الفيلم السعودي «مبتعث»... صراع نفسي بين الواقع والخيال المرعب

براء عالم لـ«الشرق الأوسط»: قدمنا قصة بهوية ثقافية بجودة وتقنيات الأفلام العالمية نفسها

صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)
صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)
TT

الفيلم السعودي «مبتعث»... صراع نفسي بين الواقع والخيال المرعب

صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)
صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)

استقبلت صالات السينما في السعودية ودول الخليج فيلم التشويق والرعب السعودي «مبتعث» الذي حقق نجاحاً ملحوظاً في أول أسبوع من عرضه والذي شارك في مهرجاني الغردقة السينمائي وكازابلانكا، ونال إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء.

تدور أحداث الفيلم الذي يمتد إلى نحو 105 دقائق حول «حمد» الطالب السعودي المبتعث في إحدى جامعات نيويورك عام 2010، ومع ضغط من أسرته المكونة من أب وأم مسنين يتفاقم شعوره بالذنب ليقرر حينها العودة إلى السعودية؛ ليجد أن أهله وبيئته ليسوا كما عهدهم، وهنا يظهر الصراع النفسي بين الواقع والخيال في أشد الأحداث رعباً.

سيناريو الفيلم مستلهم من قصص واقعية حدثت مع أشخاص من دائرة العلاقات المحيطة بالمخرج عامر الكامل، ظهر عليهم فيها أثر المرض النفسي ورحلة الشعور بالذنب، وكيف أثَّرت الغربة على روابطهم الأسرية. وهذا ما جعل للفيلم قيمة إنسانية عالية، فهو ليس فيلم رعب وتشويق مسلياً وحسب، بل يحمل أيضاً قيماً إنسانية واجتماعية قد تدفع البعض إلى التفكّر أكثر فيما وراء الصورة. فيلم «مبتعث» الذي تم تصوير جميع مشاهده بين السعودية والإمارات، بالإضافة إلى بضع لقطات من مدينة نيو يورك في أميركا التي كانت بلد الابتعاث لشخصية «حمد» في بداية الفيلم، من كتابة وإنتاج وإخراج عامر الكامل، وبطولة براء عالم، ونايف الظفيري وحابس حسين.

براء عالم بطل فيلم «مبتعث» في أحد مهرجانات السينما (الشرق الأوسط)

عناصر التشويق

عن التجرية يقول براء عالم صاحب شخصية «حمد»: «ألهمتني الرغبة في استكشاف التغيرات النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تحدث عندما يعود شخص إلى منزله بعد فترة طويلة من الغياب، تلك العودة قد تكشف عن جوانب مظلمة في داخله لم يكن يتوقعها، ناهيك عن كونها تجربة جديدة لم أخضها من قبل، ومن النادر أن نشاهد فيلماً عربياً من فئة الرعب ينجح في شد وتشويق المشاهدين لعالمه، وبصفتي ممثلاً أحب أن أجرّب أنواعاً جديدة وأنوّع في الأدوار التي أقدّمها».

تحدي الشخصية

براء عالم تجذبه الشخصيات المركبة التي تتطلب حالة استثنائية في الأداء والتقمص، فبعد شخصية الجني «حوجن» التي قدمها في أول فيلم فنتازيا سعودي، يطل براء بشخصية «حمد» في فيلم «مبتعث» ليقدم شخصية شاب سعودي وحيد والديه يبتعد عنهما للدراسة في أميركا وينخرط هناك في مجتمعات غير صحية، ويصاب باضطراب نفسي سببه عقدة الذنب لترك أهله، هذه الشخصية لم يكن أداؤها سهلاً، بحسب براء؛ فهي تطلبت منه جهداً نفسياً وبدنياً عالياً؛ مما جعل أبعادها النفسية وتعقيداتها تترك أثرها عليه حتى بعد نهاية التصوير.

