل العسكرية». وأضاف الرئيس الروسي أن «قادة نظام كييف ليسوا في عجلة من أمرهم لحلّ هذا النزاع سلمياً». واستذكر قائلاً: «لقد تحدثت عن هذا الأمر قبل عام في خطاب ألقيته في وزارة الخارجية». وعشية الاجتماع في فلوريدا، هاجمت موسكو كييف والمنطقة المحيطة بها بمئات المسيّرات وعشرات الصواريخ، ما أسفر عن مقتل شخصين وانقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من مليون منزل. وأعلنت شركة «دتيك»، أكبر مستثمر خاص في قطاع الطاقة الأوكراني، الأحد استئناف تزويد «جميع المنازل في العاصمة» بالتيار الكهربائي.

ورأى زيلينسكي أن هذا الهجوم يُجسّد «ردّ روسيا على جهودنا السلمية». ولم يعد دونالد ترمب يُخفي استياءه من طول أمد المفاوضات. فقد صرّحت الناطقة باسمه كارولاين ليفيت في 11 ديسمبر (كانون الأول) أنه «يشعر بإحباط شديد من كلا الجانبين». وفي 19 ديسمبر، حثّ الرئيس الأميركي أوكرانيا على اتخاذ إجراءات لإنهاء المراوحة المستمرة. لكن هل سينجح فولوديمير زيلينسكي في إقناع ترمب بتوجيه رسالة مماثلة إلى موسكو، لا سيما وأن النسخة الأخيرة من الخطة تبدو غير مقبولة لدى الروس؟

20 بنداً

تقترح الوثيقة المكونة من 20 بنداً تجميد خطوط القتال على الجبهة، من دون التطرق إلى المطلب الروسي بسحب القوات الأوكرانية من نحو 20 في المائة من منطقة دونيتسك الشرقية التي لا تزال تحت سيطرتها. إلا أن زيلينسكي عبّر عن انفتاح مشروط على إنشاء «منطقة منزوعة السلاح» و«اقتصادية حرّة» تؤمّنها شرطة أوكرانية في دونباس، في حال وافقت روسيا على سحب قواتها.

أوكرانيون يعاينون الدمار الذي خلّفه القصف الروسي على كييف يوم 28 ديسمبر (أ.ف.ب)

كما أن النص الجديد لم يعد يتضمن أي التزام قانوني على أوكرانيا بالامتناع عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو مطلب رئيسي آخر للكرملين. إلى جانب مصير دونباس، المنطقة الواقعة في شرق أوكرانيا التي تطالب بها موسكو، ومصير محطة زابوريجيا النووية التي يحتلها الروس في الجنوب، من المتوقع أن يناقش الرئيسان الضمانات الأمنية التي يمكن أن تقدمها القوى الغربية في جزء من اتفاق سلام محتمل.

وشدّد زيلينسكي السبت على أن «هذه الضمانات الأمنية يجب أن تأتي بالتزامن مع نهاية الحرب». وكان الرئيس الأميركي قد أشار مؤخراً إلى أن أوكرانيا، من وجهة نظره، لديها كل المصلحة في تجميد خطوط الجبهة بأسرع وقت ممكن في مواجهة أي تقدم روسي مستقبلي، يعده حتمياً. وقال في الثامن من ديسمبر إن «روسيا متقدمة، ولطالما كانت كذلك». لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أكدت السبت عقب مكالمة هاتفية مع زيلينسكي، على ضرورة أن يحافظ أي اتفاق سلام على «سيادة» أوكرانيا و«وحدة أراضيها».


ترمب أجرى اتصالاً «مثمراً للغاية» مع بوتين قبيل اجتماعه مع زيلينسكي

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية- د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية- د.ب.أ)
TT

ترمب أجرى اتصالاً «مثمراً للغاية» مع بوتين قبيل اجتماعه مع زيلينسكي

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية- د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية- د.ب.أ)

قال الرئيس الأميركي دونالد ‌ترمب ‌اليوم (الأحد) ⁠إنه ​أجرى ‌اتصالاً هاتفياً «جيداً ومثمراً للغاية» مع نظيره ⁠الروسي ‌فلاديمير ‍بوتين.

ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن ​دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، قوله ⁠اليوم الأحد إن بوتين تحدث هاتفيا مع ترمب، لكنه لم يقدم تفاصيل.

ووفقاً لـ«رويترز»، يأتي ‍ذلك قبيل اجتماع ترمب مع نظيره ​الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في فلوريدا، ⁠في وقت لاحق اليوم.


