سيطرت عبارات الانتقام والحرب وتصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي على غالبية الصحف الصادرة، الخميس، بينما تواصل السلطات التكتم على تقديم أي معلومات توضح ما جرى، فجر الأربعاء، في منطقة سعد آباد شمال طهران.
وتباينت الصحف المحافظة والمقربة من «الحرس الثوري» التي لم ترغب في خوض تفاصيل الهجوم، مع صحف إصلاحية نأت بنفسها عن دعوات الحرب، ودعت إلى اتخاذ إجراءات داخلية ومراجعة للأجهزة الأمنية في ظل طروحات عن وجود متسللين محتملين. وكانت صورة هنية النقطةَ المشتركة بين صحف التيارين السياسيين في إيران.
وعنونت صحيفة «كيهان» المقربة من مكتب المرشد الإيراني: «انتقام الدم من الضيف على المضيف، العالم ينتظر»، قائلة إن «الصهاينة بلا شك سيدفعون ثمن دم هنية بالدم. وبلا شك، يجب أن ينتظر العالم قتل الكلاب».
انتقام في أقصر وقت
وهاجمت الصحيفة أصواتاً تدعو إلى ضبط النفس في مواجهة إسرائيل، وقالت إنها «همسات خائنة من التيار الغربي داخل البلاد الذي أطلق مشروعين على عجل: (تطهير أميركا) و(التأكيد على الامتناع عن الرد)». وانتقدت من يحاولون الفصل بين الولايات المتحدة وإسرائيل. واتهمت هؤلاء بـ«عدم فهم بدهيات العلاقات الدولية وعدم فهم منطق الردع»، وقالت إنهم يحاولون مرة أخرى تكرار الضربات للمصالح والأمن القومي الإيراني.
وكتب رئيس تحرير صحيفة «كيهان»، حسين شريعتمداري، أن «الانتقام لإسماعيل هنية يجب أن يكون قاسياً ومعطلاً، وأن ينفذ دون تأخير وفي أقصر وقت ممكن».
اتهام واشنطن
وأضاف في مقال تحت عنوان «أميركا يجب ألا تحذف من قائمة الانتقام»: «جميع الأدلة والشهادات الموجودة تشير بوضوح إلى أن إسرائيل لا تقوم بأي عمل دون إذن وموافقة ودعم أميركا، وأنها أساساً ليست في وضع يمكّنها من اتخاذ قرارات أو تنفيذها بمفردها... الشيطان الأكبر دخل هذه الساحة دون قناع، وإسرائيل ترتكب الجرائم نيابة عن أميركا وبأوامر مباشرة منها».
وبشأن طبيعة الانتقام من الأميركيين، قال: «من خلال نظرة سريعة حولنا، يمكن رؤية العشرات من النقاط الاستراتيجية والمراكز المعلوماتية والعسكرية الأميركية التي تقع بسهولة في مرمى نيراننا. قاعدة (عين الأسد) كانت مثالاً على ذلك. وقاعدة الأسطول الخامس للبحرية الأميركية في سواحل البحرين (...)هي مثال آخر». وتابع: «السفن الأميركية المحملة بالوقود والبضائع في الخليج (...) وبحر عمان يمكن أن تكون أهدافاً أخرى».
من جانبها، عبرت صحيفة «وطن أمروز» عن الصدمة الداخلية. واتهمت الولايات المتحدة بمنح الضوء الأخضر لهذه العملية في طهران، كما انتقدت المعارضين للحرب.
الاختراق الداخلي
ومن جهتها، وصفت صحيفة «جمهوري إسلامي» المعتدلة، اغتيال هنية بأنه «أحد أبشع أعمال إسرائيل»، لكنها دعت إلى تحليل أوجه القصور في إيران.
ورأت الصحيفة في مقال تحت عنوان «تطهير العمق من الاختراق» أن «الإجراءات العقابية ضرورية لمواجهة الجنون الإسرائيلي لكنها ليست كافية لردعهم». ودعت إلى تحليل «أوجه القصور (في إيران) وإزالة العوامل التي تتيح لإسرائيل تنفيذ عمليات إرهابية»، مشيرة إلى احتمال وجود تسريبات في مقتل قيادات أخرى.