من كواليس فيلم «مبتعث» مستخدم فيها تقنيات تصوير وديكورات موحشة ومظلمة (الشرق الأوسط)

واجه فريق عمل الفيلم تحديات عدة، أهمها كانت تتعلق بكيفية إيصال الأجواء النفسية المرعبة بصورة وهوية محليّة صادقة، وبحسب براء: «من السهل أن ننسخ الأفلام الأجنبية التي قدمت قصصاً من النوع نفسه ونعيد تعريبها وتقديمها للمشاهد، لكننا اجتهدنا وحاولنا أن نقدّم قصة صادقة بهوية ثقافية أصيلة بجودة وتقنيات الأفلام العالمية نفسها من النوع ذاته، ناهيك أيضاً عن ظروف التصوير الصعبة بحكم تعقيدات الشخصية النفسية، أشكر زملائي الممثلين وفريق العمل الذين تحمّلوني أثناء فترة التصوير، فلا أظن أنني كنت شخصية اجتماعية مرحة بحكم الأهوال النفسية التي كانت تمر بها شخصيتي أثناء التصوير».

فيلم «مبتعث» لا يركز على الابتعاث ويجعل منه مركزاً للقصة، فالابتعاث في الفيلم - بحسب براء - عالم له معنى مجازي أكثر من كونه طالباً يدرس خارج وطنه بشكل حرفي، لكنه يعتقد أن كل شخص ابتعد عن عائلته سواء لدراسة أو عمل قد يتّصل بالقصة بشكل أو بآخر، فجزء كبير من معاناة شخصيّة «حمد» في الفيلم قادم من شعوره بالفن لتركه أهله لفترة طويلة من الزمن، وابتعاده عنهم في أوقات قد تكون صعبة عليهم؛ وهذا ما أدّى إلى تدهور حالته النفسية وأوصلنا إلى أحداث الفيلم.

تميز وتفرد فني

فيلم «مبتعث» يتميز عن غيره من الأفلام بمزجه بين الدراما النفسية والرعب، في فئة لم يتم التطرق لها كثيراً في الأفلام المحليّة، فالكوميديا مثلاً فئة منتظرة ومحبوبة لدى الجمهور المحلّي ومعظم المخرجين سيفكّرون مرّتين قبل أن يقدِموا على عمل فيلم من فئة قد يكون فيها مخاطرة الرعب والإثارة.

وعما إذا كان في الفيلم عناصر فنية أو موضوعية تجعله فريداً، قال براء: «بالتأكيد الموسيقى التصويرية كان لها دور كبير في نقل مشاهد الشخصيات في الفيلم للمشاهد، وأيضاً تقنيات التصوير السينمائي والديكورات المستخدمة، وبحكم الحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الفيلم، اشتغل فريق الديكور على بناء مواقع تصوير فريدة من نوعها موحشة ومظلمة، أيضاً لا أستطيع أن أنسى أداء صديقَي الممثلين المبدعين نايف الظفيري وحابس حسين اللذين قدّما أداءً رائعاً وأضافا لشخصيتي والفيلم إضافات قيّمة جداً».


مقالات ذات صلة

شباك التذاكر السعودي: «السلم والثعبان» يتصدر... وافتتاح قوي لـ«الست»

يوميات الشرق فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)

شباك التذاكر السعودي: «السلم والثعبان» يتصدر... وافتتاح قوي لـ«الست»

واصل شباك التذاكر السعودي أداءه المستقر خلال الأسبوع الثاني من ديسمبر، محققاً إيرادات تتجاوز 14 مليون ريال، مع بيع نحو 286 ألف تذكرة.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
يوميات الشرق نسمة محجوب مع منى زكي (حساب نسمة محجوب على فيسبوك)

نسمة محجوب: تجربتي في «الست» التحدي الأصعب بمشواري

أعربت المطربة المصرية نسمة محجوب عن فخرها بمشاركتها في فيلم «الست» بالأداء الصوتي للأغنيات، والذي اعتبرته أصعب تحدٍّ خلال مشوارها الفني.

