مصر: ارتفاع الإيجارات يغير العناوين والشرائح الاجتماعية

زيادة أسعار السكن بمتوسط 250 %

مشروع إسكان اجتماعي حكومي في منطقة حدائق أكتوبر (الشرق الأوسط)
مشروع إسكان اجتماعي حكومي في منطقة حدائق أكتوبر (الشرق الأوسط)
TT

مصر: ارتفاع الإيجارات يغير العناوين والشرائح الاجتماعية

مشروع إسكان اجتماعي حكومي في منطقة حدائق أكتوبر (الشرق الأوسط)
مشروع إسكان اجتماعي حكومي في منطقة حدائق أكتوبر (الشرق الأوسط)

يترقب محمود حسين (اسم مستعار) شهر مايو (أيار) المقبل بقلق، ففيه ينتهي عقد إيجاره لشقة متوسطة في حي حدائق الأهرام (جنوب القاهرة) مقابل 2500 جنيه شهرياً (الدولار نحو 48.27 جنيه)، بما يعادل نحو 10 في المائة من دخله الذي ينفق منه على أسرة مكونة من 4 أفراد، بينهم طفلان على مشارف الالتحاق بالمدرسة.

وقتها سيكون على حسين الذي يعمل صحافياً في قناة فضائية عربية، أن يختار بين عدة أمور كلها مُرٌّ بالنسبة إليه، إما البقاء في منزله وإعادة جدولة مصروفه الشهري وسبل إنفاقه، وإما الانتقال إلى سكن آخر لا يعلم وجهته حتى الآن، نتيجة ارتفاع الإيجارات في المنطقة التي يقطن بها بشكل «مبالغ فيه»، على نحو قد لا يستطيع مجاراته.

وحمّل الصحافي المسؤولية لـ«السودانيين الذين يتمركزون في المنطقة، ويدفعون إيجارات تصل إلى 8 آلاف جنيه، هم ضيوفنا وأهلاً وسهلاً بهم، لكن لا ينبغي أن نتضرر نحن أهل البلد».

بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)

وسبق وأقرّ رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي في 8 أغسطس (آب) الماضي لأول مرة بأزمة الإيجارات، قائلاً: «ليس لنا تدخل بهذا الشأن... والسوق يحتكم للعرض والطلب»، لكنه طمأن بأن «أزمة ارتفاع الإيجارات مؤقتة وليست دائمة».

وتضاعفت أسعار الإيجارات بمتوسط نسبة 250 في المائة في السوق العقارية المصرية مقارنةً بين الربع الأول من عام 2023 ونفس الفترة في العام الجاري، وفق ما جاء في تقريرين نشرهما «ماركت واتش» للسوق العقارية، حول أسعار الوحدات في شركات المقاولات الكبرى.

وقدَّر التقرير الأول متوسط إيجار الشقة في منطقة «6 أكتوبر» المكونة من غرفة نوم واحدة بـ8 آلاف جنيه، وذات الغرفتين بـ9 آلاف جنيه، والغرف الثلاث بـ12.5 ألف جنيه، بينما قفزت الأسعار خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 20 ألف جنيه للغرفة الواحدة و25 ألف جنيه لغرفتين و29 ألف جنيه لثلاث غرف.

مشهد علوي من العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

ورغم أن حسين لا يقطن في أيٍّ من هذه الشقق المرفهة، لكنه مهدَّد بترك شقته ومنطقته متوسطة المستوى إلى منطقة بإيجار أقل، مما يمثل هبوطاً في الدرجات الاجتماعية. ويشارك حسين «الشرق الأوسط» خياراته: «أعيش في قلق مستمر، لست متأكداً من أنني سأجد شقة بسعر مناسب في منطقة مماثلة».

على بُعد نحو 9 كيلومترات من حسين، وتحديداً في منطقة الهرم يراقب أحمد سمير الشهير بـ«أبو يوسف»، حركة التغيرات المجتمعية في منطقته؛ رحيل سكان وقدوم آخرين، في حركة مستمرة.

