«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

الجالية الكبرى بين الوافدين... والمفوضية تدق ناقوس الخطر

TT

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)
حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)

حين كانت الشمس تهبط في الأفق لتأذن لليل بالقدوم، بعد نهار صيفي ملتهب أشار الشاب السوداني مصعب حمدان (33 عاماً) بيده إلى «ميكروباص» متوجه نحو نهاية شارع السودان النابض بالحياة والصخب بالجيزة، ليكتشف عقب صعوده أن السائق والركاب جميعهم من بني وطنه.

لم يُبد مصعب (عامل النظافة بإحدى الشركات الخاصة) بحي المهندسين، أي إيحاء بالتعجب جراء هذا الانتشار اللافت لـ«الجلباب والتوب» بالأحياء المصرية، التي تكرست ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من الحرب.

مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

بعدما أسدل الليل ستاره؛ وصل مصعب إلى شارع «الملكة» المكتظ بالوجوه السمراء، ليجد لافتات المتاجر المضيئة وقد أضيأت بعبارات مثل «سنتر أم درمان لأجود اللحوم السودانية»، ومقهى «ملتقى أحباب السودان»، ومخبز «باب جنقرين للخبز البلدي السوداني»، و«مطعم القراصة» و«سلطان الكيف» التي تقع جميعها في نطاق جغرافي ضيق.

«نحن نعيش في مجتمع سوداني متكامل بمصر، لا ينقصنا أي شيء سوى المساحات الفسيحة وظلال الأشجار الوارفة»، وفق ما يقول مصعب لـ«الشرق الأوسط».

متجر لبيع الملابس السودانية (الشرق الأوسط)

الحضور السوداني الكثيف في أحياء مصرية، عكسته أرقام رسمية أشارت إلى وصول أكثر من نصف مليون نازح سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» العام الماضي، بينما أكد سوادنيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «الأعداد الحقيقية تفوق هذا الرقم بكثير، لا سيما بعد عبور أعداد كبيرة منهم بشكل غير نظامي عبر الصحراء على مدار الأشهر الماضية».

وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والنازحين الجدد أكثر من نصف عدد المهاجرين بها، والذين يصفهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.

انتشار لافت للمحال السودانية بمحافظة الجيزة المصرية (الشرق الأوسط)

وتسبب التدفق الكبير في عدد السودانيين منذ اندلاع الحرب الأخيرة في بلادهم، في الضغط على مكاتب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، في القاهرة والإسكندرية، حيث يتم استقبال نحو 3 آلاف طلب لجوء يومي، مما رفع عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية 5 أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، ليبلغ اليوم 300 ألف. ويمثل هذا الرقم 52 في المائة من مجمل عدد اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية في أبريل (نيسان) الماضي.

تجمُّع سوداني على أحد المقاهي (الشرق الأوسط)

ولهذا السبب فإن المفوضية تتوقع «ازدياد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق»، مقدرةً عدد السودانيين الذي ينتظرون التسجيل بنحو ربع مليون شخص.

تكتلات

شوارع العاصمة المصرية التي يبدو عليها الهدوء نهاراً، بفعل الحر القائظ، يملأها الصخب كلما اقترب قرص الشمس الذهبي من المغيب، حيث يجري تلطيفها بالمياه قبل أن تتمدد إليها كراسي المقاهي، التي يفضلها سودانيون للقاء بعضهم في ملاذهم الجديد المكتظ بأحياء مثل: «الملك فيصل»، وأرض اللواء، وإمبابة بالجيزة، وحدائق المعادي بالقاهرة، والعاشر من رمضان بالشرقية، وبعض مناطق الإسكندرية، وأسوان، حيث فرضت المتاجر والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس والعطارة واللحوم السودانية نفسها بشكل متزايد، وهو ما وُصف في وسائل الإعلام المصرية بـ«التكتلات السودانية».

لا تخطئ العين الوجود السوداني اللافت في الشوارع (الشرق الأوسط)

لا تخطئ العين الملامح السودانية والثوب التقليدي في الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة والجيزة، حيث يوجد الباعة السودانيون ومواطنوهم ممن اقتحموا مجالات عمل كانت مقتصرة على مصريين لعقود، من بينها قيادة سيارات الأجرة والميكروباص داخل الأحياء الشعبية؛ وهو ما عدّه مصعب «أمراً معبِّراً عن سرعة اندماج الوافدين الجدد في تفاصيل الحياة في مصر».

