أثار «اجتماع استثنائي» للحكومة الصومالية لإقرار اتفاقية دفاعية مع مصر تساؤلات وردود فعل حول توقيت الاجتماع وآثار الاتفاقية الموقعة على منطقة القرن الأفريقي، التي باتت «ساحة لصراع دولي على النفوذ».
الاتفاقية بين مصر والصومال عدّها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تأتي ما بين «احتواء استراتيجي» لدول جوار إثيوبيا، التي بدورها تطمح لفرض نفوذها بـ«القرن الأفريقي»، وأيضاً «موازنة النفوذ التركي الواسع بالمنطقة»، في ظل إدراك مصر لوضعية الصومال الخاصة، وأهميته للأمن القومي المصري والعربي.
والسبت، أعلن التلفزيون الرسمي الصومالي، في تدوينة نشرها على منصة «إكس»، عن موافقة الحكومة الصومالية خلال «اجتماع استثنائي» لمجلس الوزراء الصومالي، جرى مساء الجمعة، على اتفاقية دفاعية بين مصر والصومال، تم توقيعها بين البلدين في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وتأتي الاتفاقية عقب توقيع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي مذكرة تفاهم في يناير (كانون الثاني) مع إثيوبيا، تمنح الأخيرة بموجبها حقّ استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي أرض الصومال لمدة 50 عاماً، عبر اتفاقية «إيجار». وهو ما رفضته مقديشو ومصر، واستدعى اجتماعاً عربياً طارئاً آنذاك أدان الاتفاق، وتضامن مع الموقف الصومالي، الذي عدّها «باطلة وغير مقبولة».
وإقليم «أرض الصومال» هو محمية بريطانية سابقة، أعلن استقلاله عام 1991، لكن لم يعترف به المجتمع الدولي.
احتواء استراتيجي
تستهدف الاتفاقية المصرية - الصومالية، وفق الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، «تعزيز العلاقات ودعم الصومال، عبر تدريب الجيش الصومالي، في ظل الحرب الشرسة التي يخوضها ضد الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها (حركة الشباب)، في ظل الخبرات الكبيرة للجيش المصري، ومن دون أي وجود لقواعد عسكرية»، وهو أمر سبق أن نفّذته القاهرة خلال السنوات الماضية.
فالصومال مهم لمصر، كما يقول اللواء سمير فرج، لـ«الشرق الأوسط»، كونه «يلعب دوراً كبيراً في الملاحة بالبحر الأحمر لموقعه قرب مضيق باب المندب، الذي يمثل بوابة جنوبية للبحر الأحمر، وهو ما يؤكد الأهمية الجيوسياسية بالنسبة للقاهرة».
كما أن الاتفاقية تمثل أيضاً «رسالة غير مباشرة» لإثيوبيا بعد اتفاقيتها مع «أرض الصومال» ومساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية هناك، في ظل طموحها لفرض السيطرة، ما دفع القاهرة إلى «الاحتواء الاستراتيجي» لدول جوار إثيوبيا، كما تسعى مصر لموازنة الوجود التركي بالمنطقة، بحسب فرج.
وتولي القاهرة أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وفق وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال استقباله الأسبوع الماضي مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، أنيت فيبر.
وأجرى عبد العاطي أولى رحلاته الخارجية، منذ توليه منصبه مطلع يوليو (تموز) الحالي، إلى الصومال وجيبوتي، لافتتاح أول خط طيران مباشر بين الدول الثلاث، وهو ما يعكس «عمق وأهمية علاقات مصر مع الدولتين، وحرص مصر على تحقيق قدر أعلى من الترابط مع دول القرن الأفريقي لما تمثله من عمق استراتيجي للأمن القومي المصري»، وفق بيان للخارجية المصرية.
تعاون وليس صراعاً
أمين سر «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب محمد عبد الرحمن راضي، ربط بين تصريحات الرئيس المصري خلال زيارة نظيره الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة في يناير (كانون الثاني) والاتفاقية الجديدة، حين أكد آنذاك «الوقوف ضد أي تهديد» يواجه دولة عربية في ظل محاولات إثيوبية لـ«بثّ الاضطرابات» في محيطها الإقليمي.
موقف مصر، وفق راضي، ثابت تجاه أمن الصومال ودعمه، لافتاً إلى أن رسائل السيسي آنذاك عكست إدراك القيادة المصرية لوضعية الصومال الخاصة وأهميتها للقاهرة، مشيراً إلى أن اتفاقية الدفاع الحالية «ترميم ثغرات في جدار الأمن القومي العربي».
