كيف تقطع يدك الافتراضية... 7 خطوات للحدّ من الإدمان على الهاتف

تحوّلت الهواتف الذكية بما فيها من تطبيقات إلى إدمان العصر (رويترز)
تحوّلت الهواتف الذكية بما فيها من تطبيقات إلى إدمان العصر (رويترز)
TT

كيف تقطع يدك الافتراضية... 7 خطوات للحدّ من الإدمان على الهاتف

تحوّلت الهواتف الذكية بما فيها من تطبيقات إلى إدمان العصر (رويترز)
تحوّلت الهواتف الذكية بما فيها من تطبيقات إلى إدمان العصر (رويترز)

كلما تسارعت الأحداث الأمنية والسياسية المحيطة به، تزايدت حاجة المرء إلى تصفّح هاتفه للاطّلاع على ما يجري من حوله. إلا أنّ عادة النظر إلى الهاتف لا تقتصر على الأزمنة العصيبة، فهي تحوّلت إلى ما يشبه الإدمان.

أظهرت دراسة حديثة نُشرت في يونيو (حزيران) 2024، أنّ معدّل الوقت الذي يمضيه الناس حول العالم في تصفّح هواتفهم الذكية هو 6 ساعات و35 دقيقة يومياً. هذه المدة قد تتعدّى الساعات الـ7 أحياناً وربما أكثر، وهي تضاعفت عمّا كانت عليه عام 2019. ويُرجّح أن تكون جائحة كورونا بما فرضته من حجر منزليّ وتباعدٍ اجتماعي قد لعبت دوراً في لجوء الناس إلى هواتفهم كوسيلة تسلية وترفيه.

ليس هذا الإدمان المعاصر على جهاز الهاتف بحدّ ذاته، ولا على مطلق تطبيق يحتويه، إنما على وسائل التواصل الاجتماعي تحديداً؛ على رأسها «تيك توك»، و«إنستغرام»، و«إكس»، و«فيسبوك». وهذا ما دفع ببعضها إلى التيقّظ، على غرار ما فعلت مؤخراً منصة «إنستغرام»، التي باتت تذكّر مستخدميها بأنهم تخطّوا الوقت المتاح لهم عليها، وتحثّهم على وضع قيودٍ زمنية للتصفّح.

وضعت منصة «إنستغرام» حداً زمنياً للتصفّح اليومي مدّته القصوى 45 دقيقة

وفق دراسة أجرتها «مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية» عام 2022، فإنّ 11 في المائة فقط من الأشخاص الذين ينظرون إلى هواتفهم يفعلون ذلك بهدف الاطّلاع على إشعاراتٍ وردتهم. أما الـ89 في المائة المتبقون فتأتي حركتهم أوتوماتيكية ولا شعوريّة، أي من دون سابق تفكير وبلا هدف محدّد.

تمنح تلك الحركة اللاشعورية الأمان للبالغين والمراهقين على حدّ سواء، فالهاتف بات ما يشبه يداً افتراضيّة هي امتداد لليد البشريّة؛ وكأنه يدٌ ثانية التصقت بالأصليّة. هو رفيقٌ يردّ الوحدة والملل، ويلفّ المرء بفقاعة تقيه بعضاً من قلقِ ما يدور في حياته الواقعية. لكنّ الآثار السلبية لتفحّص الهاتف بشكل مستمر تفوق الإيجابيات، وهي قد تطال الأداء الوظيفيّ، والعلاقات البشريّة، والنوم، والصحة النفسية.

دقّت دراسة أجرتها شركة «أزوريون» المعلوماتية الأميركية ناقوس الخطر، عندما أعلنت أن 63 في المائة من الأشخاص يدخلون الحمّام برفقة هواتفهم.

لا تكاد تمرّ دقيقة في اليوم الواحد من دون أن يلتقط المرء هاتفه الذكيّ وينظر إلى شاشته بسببٍ وبلا سبب؛ أكان في السيارة، في مقرّ العمل، خلال تناول الطعام، وحتى في الجلسات مع العائلة والأصدقاء. يفعل ذلك وهو متيقّظ في بعض الأحيان إلى أنّ التصرّف المتكرّر هذا هو مضيعة للوقت، ومسيءٌ للاستقرار النفسي، وغير مُجدٍ فكرياً. رغم ذلك، يصعب عليه الحدّ منه. لكنّ اتّباع خطواتٍ بسيطة ومحدّدة بشكلٍ منتظم قد يساعد في التخلّص من الإدمان على الهاتف.