مصطفى ياسين (القاهرة)
يوميات الشرق عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً في مهرجان البحر الأحمر (يوتيوب)

زانغ زونغشين لـ«الشرق الأوسط»: عملي في المصانع والحراسة كان ملهماً

يقول المخرج الصيني زانغ زونغشين لـ«الشرق الأوسط» إن طريقه إلى السينما لم يبدأ من المعاهد السينمائية، بل من حياة مليئة بالانتقال والعمل الشاق.

أحمد عدلي (جدة)
يوميات الشرق السجادة الحمراء في الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر - جدة 2025 (أ.ف.ب)

جوائز «البحر الأحمر السينمائي» ذهبت لمن استحق

جوائز مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» الخامسة وزعت على أفلام «أرض مفقودة» و«اللي باقي منك» و«هجرة»، مع تكريم أعمال عربية أخرى مميزة.

محمد رُضا (جدّة)
يوميات الشرق لقطة من فيلم «الست» (حساب الكاتب أحمد مراد على فيسبوك)

«الست» يحقق إيرادات مليونية ويتصدر شباك التذاكر بمصر

فيلم «الست» يحقق إيرادات مرتفعة في مصر خلال أيام قليلة من عرضه وسط اهتمام كبير من الجمهور.

داليا ماهر (القاهرة )

شباك التذاكر السعودي: «السلم والثعبان» يتصدر... وافتتاح قوي لـ«الست»

فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)
فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)
TT

شباك التذاكر السعودي: «السلم والثعبان» يتصدر... وافتتاح قوي لـ«الست»

فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)
فيلم «الست» يحقق افتتاحاً قوياً بأكثر من مليون ريال في أسبوعه الأول (imdb)

واصل شباك التذاكر السعودي أداءه المستقر خلال الأسبوع الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، محققاً إيرادات تتجاوز 14 مليون ريال، مع بيع نحو 286 ألف تذكرة، في أسبوع شهد عرض أكثر من 40 فيلماً في دور السينما، وتوزَّعت فيه اختيارات الجمهور بين الإنتاجات العربية والأفلام الأجنبية، دون هيمنة مطلقة لعنوان واحد، وإن ظلت الصدارة محصورة في نطاق محدود من الأعمال الأكثر جماهيرية، حسبما يظهر التقرير الأسبوعي لهيئة الأفلام.

وتصدَّر فيلم «السلم والثعبان» قائمة إيرادات الأسبوع، محققاً أكثر من 3 ملايين ريال، مع بيع أكثر من 58 ألف تذكرة، ليواصل حضوره القوي في الصالات للأسبوع الخامس على التوالي. هذا الأداء يعكس قدرة الفيلم على الحفاظ على زخمه بعد مرحلة الافتتاح، مستفيداً من قاعدة جماهيرية واسعة، ومن تداول إيجابي أسهم في إطالة عمره التجاري داخل دور العرض. كما تجاوزت إيراداته التراكمية منذ بدء عرضه 26 مليون ريال، ما يجعله من أبرز عناوين الشهر من حيث الاستمرارية، لا الاندفاع المؤقت.

في المركز الثاني، حلَّ فيلم «Zootropolis 2» (زوتوبيا 2)، محققاً إيرادات قاربت 3 ملايين ريال، مع بيع أكثر من 60 ألف تذكرة خلال الأسبوع. ورغم حلوله ثانياً في ترتيب الإيرادات، فإن الفيلم يتقدّم من حيث عدد التذاكر المبيعة مقارنة بالمتصدر، وهو ما يشير إلى جاذبيته الكبيرة لدى فئة العائلات، وإلى تنوُّع فئات التذاكر وأسعارها بين العروض المختلفة. ومع هذا الأسبوع، تجاوز إجمالي إيرادات الفيلم 9 ملايين ريال.

أما المركز الثالث فكان من نصيب فيلم «Five Nights at Freddy’s 2» (خمس ليالٍ في فريديز 2) الذي حقق أكثر من 2.5 مليون ريال، مع بيع نحو 52 ألف تذكرة في أسبوعه الثاني. ويُعد هذا الرقم دلالة على دخول قوي للفيلم في السوق السعودية، مستنداً إلى شعبية سابقة للجزء الأول، وإلى قاعدة جماهيرية من فئة الشباب، ما مكَّنه من تثبيت موقعه ضمن الثلاثة الأوائل بسرعة لافتة.

