يؤرق الحر كل يوم السورية حمدة المرزوق في مخيمها للاجئين في الأردن، مع ارتفاع درجات الحرارة الذي قد يصل إلى 100 درجة فهرنهايت، مما يجبرها على الاستيقاظ قبل ساعات من موعدها الطبيعي. على بعد 3 آلاف ميل إلى الشرق، في مخيم في بنغلاديش، يتعرّض المنزل المؤقت للاجئين الروهينغا للتهديد بالانهيار جراء الانهيارات الأرضية المتكررة؛ بسبب الأعاصير. وتعيش أم سليمة على أرضية موحلة بسبب المطر، ولا تستطيع تحمل تكاليف إصلاح سقف منزلها المتضرر، المصنوع من الخيزران والقماش المشمع. وفي جنوب السودان، غمرت مياه الفيضانات حديقة نيابوش فان داك، وهي أرملة وأم لأربعة أطفال في مخيمها في «روبكونا».
ووسط الطبيعة القاسية، في مكان أجبرت فيه الفيضانات المستمرة بعض اللاجئين على حصاد زنابق الماء بوصفها مصدراً للغذاء، تبحث فان داك يومياً على لقمة العيش لإطعام أطفالها الجوعى.
ارتفع عدد اللاجئين في جميع أنحاء العالم، الذين شرّدتهم الحروب والصراعات العرقية، وتغيُّر المناخ بشكل متزايد، إلى ما يقدَّر بـ117 مليوناً في نهاية العام الماضي، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وينتهي الأمر بالملايين منهم في مخيمات في بلدان، وفقاً لدراسة أُجريت العام الماضي، «تعد أيضاً من بين البلدان الأكثر عرضةً لتقلبات المناخ»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
وفي الأردن وبنغلاديش وجنوب السودان، فإن أكبر هذه المخيمات معرضة للفيضانات والعواصف الشديدة والجفاف وموجات الحرارة وغيرها من نوبات الطقس القاسي المتقلب.
ويرصد تقرير صحيفة «واشنطن بوست» حياة هؤلاء النساء الثلاث عبر التواصل معهن هاتفياً، وجميعهن يردن الشيء نفسه؛ القدرة على كسب لقمة العيش الكريمة وتوفير منزل مستقر لعائلاتهم.
وهم يعملون أيضاً على مساعدة جيرانهم على التأقلم. لكن الكوارث المناخية تتصاعد، مما يهدد الحياة الطبيعية البسيطة التي تمكّنوا من خلقها في منازلهم الجديدة.
قال جيمي ريتشاردسون، المستشار الفني في قسم الاستجابة الإنسانية في خدمات الإغاثة الكاثوليكية، التي تساعد اللاجئين في عديد من البلدان: «هؤلاء أشخاص يتمتعون بقدرات وإمكانات هائلة لإيجاد الحلول بأنفسهم... يجب ألا نفكر في الأشخاص الضعفاء بوصفهم ضحايا».
حرارة شديدة... وحلم «المروحة»
حمدة المرزوق (33 عاماً) فرت من سوريا عام 2013 مع ابنها بعد اندلاع الحرب الأهلية. ومنذ ذلك الحين، تعيش في مخيم الزعتري للاجئين، الواقع في الأردن على بعد 8 أميال من الحدود السورية. توفي زوجها قبل أن تغادر بلادها التي مزقتها الحرب.
ويضم المخيم نحو 78 ألف شخص يعيشون في «كرفانات»، ويعد من أكبر مخيمات لجوء السوريين في العالم.
وكانت المرزوق تعيش في بيت متنقل مغطى بألواح خشبية، لكنها بعد أن بدأت تجتذب الصراصير والحشرات، انتقلت إلى بيت معدني. وفي كل صباح، تقوم بفحص ثلاجتها الصغيرة وهاتفها لمعرفة ما إذا كانا سيستمران في العمل خلال انقطاع الكهرباء في الليل.