وتطرق إلى مقتل المسؤول النووي الإيراني محسن فخري زاده، الذي كان نائباً لوزير الدفاع في شؤون الأبحاث، في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وكذلك مقتل جنرال محمد رضا زاهدي في قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وأيضاً، مقتل حجت الله أميدوار، مسؤول استخبارات «الحرس الثوري» في سوريا في غارة جوية على مبنى بحي المزة غرب دمشق، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقبل ذلك، مقتل مسؤول الإمدادات لقوات «الحرس الثوري» في سوريا رضي موسوي، في ديسمبر (كانون الأول)، بضربة صاروخية إسرائيلية على منطقة السيدة زينب.
وفي صيف 2022، قضى القيادي في «فيلق القدس»، صياد خدايي بنيران مسلحين اثنين أمام منزله وسط طهران.
وأضافت: «أحد الأضرار الرئيسية هو وجود عناصر اختراق داخلنا. إذا كان النظام الصهيوني قادراً على تمرير صاروخه من نافذة غرفة نوم إسماعيل هنية في موقع محمي تماماً في طهران وقتله، فهذا يعني أن هذا النظام الإجرامي لديه عناصر اختراق داخلنا».
وتابعت: «لحماية أنفسنا من الاغتيالات، يجب أولاً تعزيز قدرتنا على اكتشاف الطائرات المعادية، وثانياً القيام بتطهير جذري في أجهزتنا الاستخباراتية والأمنية... إذا أردنا أن يتمكن محور المقاومة من مواجهة النظام الصهيوني بكفاءة عالية ويحقق النصر في هذه المعركة التاريخية، يجب أولاً تطهير أنفسنا من عناصر الاختراق التابعة للعدو... بدلاً من مجرد الحديث عن الانتقام، يجب علينا إغلاق طرق اختراق العدو في الجو والأرض، واكتشاف ومعاقبة العناصر المرتبطة، والتي نغفل عنها».
«عرقلة بزشكيان»
تناولت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية الموضوع بتحليل عن خلفيات وسبب العملية في طهران، لافتة إلى أن إسرائيل تسعى لإبقاء إيران في حالة راديكالية لمنعها من التقدم في العلاقات الدولية، حسبما قال الصحافي والمحلل السياسي شمس الواعظين للصحيفة.
وقال شمس الواعظين إن «إيران مضطرة للرد نظراً لانتهاك سيادتها الوطنية»، لكنه قال إن «هذا الرد يجب أن يكون بتصميم وتنفيذ في غاية الحذر والحكمة».
وتحت عنوان «إطلاق النار على طهران»، أشارت «هم ميهن» الإصلاحية إلى أن الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة مسعود بزشكيان «تسعى لتحقيق الوفاق الوطني وإعادة العلاقات الدولية، مما يزعج اليمين المتطرف في إسرائيل». وقال المحلل أحمد زيد آبادي إن حكومة بزشكيان وضعت على جدول أعمالها «خلق وفاق وطني داخل البلاد وتنظيم العلاقات الخارجية على أساس التوازن بين مراكز القوى العالمية؛ بهدف رفع العقوبات وتهدئة الأجواء»، متهماً «اليمين المتطرف» بمحاولة عرقلة هذا التوجه.
وكتبت صحيفة «سازندكي» أن «أهالي شمال طهران استفاقوا على صوت انفجار، في الليلة الأكثر أمنياً». وقالت إن «إسماعيل هنية كان في مكان محمي داخل مجمع قصر سعد آباد، وكان من المقرر أن يتوجه إلى قطر في منتصف الليل، لكن قبل ساعة من مغادرته ذلك المكان المحمي، تم استهداف المكان».
ورأت في الحادث أنه «يشكل بداية صعبة للرئيس الإيراني الجديد في أول يوم عمل له بعد مراسم تنصيبه. وقد فسر بعض الناس هذا الحدث على أنه بداية متعمدة من إسرائيل لتصعيد العلاقات بين إيران والغرب».