لبنان: أهالي الضحايا يحيون ذكرى انفجار المرفأ ويتمسكون بالعدالة

القاضي البيطار يتحضّر لاستئناف التحقيق رغم العراقيل القانونية

مشهد للدمار الهائل في مرفأ بيروت بعد الانفجار (أرشيفية - أ.ف.ب)
مشهد للدمار الهائل في مرفأ بيروت بعد الانفجار (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

لبنان: أهالي الضحايا يحيون ذكرى انفجار المرفأ ويتمسكون بالعدالة

مشهد للدمار الهائل في مرفأ بيروت بعد الانفجار (أرشيفية - أ.ف.ب)
مشهد للدمار الهائل في مرفأ بيروت بعد الانفجار (أرشيفية - أ.ف.ب)

تحلّ الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت، وسط انسداد الأفق أمام استئناف التحقيق القضائي المعطّل منذ عامين ونصف عام، جرّاء عشرات الدعاوى التي كبّلت يدي المحقق العدلي طارق البيطار، فيما يحيي أهالي الضحايا المناسبة بإحباط شديد من إمكانية الوصول إلى الحقيقة ومعرفة المسؤولين عن انفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020، الذي أودى بحياة 230 شخصاً وإصابة أكثر من خمسة آلاف بجروح وتدمير ثلث مباني العاصمة بيروت.

وينتظر أن تبدأ تحركات أهالي الضحايا والناشطين عند الخامسة عصر الأحد بمظاهرتين؛ الأولى تنطلق من ساحة الشهداء وسط بيروت، والثانية من مقرّ فوج إطفاء بيروت في محلّة الكرنتينا، وتلتقيان أمام تمثال المغترب في محيط المرفأ، حيث تُلقى كلمات لأهالي الضحايا وأهالي الجرحى والفريق القانوني الذي يستعرض المحطات التي مرّ بها التحقيق وأسباب تعطيله.

وأعرب وليم نون، شقيق الضحية جو نون، عن أمله بأن «تكون المشاركة واسعة وتوجّه رسالة إلى المسؤولين بأن قضية الشهداء ستبقى حيّة، ولن يكون بمقدور أحد طمسها». وكشف لـ«الشرق الأوسط» عن أن «المواقف التي ستطلق خلال اللقاء تلتقي عند هدف واحد، هو استكمال التحقيق وصدور القرار الظني عن القاضي طارق البيطار ليعرف اللبنانيون حقيقة ما حصل والمسؤولين عن هذه الجريمة التي قتلت إخوتنا».

ولم يُخف نون أن «المواجهة صعبة مع فريق سياسي لا هدف له سوى ضرب التحقيق، وللأسف نجح حتى الآن في ظلّ قضاء منقسم على نفسه حول هذه القضية، بدءاً من مجلس القضاء الأعلى، وذلك استجابة للضغوط السياسية التي تمارس عليه من فريق معيّن».

وعمّا إذا كان أهالي الضحايا يخططون لتحركات تصعيدية جديدة على الأرض إذا ما استمر تعطيل التحقيق، أوضح نون أنه «لا توجد خطة للتصعيد في الشارع، بانتظار ما يقرره المحقق العدلي لجهة استئناف التحقيق من عدمه».

وسيكون لبعض الكلمات وقع قويّ؛ إذ تفنّد المراحل التي مرّ بها التحقيق. وأوضحت المحامية سيسيل روكز، شقيقة الضحية جوزيف روكز لـ«الشرق الأوسط»، أنها «ستسمي الأشياء بأسمائها في كلمة تحمل معانٍي قانونية وتكشف كل المعطلين»، وأشارت إلى أنها «ستوجّه رسالة قوية إلى النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، بصفته شريكاً في هذه القضية، وباستطاعته أن يسهّل التحقيق أو يعرقله».

