«الموت ومخاوف أخرى»... تمادي العبث اللبناني

فيلم قصير لماري لويز إيليا يحاكي العيش على شكل أيامٍ تمرّ

أوطاننا تربّي القلق في أبنائها وتواجههم بأشكال النهايات (صور ماري لويز إيليا)
أوطاننا تربّي القلق في أبنائها وتواجههم بأشكال النهايات (صور ماري لويز إيليا)
TT

«الموت ومخاوف أخرى»... تمادي العبث اللبناني

أوطاننا تربّي القلق في أبنائها وتواجههم بأشكال النهايات (صور ماري لويز إيليا)
أوطاننا تربّي القلق في أبنائها وتواجههم بأشكال النهايات (صور ماري لويز إيليا)

يُشبه عنوان الفيلم القصير للكاتبة والمخرجة اللبنانية ماري لويز إيليا، «الموت ومخاوف أخرى»، أحوالنا. إننا في اللهب، ووهجُه حارق. موتنا ومخاوفنا في سباق مع النجاة، فتغلبه في معظم جولاته. وإنْ تفتتح الشابة الثلاثينية شريطها بإعلان الخوف من المرتفعات، سرعان ما تتوسّع المخاوف لتشمل العلاقة بحياة تُفاقم موتها. تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ أوطاننا تربّي في أبنائها القلق وتواجههم بأشكال النهايات. الوداع على المطارات، الانسلاخ عن المدينة، مقتل الأمل؛ منها.

بدأت التصوير قبل سنوات وأرجأت مراراً صناعة مادة فيلمية مما تصوِّره (صور ماري لويز إيليا)

في السماء غيمٌ ومشهد بحر وانعكاس أمواج، ومن نافذة الطائرة تبدو المدن مسكونة بالدفء. لكنَّ الجمال معرَّض لسيطرة المشهد العنفي، حين تنهمر من المرتفعات أدوات القتل الإنساني. الفيلم شخصي، بوصفه تجارب صوَّرتها صاحبته بكاميرا هاتفها، يتحوّل جماعياً بمجرّد سيطرة الشعور المشترك بترقُّب الأسوأ.

بدأت التصوير قبل سنوات، وظلَّت تُرجئ صناعة مادة فيلمية مما تصوِّره: «حين أفرغتُ اللقطات وجمعتُها على هذا الشكل، استراحت أعماقي. شعرتُ أنني أؤكد ما جرى بإخراجه من داخلي ليتشاركه الآخرون». كانت تبحث عن إجابات تتعلّق بمستقبلها الإنساني في بلد يمارس هدر العُمر. بحثتْ ولم تجد. لذا صوَّرت. لكنَّ تلك الاستراحة تراءت مؤقتة. تبخَّر مفعولها بتفاقُم الحدث الضاغط؛ واليوم، بعد مدّة على طرح الفيلم القصير، تشعُر مجدداً بفَتْك السؤال وتيه الجواب.

الفيلم الشخصي يتحوّل جماعياً لسيطرة شعور بترقُّب الأسوأ (صور ماري لويز إيليا)

خذلان الجغرافيا المُشتعلة علّة عصّية على الشفاء. الزمن يُعمّق هذا الصنف من الجرح. تقول ماري لويز إيليا: «نكبُر مع الخوف، فلا يعُد يقتصر على المرتفعات أو لحظات إقلاع الطائرة وتأرجحها قبل المسار الثابت. كنتُ في فرنسا قبل شهرين، وحدَثَ سماعي ضَرْب مدفع للإشارة إلى الساعة الثانية عشرة ظهراً بإحدى القرى. إنه تقليد، والسكان يتعاملون معه بلا رد فعل. أما أنا، فأصابني الهلع. أتى الجواب مصحوباً بالاستغراب من هشاشتي، حين تساءلتُ عما يجري. بالنسبة إلى فرنسيي القرية، المشهد عادي. في ذاكرتي، هو مسار أحداث».