اتّباع بعض الخطوات بشكل منتظم قد يساعد على التخفيف من استعمال الهاتف (رويترز)

مسافة أمان

من بين الخطوات التي تساعد في تجنّب النظر إلى الهاتف باستمرار، وضعُه في مكان بعيد لفتراتٍ قصيرة من اليوم. فالرغبة بالاطّلاع عليه لا تقتصر على الأوقات التي يرنّ فيها أو يضيء إشعارٌ ما شاشتَه. لكن ينبغي أن يُملأ فراغ تلك الأوقات التي يكون فيها الهاتف في موقعٍ بعيد بأنشطة بديلة، كالجلوس مع صديق والتحدّث إليه، أو ترتيب المنزل، أو القيام بأشغالٍ يدويّة، وغيرها من الأمور التي تشغل الحواس.

أخضع نفسك للمساءلة

«لماذا انقضت نصف ساعة وأنا ما زلت أنظر إلى الهاتف من دون توقّف؟»، «ما الفائدة التي جنيتها من هذا الوقت الذي أمضيته أمام الشاشة؟»، «هل قرأت مقالاً مفيداً أم أنني اكتفيت بمشاهدة عشرات الفيديوهات على (تيك توك)؟»... هذا النوع من الأسئلة يحفّز الوعي، وإن أكثرَ المرء منها، فهو يساعد نفسه بذلك على التخفيف من الاستعمال المستمر للهاتف الذكي.

مساءلة النفس بوعي عن الاستفادة من تصفّح الهاتف تساعد على التخفيف من تلك العادة (رويترز)

داوِها بالداء

في المتاجر الرقمية أي على الهاتف الذكي نفسه، يمكن العثور على جزء من العلاج؛ إذ ثمة تطبيقات تساعد في التخفيف من استعمال الهاتف. من بينها BePresent التي تتيح للمستخدم تحديد الوقت الذي يودّ إمضاءه أمام الشاشة. أما OffScreen فهو تطبيق يسمح بمعاينة التطبيقات التي تستهلك الجزء الأكبر من الوقت الضائع على الهاتف، كما أنه يرسل إشعارات عندما يتخطّى المستخدم الوقت الذي حدّده مسبقاً لنفسه.

بعض التطبيقات التي تساعد في التخفيف من الاستهلاك المتواصل للهاتف

الحلّ رمادي

لعلّها من أنجع الحيَل للتخفيف من تصفّح الهاتف: تحويل الشاشة إلى اللون الرمادي بشكلٍ شبه دائم. فالألوان جاذبة للعين، خصوصاً تلك التي توظّفها منصات التواصل الاجتماعي لا سيّما «إنستغرام». لكن من بين خاصيات الهواتف الذكية إمكانية التحوّل إلى تدرّجات اللون الرمادي.

على أجهزة «آيفون» يمكن فعل ذلك من خلال الدخول إلى الإعدادات (Settings) ثم الضغط على إمكانية الوصول (Accessibility)، يلي ذلك العرض وحجم النص (Display & Text Size) ثم فلاتر الألوان (Color Filters) وصولاً إلى المقياس الرمادي (Grayscale)، الذي يكفي تشغيله حتى تختفي الألوان عن الشاشة. أما على أجهزة «سامسونغ» فإن هذه الخاصية متوفرة في خانة الرؤية (Vision).

لا للإشعارات

يكفي إطفاء الإشعارات الواردة من التطبيقات، لا سيّما «فيسبوك» و«إنستغرام» و«إكس»، وتلك التي لا تستدعي رداً فورياً، حتى تتضاءل الحاجة الملحّة للنظر إلى الهاتف.

خلفية تشجيعية

من المفيد اختيار خلفيّة للشاشة تكون عبارة عن جملةٍ محفّزة على مقاومة فكرة تصفّح الهاتف في كل لحظة. مجرّد النظر إليها في كل مرة يلتقط المستخدم هاتفه سيجعله يفكّر مرتين قبل البدء بالتصفّح.

