القلق الإثيوبي يتصاعد بسبب التعاون المصري - الصومالي

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)
TT

القلق الإثيوبي يتصاعد بسبب التعاون المصري - الصومالي

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)

انتقادات إثيوبية للحضور المصري - الصومالي زادت وتيرتها مع شراكة ثلاثية بين القاهرة وأسمرة ومقديشو، بعد نحو شهرين من اتهامات أديس أبابا للقاهرة بشأن مخاوف من «زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي».

القلق الإثيوبي لم يتوقف منذ إعلان القاهرة المشاركة في قوات حفظ السلام في الصومال، ثم وصول معدات عسكرية مصرية في أغسطس (آب) الماضي، حتى انعقاد قمة رؤساء مصر والصومال وإريتريا بأسمرة، ويمضي في «تصاعُد».

ووفق خبراء تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، فإن «أديس أبابا تحاول إيجاد عدوّ خارجي أمام الإثيوبيين، مع تَنامي الأزمات والقلاقل الداخلية وتصاعد قلقها»، وتوقّعوا ألا يتحول ذلك القلق لصدام أو حرب بالوكالة، مع ترجيح «إمكانية الذهاب لحلول دبلوماسية» مع زيادة الضغوط على إثيوبيا.

وبعد يوم من قمة التعاون المصرية - الصومالية - الإريترية، نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، انتقادات مباشرة للقاهرة بشأن حضورها في مقديشو، بعد مرات لجأت فيها الدبلوماسية الإثيوبية لاتهامات «غير مباشرة لم تحدّد خلالها اسم القاهرة صراحةً».

ونقلت الوكالة الإثيوبية عن رئيس معهد الدبلوماسية العامة الإثيوبي في السويد، ياسين أحمد، قوله إن «تدخّل مصر في الصومال يشكّل تهديداً غير مسبوق للاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «مصر غير قادرة على المساهمة في حفظ السلام بالدول المجاورة لها، مثل السودان وليبيا، ولا تستطيع حتى حماية حدودها من التهديدات، وستفشل في حفظه بالصومال»، وحسب حديث أحمد، في المنبر الإثيوبي الرسمي، فإن «السبب الرئيسي وراء تدخّل مصر في الصومال هو مَطالبها فيما يتعلق بـ(سد النهضة)، ومحاولة خلق ضغوط على إثيوبيا»، داعياً مصر «إلى التعاون مع إثيوبيا في تعزيز الأمن الإقليمي».

وعبَّر أحمد عن قلقه إزاء «إمداد مصر للصومال بالأسلحة، وأن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم التحديات الأمنية القائمة، وتقويض الجهود الجارية لتحقيق الاستقرار في الصومال»، مدافعاً عن حق وصول إثيوبيا إلى البحر من خلال مذكرة التفاهم مع «أرض الصومال» الموقَّع مطلع العام.

في المقابل، فنّدت عضو «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، الدكتورة أماني الطويل، ما اعتبرته «أخطاء وقع فيها المسؤول الإثيوبي تكشف عن قلق غير مبرّر» من أديس أبابا، بشأن حق مصري قانوني في التعاون مع الصومال، موضحةً أن مصر لها وجود تاريخي في الصومال، وشاركت في جهود إنهاء الحرب الأهلية بمقديشو، وكانت تستقبل الوفود لبحث حلول، بخلاف حضورها الحالي الداعم لدولة صديقة.

وكان لمصر أيضاً تاريخ كبير في مهام حفظ السلام بأفريقيا، ولم يصدر عن أي جهة أي ملاحظات بشأن القوات المصرية التي تأتي من بين جيش مصنَّف عالمياً، وفق الطويل، التي لفتت إلى أن «الحديث عن عدم قدرة القاهرة على حماية حدودها أمر لا يستند لوقائع»، والواقع يقول عكس ذلك، و«إثيوبيا هي الأضعف، ولا تستطيع حماية أراضيها».

جانب من القمة الثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)

أما الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، فيرى أن القلق الإثيوبي المتصاعد منبعه أن «أديس أبابا تعتقد أن التحركات المصرية في الصومال موجَّهة ضدها مساندةً لموقف مقديشو في اعتراض على اتفاقية أديس أبابا مع (أرض الصومال) بمنحها أرضاً على ساحل البحر الأحمر، وبالتالي يقف ضد خطها الاستراتيجي، بأن يكون لديها إطلالة على العالم عبر البحر الأحمر، وهو ما يهدّد أمن مصر القومي، وترفضه القاهرة».

وانتقدت إثيوبيا الموقف المصري الرافض لعقد أديس أبابا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي في يناير (كانون الثاني) الماضي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري، وكانت القاهرة عدّت الاتفاق حينها «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».

ولم تقبل أديس أبابا في أواخر أغسطس الماضي، إعلان سفير الصومال لدى مصر، علي عبدي أواري، في بيان صحافي، «بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام ببعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، التي من المقرّر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية (ATMIS) بحلول يناير 2025».

