الحوثيون يتوجسون من اغتيالات إسرائيلية مقبلة

نصر الله أشرف على تأسيس الجماعة لتكون نسخة من حزبه

الهجمات الإسرائيلية ضد الحوثيين استهدفت منشآت الوقود والكهرباء في الحديدة (إعلام حوثي)
الهجمات الإسرائيلية ضد الحوثيين استهدفت منشآت الوقود والكهرباء في الحديدة (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يتوجسون من اغتيالات إسرائيلية مقبلة

الهجمات الإسرائيلية ضد الحوثيين استهدفت منشآت الوقود والكهرباء في الحديدة (إعلام حوثي)
الهجمات الإسرائيلية ضد الحوثيين استهدفت منشآت الوقود والكهرباء في الحديدة (إعلام حوثي)

إلى ما قبل تمكن إسرائيل من تصفية الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ومجموعة من قيادات الحزب المدنية والعسكرية كانت الجماعة الحوثية في اليمن تعتقد أنها بعيدة عن الاستهداف المباشر من قبل إسرائيل لكن قادتها الآن باتوا يخشون أن يكونوا الهدف المقبل.

وفي حين اعتمدت الجماعة في بناء قدرتها العسكرية وحتى أدائها الإعلامي على الإشراف المباشر من «حزب الله» اللبناني والحرس الثوري الإيراني، إلا أن الاختراق الكبير الذي حدث للطرفين خلال الفترة الأخيرة أشاع أجواء من الخوف لدى قادتها، وفق مصادر قريبة من الجماعة، أفادت بأنه تم التخلص من كل أجهزة «البيجر» عقب تفجير هذه الأجهزة لدى جماعة «حزب الله».

عبد الملك الحوثي يعيش متخفياً في كهوف صعدة (إعلام حوثي)

وباستثناء زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي الذي ظل مكان اختبائه في أحد الكهوف الجبلية سرياً وإن كان يتنقل بين صنعاء وصعدة فإن القيادات العسكرية للجماعة اعتادت التنقل في مناطق سيطرتها بحرية، بخاصة خلال سنوات التهدئة التي بدأت بهدنة أممية في أبريل (نيسان) الماضي.

كما أن هذه القيادات -وفق مصادر قريبة من الجماعة- تستخدم الهواتف الجوالة أو الاتصالات الأرضية لأن مراكز هذه الشركات في مناطق سيطرتها، لكن المصادر بينت أن الوضع الآن اختلف تماماً بعد تصفية معظم الصف القيادي لـ«حزب الله» اللبناني.

وبحسب رواية هذه المصادر فإن قادة الجماعة الحوثية وإن قرروا تصعيد إطلاق الصواريخ والمسيرات نحو إسرائيل إلا أنهم باتوا يدركون أنهم سيكونون الهدف المقبل، بخاصة مع فشل الفصائل العراقية الموالية لإيران في استهداف إسرائيل بعد الضربات التي تلقاها «حزب الله» اللبناني.

إشراف «حزب الله»

ويؤكد ضابط سابق في المخابرات اليمنية لـ«الشرق الأوسط» أن حسن نصر الله أشرف بشكل كامل على البناء التنظيمي للحوثيين، إذ تولت القيادة العسكرية لـ«حزب الله» مهمة تدريب مقاتلي الجماعة والإشراف على تهريب الأسلحة والأموال من إيران إلى اليمن استناداً إلى الخبرة الطويلة للحزب في هذا الجانب.

كما تولى «حزب الله» مهمة الإشراف على استخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والأداء الإعلامي للحوثيين حيث لا تزال القناة الرسمية للجماعة (المسيرة) تبث حتى اليوم من بيروت ويتولى كوادر الحزب وفنيوه إدارتها مع قناة «الساحات» الرديفة لها.

«حزب الله» اللبناني أشرف على تدريب وتسليح الحوثيين وإدارة معاركهم منذ بداية تمردهم (رويترز)

وطبقاً لهذه الرواية فإن الوجود الفعلي لخبراء «حزب الله» اللبناني وعناصر الحرس الثوري في اليمن يعود إلى ما قبل عام 2006 خلال المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين الذين أعلنوا التمرد على السلطة المركزية في منتصف 2004 في محافظة صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

وذكر المصدر أنه بعد تمكن القوات الحكومية من محاصرة الحوثيين في مدينة صعدة القديمة وافقوا على الانسحاب منها ولكنهم اشترطوا خروجهم في حافلات معتمة حتى لا يعرف هوية الأشخاص الذين يستقلّونها.