ويبرز عند قراءة الأرقام أن الأفلام الثلاثة الأولى استحوذت مجتمعة على نحو 60 في المائة من إجمالي إيرادات الأسبوع، وهي نسبة تعكس نمطاً مألوفاً في أسواق السينما؛ حيث تتركَّز الكتلة الكبرى من الإيرادات في عدد محدود من العناوين، بينما تتوزع بقية الإيرادات على أعمال متعددة ذات حضور أقل، ولكنها تساهم في تنويع المشهد السينمائي.

في المرتبة الرابعة، جاء فيلم «Now You See Me: Now You Don’t» (الآن تراني: الآن لا تراني) بإيرادات تجاوزت مليون ريال، مع بيع أكثر من 22 ألف تذكرة في أسبوعه الرابع، مواصلاً أداءً متماسكاً منذ بدء عرضه، مع إيرادات تراكمية قاربت 8 ملايين ريال. ويعكس هذا الأداء قدرة الفيلم على الصمود في شباك التذاكر، اعتماداً على اسمه المعروف وسلسلة ناجحة سابقاً.

أما المركز الخامس فكان من نصيب فيلم «الست» الذي يتناول سيرة المغنية أم كلثوم؛ وسجَّل حضوراً لافتاً في أسبوعه الأول، محققاً أكثر من مليون ريال، مع بيع نحو 17 ألف تذكرة. ويُعد هذا الافتتاح مؤشراً على اهتمام الجمهور بالأعمال ذات الطابع العربي والسِّيَر الذاتية؛ خصوصاً حين تتناول شخصيات ثقافية ذات حضور راسخ في الذاكرة الجمعية.

وخارج دائرة الخمسة الأوائل، واصلت أفلام عدة تحقيق إيرادات متوسطة تعكس ما يمكن وصفه بـ«الذيل الطويل» لشباك التذاكر؛ حيث جاء سادساً الفيلم المصري «ولنا في الخيال حب»، يليه سابعاً الفيلم الهندي «Kalamkaval». وفي المرتبة الثامنة فيلم «Wildcat» (وايلدكات) ثم في المرتبة التاسعة «Wicked: For Good» (ويكد: للأفضل)، وأخيراً في المرتبة العاشرة الفيلم المصري «السادة الأفاضل».

وتعكس نتائج الأسبوع الثاني من ديسمبر صورة واضحة عن نضج السوق السينمائية السعودية؛ حيث لم يعد الإقبال محكوماً بعناوين ضخمة فقط؛ بل بات الجمهور أكثر انتقائية، موزعاً اهتمامه بين الفيلم العربي والأجنبي، وبين الترفيه العائلي وأفلام الرعب أو الحركة. كما تشير الأرقام إلى استقرار متوسط العائد للتذكرة، ما يؤكد توازن العلاقة بين التسعير وحجم الإقبال.

ومع اقتراب نهاية العام، يبدو شباك التذاكر السعودي مهيأً لمواصلة هذا النسق المتوازن، في ظل جدول عروض متنوع، وجمهور بات أكثر خبرة في الاختيار، وأكثر استعداداً لمنح الأفلام ذات الجودة أو الجاذبية الجماهيرية فرصة أطول داخل الصالات.


نسمة محجوب: تجربتي في «الست» التحدي الأصعب بمشواري

نسمة محجوب مع منى زكي (حساب نسمة محجوب على فيسبوك)
نسمة محجوب مع منى زكي (حساب نسمة محجوب على فيسبوك)
TT

نسمة محجوب: تجربتي في «الست» التحدي الأصعب بمشواري

نسمة محجوب مع منى زكي (حساب نسمة محجوب على فيسبوك)
نسمة محجوب مع منى زكي (حساب نسمة محجوب على فيسبوك)

أعربت المطربة المصرية نسمة محجوب عن فخرها بمشاركتها في فيلم «الست» بالأداء الصوتي للأغنيات، والذي اعتبرته أصعب تحدٍّ خلال مشوارها الفني.