ومن فرط حضور «الزول»، (كلمة معناها الرجل في اللهجة السودانية)، أصبح معتاداً استخدام المفردات السودانية في المتاجر والشوارع والحارات ووسائل المواصلات، لكنَّ محمد عبد المجيد سائق إحدى سيارات الأجرة، التي تعمل في شارع السودان بالجيزة يتقن اللهجة العامية المصرية، ولذلك يجد بعض المصريين صعوبة في معرفة كونه سودانياً.

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

لقد تكيف عبد المجيد صاحب الوجه الدائري الباسم مع تفاصيل القيادة في الشوارع القاهرية، فبات يحفظ أسماء ومواقع المحطات عن ظهر قلب، مؤكداً أنه في أوقات متكررة تكون معظم حمولة سيارته من الركاب السودانيين الذين يندمج معهم بتشغيل أغانيهم الفلكلورية: «تشعر كأنك في فرح وليس في مواصلات عامة».

عبد المجيد ليس السائق السوداني الوحيد على خط «شارع السودان» بالجيزة، لكنه واحد من بين 30 سائقاً يحترفون السير في الزحام ويهربون منه إلى شوارع ضيقة بديلة.

السائق السوداني محمد عبد المجيد (الشرق الأوسط)

في أحد أروقة حي فيصل الشهير بالجيزة، كان صاحب متجر العطارة السوداني الستيني عادل محمد، الذي عكست عيناه طمأنينة ترسخت على مدى السنوات الخمس التي قضاها في مصر، ينتظر زبائنه المعتادين في المساء.

محل جزارة «أم درمان» لبيع اللحوم (الشرق الأوسط)

«رغم أن معظم زبائني من السودانيين المقيمين هنا فإن جيراني من المصريين يشترون منّي بهارات الطعام والزيت والسمن والسكر»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط». موضحاً أن «سبب اكتظاظ المنطقة بالسودانيين يعود إلى تفضيل كثير منهم الإقامة بجوار أقاربهم وعائلاتهم لتقليل الشعور بالغربة، وهو ما خلق مجتمعاً سودانياً متكاملاً هنا». مؤكداً أن «السودانيين يتمركزون في الجيزة، بدايةً من أول محيط شارع فيصل الشهير حتى نهايته لمسافة تقترب من 10 كيلومترات».

ملاذ بديل

لم تكن مواقع «التواصل الاجتماعي» بعيدة عن رصد هذا الوجود السوداني الكثيف في مصر، حيث كرست بعض مقاطع الفيديو فكرة وجود «سودان بديل في البلاد، ومن بينها تعليق مؤثّر سوداني تندَّر على الوجود المكثف لأبناء وطنه بحي فيصل بالجيزة قائلاً: «إذا كنت سودانياً تعيش في الخارج وترغب في رؤية أهلك وبلدك ما عليك سوى الذهاب إلى الجيزة المصرية».

وهو ما يؤكده مصعب، معتبراً أن «مراكز التعليم والمتاجر والمطاعم والمقاهي السودانية على اختلاف أشكالها وأنوعها؛ قد فرضت وجودها على الشارع المصري، حتى بات الخبز السوداني الأبيض ملمحاً مهماً في متاجر مصرية عديدة».

مَخبز سوداني (الشرق الأوسط)

وتشعر زينب مصطفى، وهي سيدة خمسينية قَدِمت إلى مصر من الولاية الشمالية بالسودان، بـ«الأمان» وهي تجلس داخل شقة فسيحة بمنطقة «اللبيني» بحي الهرم (غرب القاهرة) رفقة أبنائها وأختها وبناتها.

مكثت زينب فترة طويلة في مصر من دون زوجها الستيني الذي «لحق بها أخيراً بعد تمكنه من دخول مصر بشكل غير نظامي عبر الصحراء، وهو يبحث راهناً توفيق أوضاعه ليتمكن من العمل في أي وظيفة».

ويعد عشرات آلاف السودانيين الفارين من نار الحرب في السودان، مصر «الملاذ الأفضل» راهناً، لامتلاكها مقومات الحياة والبنية التحتية، ومن بينهم فاطمة حسن التي تمكنت من دخول مصر عبر مسارات التهريب الوعرة أخيراً.

سودانيات في محطة مترو «السودان» بالقاهرة (الشرق الأوسط)

خشيت فاطمة على بناتها من «الاغتصاب على يد الميليشيات المسلحة بالسودان»، وقررت دخول مصر بشكل غير نظامي، وفق ما قالته لـ«الشرق الأوسط».

الحر الشديد والعطش أنهكا فاطمة وبناتها الثلاث على مدار ساعات طويلة لم يذقن فيها طعم الراحة أو النوم، قبل أن تنجح في الوصول إلى الجيزة لتنضم إلى شقيقتها التي سبقتها إلى هناك منذ عدة أشهر، حسب قولها.

