القضاء العراقي: معلومات «شبكة التنصت» مبنية على «التحليل والاستنتاج»

حكومة السوداني ترفض «الاتهامات» ضدها

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
TT

القضاء العراقي: معلومات «شبكة التنصت» مبنية على «التحليل والاستنتاج»

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)

أعاد مجلس القضاء الأعلى العراقي، الأحد، التذكير بقضية «شبكة التنصت» التي تفجرت قبل نحو أسبوعين، وضمت مسؤولين وضباطاً متخصصين في الأمن الرقمي، يعملون في مكتب رئاسة الوزراء.

ووصف مجلس القضاء الأعلى المعلومات المتداولة بشأن القضية بأنها «غير دقيقة». وأكد في بيان «عدم دقة المعلومات المتداولة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص التحقيق فيما تعرف بقضية (شبكة محمد جوحي) كون هذه المعلومات مبنية على التحليل والاستنتاج، بعيداً عن الحقيقة». وجوحي المشار إليه شغل منصب معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء، وهو ابن أخٍ لرائد جوحي، مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

وفي مقابل البيان القضائي الذي أشار إلى المتورط في «قضية التنصت» بصراحة، أصدر الناطق الرسمي باسم الحكومة، باسم العوادي، الأحد، بياناً يشير إلى القضية نفسها التي تتوالى فصولها منذ أيام.

وقال بيان الناطق إن حكومته «تتابع من منطلق التزامها ومسؤولياتها القانونية، الحملات المضللة التي تستهدف إعاقة عملها في مختلف المجالات، ومنها ما جرى تناوله من معلومات غير دقيقة تستبطن الغمز، وبعضها تضمن الاتهام المباشر للحكومة تجاه قضايا تخضع الآن لنظر القضاء؛ إذ تنتظر السلطة التنفيذية ما سيصدر عنه بهذا الصدد، مع تأكيد الحكومة المستمر على الالتزام بالقانون واحترام قرارات القضاء».

وأضاف أن «الحكومة تشدد على المضي في محاربة الفساد وكل أشكال التعدي على القانون، وذلك بالتعاون المستمر والوثيق مع السلطتين القضائية والتشريعية، كما أنها تعوّل في هذا المسار على يقظة المواطن ووعيه، حتى لا يكون ضحيّة لمن يشوه الحقائق ويتعمد تضليل الرأي العام».

وذكر بيان الناطق الحكومي أن «هناك من يعمل على جرّ الحكومة وإشغالها عن نهجها الوطني، عبر محاولات يائسة لا تصمد أمام الإجراءات القانونية الحقيقية والفعلية التي تعمل الحكومة على تنفيذها ودعمها. وقد أثبتت السنتان الماضيتان من عمر الحكومة قوة الإرادة في هذا الاتجاه، والتصميم المتواصل على تنفيذ الإصلاحات، وعدم التهاون في الحق العام، مهما كانت الضغوط والتبعات».

رد متأخر

بيان القضاء الجديد، وكذلك الحكومة، صدرا بعد 4 أيام من بيان مماثل أصدره القضاء، وقال فيه إنه «لا صحّة لما يجري تداوله على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بشأن وجود محاولات تنصت على القاضي فائق زيدان»، بالنظر إلى أن المعلومات التي رشحت عن عمل شبكة التنصت، ذهبت إلى أن زيدان كان ضمن لائحة المستهدفين.

ويضفي البيانان الجديدان مزيداً من الغموض على القضية بدلاً من تفكيك تفاصيلها، حسب مراقبين؛ خصوصاً مع ما يتردد عن تورط مسؤولين كبار في رئاسة الوزراء. وتشير بعض المصادر إلى صدور أوامر قبض جديدة على مسؤولين رفيعين في مكتب رئيس الوزراء.

وكان السوداني قد أمر في 20 أغسطس (آب) الماضي بـ«تشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتب رئيس مجلس الوزراء؛ لتبنّيه منشوراً مُسيئاً لبعض المسؤولين، وعدد من السادة أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق».

وأبلغت مصادر مطلعة «الشرق الأوسط» الخميس الماضي، بأن «زعيمين بارزين في (الإطار التنسيقي) من ضحايا عملية التنصت التي قامت بها الشبكة المذكورة، وأنهما أبلغا القضاء بمعطيات القضية».

وحسب إفادات سابقة للنائب مصطفى سند، فإن محكمة تحقيق الكرخ، المختصة بقضايا الإرهاب، قامت، الأسبوع الماضي، بـ«اعتقال شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء؛ وعلى رأسهم المقرَّب (محمد جوحي)، وعدد من الضباط والموظفين».

وذكر أن الشبكة «كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة؛ ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسهم رقم هاتفي)، كذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية، وصناعة أخبار مزيفة، وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات».

