مستثمرو السندات منقسمون بين «الهبوط الناعم» ومخاوف الركود

وسط توقعات خفض الفائدة

متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)
متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)
TT

مستثمرو السندات منقسمون بين «الهبوط الناعم» ومخاوف الركود

متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)
متداولون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب)

يشعر مستثمرو السندات بالحذر والانقسام بشأن احتمال حدوث ركود في أكبر اقتصاد في العالم في الوقت الذي يستعد فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة يوم الأربعاء للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات.

ويزعم أنصار «الهبوط الناعم» أن البيانات الأميركية الضعيفة الأخيرة لا تشير إلى أن الاقتصاد يتجه نحو السقوط في الهاوية، وربما لا تشير حتى إلى حدوث ركود. من ناحية أخرى، يشير بعض أنصار «الهبوط الحاد» إلى اتجاهات مثيرة للقلق في سوق العمل والتي قد تدفع الاقتصاد إلى ركود عميق وتجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة بشكل كبير، وفق «رويترز».

قال محللون إن التوقعات بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي غير مستقرة مع بدء دورة التيسير النقدي. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يخفض «الفيدرالي» في ختام اجتماعه السياسي الذي يستمر يومين ويبدأ يوم الثلاثاء أسعار الفائدة القياسية، والتي كانت في نطاق مستهدف يتراوح بين 5.25 في المائة إلى 5.50 في المائة منذ يوليو (تموز).

وتراوحت التوقعات بشأن حجم الخفض بين 50 و25 نقطة أساس لعدة أشهر. واستقرت العقود الآجلة لأسعار الفائدة الأميركية يوم الاثنين عند احتمالات 59 في المائة لخفض كبير بمقدار 50 نقطة أساس واحتمالات 41 في المائة لخفض بمقدار 25 نقطة أساس، وفقاً لحسابات «إل إس إي جي». وبالنسبة لعام 2024، فإن سوق العقود الآجلة تتوقع تخفيضات بنحو 122 نقطة أساس وتخفيضات بنحو 250 نقطة أساس بحلول سبتمبر (أيلول) من العام المقبل.

ودعا رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في نيويورك ويليام دادلي في مقال رأي نشر على موقع «بلومبرغ نيوز» يوم الاثنين إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، قائلاً إن أسعار الفائدة في مقدمة المنحنى لا تزال أعلى بكثير من المستوى المحايد، بعد أن قدم الحجة في منتدى في سنغافورة الأسبوع الماضي.

وقال رئيس الدخل الثابت في «لافر تينغلر للاستثمارات» في سكوتسديل بولاية أريزونا، بايرون أندرسون: «هناك فجوة بين سوق السندات والبنك الاحتياطي الفيدرالي. السوق بالتأكيد أكثر تشاؤماً من الفيدرالي».

وسوف يركز المستثمرون أيضاً على التوقعات الاقتصادية الفصلية التي يصدرها «الفيدرالي»، بما في ذلك توقعات أسعار الفائدة، المعروفة باسم «مخطط النقاط»، والتي تشير إلى مقدار التيسير الذي يتوقعه صناع السياسات. وكانت «النقاط» التي حددها «الفيدرالي» في يونيو (حزيران) متسقة مع تخفيضات بنحو 125 نقطة أساس في عامي 2024 و2025 في حالة «الهبوط الناعم».

وقد يتم تقليص هذه «النقاط»، على الرغم من أن مديري المحافظ أشاروا أيضاً إلى خطر تبني بنك الاحتياطي الفيدرالي نهجاً أكثر عدوانية.

ويعتقد مدير المحفظة الأول لفريق الدخل الثابت في شركة «أولسبرينغ غلوبال إنفستمنتس»، نوح وايز، أن «الفيدرالي» سيكون قادراً على هندسة «هبوط ناعم» ويتوقع أن ينخفض ​​السعر المحايد إلى 3 في المائة على الأقل.

وقال وايز: «لقد رأينا خلال الأيام القليلة الماضية أن مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتجين كانا متوافقين إلى حد كبير مع التوقعات. لا تدعم البيانات خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. هذه ليست حالات طوارئ اقتصادية».

