زيادة حالات الانتحار نتيجة المشكلات المعيشية في إيران

الشباب الإيراني في قبضة الأزمة الاقتصادية والضغوط النفسية

صورة منشورة على موقع التلفزيون الإيراني الرسمي من إنقاذ امرأة حاولت الانتحار بشيراز في مايو الماضي
صورة منشورة على موقع التلفزيون الإيراني الرسمي من إنقاذ امرأة حاولت الانتحار بشيراز في مايو الماضي
TT

زيادة حالات الانتحار نتيجة المشكلات المعيشية في إيران

صورة منشورة على موقع التلفزيون الإيراني الرسمي من إنقاذ امرأة حاولت الانتحار بشيراز في مايو الماضي
صورة منشورة على موقع التلفزيون الإيراني الرسمي من إنقاذ امرأة حاولت الانتحار بشيراز في مايو الماضي

كشفت الشرطة الإيرانية عن زيادة مقلقة في حالات الانتحار بين الشباب الإيراني، في إحصائيات صادمة عشية اليوم العالمي لمنع الانتحار.

وكشف المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، العميد سعيد منتظر المهدي في تصريحات أن أكثر من 4000 شخص في إيران فقدوا حياتهم كل عام نتيجة الانتحار. بالإضافة إلى ذلك، تُقدر الإصابات الخطيرة المرتبطة بالانتحار بما يتراوح بين 10 و20 ضعف هذا الرقم.

وأشار منتظر المهدي إلى أسباب متنوعة تؤدي إلى الانتحار، منها اضطرابات نفسية كالاكتئاب، وعدم القدرة على مواجهة الفشل، والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الدوافع الانتقامية.

وقيَّم منتظر المهدي مقترحات تشمل توسيع خطوط الهاتف الطارئة، وتعزيز مراكز الصحة النفسية، وتدريب المهارات الحياتية، وإجراء الفحوصات النفسية، وقال إن الوقاية من الانتحار تتطلب فهماً دقيقاً لأسباب وقوعه.

وفي السنوات الأخيرة، تتحاشى وسائل الإعلام الرسمية الخوض في التهديدات الاجتماعية، بما في ذلك موضوع الانتحار خوفاً من العواقب، ويواجه النشطاء المدنيون قيوداً شديدة.

شرطي إيراني يمد يده لطالبة تحاول رمي نفسها من فوق جسر (أرشيفية - إرنا)

ومع ذلك، يتهم الناشطون السلطات بفرض الرقابة، وحظر نشر المعلومات عن التهديدات الاجتماعية، بما في ذلك حالات الانتحار.

وتقول ناشطة إيرانية فضَّلت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية: «في كل يوم، في زاوية من هذا البلد الواسع، يقوم شخص بإشعال النار في نفسه، أو يلف حبلاً حول عنقه، أو يتناول حبوب الموت. لكن هذه المآسي، لا تُعد أزمة وطنية، بل تُخْفَى تحت غطاء الصمت والإنكار».

ولفتت إلى أن «حظر النشر الدقيق والواضح عن أسباب وأبعاد هذه الكارثة، كأنه يُلقي بستارة حديدية على المجتمع». وأضافت: «نواجه مجموعة من الإحصاءات المتفرقة والتكهنات، كل منها تصوِّر صورة أكثر ظلمة من الواقع».

وتشهد إيران في السنوات الأخيرة ارتفاعاً مقلقاً في حالات الانتحار. ولعبت الأزمة الاقتصادية والمعيشية الناتجة عن العقوبات الدولية، دوراً هاماً في زيادة معدلات الانتحار، خصوصاً بين الشباب والفئات الضعيفة في المجتمع.

ولم يعد كثير من الإيرانيين يجدون مخرجاً من الضغوط الاقتصادية والأزمة المعيشية، ويختارون الانتحار حلاً أخيراً، كما يقول الناشطون.

ووفقاً للتقارير الرسمية، تُعد العوامل الاقتصادية أحد أهم أسباب الانتحار في إيران. وقال نائب رئيس اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني: «الضغوط الاقتصادية والبطالة هي من أهم أسباب ظهور الاكتئاب، وزيادة معدلات الانتحار في البلاد».