حجاج شيعة على طريق كربلاء لإحياء «ذكرى عاشوراء» في أغسطس 2024 (رويترز)

«تمثيلية» أو تصفية حساب

وترى أوساط مقربة من السوداني أن تلك محاولات لتصفية الحسابات معه، نظراً إلى أن معلومات كهذه سوف تتسبب في إحراج كبير له، قد يؤثر على وضعه السياسي على مشارف الانتخابات. لكن القيادي السابق بالتيار الصدري، ونائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، وصف الأمر بأنه لا يخرج عن إطار «التمثيلية».

الأعرجي -في لقاء متلفز- قال إن «(الإطار التنسيقي) قام بتمثيلية إعلامية ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من أجل أن يعود إلى صفوفه في الانتخابات المقبلة». وأضاف الأعرجي أن «بعض الخلافات بين السوداني و(الإطار) قديمة، وظهرت الآن مع قرب الانتخابات»، مضيفاً أن «الهجمة الإعلامية ضد رئيس الوزراء هي تمثيلية، من أجل أن يعود إلى صفوف (التنسيقي) في التحالفات الانتخابية». وأكد الأعرجي أن «بعض الأطراف في (الإطار) كانت تتصور أن يكون السوداني سهلاً، ويمكن أن يمرر كثيراً من الأمور والعقود والمصالح، وأن يكون مديراً لهم؛ لكنه لا يقبل بذلك، وأصبح قائداً سياسياً».

ورقة ضغط انتخابية

في وقت بدأت فيه بعض الأطراف داخل «الإطار التنسيقي» الشيعي التي بدأت خلافاتها مع السوداني تظهر على السطح، ترفع سقف طموحاتها بشأن نتائج التحقيقات في قضية التنصت، والتي أشاعوا تسميتها «شبكة التجسس»، لا تزال هناك قوى ضمن دائرة «الإطار» نفسه، لا ترغب في هذا التصعيد؛ كونها داعمة للسوداني أصلاً، ولكونها ترى أن أي هزة في البيت الشيعي، وفي هذا الظرف، لن تتوقف تداعياتها عند منصب رئيس الوزراء.

وفي هذا السياق، ورغم عدم عقد اجتماع دوري لقوى «الإطار التنسيقي»، فإن قائدين بارزين، هما: زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، وزعيم «العصائب» قيس الخزعلي، التقيا مؤخراً ليصدرا بياناً يؤازران فيه حكومة السوداني.

لكن بالنسبة للأطراف التي تعتمد على تسريبات متداولة حول تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، من نهاية العام المقبل إلى منتصفه، بعدما فشلت في إجراء انتخابات مبكرة نهاية العام الحالي، فإن تركيزها الآن ينصب على المطالبة بتغيير قانون الانتخابات، من الدائرة الواحدة إلى دوائر متعددة، للحد من قدرة السوداني والمتحالفين معه على الحصول على الأغلبية التي تؤهلهم لتشكيل الحكومة المقبلة.



أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

«قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)
«قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)
TT

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

«قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)
«قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا، ومصير «إدارتهم الذاتية» وجناحها العسكرية «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية ضد مناطق نفوذهم شمال شرقي البلاد، وبعد قصف الجيش الأميركي مقرات تتبُّع ميليشيات إيرانية منتشرة شرق سوريا في 13 من الشهر الحالي، واستمرار التوتر مع القوات السورية النظامية بريف محافظة دير الزور (شرقاً).

ويرى الصحافي شيروان يوسف، مدير منصة «Defacto» وهي مجلة إلكترونية ومنصة حوارية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن التهديدات التركية ليست بجديدة، واستبعد تنفيذها لأن أنقرة ليست في موقع يؤهلها لشن هجوم بري، ويقول: «في ظل التغيُّرات التي تحدث في غزة وبيروت وتل أبيب، وطهران، لن تسمح الدول الكبرى بفتح جبهات أخرى تزيد الفوضى الموجودة بالشرق الأوسط» في إشارة إلى روسيا والولايات المتحدة.

من أضرار القصف التركي على مناطق متفرقة شمال شرقي سوريا نهاية أكتوبر 2024 (الشرق الأوسط)

وعلى الرغم من أن تركيا سبق أن نفذت 3 عمليات عسكرية في شمال سوريا خلال السنوات الماضية؛ ستفضي أي عملية جديدة، بحسب الصحافي يوسف، إلى «فوضى عارمة تؤدي لموجات نزوح كبيرة لا تتحملها دول المنطقة برمتها، لا سوريا ولا لبنان أو الأردن والعراق»، مشيراً إلى أن اتفاقية خفض التصعيد التي أبرمتها إدارة ترمب السابقة مع تركيا سارية المفعول، كما أن أي هجوم محتمل ستواجهها «قسد» بمقاومة غير مسبوقة؛ «لأن قوات (قسد) باتت تمتلك جيشاً كبيراً وأسلحة نوعية حصلت عليها من التحالف الدولي».