من العناصر المساعدة اختيار خلفية للشاشة مشجّعة على البقاء بعيداً عن الهاتف

إجراءات صباحيّة ومسائيّة

غالباً ما تكون أول حركةٍ يقوم بها المرء فور استيقاظه من النوم التقاط هاتفه والبدء بتصفّح التطبيقات الموجودة عليه. يُنصح باستبدال ذلك بطقوسٍ صباحية بعيدة عن الشاشة لمدّة ربع ساعة على الأقل، كجلسات التأمل، أو الخروج إلى الهواء الطلق، أو قراءة كتاب...

تبقى الطقوس المسائية هي الأهم من أجل بناء مناعة ضدّ الشاشة. تبدأ بالامتناع عن معاينة الهاتف قبل ساعة من الخلود إلى النوم، وضرورة عدم إدخاله إلى الغرفة تجنباً للنظر إليه عند كل استفاقة ومنعاً بالتالي للأرق. أما منبّه الصباح فيمكن استبدال واحدٍ تقليديّ به.

ولعلّ ما قاله البروفيسور أدريان وورد، المتخصص في دراسة علاقة البشر بالتكنولوجيا، في حديث مع مجلة «تايم» الأميركية، يختصر أساليب النجاة من شرك إدمان شاشة الهاتف: «إذا كان ما تقوم به أكثرَ إثارةً للاهتمام من الهاتف، في هذه الحالة لن تلجأ إلى تفحّص الهاتف».


مقالات ذات صلة

الإفراط في استخدام الهواتف الذكية أثناء الدوام يقلل الرضا الوظيفي

يوميات الشرق نقضي 3 ساعات تقريباً يومياً في النظر إلى هواتفنا (جامعة الرور)

الإفراط في استخدام الهواتف الذكية أثناء الدوام يقلل الرضا الوظيفي

نقضي 3 ساعات وربع الساعة يومياً، بالمتوسط، في النظر إلى هواتفنا؛ لذا فإن تقليص هذا الوقت بساعة واحدة يساعدنا على الشعور بالسعادة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق كثرة استخدام الآباء هواتفهم قد يؤثر سلباً على تطور اللغة لدى أطفالهم (رويترز)

كيف يؤثر استخدامك هاتفك على أطفالك؟

أظهرت دراسة جديدة أن الآباء الذين يستخدمون هواتفهم لفترات طويلة ويحدقون في شاشاتهم بدلاً من التحدث إلى أطفالهم قد يتسببون في إعاقة تطور اللغة لدى أطفالهم.

«الشرق الأوسط» (تالين (إستونيا))
الاقتصاد أشخاص يتسوقون داخل متجر يبيع هواتف «سامسونغ» الجوالة وملحقاتها في مومباي (رويترز)

«سامسونغ» تخطط لتقليص قوتها العاملة عالمياً بنسبة 30%

تخطط شركة «سامسونغ إلكترونيكس»، أكبر شركة تصنيع للهواتف الذكية وأجهزة التلفاز وشرائح الذاكرة في العالم، لتقليص عدد موظفيها في بعض الأقسام.

«الشرق الأوسط» (سيول - نيودلهي )
تكنولوجيا بدا إطلاق «هواوي» لهاتفها ثلاثي الطيات بمثابة تحدٍّ مباشر لـ«أبل» قبيل حدثها السنوي الكبير (الشرق الأوسط)

من سرق الأضواء أكثر... «أبل آيفون 16» أم «هواوي Mate XT»؟

«آيفون 16» من «أبل» يقف في تحدٍّ واضح أمام الهاتف الأول في العالم ثلاثي الطيات من «هواوي».

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا هاتف «هواوي مايت إكس تي» الجديد القابل للطي 3 مرات معروض في حفل إطلاقه بمتجر الشركة في مدينة شنتشن الصينية (أ.ف.ب)

«هواوي» تطرح أول هاتف في العالم قابل للطي 3 مرات

كشفت شركة «هواوي تكنولوجيز» الصينية، الثلاثاء، عن هاتف ذكي قابل للطي 3 مرات بقيمة 2800 دولار.

«الشرق الأوسط» (بكين)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.