ووفق الأرقام الرسمية، ارتفعت معدلات الانتحار في إيران بأكثر من 40 في المائة خلال العقد الماضي. وبين مارس (آذار) 2022 ومارس 2023، بلغ عدد حالات الانتحار 7.4 حالة لكل 100 ألف شخص، وهو ما يعادل أكثر من 6000 حالة انتحار أدت إلى الوفاة في تلك الفترة.

وجرى الإبلاغ عن معظم حالات الانتحار بين الشباب والمراهقين. ويُعد تراجع سن الانتحار، خصوصاً بين الطلاب والمراهقين، مثيراً للقلق. كما أن العمال وأصحاب المهن ذات الدخل المنخفض هم الأكثر تضرراً.

وتشير الدراسات إلى أن العمال والعاطلين عن العمل والشباب الخريجين من مختلف التخصصات هم الأكثر تضرراً من هذه الأزمة الاقتصادية. ووفقاً لتقرير مركز الإحصاء الإيراني بين مارس 2022 ومارس 2023، «بلغ معدل البطالة بين الشباب 29 في المائة».

كما يواجه عمال البناء والمهن غير الرسمية مخاطر كبيرة في هذه الظروف الحرجة، حيث إن كثيراً منهم أكثر عُرضة للمشكلات الاقتصادية بسبب عدم وجود تأمين ودعم اجتماعي.

تشمل المحافظات التي تسجل أعلى معدلات الانتحار خوزستان (الأحواز) وكرمانشاه وإيلام، وهي مناطق تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية أشد. كما زادت معدلات الانتحار في محافظة بلوشستان بشكل حاد في السنوات الأخيرة بسبب الفقر والبطالة. وقد أفادت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، العام الماضي، بأن «الانتحار أصبح مشكلة خطيرة في بعض مناطق هذه المحافظة».

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال حميد بيروي، نائب رئيس جمعية الوقاية من الانتحار في إيران، في حوار نشره موقع «تجارت نيوز» إن «هناك عوامل مختلفة تؤثر في رغبة الأشخاص في الانتحار، بدءاً من القضايا الاقتصادية، وصولاً إلى الاضطرابات النفسية». الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، والفقر هي من بين العوامل الرئيسية التي تسهم في زيادة حالات الانتحار.

وأضاف بيروي: «حاول نحو 120 ألف شخص الانتحار (بين عامي 2022 - 2023)، وسجلت هذه الحالات رسمياً في نظام وزارة الصحة». وأوضح: «مقابل كل حالة انتحار كاملة (تؤدي إلى الوفاة)، هناك نحو 20 إلى 30 محاولة انتحار».

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال عبد الناصر همتي، وزير الشؤون الاقتصادية والمالية في إيران، إن «العقوبات أدت إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار، ما يزيد الضغط على الفئات الضعيفة في المجتمع»، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية (إرنا).

ويقول خبراء إيرانيون إن الأزمات الاقتصادية لا تؤثر فقط على الحالة المالية للناس، بل تؤثر أيضاً على صحتهم النفسية. زيادة القلق والاكتئاب والشعور باليأس بين الشباب، خصوصاً في الظروف الحالية، واضحة للعيان.

وأعلن وزير الصحة الإيراني مؤخراً أن «معدل الإصابة بالاضطرابات النفسية في البلاد ارتفع بشكل حاد».

ومع زيادة حالات الاكتئاب والمشكلات النفسية في البلاد بسبب الضغوط الاقتصادية، يواجه كثير من الإيرانيين صعوبة في الوصول إلى خدمات العلاج النفسي. وأشار وزير الصحة إلى أن نقص مراكز المشورة والعلاج النفسي وكذلك تكلفة الخدمات العلاجية العالية، هي من بين العوامل التي تحول دون حصول الأفراد على المساعدة المتخصصة.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يؤكد تسلّم موسكو صواريخ إيرانية وتباين في طهران

شؤون إقليمية شويغو ورئيس الأركان الإيراني محمد باقري على هامش مباحثاتهما في طهران أمس (رويترز)

الاتحاد الأوروبي يؤكد تسلّم موسكو صواريخ إيرانية وتباين في طهران

أكد الاتحاد الأوروبي أن لدى الغرب «معلومات ذات صدقية» عن تسلم روسيا صواريخ باليستية إيرانية، الأمر الذي لم تنفه موسكو بصراحة، بخلاف التباين في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي مقاتلات كرديات إيرانيات في محيط أربيل بكردستان العراق في صورة تعود إلى 1 ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)

مجلس أمن كردستان يتهم «الاتحاد الوطني» بتسليم معارض كردي إلى طهران

حمّل «مجلس أمن إقليم كردستان» المسؤولية عن تسليم معارض كردي إيراني إلى طهران، لأجهزة الأمن في محافظة السليمانية التي يهيمن عليها حزب «الاتحاد الوطني».