وأكدت أنها قامت على مدى عام كامل بتدريب الفنانة منى زكي على تجسيد شخصية «كوكب الشرق» أم كلثوم، في الفيلم الذي كتبه أحمد مراد وأخرجه مروان حامد.

وقالت نسمة في حوارها مع «الشرق الأوسط» إنه تم ترشيحها للعمل عن طريق الموسيقار هشام نزيه، قبل أن تلتقي منى زكي على مدار عامين، لعقد جلسات للوقوف على كافة التفاصيل المتعلقة بأداء أم كلثوم الغنائي.

أغنيات صعبة

وتكشف نسمة أن منى كانت تغني بصوتها وقت التصوير، لذلك كان لا بد من أن تحفظ الأغنية بكل تفاصيلها، مشيرة إلى أن «كل الأغاني الموجودة بالفيلم من اختيار المخرج مروان حامد، وفقاً للسياق الدرامي للعمل»، موضحة أن هناك أغنيات كثيرة لأم كلثوم كانت تسمعها للمرة الأولى؛ خصوصاً ما غنته في بداياتها، مثل: «الصب تفضحه عيونه»، و«الشك يحيي الغرام»، و«الأولة في الغرام»، بالإضافة إلى أغنية «برضاك» التي «تعد من أصعب أغانيها بالنسبة لكل المطربات».

المطربة المصرية نسمة محجوب (حسابها على فيسبوك)

وكشفت أنها درَّبت منى زكي عاماً كاملاً قبل التصوير، بواقع مرتين أسبوعياً، مؤكدة أن «هذه التدريبات وفرت كثيراً من الوقت قبل التصوير، وتضمنت الأداء الجسدي ومخارج الحروف والألفاظ، وحركة عضلات الوجه والشفتين، والأسلوب الغنائي المميز لـ(كوكب الشرق) بكل ما فيه من نغمات وحِليات غنائية، بما يخدم مصداقية الشخصية داخل أحداث العمل».

وبسؤالها عن أصعب أغنية درَّبت منى عليها، أجابت قائلة: «أغنية (إن كنت أسامح) لأنها ذات نغمات عالية، وقد غنتها أم كلثوم وهي صغيرة في السن، فتمكَّنت من أدائها ببراعة؛ لأنه مع كبر السن تقل المساحة الصوتية عادة، ولا يستطيع الصوت أن يغني بالقوة والطاقة نفسيهما اللتين يمتلكهما في الصغر».

جانب من العرض الخاص لـ«الست» بالقاهرة (حساب نسمة محجوب على فيسبوك)

ولفتت إلى أن أغاني «ثومة» القديمة شديدة التعقيد؛ لأنها «تحتوي على تقلبات لحنية مختلفة ومقامات عدَّة، لذلك أعتبر أن النصف الأول من الفيلم أصعب في أغنياته من النصف الثاني».

وحضرت المطربة المصرية طوال تصوير المشاهد الغنائية بالفيلم، لضبط إيقاع الأداء، ولا سيما أن الفيلم يضم 12 أغنية تستحوذ على نحو نصف ساعة من مدة عرض الفيلم، رغم أنها لم تُقدَّم كاملة؛ حيث اقتصر تقديمها على مقاطع أو مذاهب أو أجزاء صغيرة؛ لأن التركيز الأساسي في العمل كان يدور حول أم كلثوم الإنسانة أكثر من المطربة، لذلك تطلَّب الدور وجود ممثلة قوية تجيد التعبير عن انفعالات ومشاعر الشخصية، وإظهار لحظات الضعف والوحدة والانكسار التي عانت منها في حياتها، ولو كان الموضوع خلاف ذلك لتمت الاستعانة بمطربة لتجسيد الشخصية.