«أبو يوسف»، وهو رئيس اتحاد ملاك في عمارته وسمسار عقارات في المنطقة نفسها، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الإيجارات ارتفعت من ألفين و3 آلاف جنيه إلى 8 آلاف جنيه بسبب تمركز السودانيين في المنطقة وقبلهم السوريون واليمنيون.

يحكي «أبو يوسف» عن أن كثيرين، ممن لا يملكون شقق تمليك ويعيشون في إيجار، اضطروا إلى الانتقال إلى مناطق أخرى أقل في المستوى، قائلًا: «مَن كانوا يسكنون في الهرم وفيصل أصبحوا يتوجهون إلى مناطق مثل صفط اللبن وبهتيم وكرداسة». ولفت إلى أن الإيجارات في هذه المناطق ارتفعت هي الأخرى، «الشقة لا تستحق أكثر من 500 جنيه، أصبحت تؤجر بألفين و3 آلاف جنيه».

عائلة مصرية بإحدى المناطق التابعة لحي الهرم جنوب العاصمة تلملم أثاثها قبل الانتقال إلى مقر سكني جديد بعد انتهاء عقد إيجار شقتهم (الشرق الأوسط)

لا تنتهي تحديات الأسر المصرية التي تعجز عن مجاراة ارتفاع أسعار الإيجارات بمجرد الانتقال من منطقة إلى أخرى، بل «تبدأ»، وفق أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الانتقال يعني نقل الطفل من مدرسته إلى مدرسة أخرى، وإخراجه من بيئة عادةً ما تكون أفضل، إلى أخرى ترتفع فيها المخاطر».

وأشارت خضر إلى أن «الأطفال أكثر قدرة على التكيف عند نقلهم من مكان إلى آخر، لكن ذلك يضع مخاطر وأعباءً إضافية، إذ تصبح البيئات الجديدة مصدر تعليم لهم يستقون منها سلوكياتهم».

شاهد «أبو يوسف» كثيراً من الأسر تُخرج أبناءها من مدارس إلى أخرى تخفيفاً للنفقات، وتُعدل من نمط معيشتها خصوصاً في التغذية، فتقلل من تناول اللحوم، في محاولة لعدم ترك منازلهم أو بعد الانتقال منها.

وتشهد مصر موجات متتالية من التضخم، إذ سجل مستوى التضخم على أساس سنوي في أغسطس (آب) الماضي 26.2 في المائة، مقارنةً بـ25.7 في المائة في يوليو (تموز)، حسب آخر بيانات لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» الصادرة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتشير خضر إلى أن تغير نمط المعيشة يشمل وضع قيود على تصرفات هذه الأسر، خصوصاً النساء فيها، إذ يصبحن تحت رقابة مجتمعية إضافية عند انتقالهن إلى منطقة جديدة، «تضطر السيدة إلى تغيير نمط معيشتها وتنقلاتها وملابسها أحياناً».

تتفق معها أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة هالة منصور، محذرةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من أن نمط الحياة الذي يغلب عليه الانتقال المستمر، وعدم الاستقرار في سكن واحد، يثير كثيراً من المشكلات الأسرية، وترتفع في ظله نسب الطلاق.

كما تخشى منصور من الاحتقان الشعبي تجاه الوافدين «الآتين بقدرات مالية عالية وتسببوا في ارتفاع الإيجارات... بالنسبة للمواطن هم سبب مشكلته»، مطالبةً الدولة بالتدخل: «لا بد من فرض ضرائب على الوافدين، أو وضع قيود لضبط سوق العقارات من الحكومة».

العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)

في خضم أزمة الإيجارات، قررت الحكومة المصرية في سبتمبر (أيلول) الماضي، رفع القيود عن تشييد وحدات جديدة في المدن، بالعودة إلى قانون البناء الصادر عام 2008. ووفق قانون العرض والطلب، توقع كثيرون أن يسهم القرار في الحد من مشكلة السوق العقارية.

لكنَّ عضو «شعبة الاستثمار العقاري» في «غرفة القاهرة التجارية» علاء فكري، استبعد ذلك، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن كلمة خفض ليست واردة في السوق العقارية، «اللي بيرتفع مبينزلش تاني»، مُقراً بالارتفاعات الكبيرة التي لا تتناسب مع متوسط الدخول. وتابع: «الأسعار لا تُبنى على متوسط دخل الأفراد، لكن تُبنى على العرض والطلب».

يختلف معه رئيس «شعبة مواد البناء» في الغرفة التجارية أحمد الزيني، قائلًا لـ«الشرق الأوسط»: «مع زيادة البناء وعودة السودانيين إلى بلادهم، سيزيد العرض وتنخفض الأسعار»، متفقاً مع رئيس الحكومة في أن الأزمة «مؤقتة».

يصف الصحافي في القناة الفضائية، الذي يعد دخله نحو 4 أضعاف الحد الأدنى للأجور في مصر والبالغ 6 آلاف جنيه، ما يمر به بـ«لعبة دراماتيكية»، عند حديثه عن صعوبة مجاراة العرض والطلب، في إشارة إلى أن خياراته المقبلة لن تسلم من استغناء أو تنازلات، وأنه مُعرّض كل يوم لأن ينزل درجة في السلم الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

شمال افريقيا وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت» في القاهرة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

بعض التصريحات التي تدلي بها الفنانات المصريات لا تتوقف عن تجديد الجدل حولهن، وإثارة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بتفاصيل حياتهن الشخصية.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)

حفل لإحياء تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب بالأوبرا المصرية

في إطار استعادة تراث كبار الموسيقيين، وضمن سلسلة «وهّابيات» التي أطلقتها دار الأوبرا المصرية، يقام حفل لاستعادة تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا صورة جماعية لقادة قمة «الدول الثماني النامية» داخل القصر بـ«العاصمة الإدارية» (الرئاسة المصرية)

مصر: «العاصمة الإدارية» تنفي بناء قصر الرئاسة الجديد على نفقة الدولة

أكد رئيس مجلس إدارة شركة «العاصمة الإدارية الجديدة» أن «خزانة الدولة لم تتحمل أي أعباء مالية عند بناء القصر الجديد».

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس السيسي في لقاء سابق مع الرئيس الأميركي جو بايدن وأنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

صفقة سلاح أميركية جديدة لمصر تعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين

أعلنت الحكومة الأميركية أنها وافقت على بيع معدات عسكرية لمصر تفوق قيمتها خمسة مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
TT

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، طرفي النزاع في السودان إلى «إلقاء السلاح» بعد عام ونصف العام من الحرب التي تعصف بالبلاد، عادّاً أن المسار الوحيد الممكن هو «وقف إطلاق النار والتفاوض».

وقال ماكرون خلال جولة في القرن الأفريقي، عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد: «ندعو طرفي النزاع إلى إلقاء السلاح، وكل الجهات الفاعلة الإقليمية التي يمكنها أن تلعب دوراً إلى القيام بذلك بطريقة إيجابية، لصالح الشعب الذي عانى كثيراً».

وأضاف وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «العملية الوحيدة الممكنة في السودان هي وقف إطلاق النار والتفاوض، وأن يستعيد المجتمع المدني الذي كان مثيراً للإعجاب خلال الثورة، مكانته» في إشارة إلى التحرك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وأثار تفاؤلاً كبيراً.

ومنذ أبريل (نيسان) 2023 اندلعت حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو؛ وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 11 مليون شخص.

ويواجه نحو 26 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وفقاً للأمم المتحدة التي دقت ناقوس الخطر مجدداً، الخميس، بشأن الوضع في البلاد التي قد تواجه أخطر أزمة غذائية في التاريخ المعاصر.

وهناك حاجة إلى مساعدات بقيمة 4.2 مليار دولار لتلبية حاجات السودانيين عام 2025، بحسب إيديم ووسورنو، رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.