فاضل النشمي (بغداد)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع الوكالة الذرية الدولية من مؤتمر صحافي لمديرها العام رافاييل غروسي في فيينا الاثنين

الاتحاد الأوروبي يتلقى إشارات إيرانية لإحياء المفاوضات النووية

أرسلت إيران إشارات إلى الاتحاد الأوروبي، الوسيط في المفاوضات النووية، تؤكد فيها حرصها على إعادة إحياء المفاوضات المتوقفة منذ عامين، حسبما علمت «الشرق الأوسط».

راغدة بهنام (برلين)
شؤون إقليمية عينات أجهزة الطرد المركزي في معرض للصناعات النووية بطهران  يونيو 2023 (رويترز)

إيران: إحياء الاتفاق النووي مشروط بعودة الأطراف الأخرى إليه

أعلنت طهران استعدادها لإجراء مفاوضات بشأن الاتفاق النووي المنهار، على هامش أعمال الجمعية العامة في الأمم المتحدة، المقررة نهاية الشهر الحالي.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية بزشكيان يلتقي قادة الجيش الإيراني اليوم (الرئاسة الإيرانية)

بزشكيان إلى بغداد الأربعاء في أول محطة خارجية

يتوجه بزشكيان إلى بغداد، الأربعاء، في أول محطة خارجية له، فيما أبدى «الحرس الثوري» ارتياحاً من إبعاد مقرات أحزاب كردية معارضة عن الحدود العراقية-الإيرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

إسرائيل تحقق في وثائق مزورة نَسبَ نتنياهو محتواها إلى «حماس»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشير إلى محور «فيلادلفيا» على الخريطة (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشير إلى محور «فيلادلفيا» على الخريطة (رويترز)
TT

إسرائيل تحقق في وثائق مزورة نَسبَ نتنياهو محتواها إلى «حماس»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشير إلى محور «فيلادلفيا» على الخريطة (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشير إلى محور «فيلادلفيا» على الخريطة (رويترز)

بدأ الجيش الإسرائيلي تحقيقاً داخلياً في تسريب وثائق مزورة، أو تم التلاعب بها، إلى الصحافة الأجنبية، في محاولة على ما يبدو للتأثير على الرأي العام بشأن مفاوضات وقف النار والمحتجزين في قطاع غزة.

وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش يحقق في تسريب وثائق زُعم أنها لحركة «حماس»، ونُشرت في وسائل إعلام أجنبية بطريقة تتفق مع ما يروج له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول محور فيلادلفيا وصفقة تبادل، وتهدف كما يبدو لمحاولة التأثير على الرأي العام في إسرائيل.

ونُشر تقريران مؤخراً، في صحيفة «بيلد» الألمانية، وصحيفة «جويش كرونيكل» البريطانية، أحدهما حول وثيقة منسوبة لزعيم حركة «حماس» يحيى السنوار، ولم يكن السنوار يقف خلف الوثيقة نهائياً، أما الثاني فيتحدث عن وثيقة لخطط للسنوار للهروب من غزة مع محتجزين، وأيضاً لم يكن لها أصل.

يحيى السنوار (أ.ف.ب)

ويحاول الجيش معرفة من الذي يتلاعب في وثائق «حماس» السريّة التي تم الاستيلاء عليها في غزة، ويمرّرها إلى وسائل الإعلام الدولية.

وزعم تقرير لصحيفة «بيلد» الألمانية أن وثيقة لـ«حماس» عُثر عليها على جهاز حاسوب السنوار أظهرت تكتيكات الحركة للضغط على إسرائيل وتأخير محادثات المحتجزين.