لا تدري أكان التفكير في النهايات مردُّه النشأة في أوطان مأزومة تقامر بمصائر أبنائها. تقول في الشريط المعروض عبر منصّة «أفلامنا»: «أخاف من الموت، لكنني لا أشاء العيش الأبدي. أفكّر برحيلي دائماً. لا أريد مشاعر الألم، كما أرجو ألا تكون نهايتي مفاجئة». حديث الموت وفجاجته في العنوان، تُقابلهما استحالة فصل النفس عن أشكال فنائها. يستوقفها الربط بين الموت والواقع، فتُعلّق: «اليوم، يصعب أكثر تصديق النجاة. سَلْخ النفس لا ينفع أمام غزارة تساقُط الضحايا. كان المشهد من بعيد، عنوانه غزة. البعض استطاع التنحّي عن أهواله. كيف نفعل الآن، وناره تهبّ من حولنا؟ كبرتُ وفكرة الموت تطاردني، فأراها في أفكاري وأيامي. اليوم تلتصق بي، كأنّ كل يوم هو موتنا المؤجّل حتى إشعار آخر».

هواجس صاحبة الفيلم هي عينها هواجس مُشاهده (صور ماري لويز إيليا)

لأننا أبناء الاحتراق، نستكثر بهجاتنا. فالفيلم يتحوّل جماعياً بتبنّي حالة اللبناني المُدرِك أنّ خلف الفرح غصّة. هواجس صاحبته هي هواجس مُشاهده. وحين تقول: «بِعتَل هَم انبسط»، فذلك لحتمية تسلُّل الأحزان من حيث لا ندري. السؤال المُتعب: «أي ثمن سنسدّده حين نفرح؟». المفارقة أن الجواب مُلقى في الهبوب أو مُصادَر أسوةً بأعمارنا.

طرحُها سؤالاً آخر، هو: «لِمَ يسهُل على بعضنا قتل بعض؟»، تحيله أيضاً إلى اللاجواب: «كأننا نُسيَّر بالشرّ المُطلق فيتعذّر ضبط القتل. لا شيء يُبرر المقتلة من دون أن أجد تفسيراً لها». تكثُر الأشياء العاجزة عن تبريرها، كأنْ تودِّع صداقات وتُرغَم على بناء أخرى، «من الصفر»، في كل مرة تمتلئ المطارات بالمغادرين، ويحدُث الانسلاخ الجماعي الهستيري، دلالةً على ذروة التأزُّم واستحالة الاستمرار وسط التشظّي.

الخياران شاقّان؛ اليُتم والبناء على أنقاض ما تهدّم. بالنسبة إليها، «صعبة عزلة الإنسان ولا تُحتَمل»، لذا تبني. كلما صغُرت الدائرة، توسِّع ما أمكن توسيعه: أصدقاء جدد، وثقة جديدة، ودفء للاحتيال على البرودة. تقول: «الامتلاء يلي كل فراغ. في الفراغات، يفنى البشر. لذا نحاول الامتلاء فنواجه الوحشة».

الفيلم يبحث عن إجابات تتعلّق بمستقبل الإنسان (صور ماري لويز إيليا)

اكتشافها بيروت حدَثَ في وقت متقدِّم، فالشابة نشأت في مكان آخر. ولمّا توطَّدت العلاقة، بعد الإقامة في شوارعها الصاخبة، ترافق الشعور بالحبّ مع احتدام الصراع: «أودّ حمايتها، ولكن هل نحن محميّون؟ الانتماء لبيروت محفوف بالأخطار».

ولأنّ الصور ترسخ، تشاء لذاكرتها تفادي أقساها. لبعض الوقت، حيَّدت ماري لويز إيليا نفسها عن ويلات غزة، لتجنُّب امتلاء الذاكرة بالمجازر. ولما راحت تتجوَّل في لبنان، تعذَّر هذا الفصل. «نتآكل بالذنب إن حاولنا التلهّي عن فداحة الموت المجاور. اليوم هو في ديارنا ويعبث بنا».


