اتهم الرئيس التونسي قيس سعيد خلال اجتماع أمني سياسي جديد مع وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة للأمن سفيان بالصادق بعض الشخصيات العمومية بالتورط في جرائم خطيرة تنال من الأمن العام ومصالح البلاد بمناسبة بدء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقررة ليوم السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وجاء في بلاغ رسمي صدر في صفحات رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية أن الاجتماع بحث «الوضع الأمني العام في البلاد، خصوصاً الجرائم المتفاقمة في هذه المرحلة من تاريخ تونس».
إيقافات
أضاف البلاغ نفسه أن الرئيس سعيد أمر بالمناسبة بـ«مضاعفة الجهود في التصدي لكل أنواع الجريمة خصوصاً ممن يقومون بالاستعداد للانتخابات من وراء الستار لتأجيج الأوضاع، وهو أمر أثبتته الإيقافات الأخيرة لعدد من الأشخاص الذين تعمدوا قطع المياه والكهرباء في كثير من المدن والقرى؛ فالحملة الانتخابية التي لم تبدأ بعد تسبقها حملات إجرامية مفضوحة الأهداف، وسيتصدى لها الشعب التونسي.
في هذه الأثناء، تابعت وسائل الإعلام الرسمية نشر تصريحات وبلاغات عن توجيه اتهامات أمنية وقضائية خطيرة لعدد من الشخصيات السياسية التي أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية، بينها «تزييف التزكيات» و«توزيع أموال بطرق غير قانونية». وقد أعقبت تلك الاتهامات إيقافات وأحكام بالسجن والحرمان من الترشح للانتخابات «مدى الحياة» ضد بعض السياسيين ومسؤولي حملاتهم الانتخابية.
في الوقت نفسه، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات رفضها بعض مكونات ملفات الترشحات التي وصلتها، في انتظار الإعلان عن القائمة الرسمية للمقبولين للترشح، الأحد المقبل.
قيادات من الصف الأول
في سياق متصل، أعلنت مصادر رسمية لوسائل الإعلام الحكومية عن «ختم البحث» في قضايا عدد من أبرز المسؤولين السابقين في رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان وقيادات الصف الأول في بعض الأحزاب السياسية التي كانت تتصدر المشهد في العشرية الماضية.
وكشف الحبيب الطرخاني، الناطق باسم محكمة الاستئناف بتونس، أن هيئة قضائية تونسية قررت، الخميس، «إحالة 21 متهماً على أنظار الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس لمقاضاتهم من «أجل جرائم ذات صبغة إرهابية».
وأوضح الطرخاني أن من بين الشخصيات التي أحيلت في قضايا «ذات صبغة إرهابية» رئيس البرلمان السابق ورئيس حركة «النهضة» راشد الخريجي الغنوشي، الموقوف منذ أكثر من عام على ذمة قضايا أمنية سياسية عدة، ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، الذي غادر البلاد مع زوجته نحو أوروبا بعد قرارات 25 يوليو (تموز) التي أدت إلى حل البرلمان والحكومة و«إجراءات استثنائية»، وإلى فتح تحقيقات أمنية وقضائية حول الفساد المالي وملفات الإرهاب والتهريب خلال العشرية الماضية.
ضباط أمن ووزراء سابقون
ومن بين ما شد انتباه المراقبين أن من بين المتهمين الـ23 في هذه القضية الجديدة شخصيات كانت في أعلى هرم الدولة بينها نادية عكاشة الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي سابقاً وكبيرة مستشاري قيس سعيد عامي 2020 و2021، ويوسف الشاهد رئيس الحكومة ما بين 2017 و2020، فضلاً عن عدد من الكوادر الأمنية العليا في وزارة الداخلية سابقاً بينها كمال القيزاني، المدير العام السابق للأمن الوطني، ومحرز الزواري وفتحي البلدي وعبد الكريم العبيدي.