وقال إن المخابرات اليمنية كانت على علم بأن هناك أعداداً من عناصر «حزب الله» والحرس الثوري في الموقع لكن القرار السياسي في صنعاء قبل بوساطة إقليمية ووافق على خروجهم بحافلات معتمة.

الخوف من انتفاضة شعبية

ربطت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بين مخاوف الحوثيين وحملة الاعتقالات التي تواصل الجماعة تنفيذها حتى الآن ضد المحتفلين بالذكرى السنوية لـ«ثورة 26 سبتمبر» بعد أن شملت المئات من الشبان والأطفال معظمهم في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) قبل أن تمتد إلى صنعاء ومحافظات حجة وذمار وعمران.

وجزمت المصادر بأن الجماعة الحوثية باتت تخشى من عملية إسرائيلية مشابهة لما حدث لـ«حزب الله» اللبناني وأن يرافق ذلك انتفاضة شعبية موازية نتيجة حالة الاحتقان الشعبي في مناطق سيطرتها.

الجماعة الحوثية شنت اعتقالات واسعة في مناطق سيطرتها خشية انتفاضة شعبية (رويترز)

ويقول أحد السكان في مديرية جبلة في محافظة إب إن حملة الاعتقالات مستمرة رغم انقضاء مناسبة الاحتفال بذكرى الثورة، حيث تم استدعاء أكثر من 100 شخص اتهموا بإشعال النيران احتفالاً بالمناسبة، وأرغموا على تحرير تعهدات بعدم الاحتفال مرة أخرى أو سماع الأناشيد الوطنية.

والأمر ذاته حدث مع العشرات من الأطفال المعتقلين في صنعاء حيث طلب منهم إحضار ضمين تجاري وأن تتعهد أسرهم خطياً بعدم السماح لهم بالاحتفال مرة أخرى أو سماع الأناشيد.

وفي هذا السياق طالب محمد المقالح القيادي السابق في اللجنة الثورية الحوثية بالإفراج عن جميع المعتقلين «قبل أن ينقلب السحر على الساحر»، وفق تعبيره.

وحذر المقالح من «أيام صعبة» مقبلة، وقال إن على الحوثيين «أن يحسبوا الحساب لشعبهم أكثر من أي خطر آخر»، وهو رأي يشاركه فيه آخرون من مؤيدي الجماعة إذ يعتقدون أن قيادتهم فقدت الصواب ولم يعد بينهم عقلاء وأنهم يغامرون بالسير نحو المجهول.


مقالات ذات صلة

مزاعم حوثية عن قصف تل أبيب بـ3 صواريخ

العالم العربي صاروخ أطلقه الحوثيون من مكان غير معروف (إعلام حوثي)

مزاعم حوثية عن قصف تل أبيب بـ3 صواريخ

ادّعت الجماعة الحوثية إطلاق 3 صواريخ مجنحة باتجاه تل أبيب، دون تأكيد إسرائيلي بخصوص هذا الهجوم الذي جاء غداة تبنّي الجماعة قصف سفينتين في البحر الأحمر

علي ربيع (عدن)
العالم العربي رغم انتهاء موسم الأمطارفي اليمن لا تزال أرقام الإصابات بالإسهال المائي مرتفعة (الأمم المتحدة)

بؤر ساخنة في ثماني محافظات وأغلب الإصابات في مناطق الحوثيين

انتهى موسم الأمطار ولا تزال الإصابات بالكوليرا مرتفعة، حيث يتسبب تلوث المياه والغذاء بانتشار هذا الوباء وسط مساعٍ أممية للحد منه.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي ضغوط شديدة تعرضت لها المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء من قبل الجماعة الحوثية (إ.ب.أ)

اليمن ينتقد الأمم المتحدة لموقفها من اختطاف موظفيها في صنعاء

انتقدت الحكومة اليمنية موقف الأمم المتحدة من اختطاف الحوثيين للموظفين الأمميين والإنسانيين و7 دول تطالب بالإفراج عنهم بعد تعليق أممي للأنشطة غير المنقذة للحياة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي الجماعة الحوثية تتوعد إسرائيل باستمرار الهجمات والرد على استهداف الحديدة (رويترز)

مخاوف من تحويل اليمن إلى مركز لـ«محور الممانعة»

تتزايد المخاوف والتحذيرات من استمرار التصعيد بين الجماعة الحوثية وإسرائيل وإمكانية تحويل اليمن إلى ساحة مواجهة بعد استهداف «حزب الله» اللبناني.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تجار ذهب في متجر بصنعاء (أرشيفية - غيتي)

​حملة جبايات جديدة تستهدف متاجر الذهب والمجوهرات في صنعاء

حملة جبايات جديدة بدأت الجماعة الحوثية تنفيذها في صنعاء ضد تجار الذهب والمجوهرات.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

لبنان واجه 3 اجتياحات إسرائيلية مدمّرة... والرابع على الأبواب

دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

لبنان واجه 3 اجتياحات إسرائيلية مدمّرة... والرابع على الأبواب

دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)

لا يمرّ عقدان من الزمن، إلّا ولبنان على موعد مع اجتياح إسرائيلي برّي لأراضيه، وتحديداً منطقتي الجنوب والبقاع الغربي، تحت أعذار أمنية متعددة، يذهب ضحيتها البلد وشعبه. وحتى فترة الهدوء النسبي التي ينعم بها، لا تعدو كونها هدنة بين حربين.

ويكاد يكون لبنان البلد العربي الثاني بعد فلسطين الذي دفع أثمان العدوان الإسرائيلي على أرضه وسيادته وشعبه، وعاش اجتياحات متتالية كلّها تصبّ تحت عنوان «توفير الأمن والاستقرار لسكان المستوطنات الشمالية المتاخمة للحدود مع لبنان». لكنّ هذا الأمن لم يتحقق لكونه يتم فرضه بالقوّة.

سلامة الجليل

وعاش لبنان 3 اجتياحات إسرائيلية قاسية: أولها في عام 1976، وصل خلالها الجيش الإسرائيلي إلى مجرى نهر الليطاني، ولم يمكث أكثر من 3 أشهر، أقام خلالها ما يُسمّى «الحزام الأمني» أو «الشريط المحتل»، وسلّم الأمن في تلك المنطقة إلى ميليشيات لبنانية موالية له، بقيادة الضابط السابق في الجيش اللبناني، سعد حداد، وقوات الطوارئ الدولية. ثم جاء الاجتياح الواسع في عام 1982، تحت عنوان «القضاء على مقاتلي (منظمة التحرير الفلسطينية) في الجنوب»، رداً على عملية اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، لكنّ ذلك الاجتياح وصل إلى العاصمة بيروت.

وذكّر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد هشام جابر، بأن «كل الحروب التي شنتها إسرائيل على لبنان والاجتياحات البرّية، حملت عنواناً واحداً اسمه سلامة الجليل»، مشيراً إلى أنه «رغم التفوّق العسكري التاريخي لدولة الاحتلال والاستفادة من الدعم الدولي لها، لم تفلح بتوفير الأمن والحماية للجليل الأعلى والأوسط، ولم ينعم سكان هذه المناطق بالاستقرار».

وشدد جابر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الاجتياح الذي حصل في 1987 خاض خلاله جيش الاحتلال قتالاً محدوداً مع مجموعات فلسطينية مسلّحة، تراجعت أمام التوغّل الإسرائيلي، واستغنت عن مواقعها وسلاحها. أما في اجتياح 1982، فكان الاجتياح مقرراً إلى حدود جغرافية محددة للقضاء على عناصر منظمة (فتح) في الجنوب، لكن سرعان ما انسحب هؤلاء بسرعة، وفُتحِت الطريق أمام الجيش الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة بيروت».

دمار تسبب به القصف الإسرائيلي على بلدة السكسكية جنوب لبنان في 26 سبتمبر 2024 (وكالة الأنباء الألمانية)

مساندة لا مجابهة

أسباب هذه الاجتياحات لا تقف عند السلوك العدواني لإسرائيل وأطماعها في لبنان، بل تكمن أيضاً في إضعاف الدولة إلى حدّ تغييبها.

واعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، الدكتور خطّار أبو دياب، أنه «عندما كان لبنان جزءاً من النظام العربي، جرى التعامل معه كدولة مستقلّة لها كيانها وسيادتها»، مذكِّراً بالاجتماع الذي عُقِد بين الرئيس اللبناني فؤاد شهاب والرئيس المصري جمال عبد الناصر في خيمة عند الحدود اللبنانية - السورية، وتم حينها الاتفاق على أن «لبنان دولة مساندة للقضية الفلسطينية وليست دولة مجابهة، وهذا ما حمى لبنان من احتلال أرضه، وأبقى اتفاقية الهدنة صامدة». وقال أبو دياب لـ«الشرق الأوسط»: «منذ اتفاق القاهرة وتحويل جنوب لبنان مسرحاً للمقاتلين الفلسطينيين وإعطاء منظمة التحرير دوراً مركزياً في لبنان وقعنا في المحظور، وحصل اجتياح عام 1978، ثم اجتياح عام 1982 الذي وصل خلاله الجيش الإسرائيلي إلى بيروت».

وعزا أبو دياب الأمر إلى «عدم قدرة الدولة على بسط سيادتها على أراضيها»، مشيراً إلى أن إسرائيل «استفادت من ضعف الدولة، وفكرت في تحقيق أطماعها بلبنان، من المياه إلى الدور المركزي لمؤسساته، مثل مرفأ بيروت والمصارف وغيرها».

قدرات «حزب الله»

صحيح أن إسرائيل لا تخفي أطماعها بلبنان، لكنّ ثمّة حوادث خلقت لها أعذاراً؛ فالاجتياح البرّي للجنوب في عام 2006 جاء رداً على عملية نفذها «حزب الله» عند الخطّ الأزرق أسفرت عن مقتل جنود إسرائيليين وأسر اثنين آخرين. وكانت الغاية من أسر الجنديين إرغام إسرائيل على صفقة تبادل تفرج من خلالها عن الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، بينهم سمير القنطار الذي لُقّب بـ«عميد الأسرى»، وعلى أثرها شنّت إسرائيل اجتياحاً واسعاً للبنان واستمرت الحرب 33 يوماً.

وشرح العميد هشام جابر أن «ظروف عام 2006 وقدرات المقاومة (حزب الله) اختلفت عمّا كان عليه الوضع في اجتياحَي 1978 و1982، لأن القدرات القتالية لدى (حزب الله) أقوى بكثير مما كان عليها المقاتلون الفلسطينيون، بالإضافة إلى الخبرات العسكرية التي راكمها الحزب في عملياته ضدّ إسرائيل حتى تحرير الجنوب اللبناني في شهر مايو (أيار) 2000».

النفوذ الإيراني

ويبدو أنه لم يُكتَب للبنان أن يتحرر من سيطرة القوى الخارجية على قراره؛ فبعد إخراج «منظمة التحرير الفلسطينية»، ورئيسها ياسر عرفات من بيروت، على يد الإسرائيليين، في عام 1982، ومن طرابلس (شمال لبنان) على يد الجيش السوري، ونقلها إلى تونس، لم يتغيّر الواقع الأمني؛ حيث أطبق النظام السوري سيطرته على لبنان. وبعد خروج الأخير في عام 2005 جاء النفوذ الإيراني الذي أحكم قبضته بشكل مطلق.

ورأى الدكتور خطار أبو دياب أن «الإمعان في إضعاف الدولة وسيطرة (حزب الله) ومِن خلفه إيران على قرارها تسبب بحرب يوليو (تموز) 2006، وتنفيذ عملية بريّة واسعة». وأضاف: «الآن نشهد على لعبة خطرة تهدد مستقبل لبنان وكيانه».

وحذّر أبو دياب من «تجاهل التهديد الإسرائيلي بالتدخّل البري، وقد حشد 6 فرق عسكرية مدرّبة، وحاول أن يقنع الحليف الأميركي بأن عمليته ستكون محدودة، لكن ثمة خطورة كبيرة بألا يكتفي الإسرائيليون بالتقدّم عبر الجبهة الجنوبية، فقد يتجهون بقاعاً لقطع طرق الإمداد من سوريا إلى لبنان».

وعبَّر أبو دياب عن أسفه لأن «هناك مَن يضحّي بلبنان (في إشارة إلى إيران) كما ضحّى بغزة، ولذلك لا يمكن أن ننقذ بلدنا إلّا عبر استعادة الدولة لتأخذ دورها وقرارها».