مقالات ذات صلة

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
TT

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)
حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير الذين اختفوا عن حفل الختام الذي أقيم في قصر ثقافة مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.

ووفق نقاد، فإن التضارب الذي يحدث بين مواعيد انعقاد مهرجانات مصرية على غرار «شرم الشيخ المسرحي» و«القاهرة السينمائي» هو السبب وراء اختفاء نجوم الشاشات والمسرح عن حضور فعاليات المهرجان.

ورغم استمرار انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي المعروف بكثافة فعالياته، جرى تكريم بعض نجوم الفن والسينما، عبر حفل «غولدن غلوب» ومجلة «Enigma»، بأحد الفنادق الكبرى على النيل، كان من بينهم الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والفنانة يسرا، اللذان تم منحهما جائزة «عمر الشريف».

وشهد حفل ختام «شرم الشيخ المسرحي» حضور عدد قليل من الفنانين والمسرحيين، من بينهم الفنان سيد خاطر، وكيل وزارة الثقافة المصرية الأسبق، وأحمد بو رحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة، والفنان علاء مرسي، والفنان والبروفيسور الروسي ميخائيل جوريفوري، والمخرج الروماني قسطنطين كرياك، رئيس مهرجان سيبيو الدولي، والفنانة حلا عمران، والفنانة اللبنانية مروة قرعوني، والفنان أحمد وفيق، والمخرج السوري ممدوح الأطرش، والكاتبة فاطمة المعدول، والدكتور سعيد السيابي من سلطنة عمان، والمخرج عصام السيد، والفنانتان المصريتان عزة لبيب، ومنال سلامة.

حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي (شرم الشيخ المسرحي)

وسيطرت مصر على جوائز حفل الختام؛ إذ حصل شباب مسرحها على جائزة أفضل عرض متكامل بمسرحية «هجرة الماء» وشهادتي تقدير لجودة العمل في مسابقة مسرح الطفل والنشء، كما حصل المصري أحمد بيلا على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع، عن عرض «خلف النافذة»، أما عن أبرز الجوائز العربية فحصل العرض الإماراتي «حكايات صامتة» على جائزة أفضل أداء جماعي في مسابقة مسرح الطفل والنشء، وحصل العرض العماني «فضيلة عبيد» على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة الشارع.

وأعلن المخرج مازن الغرباوي، مؤسس ورئيس المهرجان، أن دولة كوريا الجنوبية ستكون ضيف شرف المهرجان في الدورة المقبلة التي ستحمل اسم الفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين، لمسيرتها المهمة في المسرح المصري والعربي.

وأعرب المخرج السوري ممدوح الأطرش عن سعادته البالغة لتكريمه في مصر، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع المهرجان منذ انطلاقه قبل 9 سنوات، وأراه يتطور سنة تلو الأخرى».

ممدوح الأطرش خلال حفل الختام (شرم الشيخ المسرحي)

وعن أعماله الفنية التي يحضر لها خلال الفترة المقبلة، قال الأطرش: «أجهز لفيلم سينمائي عن حياة الفنانة الراحلة أسمهان، نجري حالياً تشاورات ونقاشات عدة حوله، حتى يخرج بالصورة الرائعة التي تُمثل قيمة أسمهان بصفتها فنانة عالمية، مع سرد سريع لقصة عائلة الأطرش».

يُذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان كانت تحمل اسم المخرج الكبير الراحل جلال الشرقاوي، وشهدت مشاركة 36 دولة، ومنح الفنانة السورية حلا عمران درع «سميحة أيوب»، بجانب تكريم الفنان علاء مرسي، والفنان الروسي ميخائيل جوريفوي، والمخرج السوري ممدوح الأطرش.