وانتقد متحدث «الخارجية الإثيوبية»، نبيو تاديلي، في بيان صحافي وقتها، ما وصفه بـ«التدخلات الخارجية» في الصومال، مؤكداً أن بلاده «لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي»، وتلاه دعوة وزير الخارجية الإثيوبي، تاي أصقي سيلاسي، في مؤتمر صحافي، أغسطس الماضي، مقديشو، إلى «وقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا»، محذّراً من أن لبلاده «حدوداً للصبر».

كما رفضت أديس أبابا إعلان «الخارجية المصرية»، في سبتمبر (أيلول) الماضي «وصول شحنة من المساعدات العسكرية المصرية إلى مقديشو للجيش الصومالي، بهدف دعم وبناء قدراته»، وأعرب وزير الخارجية الإثيوبي، حينها، عن «قلقه من أن إمداد الذخائر من قِبل قوى خارجية من شأنه أن يزيد من تفاقم الوضع الأمني الهشّ، وينتهي به الأمر في أيدي الإرهابيين في الصومال»، وفق إفادة لـ«الخارجية الإثيوبية».

وهو ما ردّ عليه وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، في تصريحات لـ«رويترز» وقتها، قائلاً إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

حسن شيخ محمود خلال توقيعه قانوناً يلغي اتفاق إقليم «أرض الصومال» مع أديس أبابا في يناير الماضي (الرئاسة الصومالية)

وترى أماني الطويل أن «القلق الإثيوبي المتصاعد» منذ اتفاقية التعاون العسكري مع إثيوبيا، نتيجة «محاولة أديس أبابا خلْق عدو خارجي للتغطية على الأزمات والقلاقل الداخلية المتصاعدة، ومحاولة للقفز للأمام، واختلاق أزمات غير حقيقية».

وحسب الطويل، «ليس أمام إثيوبيا إلا مراجعة مواقفها تجاه مصر والصومال»، مؤكدةً أن «الظروف الداخلية الإثيوبية وقدرتها العسكرية الضعيفة لا تسمح بأي صدام، أو الانجرار لمواجهات مباشرة».

وكذلك مصر، وفق تقدير الطويل، «ليس في نيتها أي ضرر بأي أطراف، وسياساتها الخارجية قائمة على التوازن والشراكة والتعاون لمن أراد، ومجابهة أي تهديدات محتملة أيضاً بكل الوسائل القانونية والمشروعة لمن لم يستجِب».

كما يرى عبد المنعم أبو إدريس أن «القلق الإثيوبي لا يمكن أن يصل إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع مصر، لكن الاحتمال الوارد أن تحدث مواجهة بين إثيوبيا والصومال، أو بين إريتريا وإثيوبيا، وهما حليفتان للقاهرة».

وما يقلّل من فرص تحوّل القلق المتصاعد لمواجهة محتملة، وفق أبو إدريس، أن «أديس أبابا تعاني من أوضاع معقدة في إقليمَي تيغراي وأمهرا، ومن الصعب أن تدخل في نزاع خارجي في الوقت الراهن، قد يهدّد وحدة الدولة الإثيوبية، والأقرب أن تحاول نسج حلف مُوازٍ لما صنعته مصر».


مقالات ذات صلة

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
العالم العربي رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري (وكالة الأنباء الصومالية)

ماذا وراء تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو؟

أجلّت السلطات الصومالية الانتخابات المحلية في مقديشو لنحو شهر؛ حيث تُجرى للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، بموازاة تطبيق نظام الاقتراع المباشر في الانتخابات.

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أثناء مشاركته في القمة الأفريقية - الأوروبية (مجلس الوزراء المصري)

مصر ترسّخ حضورها في القرن الأفريقي بتوسيع التعاون مع جيبوتي

عززت مصر حضورها في منطقة «القرن الأفريقي» بتوسيع التعاون في مجالات مختلفة مع دولة جيبوتي، مع تأكيدها رفض «أي إجراءات أحادية» بتلك المنطقة أو في البحر الأحمر.

أحمد جمال (القاهرة)
أفريقيا «التحالف الإسلامي» يعد شريكاً قوياً لدول الساحل في مواجهة الإرهاب (التحالف الإسلامي)

«التحالف الإسلامي» يطلق برامج تدريبية في النيجر لمحاربة الإرهاب

أطلق التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الاثنين في النيجر، أعمال البرنامج الإعلامي الذي ينفذه التحالف في مواجهة الإرهاب

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر (يمين) والسياسي من ناميبيا أدولف هتلر أونونا (أرشيفية - أ.ف.ب - مجلس أوشانا الإقليمي)

«أدولف هتلر» يتجه للفوز بانتخابات محلية في ناميبيا

من المتوقع أن يفوز سياسي يُدعى أدولف هتلر في انتخابات محلية بناميبيا، لكنه زعم أن والده كان يجهل الزعيم النازي عندما سمى ابنه.

«الشرق الأوسط» (ويندهوك)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».