تطابق مع نتنياهو

وكانت محتويات الوثيقة، التي تظهر أن «حماس» تسعى إلى بث الانقسام في الرأي العام الإسرائيلي، وأن الحركة لا تسعى إلى التوصل إلى اتفاق بسرعة، متطابقة تقريباً مع النقاط التي طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في المقابلات والمؤتمرات الصحافية الأخيرة.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه عثر على الوثيقة التي استشهدت بها صحيفة «بيلد» الألمانية قبل نحو خمسة أشهر في غزة، ولم يكتبها السنوار أبداً، بل كانت ورقة توصية وضعها ضابط متوسط ​​المستوى في «حماس».

وقال الجيش إن «المعلومات الواردة في الوثيقة تنضم إلى وثائق أخرى متطابقة كانت لدينا في الماضي، ولم تشكل معلومات جديدة».

مظاهرة في تل أبيب ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للدعوة إلى إطلاق سراح الرهائن في غزة، وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» (رويترز)

وقال الجيش إن التسريب «يشكل جريمة خطيرة وسيتم التحقيق فيه». أما صحيفة «جويش كرونيكل» البريطانية فنشرت وثائق مزعومة عُثر عليها في غزة، تظهر أن السنوار يخطط لتهريب نفسه وقادة آخرين من الحركة، إلى جانب بعض المحتجزين الإسرائيليين المتبقين الذين اختطفوا في 7 أكتوبر، خارج غزة عبر محور فيلادلفيا ومن هناك إلى إيران.

الجيش ينفي الوثيقة

ويدعم هذا الادعاء المواقف الأخيرة لنتنياهو الذي يصر على بقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، وقد نقلت بعض وسائل الإعلام العبرية اليمينية تقرير صحيفة «جويش كرونيكل»، وقام يائير، نجل نتنياهو، بمشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي. ورداً على تقرير صحيفة «جويش كرونيكل»، قال الجيش الإسرائيلي إنه لا علم له بوجود مثل هذه الوثيقة.

وفي حديثه خلال اجتماع الحكومة الأسبوعي، يوم الأحد، أشار نتنياهو إلى مقالة «بيلد» بالتفصيل وذكر اسم الصحيفة، وطالب الإسرائيليين بعد عملية قتل 3 على معبر «اللنبي» بين الأردن وعمان، بالتوحد، باعتبار أن السنوار كما جاء في صحيفة «بيلد» يسعى إلى تقسيم الإسرائيليين.

وقال نتنياهو: «خلال نهاية الأسبوع الماضي نشرت صحيفة (بيلد) الألمانية مستنداً رسمياً صدر عن (حماس)، الذي يكشف النقاب عن خطة عملها التي تنص على زرع التفرقة فيما بيننا، وممارسة الحرب النفسية على عائلات المخطوفين، وممارسة الضغط السياسي الداخلي والخارجي على حكومة إسرائيل، وتمزيقنا من الداخل ومواصلة الحرب حتى إشعار آخر، وحتى هزيمة إسرائيل».

كما أصر نتنياهو في الأسابيع الأخيرة على أن إسرائيل لا بد وأن تحتفظ بالسيطرة على محور فيلادلفيا في المستقبل المنظور، حتى خلال المرحلة الأولى المحتملة من اتفاق وقف إطلاق النار، باعتباره «أنبوب أكسجين حماس»، والاحتفاظ به أمر حاسم لمستقبل إسرائيل وتقويض الحركة، ومنعها من تهريب الأسلحة عبر الحدود، وحشد قواتها.

ذرائع

ونتنياهو متهم من قيادة الجيش والأجهزة الأمنية بأنه يعرقل اتفاقاً في غزة، ويخلق ذرائع لمنعه.

وأكدت «تايمز أوف اسرائيل» أن وزير الدفاع يوآف غالانت وجميع رؤساء الأجهزة الأمنية في إسرائيل قالوا إنه يمكن إيجاد حلول بديلة للسيطرة على الحدود مع مصر، وأن الجيش الإسرائيلي قد يعود بسرعة بعد المرحلة الأولى من الصفقة، أو في أي وقت آخر، وأعربوا عن مخاوفهم من أن نتنياهو يعرقل التوصل إلى صفقة محتملة من أجل إرضاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف والاحتفاظ بالسلطة.