تصل الكهرباء لمدة ساعة فقط في فترة ما بعد الظهر، وفي وقت لاحق من المساء. ثم تبدأ المرزوق في السير لمدة 15 دقيقة للوصول إلى عملها. تقف خلف طابور واحد من الآخرين المتجهين إلى وظائفهم في المخيم، وتسير بحذر في شريط ظل القوافل المجاورة على الطريق لتجنب التعرض لأشعة الشمس المباشرة. لم يكن الصيف في الأردن هكذا دائماً. سجّلت البلاد في يونيو (حزيران) الماضي درجات الأكثر سخونة منذ أكثر من قرن، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 118 درجة فهرنهايت، وتشير الدراسات إلى أن منطقة الشرق الأوسط ترتفع فيها درجات الحرارة بسرعة تعادل ضعف سرعة بقية العالم.
وتحوّلت الحرارة الجافة إلى رطوبة، تاركة بقعاً رطبة على جدران منزل المرزوق، وأُصيب ابنها البالغ من العمر 10 سنوات بالربو مع ازدياد العواصف الترابية. وتتذكر أن بعض اللاجئين ماتوا خلال موجة الحر في الصيف الماضي، حسب ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية. وقالت: «في بعض الأحيان، خلال موجة الحر، نترك بيوتنا المتنقلة ونبحث عن مكان به ظل في الخارج؛ لأن الجو أكثر برودة في الخارج منه في الداخل» ويلفون قطعاً من الثلج في مناشف لوضعها على رؤوسهم.
تشعر المرزوق بالامتنان لوجود مكيف الهواء في مكتبها، حيث تعمل قائدة فريق لمشروع إعادة التدوير في المخيم. وغالباً ما يكون المخيم مهجوراً في الصباح حيث يبقى كثير في منازلهم طوال اليوم، ويبدأ الصخب بعد الغسق، عندما تغرب الشمس وتنخفض درجة الحرارة. لكن التحدي الأكبر يظل نقص التمويل في المخيم، حسبما قال قاسم أديب، مدير منطقة مخيم الزعتري في منظمة «أوكسفام» الإنسانية، وأشار إلى انخفاض عدد وظائف النقد مقابل العمل التي تقدمها منظمة «أوكسفام» للاجئين إلى النصف في السنوات الست الماضية، ويحاول عديد من اللاجئين استخدام قسائم أقل حتى يتمكّنوا من توفير المال لشراء منتجات أخرى. وقال أديب إن منظمة «أوكسفام» تعمل على إيجاد حلول، على أمل بناء مساحات خضراء في المناطق الجافة لتوفير مناطق أكثر برودة للاجئين.
وتحلم المرزوق بوظيفة أفضل ذات أجر أعلى حتى تستطيع شراء لوحة شمسية للحصول على مصدر طاقة لتشغيل المروحة.
أم سليمة... والانهيارات الأرضية في بنغلاديش
تعد مدينة كوكس بازار الساحلية في جنوب شرقي بنغلاديش موطناً لأحد أكبر مخيمات اللاجئين في العالم. وفي عام 2017، فرّ مئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا من الاضطهاد العنيف في ميانمار المجاورة واستقروا هناك. وفي ذروته في عام 2018، كان المخيم يضم 725 ألف شخص، لكن هذا العدد انخفض، ويرجع ذلك جزئياً إلى حريق عام 2021 الذي أدى إلى مقتل 15 شخصاً ونزوح نحو 55 ألفاً.
أم سليمة واحدة من المحظوظات. يقع منزلها على قمة تلة، مما يحميها من أسوأ الأعاصير المدارية التي تجتاح بنغلاديش بانتظام. وفي الشهر الماضي، توفي ما لا يقل عن 7 لاجئين من الروهينغا، وتم تدمير نحو 1200 مسكن. وعلى طول خليج البنغال، حيث يعيش 1.4 مليار شخص، يعمل تغيُّر المناخ على ارتفاع حرارة المحيط وتحويل الرياح الموسمية السنوية في المنطقة من شريان حياة يمكن الاعتماد عليه إلى تهديد.
وقال نشرات تشودري، مستشار سياسات المناخ في منظمة «كريستيان إيد»، إن الأمطار الغزيرة تختلط بالتربة لتُشكِّل الطين ومن ثم الانهيارات الأرضية المميتة، مما يؤدي إلى نزوح الروهينغا. وبعد 7 سنوات، أصبح ما كان في الأصل مخيماً مؤقتاً دائماً إلى حد ما.
