هل استعادت «كتائب القسام» زخم العمليات؟

لجأت إلى تطوير تكتيكات القتال لمواكبة «حرب استنزاف طويلة»

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)
مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)
TT

هل استعادت «كتائب القسام» زخم العمليات؟

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)
مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عامها الثاني، أظهرت «كتائب عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، قدرة على مواصلة المعارك على مستويات عدة، وبرغم أن الشهور القليلة الماضية شهدت تراجعاً نسبياً في الإعلان عن عمليات لـ«القسام»، فإنها أعلنت خلال الأسبوعين الماضيين عن تحركات بدا معها أنها استعادت زخم العمليات على المستوى العسكري.

وأعلنت «القسام» أنها قصفت تل أبيب بصواريخ بعد شهور طويلة من تراجُع قدرتها على استخدام ذلك السلاح، كما تبنّت عمليات مسلحة في مدن إسرائيلية أوقعت ضحايا.

ويبدو أن الكلمة المطوّلة لأبي عبيدة الناطق باسم «القسام»، في الذكرى الأولى لعملية «طوفان الأقصى»، تضمّنت تفسيراً لبعض التغيرات التي شهدتها الفترة الأخيرة؛ إذ أشار إلى تغيير في أسلوب عملها وتكتيكات المواجهة.

وقالت مصادر ميدانية في غزة لـ«الشرق الأوسط»، إن «القسام منذ شهور طويلة وجّهت كل مقاتليها في القطاع باستدراج القوات إلى كمائن مُعَدّة سلفاً، أو مهاجمتهم عندما تكون الفرصة سانحة فقط».

وحسب المصادر، «أصبح النهج قائماً على شن هجمات محدودة ومباشرة، وعدم تعريض العناصر للخطر، ومحاولة حماية أي مقدرات متبقية».

وجاء التغيير في تكتيكات «حماس» مع إطالة إسرائيل أمد الحرب، وتغييرها هي الأخرى تكتيكاتها في غزة التي تقوم على تنفيذ عمليات خاطفة في مناطق مختلفة، حسبما تقتضيه الضرورة، في تجربة تستنسخ طريقة عمل القوات في الضفة الغربية، وهي بسط السيطرة الأمنية بشكل كامل، وهذا يعني احتلالاً طويلاً وعمليات متكرّرة.

استنزاف طويل

وذهب أبو عبيدة إلى المعنى ذاته عندما أعلن في خطاب الذكرى الأولى للحرب، «أن خيار المقاومة الفلسطينية هو الاستمرار في معركة استنزاف طويلة وممتدة، ومؤلمة ومكلّفة للعدو الصهيوني بشدة، ما دام أن العدو أصرّ على استمرار العدوان والحرب»، مؤكداً أنه «الخيار الذي أثبت نجاحه في المعارك المستمرة».

وظهر أسلوب «القسام» الجديد ناجحاً في تكثيف العمليات في غزة الذي بدا كأنه زخم جديد.

وأعلنت «القسام»، الثلاثاء، تفجير عبوة شديدة الانفجار في ناقلة جند لجيش الاحتلال قرب مقر مؤسسة بيتنا، غرب معسكر جباليا شمال القطاع.

كما قالت إنها استهدفت دبابة صهيونية من نوع «ميركافا 4»، بعبوة «شواظ» قرب منطقة الحاووز التركي غرب معسكر جباليا شمال القطاع، وتمكّن مقاتلوها من الإجهاز على أحد الجنود هناك من المسافة صفر، وفور وصول قوة الإنقاذ تم استهداف أفرادها بعبوة «رعدية» مضادة للأفراد، وإيقاعهم بين قتيل وجريح في منطقة التوام شمال غرب مدينة غزة.

وأوضحت مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما حدث في جباليا، الثلاثاء، كان جزءاً من تغيير الخطط»، مضيفاً أن «القرارات التي أُصدرت للمقاتلين هي ترك الجيش يتقدم إلى حيث يريد وعدم مواجهته، ثم توجيه الضربات له في معركة (كرّ وفرّ)».

امرأة فلسطينية تبكي مقتل أقاربها بعد غارة إسرائيلية في جباليا شمال غزة (رويترز)

وأكّدت المصادر أنه «تم إبلاغ (الزُمَر) القتالية بتقدير الموقف، انسحاباً أو هجوماً، بحسب الوضع الميداني، وهو ما ظهر جلياً في هجمات الفترة الأخيرة».

وكان أبو عبيدة تحدث عن تطوير «القسام» لتكتيكاتها وتشكيلاتها القتالية، وأساليب عملها، بما يتناسب مع الظروف الراهنة، ومع كل السيناريوهات المحتملة.