ومنذ أن أصدر المحقق العدلي طارق البيطار لائحة الادعاء مطلع شهر يوليو (تموز) 2021، وضمّنها أسماء سياسيين وقادة أمنيين، بدأت خطة محاصرته قضائياً عبر عشرات الدعاوى التي أقامها السياسيون المدعى عليهم ضدّه، ما أدى إلى وقف إجراءاته منذ 23 ديسمبر (كانون الأول) 2021، تاريخ آخر جلسة تحقيق عقدها، وخلالها تبلغ البيطار دعوى مخاصمة أقامها ضده النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، اللذان رفضا مع باقي السياسيين المثول أمامه. لكن في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) 2023؛ أي بعد 13 شهراً على تجميد التحقيق، أعدّ البيطار مطالعة قانونية استند فيها لاجتهادات قضائية تفيد بأن «المحقق العدلي يوازي بالدور والأهمية رئيس وأعضاء المجلس العدلي الذين لا يمكن ردّهم أو مخاصمتهم». وأعلن البيطار استئناف التحقيق وتحديد مواعيد لاستجواب السياسيين خلال شهر فبراير 2023، وألحق هذا القرار بالادعاء على النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات، والمحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري؛ كونهما كانا على علم بوضع العنبر رقم 12 الذي كان يحوي النيترات في مرفأ بيروت، ولم يتخذا قراراً بملاحقة المسؤولين عن عدم إخراجها منه ولم يعطيا الأمر بإزالتها، بل ختما التحقيق الذي كان مفتوحاً يومها.

وعلى الأثر، سارع عويدات إلى الادعاء على البيطار بجرم انتحال صفة محقق عدلي، وأصدر مذكرة لإحضاره بالقوة ومنعه من السفر، كما أقدم عويدات على إطلاق سراح 17 موقوفاً في الملفّ، متجاهلاً مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم.

ومع إحالة عويدات إلى التقاعد في 10 فبراير (شباط) الماضي، وتكليف القاضي جمال الحجار نائباً عاماً تمييزياً، عقدت لقاءات بين الأخير والبيطار، وسادت أجواء التفاؤل باستئناف التحقيق، لكن سرعان ما تبدد هذا التفاؤل إثر معلومات عن إصرار الحجار على إخراج السياسيين والقضاة من الملفّ، الأمر الذي رفضه البيطار بالمطلق، ورأى أنه «لا يمكن تجزئة الملف وإفراغه من مضمونه».

التباينات القائمة ما بين الحجار والبيطار أعادت العلاقة بين الأخير والنيابة العامة التمييزية إلى نقطة الصفر، وقطعت الطريق على أي تعاون بينهما، إلّا أن مصادر قضائية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن هذا «التباين لن يبقي المحقق العدلي متفرجاً على تعطيل التحقيق»، وأشارت إلى أن البيطار «ينتظر مرور ذكرى انفجار المرفأ ليعلن استئناف عمله، وتحديد جلسات يستدعي إليها كل المدعى عليهم الذين لم يمثلوا أمامه، وفي حال امتناعهم عن الحضور للتحقيق سيتخذ القرارات المناسبة بحقهم».

ورداً على سؤال عمّا إذا كان من ضمن الإجراءات إصدار مذكرات توقيف غيابية، أعلنت المصادر أنها «من البديهيات التي يقتضيها القانون بحق أي مدعى عليه يمتنع عن الخضوع للتحقيق»، مشيرة إلى أن البيطار «لا يزال ملتزماً بما وعد به سابقاً، أي إصدار القرار الاتهامي قبل نهاية العام الحالي».

ولمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لانفجار المرفأ، التقت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت عائلات عدد من الضحايا، واستمعت لذكرياتهم عن الكارثة التي أودت بحياة أبنائهم، وشردت عائلات، ودمرت المنازل. وجدد الأهالي «سعيهم الحثيث لكشف الحقيقة وإنفاذ العدالة والمحاسبة»، وأشاروا إلى أنه «رغم مضيّ أربع سنوات، يستمر تعليق التحقيق، فيما لا تزال تلك العائلات وغيرها تتطلّع إلى تحقيق العدالة».

من ناحيتها، قالت بلاسخارت إن «انفجار مرفأ بيروت كانت له أصداء في جميع أنحاء العالم، وأنْ أستمع اليوم إلى شهادات العائلات لإحياء هذه الذكرى المؤلمة لهو أمر مؤثر للغاية بالنسبة لي. رؤية هذه العائلات تتعرّض للظلم مراراً وتكراراً بسبب الفشل في تحقيق العدالة حتى الآن مؤلم». وقالت إن «الغياب التام للمحاسبة عن كارثة من صنع الإنسان كهذا الانفجار يعد أمراً مذهلاً، ونتوقع من السلطات المعنية أن تعمل بلا كلل لإزالة جميع العوائق أمام التحقيق، سواء كانت هيكلية أو سياسية، ولكن ما يحدث هو العكس تماماً».