تعيش أم سليمة (29 عاماً)، في كوكس بازار منذ 6 سنوات في منزل مصنوع من الخيزران والقماش المشمع. تقضي أيامها في العمل متطوعةً للنظافة في «المخيم 14» مع «BRAC»، وهي منظمة تنمية دولية مقرها في بنغلاديش. لكن العواصف والانهيارات الأرضية التي وقعت الشهر الماضي أدت إلى تعكير أرضيتها وألحقت أضراراً بسقفها.
أم سليمة ترعى ولدين وثلاث بنات، وتقول: «لم يذهب أطفالي إلى المدرسة لأن الطريق المؤدية إلى المدرسة تضررت؛ بسبب الانهيار الأرضي... على الرغم من أنها مسافة قصيرة، فإنها موحلة للغاية بحيث لا يمكن عبورها».
وعلى عكس المرزوق، تمتلك أم سليمة لوحة شمسية. لكنها لا تستطيع تشغيل مروحة، فاللوحة الصغيرة تولد فقط ما يكفي من الكهرباء لتشغيل الأضواء في منزلها ليلاً.
ومثل مخيم الزعتري، يعاني مخيم كوكس بازار من نقص التمويل وخيارات العمل. وقال مسؤول الاتصالات في «BRAC»، أيان صوفي، إن الوظائف هي خط الدفاع الأول لهؤلاء اللاجئين، حيث توفر مصدراً للدخل ووسائل لشراء الضروريات. ولكن مع إطالة أمد الأزمة وتضاؤل الدعم الدولي، فإن تخفيضات التمويل تلوح في الأفق.
وقالت أم سليمة: «من الصعب جداً العثور على سبل العيش في المخيمات»، مضيفة أنها تشعر بأنها محظوظة للعمل متطوعةً: «بالنسبة لي، الحصول على هذه الفرصة، يمنحني الفرصة لرد الجميل لمجتمعي أيضاً».
فان داك... ورحلة البحث عن الحليب
مرّ علي نيابوش فان داك (52 عاماً) نحو 10 سنوات وهي تعيش برفقة أطفالها في المخيمات بعد أن نزحت في أعقاب الصراعات العرقية والسياسية التي دمرت جنوب السودان. وكانت تعيش هي وأطفالها في بانتيو، على بعد 40 ميلاً من الحدود مع السودان. وكانت لديها أبقار لتوفير الحليب، ومزارع صغيرة مجاورة لإنتاج الفاكهة.
ولكن بعد النزاع، اضطرت الأسرة إلى الانتقال إلى المخيمات، حيث لم تعد الموارد نفسها موجودة. وغطت مياه الفيضانات جزءاً كبيراً من الأراضي منذ بضع سنوات حتى الآن، انتقلت فان داك مرات عدة إلى أرض مرتفعة وتعيش الآن في مخيم روبكونا. وقالت فان داك: «إننا نسير لمسافات طويلة في الماء، وأحياناً تحت المطر، وفي بعض الأحيان، لا نحصل على أي حليب... لكن في بعض الأحيان نتمكّن من الحصول على الحليب وبيعه للحصول على شيء لإطعام أطفالنا». وأضافت أن «المياه مرتفعة للغاية في الأماكن التي يكون من الأفضل السباحة فيها بدلاً من المشي».
ويعاني جنوب السودان بشكل دوري من العواصف الغزيرة والفيضانات في العقود السابقة، يقول بعض العلماء إن تغيُّر المناخ «أدى إلى زيادة» العواصف التي تسببت في أحدث موجة من الفيضانات، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية. وقالت ميوكي ياماشيتا، رئيسة النظم الغذائية والقدرة على الصمود في برنامج الأغذية العالمي، إن السدود المبنية حول المخيم تحمي بعض المناطق من مياه الفيضانات، لكن مخيمات النازحين تحوّلت إلى «جزر». وأضافت أنه نظراً لوجودهم في مناطق محصورة، ولأن اللاجئين ليس لديهم سوى قليل من الفرص للزراعة أو التجارة، فقد أصبحوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية.