​نور الموسوي... طفلة لبنانية تصارع الموت بعد إصابتها في غارة إسرائيلية

مخاوف من نفاد الأدوية والإمدادات الأساسية وسط الحرب

الطفلة نور ووالدها عبد الله في مستشفى الرياق اللبناني (بي بي سي)
الطفلة نور ووالدها عبد الله في مستشفى الرياق اللبناني (بي بي سي)
TT

​نور الموسوي... طفلة لبنانية تصارع الموت بعد إصابتها في غارة إسرائيلية

الطفلة نور ووالدها عبد الله في مستشفى الرياق اللبناني (بي بي سي)
الطفلة نور ووالدها عبد الله في مستشفى الرياق اللبناني (بي بي سي)

ترقد الفتاة نور عبد الله الموسوي البالغة من العمر ست سنوات، فاقدة للوعي في وحدة العناية المركزة للأطفال في مستشفى رياق في وادي البقاع اللبناني، بين الحياة والموت.

ونور هي إحدى الحالات الحرجة في المستشفى اللبناني، بعد الهجمات الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وفي تلال وادي البقاع، كما في أجزاء واسعة من لبنان، قد يأتي الموت من السماء هذه الأيام، في أي لحظة، بفعل القصف الإسرائيلي على المناطق طوال اليوم، وقد وقع أكثر من ثلاثين غارة جوية في ساعة واحدة فقط في منطقة البقاع، وتأكد مقتل 46 شخصاً. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».

وتقول والدة نور، وتدعى ريما، إن ابنتها ذكية للغاية واجتماعية، وتتابع لـ«بي بي سي»: «إنها تخلق جواً من المرح في المنزل. نشعر بالفراغ عندما لا تكون في الجوار. إنها تحب مقابلة أشخاص جدد». كل هذا تغير يوم الاثنين الماضي، مع الغارة الإسرائيلية. وتظهر نور في مقطع فيديو وهي تصلي، قبل الهجوم بفترة وجيزة.

وتتابع الأم: «كنت أهدئها وأقول لها ألا تخاف، ولا شيء سيحدث. كانت تدعو الله للمساعدة»، ومع اقتراب القصف، كانت ريما تختبئ عند باب منزلها مع نور وشقيقها التوأم محمد.

وتسرد الأم: «لم نكن بالشجاعة بما يكفي للدخول، لأننا اعتقدنا أن المبنى سينهار علينا إذا تم قصفه. وعندما اشتد القصف، حملت نور وشقيقها وكنت على وشك نقلهما إلى الداخل، لكن الصاروخ كان أسرع مني كثيراً».

وأدى ذلك الصاروخ إلى إصابة الشقيق محمد بجروح طفيفة، فيما تكافح نور من أجل الحياة.

مواطنون أمام الدمار بفعل الغارات الإسرائيلية بمنطقة البقاع في لبنان (أ.ف.ب)

وفي السياق نفسه، يقول عبد الله عن ابنته: «نور لا تعرف ما الأسلحة. ولا تعرف كيف تقاتل. كانت تلعب في المنزل عندما بدأ القصف. أرادت إسرائيل إرهاب الناس وإجبارهم على الفرار».

وتقول إسرائيل إن غاراتها تستهدف مواقع (حزب الله)، بما في ذلك مخازن الأسلحة ومستودعات الذخيرة. لكن عبد الله يختلف مع هذا الرأي، ويقول لـ«بي بي سي»: «لا علاقة لنا بالأسلحة. أنا لست منخرطاً في المقاومة مع (حزب الله). ولكنني أتمنى الآن أن أكون منخرطاً فيها حتى أتمكن من حماية أطفالي».

ونقلت «بي بي سي» أن صفارات الإنذار دوت في المستشفى بينما كانت سيارة إسعاف تنقل الجرحى من الغارة الأخيرة، وهرع أفراد الطاقم الطبي لإنقاذ الجرحى، فيما يزيد الضغط على قسم الطوارئ، وتتعالى صيحات الغضب، ويُصاب الأصدقاء والأقارب بالصدمة.

جانب من التدمير بفعل الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (إ.ب.أ)

واستقبل مستشفى الرياق اللبناني 400 ضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية منذ يوم الاثنين، جميعهم من المدنيين، وفقاً للمدير الطبي الدكتور باسل عبد الله. ومن بين هؤلاء، توفي أكثر من 100، وفقدت أسر كثيرة أكثر من شخص واحد. ويتابع عبد الله لـ«بي بي سي» أن «هناك صدمة بين الموظفين، وكذلك بين المرضى».

ويقول الطبيب: «رؤية الأطفال وهم يتعرضون للقصف، ورؤية المرضى المسنين والنساء وهم يتعرضون للقصف، أمر صعب. معظم الممرضات والأطباء مكتئبون. لدينا مشاعر. نحن بشر».

ويبقى معظم الموظفين في المستشفى على مدار الساعة لأن المخاطرة بالعودة إلى المنزل أمر خطير للغاية.

ويشعر الدكتور عبد الله بالقلق بالفعل بشأن نفاد الأدوية والإمدادات الأساسية. ويخشى أن تكون هذه حرباً طويلة.

وقالت وزارة الصحة اللبنانية إن أكثر من ألف لبناني قتلوا وأصيب ستة آلاف خلال الأسبوعين الماضيين، دون أن تحدد عدد المدنيين بينهم. وقالت الحكومة إن مليون شخص، أي ما يعادل خُمس السكان، نزحوا من منازلهم.


مقالات ذات صلة

تقرير: قوات خاصة إسرائيلية تسللت إلى لبنان استعداداً لهجوم بري ضد «حزب الله»

المشرق العربي جنود إسرائيليون يرتدون نظارات رؤية ليلية خلال العمليات العسكرية في غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)

تقرير: قوات خاصة إسرائيلية تسللت إلى لبنان استعداداً لهجوم بري ضد «حزب الله»

قال مسؤولون عسكريون إن وحدات خاصة تسللت فترةً قصيرةً إلى داخل الأراضي اللبنانية استعداداً لاحتمال تنفيذ هجوم بري واسع يستهدف «حزب الله».

خاص رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي (أ.ف.ب)

خاص ميقاتي لـ«الشرق الأوسط»: لا مسار آخر سوى وقف النار وإطلاق المفاوضات

رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده تتعهد إرسال الجيش إلى الجنوب بعد وقف النار.

ثائر عباس (بيروت )
المشرق العربي لبنانيون يحملون جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على عين الدلب (أ.ف.ب)

45 قتيلاً جراء الغارة الإسرائيلية على عين الدلب شرق صيدا

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية ارتفاع عدد قتلى غارة إسرائيلية استهدفت شرق صيدا في جنوب لبنان، الأحد، إلى 45 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي ديمتري بيسكوف أدان اغتيال إسرائيل زعيم «حزب الله» حسن نصر الله في بيروت (إ.ب.أ)

الكرملين يدين اغتيال نصر الله ويحذّر من زعزعة الوضع الإقليمي

قال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، الاثنين، إن التطورات المتصاعدة في لبنان أدت إلى «زعزعة استقرار المنطقة بشكل كبير».

رائد جبر (موسكو)
أوروبا صورة الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله الذي قتل في غارة إسرائيلية على بيروت معلقة في أحد شوارع طهران (أ.ف.ب)

ألمانيا: إسرائيل استخدمت حق الدفاع عن النفس حين قتلت نصر الله

قال سيباستيان فيشر المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن إسرائيل استخدمت حقها في الدفاع عن نفسها عندما قتلت حسن نصر الله أمين عام «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (برلين)

معاناة مزدوجة للنازحين والعمال الأجانب في لبنان

نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)
نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)
TT

معاناة مزدوجة للنازحين والعمال الأجانب في لبنان

نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)
نازحون لبنانيون يصلون إلى معبر حدودي مع سوريا (إ.ب.أ)

في ظلّ وجود فوضى كبيرة تعصف بلبنان على أثر الغارات الإسرائيلية، يبحث عمال أجانب مقيمون في لبنان، من بينهم سودانيون وإثيوبيون وسريلانكيون وبنغلاديشيون، عن ملجأ آمن بعيداً عن أماكن الإيواء المخصّصة للبنانيين حصراً، ويجد كثيرون منهم ضالّتهم في ملجأ يُشرف عليه رهبان يسوعيّون.

ففي دير هادئ تابع للرهبنة اليسوعيّة في شرق بيروت، تتردّد أصوات بكاء أطفال، بينما تتحلق نساء بوجوه واجمة حول طاولة متحدثات بصوت خافت. وفي باحة الدير الخارجية، ينتظر البعض، بهدوء، توزيع وجبات الطعام، على وقع هدير طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تكاد لا تفارق سماء بيروت.

ويتوافد هؤلاء الباحثون عن الأمان يومياً من جنوب لبنان، ومن منطقة البقاع في الشرق، وأيضاً من الضاحية الجنوبية لبيروت التي أنهكها القصف الجوي الإسرائيلي في الأيام الماضية.

نازحون من موقع استهداف نصر الله في الضاحية الجنوبية (د.ب.أ)

ويقول الراهب اليسوعي مايكل بيترو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الكنيسة التي كانت تستقبل عادة العمال الأجانب تحولت بين ليلة وضحاها إلى ملجأ.

ويضيف هذا الراهب الأميركي المسؤول في الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين: «بدأ الأمر مع عائلة وصلت إلى هنا، وسألت إن كان ممكناً أن تبقى هنا، قلنا لهم نعم، وفي صباح اليوم التالي جاء 30 شخصاً، ثم تبعهم 50 آخرون».

وحاول الرهبان المتطوّعون التواصل مع مراكز إيواء لتحويل هؤلاء الأشخاص إليها، لكن دون جدوى.

ويشرح مايكل السبب: «بعض الأماكن كانت مكتظة أصلاً، والبعض الآخر لا يقبل سوى لبنانيين». وبهذا صار الدير يستقبل 52 شخصاً.

مع حركة النزوح الكبيرة، اضطُر كثيرون من سكان مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة، أن يقيموا في مدارس أو فنادق أو مراكز إيواء، ومنهم من لم يجد لعائلته سوى الحدائق والأرصفة والساحات العامة، في مناطق يعدونها أكثر أماناً من غيرها.

دخان يتصاعد فوق الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارة جوية إسرائيلية (رويترز)

وتقول ضياء الحاج شاهين، وهي متطوعة لبنانية: «المهاجرون أيضاً بحاجة للمساعدة، فلا أحد ينظر إليهم، ويُعاملون كأشخاص من الدرجة الثالثة، والبعض منهم ليس لديهم جوازات سفر أصلاً»؛ إذ كثيراً ما يمنع أصحاب العمل العمال الأجانب من الاحتفاظ بجوازات سفرهم.

قبل أيام، وصلت إلى دير الرهبان اليسوعيين العاملة السريلانكية كوميري بارارا البالغة 48 عاماً، برفقة ابنها ذي الأعوام الاثني عشر، هاربة من مدينة صيدا في جنوب لبنان. وتقيم كوميري منذ 20 عاماً في لبنان، حيث تزوجت من رجل فلسطيني، وأنجبت منه قبل أن ينفصلا، وهي عاملة منزلية على غرار معظم بنات جنسيتها في لبنان.

تقول كوميري: «لم يهتم بي أحد»؛ إذ غادر أصحاب البيت الذي كانت تعمل فيه، وفقدت الاتصال بهم.

أما مالاني سومالتا، وهي عاملة منزلية من سريلانكا أيضاً، فقد فرّت من الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، التي تتعرض يومياً لقصف إسرائيلي، إضافة لإنذارات من الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر بإخلاء أحياء كاملة من سكانها في مهلة وجيزة.

وتقول مالاني البالغة من العمر 46 عاماً وهي تبكي: «لقد تركنا كل شيء وراءنا، وجئنا إلى هنا». وقد أُغْلِق المطعم الذي تعمل فيه.

ووفق المنظمة الدولية للهجرة، يعيش في لبنان أكثر من 160 ألف عامل أجنبي، تشكل النساء 65 في المائة منهم. ويُعتقد أن العدد في الحقيقة أكبر من ذلك؛ إذ إن كثيرين يقيمون في لبنان بشكل غير قانوني.

وصلت سوزان بايمبا من سيراليون إلى لبنان قبل عامين لتعمل في منزل قريب من مدينة صيدا. ومع بدء الغارات الإسرائيلية هربت مع عدد من مواطنيها إلى بيروت، حيث افترشت الأرض في الشوارع قبل أن تستقر في دير اليسوعيين.

وحاولت سوزان التواصل مع أشخاص من سيراليون يقيمون في منازل، لكن أصحاب هذه المنازل «طردونا قائلين: لا نريد متاعب!».

وتقول هذه العاملة ذات السنوات السبع والثلاثين: «لا نريد الآن سوى أن نعود لبلدنا. تعبنا».

موقع اغتيال نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

عمد المسؤولون عن الدير إلى وضع النساء والأطفال في الطابق الأول، والرجال في الطابق الثاني.

وتقول ملكة جمعة، وهي سودانية ثلاثينية لاجئة في الدير عاشت أهوال الفرار من دارفور عام 2014، ثم فرت قبل أيام من قرية أرنون بجنوب لبنان في رحلة مرهقة محفوفة بالمخاطر: «أنا لم أفهم لماذا اندلعت الحرب في السودان، والآن لم أفهم لماذا اندلعت الحرب هنا».