وأعادت المنسّقة الخاصّة التذكير بـ«دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإجراء تحقيقٍ محايدٍ وشاملٍ وشفّاف لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة والمحاسبة»، وشددت على «أهمية وجود قضاء مستقل وناجز في لبنان، جنباً إلى جنب مع تفعيل وتمكين مؤسسات الدولة الأخرى».


مقالات ذات صلة

لماذا لم ينخرط النظام السوري في «وحدة الساحات» وهل يبدّل موقفه؟

العالم العربي الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله والقائد العسكري الأعلى للحزب فؤاد شكر الذي اغتالته إسرائيل في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

لماذا لم ينخرط النظام السوري في «وحدة الساحات» وهل يبدّل موقفه؟

في خطابه الذي ألقاه في تشييع القائد العسكري فؤاد شكر الذي اغتالته إسرائيل، بدا الأمين العام لـ«حزب الله» وكأنه أعفى النظام السوري من الانخراط في «وحدة الساحات».

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي لبناني يمر أمام لوحة عملاقة لثلاثة قادة من «محور الممانعة» على طريق مؤدية إلى مطار بيروت (أ.ف.ب)

إجراءات السفارات وشركات الطيران تضع اللبنانيين أمام «هاجس الحرب»

يعيش اللبنانيون هاجس الحرب يومياً، مع ازدياد المخاوف من سيناريوهات ما بعد الرد المتوقع لـ«حزب الله» على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر الثلاثاء الماضي. وتزيد…

المشرق العربي الدخان يتصاعد في جنوب لبنان إثر قصف إسرائيلي استهدف المنطقة (رويترز)

إيران تؤكد أن «حزب الله» لن يكتفي برد على أهداف عسكرية

توقعت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة أن يضرب «حزب الله» عمق إسرائيل، وألاّ يكتفي بأهداف عسكرية رداً على اغتيال القيادي العسكري البارز فؤاد شكر.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي 
امرأة تنتحب خلال تشييع أم وثلاثة أطفال من الجنسية السورية قُتلوا بغارة اسرائيلية استهدفت بلدة شمع بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

«حزب الله» يستعد لرد «من خارج المعادلات»

توعّد «حزب الله» برد «من خارج المعادلات» على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، على وقع تأهّب إسرائيلي تمثّل في استنفار سلاح الجو، الذي كثّف طلعاته في الأجواء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي النائب آلان عون خلال جلسة في البرلمان (الوكالة الوطنية)

باسيل يفصل آلان عون من «التيار الوطني الحر»

قرر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل التوقيع على قرار فصل النائب آلان عون، ابن شقيقة مؤسس «التيار» والرئيس السابق للبلاد العماد ميشال عون، من صفوفه.

بولا أسطيح

وزير الخارجية المصري لنظيره الإيراني: التطورات الأخيرة في المنطقة تهدد استقرارها

الوزير بدر عبد العاطي (وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج)
الوزير بدر عبد العاطي (وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج)
TT

وزير الخارجية المصري لنظيره الإيراني: التطورات الأخيرة في المنطقة تهدد استقرارها

الوزير بدر عبد العاطي (وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج)
الوزير بدر عبد العاطي (وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج)

قالت الحكومة المصرية، اليوم السبت، إن وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، قال في اتصال هاتفي مع القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، إن التطورات الأخيرة في المنطقة تهدد استقرارها.

وقال عبد العاطي: «التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة غير مسبوقة، وعلى قدر كبير من الخطورة، وتُنذر بتوسيع رقعة الصراع بشكل يُهدد استقرار دول المنطقة ومصالح شعوبها».

وفي 31 يوليو (تموز)، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس»، إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، فيما اتهمت «حماس» وإيران إسرائيل بتنفيذ هذه العملية وتعهدتا بالرد عليها.