كما شملت قائمة المحالين في هذه القضية الأمنية الجديدة، حسب نفس المصدر، قياديين سابقين في الحكومة وفي الصفوف الأولى من حزب حركة «النهضة»، بينهم الوزراء السابقون رفيق رفيق عبد السلام ولطفي زيتون وعادل الدعداع، إلى جانب النجل الأكبر للغنوشي الموجود خارج البلاد منذ سنوات رجل الأعمال معاذ الخريجي الغنوشي.
وأوضح الناطق باسم محكمة الاستئناف بتونس أن المحكمة رفضت مطالب الإفراج التي تقدم بها المحامون مراراً في حق كل المتهمين الموقوفين على ذمة هذه القضية.
وكان البحث في هذه القضية قد بدأ في سبتمبر (أيلول) من عام 2023 عندما أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والمتعهد بالبحث في قضيتي «تكوين وفاق إرهابي» و«التآمر على أمن الدولة» بطاقات جلب دولية في حق 12 شخصاً، من ضمنهم رئيس الحكومة السابقة يوسف الشاهد، والوزيرة السابقة نادية عكاشة.
كما أحيل إلى قضايا أمنية ذات صبغة «إرهابية» عدد آخر من المسؤولين السابقين في الحكومة والبرلمان ووزارة الداخلية وبعض الأحزاب السياسية، فضلاً عن عشرات من الشخصيات الموقوفة بتهم التآمر على أمن الدولة و«التسفير الى بؤر التوتر» و«تكوين وفاق إرهابي».
إيقاف متهمين بالتجسس والتآمر على أمن الدولة
من جهة أخرى، أورد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في مدينة سوسة، 140 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة تونس، وسام الشريف، أن سلطات الأمن أوقفت 9 «مشتبه فيهم» بينهم 5 أجانب، بتهم خطيرة من بينها التجسس والتآمر على أمن الدولة والضلوع في جرائم تهريب البشر والمهاجرين غير النظاميين.
وأضاف وسام الشريف في تصريح صحافي أن المحل «مكان الشبهة» الذي استخدمه المتهمون في هذه القضية كانت تشرف عليه سيدة «أجنبية من دولة أوروبية زعمت في أقوالها أنّها تستغل الشقة مركزَ نداءٍ يُعنى بشؤون المهاجرين غير النظاميين بدولة أوروبية، وتتولى العمل عن طريق محامين لتسوية وضعيتهم في تلك الدولة».
كما أورد أن صاحب الشركة أجنبي مقيم في الدولة الأوروبية نفسها يتولّى تسييرها عن طريق المشرفة التي تقوم بتحويل العائدات المالية له «خلافاً للصيغ القانونية».
وأثبتت الأبحاث الأولية وفق الناطق باسم محكمة سوسة أنّ الشركة توظّف أجانب من أفريقيا جنوب الصحراء ومن دولة مجاورة وتونسيين، وتعمل بطريقة مخالفة للقانون.
وقد وجهت النيابة العمومية للمشتبه بهم في هذه القضية تهماً خطيرة جداً عدة من بينها: «تكوين وفاق قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي بقصد التجسس، وذلك بمحاولة المس من سلامة التراب التونسي، والدخول والإقامة بالبلاد التونسية دون شروط قانونية، والانضمام إلى جماعة غير وطنية قصد ارتكاب جرائم الاتجار بالأشخاص، وتعمد ارتكاب جرائم غسيل الأموال في إطار وفاق، مع استغلال التسهيلات التي خولتها خصائص الوظيف والنشاط المهني والاجتماعي والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مواجهة بعضهم، وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي».
يشار إلى أنّ النيابة العمومية في المحكمة الابتدائية بأريانة، شمال غربي العاصمة تونس، تخلت في سبتمبر 2023 عن ملف «الجهاز السرّي لحركة النهضة» لفائدة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، وهو ملف أثير مطلع سنة 2022 إثر شكوى قدمتها النيابة العمومية وفريق الدفاع عن الزعيمين اليساريين السابقين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين وقع اغتيالهما في 2013 من قبل مجموعة إرهابية قريبة من تنظيمات إرهابية شمال أفريقيا بينها «أنصار الشريعة» و«القاعدة في المغرب الإسلامي» و«عقبة بن نافع».