استراتيجية ترمب للأمن القومي... من الاحتواء إلى إعادة الاصطفاف

ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتصافحان في البيت الأبيض 13 فبراير 2025 (رويترز)
ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتصافحان في البيت الأبيض 13 فبراير 2025 (رويترز)
TT

استراتيجية ترمب للأمن القومي... من الاحتواء إلى إعادة الاصطفاف

ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتصافحان في البيت الأبيض 13 فبراير 2025 (رويترز)
ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتصافحان في البيت الأبيض 13 فبراير 2025 (رويترز)

ينهار النظام العالميّ عندما تختلّ التوازنات، وتختلّ التوازنات عندما يُضاف إلى التركيبة العالميّة القائمة قوّة جديدة تُحرّك «الستاتيكو» القائم، فتخلق ديناميكيّات جديدة.

وبهذه الحالة، يظهر فريقان. الأوّل، وهو من كان سيّداً على النظام العالميّ القديم، ويريد بقاءه لأنه المستفيد الأول. الثاني، القوة الصاعدة التي تريد تغيير النظام القديم، أو بالحدّ الأدنى تعديله كي يناسب طموحاتها. في هذه التحوّلات الكبرى. تبدأ الدول، ومن كل الأحجام، إعادة ترسيم دورها المستقبليّ، حيث تُحافظ على أمنها القوميّ. كما ترسم سُبل وطُرق واستراتيجيات الخروج إلى مكان آمن، وتأمين الوسائل لهذه العمليّة المُعقّدة. وإذا كنا قد تعوّدنا أن تغيير النظام العالمي كان يحصل قديماً بعد حرب عالميّة بين القوى العظمى، فكيف نُفسّر الآن التحوّلات القائمة في النظام العالميّ؟ وهل نحن في الطريق إلى صدام كبير؟ وهل سيمنع السلاح النوويّ الاقتتال المباشر بين القوى العظمى، ليشهد العالم حروباً بالوكالة؟

في هذا الإطار، يقول المفكر العسكري الكبير، كارل فون كلوزفيتز، عن الحرب ما معناه: «لكل عصر حربه الخاصة وظروفه المحّددة. ومن الصعب وصف الحرب في أيّ لحظة زمنيّة. كذلك، لا يمكن التنبّؤ بنوع الحرب المقبلة. ففي أغلب الأحيان، يكون شكلها مفاجئاً». أليست الحرب كالحرباء تغيّر لونها حسب الظروف؟!

العلاقة بين الحرب والتكنولوجيا

من المؤكّد أنه لا توجد استراتيجيّة مُستدامة في الزمان والمكان، وصالحة في أيّ ظروف. فسمة الحياة هي التطوّر، ومعها تتبدّل الاستراتيجيّة، خاصة أن الحرب تُعتبر توأماً لا ينفصل للتكنولوجيا المعاصرة لها. فالعلاقة جدليّة بين الحرب والتكنولوجيا. تستعمل الحرب التكنولوجيا المتوفّرة في العصر. وبعد التجربة، تصرّ الحرب على تكنولوجيا جديدة أكثر تطوّراً من القديمة والمُجرّبة. وهكذا دواليك.

جانب من لقاء جمع الرئيس ترمب بنظيره الأوكراني وقادة أوروبيين في البيت الأبيض يوم 18 أغسطس 2025 (أ.ب)

يُنظّر المفكّر الأميركي، غراهام إليسون، حول فخ توسيديدس (Thucydides)، وهو المُؤرّخ الذي كتب عن حرب البيليبونيز بين أسبارطة وأثينا. في ذلك الوقت، كان العالم ثنائيّ الأقطاب، حيث إن المعادلة كانت بين الاثنتين معادلة صفريّة تندرج تحت مفهوم «المعضلة الأمنيّة». بكلام آخر، إن أمن أيّ دولة منهما يعني هشاشة الدولة الأخرى، التي ستحاول تعديل موازين القوى.