البرلماني المصري أكد أن الاتفاق الدفاعي يمثل تأكيداً للمفاهيم المصرية بشأن القرن الأفريقي والبحر الأحمر، كما أن القاهرة والصومال تربطهما «اتفاقية الدفاع العربي المشترك»، وتنويه الرئيس المصري لإمكانية تفعيلها في أي وقت «يعكس نية مصر الوقوف إلى جانب أشقائها الصوماليين إذا تعرضوا إلى تهديد، وفق الاتفاقية التي تعود لعام 1950، وتتضمن بنداً ينص على أن أي عدوان على أي دولة موقعة على البروتوكول يعدّ عدواناً على بقية الدول».
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، استقبل السيسي الرئيس الصومالي، وشهد المؤتمر الصحافي «رسائل قوية» إلى إثيوبيا بشأن اتفاقها مع «أرض الصومال» لاستخدام واجهة بحرية من أراضيها عبر اتفاقية «إيجار»، فضلاً عن رسائل دعم قوية إلى الصومال، تضمنت التذكير بميثاق الجامعة العربية بالدفاع المشترك لأي تهديد له وحماية سيادته.
وفي 4 يوليو (تموز) الحالي، تلقى الرئيس المصري اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي، تناول «سبل تعزيز العلاقات الثنائية» والترحيب بـ«الزخم الذي يشهده التعاون بين البلدين» في الفترة الأخيرة، وحرصهما على توسيع آفاق هذا التعاون لتشمل مختلف المجالات، فيما أكد السيسي حرص مصر على أمن واستقرار وسيادة الصومال.
دلالات مهمة
يحمل الاتفاق الجديد بين البلدين أبعاداً ودلالات مهمة في ظل احتدام الصراع بين كثير من القوى الإقليمية والدولية في منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً في ظل «حمى القواعد العسكرية» من جيبوتي إلى الصومال، كما يشير المحلل السوداني في الشأن الأفريقي، محمد تورشين.
ويرى تورشين أن «مصر تثبت حضوراً قوياً في منطقة تتمتع فيها بعلاقات جيدة مع دولها، في ظل تنامي دور إثيوبيا وتركيا وغيرهما من الدول»، وعدّ «الاتفاقية رسالة لأديس أبابا بأن القاهرة حاضرة وبقوة».
ومن خلال الاتفاق، ستوظف مصر كثيراً من مقدراتها فيما يتعلق بتدريب الجيش الصومالي والتعاون الاستخباراتي والأمني، خاصة أن الصراعات في المنطقة لديها تأثير كبير على الأمن القومي المصري، ومن ثم استبقت القاهرة أي مخاطر بتعزيز وجودها بشكل رسمي، بحسب تورشين.
ويتفق المحلل الصومالي المختص في قضايا الأمن والإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، عبد الرحمن سهل، بأن «مقديشو في ظل تنامي الإرهاب باتت تحتاج إلى من يقف معها في حماية وحدتها، وتحقيق الأمن والاستقرار لدحر حركة (الشباب) المرتبطة بتنظيم (القاعدة)».
ويعول سهل على الاتفاقية بين الجانبين لـ«حماية سيادة مقديشو من تدخل أي دول أخرى تسعى إلى تفتيت وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية»، عبر دعم الجيش الصومالي ضد الإرهاب، باعتباره «مربط الفرس وحجر الزاوية» وهو ما سيلاقي ترحيباً واسعاً بالبلاد، كما يؤكد الخبير الصومالي.
ويتوقع أن يلاقي الحضور الاستراتيجي المصري في الصومال رداً إثيوبياً بسبب «الصراع بين الدولتين حول مياه النيل»، رغم أن التعاون المصري - الصومالي أكبر من مجرد مواجهة الاتفاق بين إثيوبيا و«أرض الصومال»، كما يؤكد «سهل».
وهناك خلافات بين مصر والسودان من ناحية، وإثيوبيا على الجهة الأخرى، بشأن «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على فرع النيل الأزرق، والذي تقول القاهرة والخرطوم إنه سيؤثر بشكل كبير على حصصهما من مياه النيل، وتتمسكان بالتوصل أولاً إلى «اتفاق ملزم» مع أديس أبابا بشأن ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل، وهو ما تنفيه إثيوبيا، وتؤكد أنها لا تستهدف الإضرار بدولتي مصبّ النيل.