ورغم الإعلان عن توقيف حافلات لنازحين سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن عبد الله قوني المقيم في حي المعادي بالقاهرة منذ 15 عاماً ويقصده الكثير من النازحين السودانيين الجدد للمساعدة في توفير مسكن أو فرصة عمل، يؤكد «وصول نحو 11 حافلة من أسوان تقل سودانيين يومياً كلهم من المهاجرين غير النظاميين الذين يدفع الواحد منهم نحو 500 دولار أميركي للمهربين نظير نقله إلى مصر»، وهو ما تؤكده فاطمة كذلك.

تعليم

ومن بين أهم ملامح «السودان البديل» رؤية التلاميذ من أصحاب البشرة السمراء وهم في طريقهم من وإلى المدارس السودانية التي زاد عددها بشكل مطّرد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعا السلطات المصرية إلى إغلاق بعضها من أجل «تقنين الأوضاع».

ويقدِّر سامي الباقر، المتحدث باسم نقابة المعلمين السودانية، عدد المدارس السودانية في مصر بنحو 300 مدرسة للتعليم الأساسي والمتوسط.

متجر في منطقة فيصل التي تشهد تكتلاً كبيراً للجالية السودانية (الشرق الأوسط)

ووجهت السفارة السودانية في القاهرة التي نقلت مقرها قبل سنوات من جاردن سيتي إلى حي الدقي، الشكر إلى الحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عبر 6 مراكز تعليمية تابعة للسفارة، مشيرةً في بيان لها إلى «مشاركة 7 آلاف طالب إلى جانب أكثر من 400 مراقب من المعلمين».

وجامعياً قدّر أيمن عاشور، وزير التعليم العالي المصري، عدد الطلاب السودانيين الذين التحقوا العام الماضي بالجامعات المصرية بأكثر من 10 آلاف طالب.

وكان من بين النازحين السودانيين عدد كبير من الفنانين الذين استقروا في القاهرة على غرار الممثلة إيمان يوسف، والمخرج أمجد أبو العلا والمخرج محمد الطريفي والممثل نزار جمعة، الذين يرتحلون إلى الخارج لحضور فعاليات فنية ثم يعودون من جديد إلى مصر.

وبينما يلجأ السودانيون الذين دخلوا البلاد بشكل نظامي إلى توثيق عقود إيجار شققهم السكنية بمكاتب الشهر العقاري إلى جانب تسجيل أبنائهم في المدارس للحصول على إقامات قانونية في مصر، فإنه لا يوجد أمام النازحين غير النظاميين سوى «التصالح مع وزارة الداخلية المصرية» عبر إنجاز استمارة «تقنين وضع» ودفع رسوم تبلغ ألف دولار، أو التقدم إلى مفوضية اللاجئين والحصول على بطاقة «طالب لجوء».

حساسيات مصرية

مع هيمنة «الجلباب» و«التوب» السودانيين على شوارع وحارات مصرية، وتداول مقاطع لتجمعات سودانية كبيرة في القاهرة عبر «السوشيال ميديا»، والقلق من أخبار طرد مستأجرين مصريين لتسكين سودانيين بدلاً منهم؛ ظهرت بوادر «الحساسية» من «التكتلات السودانية» في مصر.

كما أثارت خرائط رفعها سودانيون لبلادهم تضم مثلث «حلايب وشلاتين»، (أقصى جنوب مصر مع الحدود السودانية)، جدلاً واسعاً، مما دفع السلطات المصرية أخيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء النازحين وصلت إلى ترحيل بعضهم إلى بلادهم، وفق مصادر مصرية.

وزاد من وتيرة التحفظات، الإبلاغ عن إجراء أسر سودانية عمليات ختان لبناتهم في مصر، وهو ما واجهه مسؤولون مصريون بالتشديد على ضرورة تفعيل القانون المصري الذي يُجرِّم ختان الإناث.

ودخل إعلاميون مصريون على خط انتقادات «التكتلات السودانية»؛ وكان أبرزهم قصواء الخلالي، التي أعربت عن «قلقها» إزاء وجود تكتلات للاجئين في مناطق شعبية، معتبرةً هذا الأمر «خطيراً للغاية». فيما حذرت الإعلامية عزة مصطفى من «سيطرة بعض اللاجئين على مناطق كاملة من القاهرة، بعد مغادرة مصريين لها عقب رفع إيجارات الشقق». مشيرةً إلى «تداعيات تحمل مصر فاتورة ضخمة جراء استضافة اللاجئين على أراضيها».

وكغيره من عشرات المصريين الذين يعدّون أنفسهم «متضررين من الوجود السوداني المكثف»، لم يُخفِ السباك الستيني عيد محمود، صاحب الجسد النحيل تذمره من «هيمنة النازحين على المربع السكني الذي كان يقيم فيه بالقرب من جامعة القاهرة».

يقول عيد بنبرة يملأها الاستياء: «أجبرتني مالكة الشقة على إخلائها لتسكين أسرة سودانية بدلاً مني».

وبعدما كان عيد الذي يعول 3 فتيات يدفع 1600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يساوي نحو 48 جنيهاً) بدل إيجار شهري خلال السنوات الماضية فإن مالكة العقار تحصل راهناً على 6 آلاف جنيه من المستأجرين السودانيين الجدد. وهو ما دفع مصريين إلى «دعوة الحكومة إلى التدخل حفاظاً على السِّلْم المجتمعي».

واضطر عيد إلى البحث عن شقة أخرى في منطقة توصف بأنها «متواضعة»، بـ3 آلاف جنيه.

وتفاعل برلمانيون مصريون مع دعوات تقنين أوضاع اللاجئين، من بينهم سهام مصطفى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي شددت في تصريحات تلفزيونية على أن «كل دول العالم ترفض دخول أي لاجئ أو مهاجر دون أوراق إثبات إقامته بهدف حصر أعداد الأجانب حفاظاً على الأمن القومي».

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

مضيفةً: «إن مصر تستضيف ملايين الأجانب وتوفر لهم الخدمات بنفس الأسعار المقدمة للمواطنين دون زيادة، رغم الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأغلقت السلطات المصرية أخيراً عدداً من المدارس السودانية بداعي عدم استيفاء الشروط. وطالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«التزام ثمانية شروط، وضعتها مصر لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تُجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة».

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، أن «الإجراءات المصرية الأخيرة التي هدفت إلى تقنين أوضاع السودانيين في البلاد «طبيعية جداً في ظل ازدياد أعدادهم بالبلاد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم اللجوء والإقامة مع طلب زيادة المساعدات من المنظمات الدولية والإقليمية يعدان الخيار الأفضل راهناً للقاهرة».

فيما يؤكد محمد جبارة، أمين «العلاقات الخارجية» بجمعية الصداقة السودانية - المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة الخرطوم في القاهرة، أن «التجمعات السودانية الكبيرة في الشوارع والميادين تثير حساسيات مجتمعية وأمنية بمصر». متهماً بعض أصحاب المدارس السودانية بالتسبب في إغلاقها، لا سيما بعد منح السلطات المصرية أكثر من مهلة لمطابقة المواصفات المحلية وتقنين الأوضاع.

إقبال لافت على مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

وكشف عن «نية سفارة بلاده تنظيم مهرجان كبير بعنوان (شكراً مصر) كنوع من (رد الجميل) لاستضافتها جالية كبيرة من أبناء الوطن».

تخفيف الأعباء

بسبب الأزمة الاقتصادية، طالبت مصر المجتمع الدولي بدعمها في «تحمل أعباء اللاجئين». ورأى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، عقب لقائه مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي «لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تبعات الأزمات العالمية.

وأطلقت الحكومة المصرية أخيراً عملية لحصر أعداد اللاجئين المقيمين على أراضيها، بهدف احتساب تكلفة استضافتهم، والوقوف على الأعباء المالية، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها البلاد.

وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، في بيان في شهر أبريل الماضي، بالحصول على 175.1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023.

سودانيون بالقرب من شارع السودان الشهير بالجيزة (الشرق الأوسط)

وبينما يؤكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع، تكبد مصر أعباء اقتصادية جراء استضافة هذا العدد الكبير، فإنه في الوقت نفسه يرى أنه «يمكن الاستفادة منهم، إذا قُننت أوضاعهم المادية وطرق عملهم واستثمار بعضهم في مصر».

ويقترح نافع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحصيل أي رسوم تخص الوافدين بمصر بالدولار، ويرى أنه يوجد من بين المقيمين في مصر مستثمرون يقدمون فرصة لتعزيز وجود رؤوس الأموال وحركة الاقتصاد.

ويراهن مصعب في النهاية على تفهم كثير من المصريين للأوضاع الخطرة في السودان، وعلى الروابط المشتركة بين الشعبين، لاستيعاب «الضيوف الجدد»، مؤكداً أن الحساسيات التي تنشأ بين «أبناء وادي النيل» ليست سوى «سحابة صيف عابرة» ستزول بمجرد انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في بلاده.



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.