وعندما تعدّل هذه الموازين، تنتقل الهشاشة إلى الدولة الأخرى، التي بدورها تحاول تعديل الوضع القائم مجدّداً حتى وقوع الصدام الأكبر. في هذا الإطار، يقول إليسون في كتابه «حتميّة الحرب» إن احتمال الحرب يرتفع مع صعود قوّة جديدة تريد تغيير الوضع القائم. لكن الحرب ليست حتميّة، بل يمكن تفاديها بعقل بارد، وإدارة ذكية للتنافس. فالميل للصدام والحرب هو بنيويّ، وليس قدراً محكوماً. فهل يتّبع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في استراتيجيّة الأمن القومي الأخيرة هذه المقاربة الذكيّة؟

تجديد التعاقدات الجيوسياسيّة

تُعدّ وثيقة الأمن القومي، التي صدرت عن إدارة ترمب هذا الشهر، أهم وثيقة جيوسياسيّة أميركيّة رسميّة، إذ تُبنى عليها كل القرارات الأميركية الداخلية، كما الخارجيّة، وذلك بهدف التنفيذ الفوريّ، وكل فيما يخصّه، وفي كل الأبعاد. وتعتمدها الدول في كل أرجاء العالم، المنافس منها، العدو كما الحليف، كبوصلة جيوسياسيّة لرسم سلوك المستقبل والاستراتيجيّات. وفي حال هكذه، يبدأ تفعيل مفهومي «التخليّ والاصطفاف» (Abandonment and Bandwagoning).

في التخلّي، يهدف الأقوى إلى التخلّي عن بعض الدول التي كانت حليفة، كونها لم تعد مفيدة في مرحلة الصراع المقبل، وقد تصبح عبئاً جيوسياسيّاً مُكلفاً. تندرج أوروبا، كما حلف الناتو في هذا التصنيف مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض.

زيلينسكي يتوسّط قادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين خلال محادثات في برلين حول أوكرانيا يوم 15 ديسمبر (د.ب.أ)

أما الاصطفاف، فهو عندما تسعى بعض الدول إلى عرض ما تملك من قدرات على القوة العظمى وإغرائها بأنها مفيدة في صراعها المستقبليّ، علّها تركب القطار الجديد. وعليه، يكثُر استعمال كلمة التحوّل الجيوسياسيّ في الخطاب السياسيّ العام. ففي عام 2011، أعلنت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة هيلاري كلينتون استراتيجيّة التحوّل إلى منطقة الإندو - باسفيك. وفي عام 2017، أُعيد إحياء تجمّع دول الكواد (Quad) المؤلف من أميركا واليابان والهند وأستراليا. والهدف هو التعاون لجعل منطقة الإندو - باسفيك مفتوحة، حرّة وآمنة.

فُسّر هذا التجمّع آنذاك على أنه ثقل موازن للنفوذ الصيني المتزايد في المنطقة، من خلال مشروع الحزام والطريق. في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وخلال قمّة جنوب شرقي آسيا، قال الرئيس ترمب إنه «يحبّ باكستان». في المقابل، رشّحه المسؤولون الباكستانيون لنيل جائزة «نوبل» للسلام. فهل يُعدّ هذا السلوك تحوّلاً جيوسياسيّاً أم تصريحاً على طريقة الرئيس ترمب الفريدة من نوعها؟ وماذا عن الهند، والكواد، والتعاون النووي مع أميركا منذ أيام الرئيس بوش الابن؟ وهل تم التخلّي عن الهند كركيزة لمشروع احتواء الصين؟

وضع الهند

ردّاً على هذا التساؤل، يمكن العودة إلى استراتيجيّة الأمن القومي الأميركيّة، كونها مرجعاً جيوسياسيّاً رسمياً. ذُكرت الهند في الوثيقة 4 مرات بعدّة أمور، أهمها: الدعوة لمساهمة أكبر بأمن المحيط الهندي، واصطفاف أكبر، ومواقف أوضح، وعدم توقّع دعم إضافيّ من العم سام.

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك بالبيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

باختصار، تعتبر أميركا أن الهند كسولة في سعيها لرفع ميزانية الدفاع. فالهند دولة قاريّة - بحريّة، لكنها تتصرّف على أنه قاريّة فقط كون كل حروبها كانت بريّة حدوديّة ومع باكستان. لذلك يتساءل بعض المسؤولين الأميركيّين حول «كيف ستتصرّف الهند في حال هاجمت الصين تايوان؟ وهل هي انتهازيّة تستفيد فقط من التحالفات عندما تستطيع، وتتخلّف عن المساهمة إبّان الأزمات التي لا تمسّ أمنها القومي مباشرة؟».

وأخيراً وليس آخراً، ألا يؤكّد مشروع تشكيل محور في محيط الهند المباشر، يتألف من الصين وبنغلاديش وباكستان، على أنه إنذار لتراجع النفوذ الهندي؟ وإذا ما تحقّق المشروع، ستصبح الهند لاعباً عاديّاً في محيط سُمّي على اسمها، بدل أن تكون جوهرة التاج فيه.