الهجوم على منى زكي

وحول تفسيرها لهجوم البعض على منى زكي، قالت إنه هجوم غير موضوعي، معتبرة أن الأزمة تكمن في التوقعات العالية لدى الجمهور؛ خصوصاً أن سيرة أم كلثوم قُدِّمت من قبل، ولكن الفيلم تناول قصة «ثومة» من منظور مختلف بعيداً عن المتوقع، ولم يتناول محطات مشوارها الفني، ولم يسلط الضوء على أغنياتها؛ بل تناولها من منظور إنساني، وجسد التناقضات في شخصيتها وضعفها الأنثوي والتحديات التي واجهتها كامرأة.

لقطة من فيلم «الست» (الشركة المنتجة)

وعبَّرت نسمة عن إحساسها بالفخر لإنجازها هذا العمل الفني الكبير، الذي حظي بردود أفعال إيجابية قبل عرضه في مصر؛ حيث عُرِض أول مرة في «مهرجان مراكش السينمائي الدولي» بالمغرب، ومع الأيام الأولى لعرضه في مصر حصل على إشادات عدد كبير من النقاد، ومن أسرة أم كلثوم نفسها.


زانغ زونغشين لـ«الشرق الأوسط»: عملي في المصانع والحراسة كان ملهماً

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً في مهرجان البحر الأحمر (يوتيوب)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً في مهرجان البحر الأحمر (يوتيوب)
TT

زانغ زونغشين لـ«الشرق الأوسط»: عملي في المصانع والحراسة كان ملهماً

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً في مهرجان البحر الأحمر (يوتيوب)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً في مهرجان البحر الأحمر (يوتيوب)

في الفيلم السينمائي الصيني «أصوات الليل» الذي حصد جائزة «أفضل مساهمة سينمائية» في النسخة الخامسة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لا يأتي الصوت من الحناجر، بل من الأرض، من القمح حين تهبّ عليه الريح، ومن التماثيل الحجرية التي وقفت قروناً تشاهد البشر يأتون ويغادرون، ومن النساء اللواتي تعلّمن أن يبتلعن حكاياتهن.

هكذا يبدو الفيلم ليس حكاية تُروى، بل كان أثراً يلتقط، وذاكرة تتحرك في العتمة، ومن هذا الإحساس بالإنصات، لا بالتصريح، ينطلق المخرج الصيني زانغ زونغشين ليقدّم عمله الثاني، «أصوات الليل»، بوصفه محاولة للاقتراب من عالم يعتقد أن الكاميرا لا تحبه كثيراً.

ويقول زانغ زونغشين لـ«الشرق الأوسط» إن طريقه إلى السينما لم يبدأ من المعاهد السينمائية، بل من حياة مليئة بالانتقال والعمل والبحث عن مكان، فهو وُلد في قرية فقيرة، ثم انتقل بعد الثانوية إلى المصنع، حيث اختبر قسوة العمل المتواصل، قبل أن يشدّ الرحال إلى بكين عام 2011، ليعمل حارساً ليلياً بالقرب من معهد بكين السينمائي.

ناقش الفيلم قضايا المرأة في الريف الصيني (يوتيوب)

وهناك ومن موقعه باعتباره حارساً لا كونه طالباً، تعلّم أن يراقب أكثر مما يتكلّم، وأن يفهم السينما بوصفها لغة تُكتشف بالمشاهدة والإصغاء، مؤكداً أن تسلله إلى المحاضرات، وجلوسه في الصفوف الخلفية، شكّلا وعيه الأول بلغة الصورة، وفتحا أمامه باب السينما الفنية التي وجد فيها ما يعبّر عن حياته وأسئلته.

ويشير إلى أن تلك التجربة لم تمنحه المعرفة فقط، بل كوّنت علاقاته الأولى، سواء مع طلاب السينما أو مع زملائه من الحراس، الذين كانوا، مثله، يبحثون عن الاقتراب من هذا العالم، ولاحقاً، تعلّم المونتاج ذاتياً، وعمل محرراً في أفلام مستقلة، قبل أن ينجز فيلمه الأول «البقرة البيضاء»، الذي عاد فيه إلى الريف وذاكرة الطفولة، وفتح له باب الاعتراف السينمائي داخل الصين.