ويوم الاثنين، أعلنت «القسام» قنص جندي شرق بيت حانون، بالاشتراك مع «سرايا القدس»، وإيقاع قوة راجلة في كمين مُحكَم بمنطقة الحاووز التركي غرب معسكر جباليا شمال القطاع، واستهداف قوة مكوّنة من 10 جنود بعبوة مضادة للأفراد، وإيقاعهم بين قتيل وجريح شمال مدينة غزة.

وقبل ذلك أطلقت «القسام» رشقة صاروخية باتجاه تل أبيب، بعد شهور طويلة من الامتناع عن ذلك.

وتخوض «القسام» عملياً «حرب شوارع»، تحاول فيها اليوم استنزاف القوات البرية الإسرائيلية، بعد أن تخلّت عن فكرة التصدي المستمر لهذه القوات ومنعها من التقدم، وهو ما كلّفها الكثير من مقاتليها، وأثبت عدم جدواه.

وبينما فقدت «القسّام» جزءاً من قوتها الصاروخية إلى حد كبير، فإنها لا زالت تحتفظ بالعدد الأكبر من مقاتليها وأسلحتها الخفيفة، بما في ذلك سلاح القاذفات الموجّهة، مثل قذائف «الآر بي جي»، أو تلك التي طوّرتها عن صواريخ التاندوم، والتي سمّتها «القسام» صواريخ «الياسين 105»، والصواريخ المضادة للأفراد مثل «تي بي جي»، وجميعها تخدم الآن فكرة «حرب الاستنزاف».

صواريخ «كتائب القسام» تُطلَق من قطاع غزة تجاه إسرائيل (أرشيفية - إ.ب.أ)

وحسب مصادر ميدانية أخرى تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، تعمل «القسام» الآن على الاستفادة من الصواريخ الإسرائيلية غير المنفجرة، وأعاد مقاتلو «القسام» تفخيخ صواريخ عدة غير منفجرة، وفجّروها في قوات إسرائيلية، وقالوا لهم إن «بضاعتكم رُدّت إليكم».

وقالت المصادر، إن «قيادة (القسام) تتعامل اليوم مع واقع جديد، وتقيّم المعركة بشكل يومي».

وتمتلك «القسام» منظومة عسكرية وإدارية وتنظيمية، تتشكّل من 5 ألوية، هي: لواء الشمال، ولواء غزة، والوسطى، وخان يونس، ورفح، وتشمل جميعاً 24 كتيبة عسكرية؛ 6 كتائب في الشمال، ومثلها في غزة، و4 في الوسطى، و4 في خان يونس، ومثلها في رفح.

وتضم كل كتيبة، وفق المساحة الجغرافية للمناطق، ما بين 600 مقاتل حداً أدنى، و1200 حداً أقصى، وتضم كل كتيبة من 4 إلى 6 سرايا، وكل سرية تضم 3 أو 4 فصائل، وفق التوزيع الجغرافي، ويتكون الفصيل من 3 أو 5 تشكيلات، وكل تشكيل يضم ما بين 2 إلى 3 عقد أو ما تسمى زُمَر، وكل فصيل يضم نحو 50، يُضاف إليهم أعداد أخرى في كل كتيبة يعملون في مجال التخصصات المختلفة.

ولا يوجد عدد واضح لأعداد المقاتلين في «القسام»، لكن الكتائب كثيراً ما كانت تركز في السنوات الأخيرة على حشد أكبر عدد ممكن من الشبان، وتجنيدهم ضمن ما عُرف داخلياً بتجهيز «جيش التحرير».

وتشير تقديرات حصلت عليها «الشرق الأوسط» إلى أن عددهم قبل الحرب كان حوالي 25 إلى 30 ألفاً، وتقول إسرائيل إنها قتلت نصفهم.

لكن هذا في غزة فقط؟

وضمن تكتيكاتها تحاول «القسام» دفع مواجهة أخرى على جبهة الضفة الغربية.

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة دعت «القسام» مقاتليها في الضفة إلى شن هجمات، والفلسطينيين إلى تصعيد المواجهة هناك.

وعلى الرغم من أن الضفة لم تتحول بعد إلى جبهة ثالثة، فإنها وجّهت ضربات إلى إسرائيل عدة مرات، وبعضها كان قاسياً، وكان من قِبل «حماس».

والأسبوع الماضي، هاجم شابان ينتميان لـ«حماس» مجموعة من الإسرائيليين في يافا، وقتلوا 7 وجَرحوا آخرين.

ونعت «القسام» مقاتليها، محمد مسك، وأحمد الهيموني، من مدينة الخليل، وتعهّدت للإسرائيليين في بيان بأن «قادم الأيام سيحمل في طياتها موتاً سيأتيكم من مختلف مناطق الضفة، على أيدي مجاهدينا الأشداء من أبناء القائدين إسماعيل هنية وصالح العاروري، اللذَين نُعِدُّهم ونجهّزهم ليخُطُّوا ببطولاتهم صفحات عزٍّ في معركة طوفان الأقصى».

وتخشى إسرائيل فعلاً تصعيداً في الضفة قد يتطوّر إلى انتفاضة كاملة، ويشمل هجمات في قلب المدن، وتقول إن «حماس» تعمل على ذلك.

وتملك «حماس» في الضفة خلايا مسلحة في الشمال تشتبك بشكل يومي مع الجيش الإسرائيلي، وأخرى نائمة في مناطق أخرى.

ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) صعّدت إسرائيل في الضفة، وقتلت أكثر من 720 فلسطيني، في هجمات متفرقة تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة،

والأسبوع الماضي دفع الجيش الإسرائيلي 3 كتائب احتياط إلى الضفة الغربية، لأهداف «تشغيلية ودفاعية»، وللقيام بمهام «عملياتية»، وذلك بعد تقييم للوضع الأمني أجرته قيادة منطقة المركز في الجيش.

وذكرت إذاعة «كان»، والقناة «13»، وصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه تَقرّر تجنيد الكتائب خشية تصعيد أمني محتمل.

وتَعدّ إسرائيل نفسها في حرب على عدة جبهات، بما فيها الضفة الغربية.


مقالات ذات صلة

لأول مرة... «القسام» تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري

المشرق العربي إسماعيل هنية ويحيى السنوار (لقطة من فيديو لـ«كتائب القسام»)

لأول مرة... «القسام» تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري

نشرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، (السبت)، فيديو يُظهِر عدداً من قادتها الراحلين لمصانع ومخارط تصنيع الصواريخ.

أحمد سمير يوسف (القاهرة)
تحليل إخباري «كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

تحليل إخباري «سلاح أبيض» و«أحزمة ناسفة»... تكتيكات جديدة لـ«القسام» في غزة

الواقع الميداني أجبر عناصر «القسام» على العمل بتكتيكات وأساليب مختلفة، خصوصاً وأن الجيش الإسرائيلي نجح في تحييد الكثير من مقدرات المقاومين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي دخان يتصاعد نتيجة غارة إسرائيلية على محطة كهرباء في صنعاء (أ.ف.ب)

إيران و«حماس» تنددان بالقصف الإسرائيلي على اليمن

وصفت حركة «حماس»، اليوم الخميس، الضربات الإسرائيلية على اليمن بأنها «تصعيد خطير وامتداد للعدوان».

«الشرق الأوسط» (غزة - طهران)
المشرق العربي نتنياهو يتحدث في سفارة باراغواي بالقدس 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

نتنياهو يدين «الإرهاب النفسي الوحشي» لحركة «حماس»

أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما وصفه بأنه «الإرهاب النفسي الوحشي والشرير» لحركة «حماس» بعدما نشرت عدداً من الفيديوهات متعلقة بالرهائن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي إسرائيليون يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة (رويترز)

«حماس»: الجيش الإسرائيلي «تعمد» قصف أماكن بها أسرى «لقتلهم»

قال أبو عبيدة، الناطق باسم «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، السبت، إن الجيش الإسرائيلي «تعمّد» تكرار القصف على أماكن بها أسرى بهدف قتلهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

وسط أنقاض مخيم اليرموك... فلسطينيون يستذكرون التعذيب في سجون الأسد

يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)
يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)
TT

وسط أنقاض مخيم اليرموك... فلسطينيون يستذكرون التعذيب في سجون الأسد

يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)
يبحث الناس عن قبور أقاربهم في مقبرة مدمَّرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)

توقّفت الدروس في مخيم اليرموك، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وفقاً للتاريخ الذي لا يزال مكتوباً على اللوح بعد مرور أكثر من عقد. واليوم، بدأ سكانه يعودون بعد إطاحة بشار الأسد.

على اللوح، كُتب باللغة الإنجليزية: «أنا ألعب كرة القدم»، و«إنها تأكل تفاحة»، و«الأولاد يطيّرون طائرة ورق».

أشخاص يرفعون علم سوريا الجديد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

بين أنقاض المخيّم، يتعثر محمود خالد عجاج، وهو من ضحايا التعذيب في السجون أُطْلِق سراحه، هذا الشهر، عندما أطاحت فصائل مسلّحة بقيادة «هيئة تحرير الشام» الأسد.

يقول الشاب (30 عاماً) في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «منذ خروجي (من السجن) حتى الآن، لا أنام سوى ساعة إلى ساعتين».

محمود خالد عجاج من ضحايا التعذيب في سجون الأسد وأُطْلِق سراحه هذا الشهر (أ.ف.ب)

وفرّ آلاف الفلسطينيين من مخيم اليرموك في عام 2012 مع وصول المعارك إليه إثر سيطرة فصائل معارضة عليه ثمّ حصاره من الجيش السوري.

ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كان هذا المخيم موطناً لـ160 ألف لاجئ مسجَّل في بداية الصراع في سوريا عام 2011.

وأدت عمليات التمرد والقصف الجوي والحصار الذي فرضه الجيش السوري إلى تدمير المنطقة، ولم يبق فيها حتى سبتمبر (أيلول) من هذا العام سوى 8160 شخصاً متمسكين بالحياة وسط الأنقاض.

قصص مروعة

مع سقوط الأسد، قد يعود مزيد من الناس لإعادة فتح المدارس والمساجد المتضررة، لكنّ كثراً مثل عجاج سيروون قصصاً مروعة عن الاضطهاد الذي تعرّضوا له خلال حكم الأسد.

أمضى هذا المقاتل السابق في الجيش السوري الحر 7 سنوات في عهدة الحكومة، معظمها في سجن صيدنايا، ولم يُفرج عنه إلا عندما انتهى حكم الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

عضو في منظمة إنسانية يوزّع الخبز في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

ما زال وجه عجاج أكثر شحوباً من وجوه جيرانه الذين يجلسون خارج المنازل المدمرة، ويمشي الشاب بصعوبة باستخدام دعامة ظهر بعد سنوات من الضرب.

في إحدى المرات، حقنه طبيب السجن في عموده الفقري فأصابه بالشلل الجزئي، وهو يعتقد أن ذلك كان متعمداً، لكن ما يطارده حقاً هو الشعور بالجوع في زنزانته المزدحمة.

ويوضح: «أضع الطعام بجانبي. الخبز والفاكهة. يعرف جيراننا وأقاربنا أني كنت محروماً فيحضرون لي الطعام».

وأضاف: «لا أنام إلا والأكل بجانبي، خصوصاً الخبز».

ويروي كيف طلب قبلها بيوم من والديه الإبقاء على بعض الخبز اليابس الذي يقدمانه للطيور من أجله.

رجل يجلس أمام مبانٍ مدمرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق (أ.ف.ب)

وبينما كان عجاج يتحدث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، توقفت امرأتان فلسطينيتان عابرتان لسؤاله عما إذا كانت لديه أي أخبار عن أقارب مفقودين منذ فرار الرئيس السوري المخلوع إلى روسيا.

ووثّقت اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» أكثر من 35 ألف حالة اختفاء خلال فترة حكم الأسد.

كانت محنة عجاج قاسية، لكن مجتمع اليرموك بكامله عانى على خط المواجهة في حرب الأسد من أجل البقاء، حيث انخرط الفلسطينيون في القتال على الجانبين.

وأدت الغارات الجوية إلى تدمير المقبرة، واليوم، تكافح عائلات للعثور على قبور أحبائها وسط الدمار.

في كل مكان، تحاول الجرافات إزالة الأنقاض، ويحاول البعض جمع الحطام القابل لإعادة الاستخدام.

«كلب منشق»

من جهته، يروي هيثم حسن الندا (28 عاماً) الذي التحق بالجيش أنه انشق عن الجيش لأنه، كفلسطيني، شعر بأنه لا دخل له في الخدمة في الجيش السوري.

لكن في أحد الأيام، قُبض عليه، وأطلق الجيش النار عليه مرات عدة، وتركوه ليموت على جانب الطريق.

الفلسطيني هيثم حسن الندا (28 عاماً) التحق بالجيش السوري ثم انشق عنه (أ.ف.ب)

ودعا هيثم صحافي الوكالة الفرنسية إلى لمس العلامات التي خلَّفتها الرصاصات على جمجمته ويديه.

ويروي قائلاً: «اتصلوا بوالدتي، وقالوا لها: هنا جثة هذا الكلب المنشق».

وبعدما أصيب بجروح خطرة، نقلته والدته إلى المستشفى. وعندما أُطْلِق سراحه أخيراً، عاد إلى اليرموك حيث يقوم والده، وهو تاجر محلي، بإعالة زوجته وطفليه.