وقال المستثمرون إن وجود توقعات بهبوط ناعم يعني تقصير المدة في محفظة السندات، وهو ما يعني الالتزام بالجزء الأمامي من المنحنى. وتميل الاستراتيجيات قصيرة الأجل إلى التفوق على الرهانات طويلة الأجل عندما تتزامن دورات خفض أسعار الفائدة مع الهبوط الناعم.

وكان مستثمرو السندات يمددون آجالها، أو يشترون أصولاً ذات أجل أطول، طوال العام استعداداً لتيسير «الفيدرالي» والركود المحتمل. ومع تباطؤ الاقتصاد، تميل السندات أو الأوراق المالية طويلة الأجل إلى التفوق على الأصول الأخرى.

وقال أندرسون الذي ينتمي أيضاً إلى معسكر «الهبوط الناعم»: «لقد حان الوقت لتقليص المدة. سوف نستمر في التفوق على المنحنى... ونستفيد من سندات الخزانة لمدة ثلاثة أشهر التي لا تزال تحقق عائداً يبلغ حوالي 5 في المائة... وسوف نستمر في التحرك على المدى القصير».

وقال محللون إن الفروق الضيقة بين أسعار الفائدة على سندات الشركات الأميركية، والعلاوات التي تدفعها الشركات على سندات الخزانة الأميركية مقابل ديونها، في أسواق الدرجة الاستثمارية والعائد المرتفع، تشير أيضاً إلى توقعات بهبوط هادئ لكثير من مستثمري السندات.

وأظهر مؤشر ICE BofA لسندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية الأميركية انتشاراً معدلاً حسب الخيار بلغ 99 نقطة أساس فقط يوم الجمعة الماضي. وفي ذروة جائحة كوفيد-19 في مارس (آذار) 2020، بلغ هذا الفارق 382 نقطة أساس.

وأشار وايز إلى أن الفروقات الحالية تشير إلى أن المخاطر الكامنة في التصنيفات الائتمانية للشركات ضئيلة، وهو دليل آخر على أن مستثمري السندات لا يشعرون بالقلق بشأن «الهبوط الحاد» في الاقتصاد الأميركي.

ومع ذلك، يعتقد الرئيس المشارك للدخل الثابت في «براون أدفايزوري» في شيكاغو، كريس دياز، أنه في حين أن سندات الشركات الأميركية «مسعرة بشكل مثالي»، فإنها مجرد شريحة صغيرة من الاقتصاد بأكمله.

ويعتقد أن خفض أسعار الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس حتى عام 2025 مبرر، مستشهداً بسوق العمل المتدهورة، حيث تنمو فقط الوظائف غير الدورية مثل وظائف الحكومة والرعاية الصحية والتعليم.

وقال دياز: «إذا استمر هذا المسار، فلن يمر وقت طويل قبل أن نشهد خسائر شهرية في الوظائف».

وقال دياز إن وجهة النظر المتمثلة في «الهبوط الحاد» انعكست في «التجارة الحادة» التي كانت تصاعدية على سندات الخزانة قصيرة الأجل وهبوطية على المدى الطويل. في الحادة، تكون عوائد سندات الخزانة ذات الأجل الطويل أعلى من أجل الاستحقاق القصير الأجل، وهي تجارة يقوم بها المستثمرون عندما يقوم «الفيدرالي» بخفض أسعار الفائدة.

وبدأ منحنى العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين وعشرة أعوام، والذي ظل مقلوباً لأكثر من عامين، في الاستقرار. ووصلت إلى 10 نقاط أساس يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى منذ يوليو (تموز) 2022.

وقال دياز: «لقد كان هناك استقرار كبير في منحنى العائد في الآونة الأخيرة. لقد كان ذلك مفيداً للأداء المرتفع (في محفظة السندات). ولكننا ما زلنا في المراحل الأولى من هذا الاستقرار، لذا فهناك الكثير مما يمكن أن نلعبه».


مقالات ذات صلة

هبوط الأسهم العالمية قبل إغلاق الحكومة الأميركية المحتمل وتهديدات ترمب

الاقتصاد متداول في بورصة نيويورك (رويترز)

هبوط الأسهم العالمية قبل إغلاق الحكومة الأميركية المحتمل وتهديدات ترمب

انخفضت الأسهم العالمية، الجمعة، قبيل الإغلاق المحتمل للحكومة الأميركية، بينما تعرضت الأسهم الأوروبية لضغوط شديدة بعد تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أوراق نقدية من عملة اليورو في متحف الأموال التابع للبنك الوطني النمساوي في فيينا (رويترز)

تراجع عائدات سندات اليورو قبيل بيانات التضخم الأميركية

تراجعت عائدات سندات الحكومة في منطقة اليورو قليلاً، يوم الجمعة، قبيل صدور بيانات التضخم الأميركية في وقت لاحق، التي قد تقدِّم مزيداً من الأدلة بشأن مسار التيسير

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أوراق من اليورو (رويترز)

قرار «الفيدرالي» يرفع عائدات السندات في أوروبا

قفزت عائدات سندات منطقة اليورو، يوم الخميس، بعد يوم من خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة كما كان متوقعاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد يظهر عَلَما الولايات المتحدة والصين من خلال الزجاج المكسور بهذه الصورة التوضيحية (رويترز)

بكين تحذر من تداعيات تقييد الاستثمارات الأميركية في الصين

قالت وزارة الخارجية الصينية، يوم الأربعاء، إن التعاون الاقتصادي والتجاري بين واشنطن وبكين يعود بالفائدة على الجانبين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد مبنى بورصة نيويورك (أ.ب)

«وول ستريت» تترقب قرار «الفيدرالي»

تعافت مؤشرات الأسهم الأميركية الثلاثاء لكنها قلصت بعض مكاسبها الاستثنائية التي حققتها هذا العام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«استراتيجية الاقتصاد الكلي» تهيمن على صناديق التحوط في 2025

شاشة تعرض أخبار السوق خلال عمل المتداولين في بورصة نيويورك (رويترز)
شاشة تعرض أخبار السوق خلال عمل المتداولين في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

«استراتيجية الاقتصاد الكلي» تهيمن على صناديق التحوط في 2025

شاشة تعرض أخبار السوق خلال عمل المتداولين في بورصة نيويورك (رويترز)
شاشة تعرض أخبار السوق خلال عمل المتداولين في بورصة نيويورك (رويترز)

يبدو أن الخيار الأفضل لاستراتيجيات صناديق التحوط في العام المقبل هو ما تُسمى «استراتيجية الاقتصاد الكلي»، مع التركيز على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، فالمستثمرون يراهنون على الكيفية التي ستؤثر بها قرارات السياسة العالمية على الظروف الاقتصادية والتطورات في الأسواق المالية.

وقد استفادت عوائد صناديق التحوط هذا العام من التقلبات السوقية الحادة التي أطلقتها السياسة، مثل انتخابات الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بالإضافة إلى التغييرات في السياسة النقدية، مثل رفع أسعار الفائدة من قبل «بنك اليابان».

ويستعد المستثمرون لمزيد من التقلبات في العام المقبل، وفقاً لما ذكره 7 مستثمرين في صناديق التحوط ومن مديري محافظ الاستثمار لـ«رويترز»، بالإضافة إلى نتائج استطلاع رأي حديث. وقال كرايغ بيرغستروم، كبير مسؤولي الاستثمار في «كوربين كابيتال بارتنرز»: «تبدو (الاستراتيجية الكلية) مثيرة للاهتمام الآن بالنظر إلى الخلفية السياسية الأكثر اضطراباً، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى السياسات المالية والنقدية».

وقد يتسبب فرض الرسوم الجمركية الأميركية في ظل إدارة ترمب الجديدة في ضربات إضافية للاقتصاد العالمي، مما يؤدي إلى مزيد من ضعف اليوان الصيني واليورو، إلى جانب زيادة الضغوط التضخمية التي قد تعوق قدرة «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي على خفض أسعار الفائدة. ورغم أن صناديق التحوط المختصة في العملات المشفرة قد تفوقت على استراتيجيات أخرى هذا العام، مع تقدير شركة بيانات «بريكوين» العائد السنوي بـ24.5 في المائة، فإن المستثمرين أقل اقتناعاً في عام 2025.

واحتلت «الاستراتيجية الكلية» المرتبة الأولى في استراتيجيات صناديق التحوط، وفقاً لاستطلاع أجرته «سوسيتيه جنرال» في نوفمبر الماضي، بينما جاءت العملات المشفرة في آخر القائمة. وكشفت مذكرة من الشركة عن أن نحو ثلثي من استُطلعت آراؤهم يخططون للاستثمار في «الاستراتيجية الكلية»، مع تراجع الاهتمام بتداول سندات الحكومة. في الوقت نفسه، احتلت صناديق تداول السلع والأسهم المرتبتين الثانية والثالثة في ترتيب الاستراتيجيات.

ووافق غ. وردان بروكس، الرئيس المشارك لـ«مجموعة الاستراتيجيات الكلية» في «إيه كيو آر» على أن السندات السيادية أصبحت أقل أهمية بوصفها مجالاً استثمارياً رئيسياً، وأضاف: «التضخم أصبح الآن أكثر توازناً. من هنا، نعتقد أن الأمور أصبحت أقل يقيناً في جميع المجالات». كما أشار إلى أن سوق العملات، التي تبلغ قيمتها 7.5 تريليون دولار يومياً، ستكون في دائرة الضوء.

أما بالنسبة إلى العملات المشفرة، ورغم تبني ترمب إياها ووعوده بتنظيم ودّي لها وتجميع مخزون من «البتكوين»، فإن بعض مستثمري صناديق التحوط غير مقتنعين حتى الآن. وقالت كارول وارد، رئيسة قسم الحلول في «مان غروب» التي تبلغ قيمتها 175 مليار دولار: «لم نشهد كثيراً من الطلب من قبل المستثمرين المؤسسيين على جانب الحلول لاستراتيجيات تداول العملات المشفرة». وأضاف بنيامين لو، مدير الاستثمار الأول في «كامبريدج أسوشييتس»، أن بعض الصناديق الآسيوية قد استكشفت الاستثمار في العملات المشفرة بشكل محدود، لكن ذلك لم يترجَم إلى نتائج ملموسة حتى الآن.

وأشار لو إلى أن العملات المشفرة قد تكون وسيلة تنويع جيدة؛ لأنها تُتداول بشكل مختلف عن الأسواق الأوسع نطاقاً، لكنه أضاف: «لكن التقلبات عالية جداً. عندما تتحدث عن العملات المشفرة، ما الذي تتاجر فيه؟ هل هي فقط العملات المشفرة، أم تشتري الشركات أو الأسهم؟». وواصل: «التعريف واسع جداً لدرجة أنه قد يستدعي مزيداً من الأسئلة من المستثمرين الحاليين».

رغم ذلك، فإن المواقف بدأت تتغير. وقد حدّث كثير من الصناديق مستندات المستثمرين لديها في العامين الماضيين لتسمح بتضمين «تَعَرُّض» العملات المشفرة، كما أفاد إيدو رولي، كبير مسؤولي الاستثمار في حلول صناديق التحوط في «يو بي إس لإدارة الأصول». وأضاف رولي أن «صناديق التحوط غير المختصة لا تزال تفتقر إلى تَعَرُّضات كبيرة للعملات المشفرة. ومع ذلك، يمكن لبعض الصناديق التداول فيها بشكل غير مباشر».

من جهة أخرى، حقق صندوق «NextGen Digital Venture» المختص في أسهم العملات المشفرة قفزة بنسبة 116 في المائة هذا العام حتى نوفمبر الماضي، وذلك بفضل تعرضه لأسهم مثل «كوينبيس» و«مايكروستراتيجي» و«ماراثون ديجيتال هولدينغز». وعلى الرغم من تفاؤل مؤسسه جيسون هوانغ، فإنه حذر بأن «البتكوين» قد تصل إلى ذروة دورتها العام المقبل.

في الوقت نفسه، رفع بعض صناديق التحوط، مثل «ميلينيوم مانجمنت» و«كابولا مانجمنت» و«تودور إنفستمنت»، تَعَرُّضه لـ«صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETFs)» لـ«البتكوين» الفورية الأميركية في الربع الثالث، وفقاً لما أظهرت البيانات. وأضاف أنتوني سكراموتشي، مؤسس «سكاي بريدج»، أن الأمر قد يستغرق وقتاً قبل أن تجذب العملات المشفرة مزيداً من المخصصات الكبيرة، مشيراً إلى أن المناقشات التنظيمية ما زالت في بدايتها، وقال: «نحن الآن في مرحلة إنشاء مدرج تنظيمي. المؤسسات الكبيرة لا تريد أن تُطرد من العمل، فهي تجلس فوق كميات ضخمة من المال، ومن واجبها تحمل المخاطر المحسوبة».