وتعيش مناطق شمال شرقي سوريا التي تتمتع بنوع من الحكم الذاتي منذ 2014، مزيداً من الحذر والترقب لما ستؤول إليه التحركات الدولية والإقليمية وتولي دونالد ترمب رئاسة أميركا، بداية العام المقبل.

ويقول براء صبري، وهو باحث كردي مساهم في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، لـ«الشرق الأوسط» إن المطلوب من أكراد سوريا وسلطات الإدارة الذاتية وقوات «قسد»، مراجعة علاقاتها مع شريكتها واشنطن، وتحديد طبيعة تواصلها مع دمشق وموسكو.

القيادية الكردية إلهام أحمد رئيسة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية (الشرق الأوسط)

يضيف: «لا يمكن أن تقبل (قسد) أن تبقى مكشوفة بهذه الصورة أمام العدوان التركي من دون أن تستطيع اتخاذ موقف صارم، من تخاذل شريكتها التحالف الدولي وواشنطن ولأكثر من مرة»، منوهاً بأن تركيا اتخذت مناطق شمال شرقي سوريا شماعة لتنفيس غضب الشارع التركي وخلافاتها الداخلية مع معارضتها، مشيراً إلى أن «منطقة روج أفا (غرب كردستان) أصلاً منطقة هشة ومنهكة من سنوات الحرب، ولا يملك سكانها تلك المرونة والقدرة على العيش والبقاء لهذا النمط مدة طويلة».

وعن علاقة قوات «قسد» الكردية في سوريا مع «حزب العمال الكردستاني» التركي، يوضح صبري: «لا بد لـ(قسد) إن كانت لها تلك العلاقات القوية مع (حزب العمال الكردستاني) كما تتهمها تركيا؛ أن تشجع قادة الحزب على الانخراط في عملية السلام المفترضة بين تركيا والكُرد؛ لأن بناء السلام هناك يعني تخفيف الخطر عن شمال شرقي سوريا والعكس».

وتتهم تركيا الولايات المتحدة والتحالف الدولي بتقديم الدعم العسكري للوحدات الكردية، العماد العسكرية لقوات «قسد»، بدعوى حربها على «داعش» الإرهابي، غير أن أنقرة تعدها جناحاً سورياً لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي، وطالبت واشنطن برفع الغطاء عن «قسد».

دورية روسية بالقرب من نقطة عسكرية أميركية متمركزة شمال شرقي سوريا في بلدة رميلان النفطية التابعة لمحافظة الحسكة (الشرق الأوسط)

وحذرت القيادية الكردية إلهام أحمد، رئيسة دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، في حديث صحيفة «دير شبيغل» الألمانية، نهاية الشهر الماضي، من موقف الإدارة الأميركية الجديد، ومغبة انسحابها من المنطقة؛ إذ «ستندلع الاشتباكات على الفور، وسيجري ملء فراغ السلطة من قِبل جهات فاعلة أخرى كتركيا، وستغرق المنطقة في الفوضى، وتتمدد إيران وميليشياتها الشيعية، ويتعزز الحضور الروسي»؛ ما سيمكن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق من مهاجمة الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية.

ولفتت إلهام أحمد إلى أن إردوغان «يريد أن يأخذ أراضينا تحت سيطرته، حتى خلايا (داعش) الإرهابية ستهاجمنا أيضاً، فالقوى النائمة للتنظيم ستخرج من مخابئها للقتال من جديد من أجل استعادة أراضيها السابقة».

وتشكلت «قوات سوريا الديمقراطية» عام 2015، وتحولت لجيش الإدارة الذاتية، وتسيطر اليوم على مناطق شاسعة تنتشر في 4 محافظات سورية، إلى جانب أكبر حقول النفط، وأبرزها في ريف دير الزور.

ميرفان إبراهيم، وهو كاتب سوري متخصص بالشؤون الكردية، وصف «قسد» بأنها «قوات انضباطية عسكرية تتبع سلطة الإدارة، تقوم بواجباتها للحفظ على السلم الداخلي، ومحاربة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وقوام هذه القوات من المكون العربي من أبناء المنطقة، ومع ذلك لم تسلم من اتهامها في التخطيط الانفصالي».

وشدد إبراهيم في حديث لـ«الشرق الأوسط» على أن أنقرة تريد توافقاً مع دمشق خصوصاً بالملف الكردي؛ لأن همها الأساسي هو إنهاء تجربة «الإدارة الذاتية»، ومن ثم «مهما فعلت الإدارة فلن تخرج من عباءة تهمة الانفصال، تركيا تعيش أزمة حقيقة، ولمسنا ذلك من خلال محاولتها حل القضية الكردية ضمن جغرافيتها، فالدول القومية لا تستطيع الخروج بسهولة من هذا الإطار نحو حوار حقيقي للسلام الداخلي».