المخرج الصيني زانغ زونغشين (مهرجان البحر الأحمر)

واختار المخرج تسليط الضوء على نساء الريف الصيني في فيلمه الجديد، قائلاً إن «هذه الفئة تكاد تكون غائبة عن السينما، رغم أنها تمثّل قلب الحياة الريفية، فهن يملكن مساحة محدودة للتعبير، ويعشن أوجاعهن في صمت، بينما تتركز معظم الأفلام الصينية على المدن والحياة الاستهلاكية».

وأوضح أن رغبته كانت تتمثل في تقديم فيلم لا يتحدث عن النساء من الخارج، بل يقترب من مشاعرهن اليومية، ومن علاقتهن بالأرض، مستلهماً ذلك من تجربة والدته، التي يرى أنها تمثّل نموذجاً لنساء كثيرات عشن العمر كله مرتبطات بالأرض، وبأسرار لا تُقال، لافتاً إلى أن الفيلم لا يتعامل مع الريف بوصفه خلفية، بل بوصفه كائناً، فالأرض ليست مكاناً فقط، بل هي ذاكرة ومصدر حياة وقمع في آن واحد، ومن هذا المنطلق، جاء اختياره لطفلة في الثامنة من عمرها لتكون مركز السرد.

حصد الفيلم ردود فعل إيجابية في مهرجان البحر الأحمر بجانب جائزة (يوتيوب)

ويقول المخرج الصيني إن «منظور الطفلة يمنح الفيلم مساحة للغموض؛ لأن الطفلة ترى نصف الحقيقة فقط، وتملأ النصف الآخر بالخيال، وهذا، في رأيه، أقرب إلى الطريقة التي تُعاش بها الحياة في القرى، حيث لا تُشرح الأمور كاملة، بل تُلمح وتُحسّ».

ويشير إلى أن «علاقته بذاكرة الطفولة لعبت دوراً أساسياً في هذا الاختيار، مع استعادته الليالي الريفية الطويلة، وما تحمله من خوف وأسئلة وأصوات غير مفهومة مع قناعته بأن الطفل قادر على التقاط ما يتجاهله الكبار، وعلى سماع ما لا يُقال، وهو ما جعله يحمّل الشخصية الصغيرة عبء الكشف عن عالم النساء من حولها».

وأكد زانغ زونغشين أنه لم يسعَ إلى إدخال الغرابة بشكل متكلّف، بل ترك المكان يقوده، فالتماثيل الحجرية العائدة إلى سلالة سونغ، التي تقف وسط الحقول منذ مئات السنين، بدت له شاهداً صامتاً على تعاقب الأجيال، وعلى استمرار التقاليد، مهما تغيّرت حياة البشر.

الملصق الدعائي للفيلم (مهرجان البحر الأحمر)

كما يتوقف عند تجربة التصوير الليلي في حقول القمح، حيث تحوّل صوت الريح إلى عنصر أساسي في بناء الجو العام، وكأن الأرض نفسها تهمس بما تحتفظ به، ومن هنا جاءت فكرة الطفل الشاحب الذي يظهر في الفيلم، بوصفه تجسيداً شعورياً لا واقعياً، يرمز إلى الحب المفقود، وإلى الفراغ العاطفي الذي تعيشه كثير من النساء في تلك البيئات.

وخلال حديثه عن عرض الفيلم في مهرجانات دولية، ومن بينها مشاركته في «البحر الأحمر»، يعبّر زانغ زونغشين عن إحساسه بأن السينما قادرة على خلق تواصل إنساني يتجاوز اللغة، مؤكداً أن ما لمسه من دفء ونظرات الناس في السعودية جعله يشعر بأن المشاعر الإنسانية، مهما اختلفت البيئات، تظل متشابهة في جوهرها.

وأكد على أن «أصوات الليل» ليس فيلماً يقدم إجابات، بل يطرح إحساساً، وأن رهانه الأساسي هو قوة الصورة، وقدرتها على حمل ما تعجز الكلمات عن قوله، فالصمت، في رأيه، ليس فراغاً، بل مساحة ممتلئة بالحياة، والسينما؛ فحين تنصت جيداً، قادرة على جعل هذا الصمت مسموعاً.