​شح المياه يهدد الزراعة والأمن الغذائي في اليمن

صعوبات تحد من مواجهة الجفاف وتغير المناخ

ربة أسرة يمنية تعمل في الزراعة بمساعدة من جهات أممية بمحافظة الحديدة (الأمم المتحدة)
ربة أسرة يمنية تعمل في الزراعة بمساعدة من جهات أممية بمحافظة الحديدة (الأمم المتحدة)
TT
20

​شح المياه يهدد الزراعة والأمن الغذائي في اليمن

ربة أسرة يمنية تعمل في الزراعة بمساعدة من جهات أممية بمحافظة الحديدة (الأمم المتحدة)
ربة أسرة يمنية تعمل في الزراعة بمساعدة من جهات أممية بمحافظة الحديدة (الأمم المتحدة)

لم تكن حصة المياه التي يحصل عليها بديع ياسين في محافظة لحج اليمنية (جنوب) كافية لري جميع أشجار البن التي بدأ بها مشروعه قبل سنوات، ورغم اضطراره إلى التخلي عن عدد كبير منها، فإنه قد مضت سنوات طويلة تعرض فيها للإفلاس قبل أن يتمكن مشروعه من النجاح الذي يهدده تراجع المياه وموسمية الأمطار.

وبينما كان شباب قريته يستثمرون في زراعة نبتة «القات» المخدرة، اختار ياسين زراعة البن في مواجهة البطالة، كونه المنتج الأكثر استراتيجية ومنفعة، إلا أن شح المياه تسبب في تعطل مشروعه، حيث يتقاسم أهالي قريته المياه الجوفية بتحديد يوم لكل عائلة تستخدم فيه مصدر المياه لصالحها، وينتظر قرابة شهر حتى يعود إليه الدور.

أحد مزارعي الحبوب اليمنيين في محافظة أبين جنوب البلاد (الأمم المتحدة)
أحد مزارعي الحبوب اليمنيين في محافظة أبين جنوب البلاد (الأمم المتحدة)

وتزداد مستويات استهلاك المنتجات الزراعية في اليمن، ويرتفع الطلب عليها، بينما يواجه قطاع الزراعة صعوبات كبيرة في تغطية احتياجات السكان، تتركز في شح مياه الري والإجهاد المائي اللذين تعانيهما البلاد، خصوصاً مع التغيرات المناخية القاسية، إلى جانب توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والوقود.

وينبه المهندس الزراعي اليمني سمير عبد الجبار إلى أن البن من أكثر المحاصيل التي تتأثر بالتغيرات المناخية وشح المياه، إلى جانب الحبوب والخضراوات الجذرية، وأغلب هذه المحاصيل استراتيجية في الأمن الغذائي كما يقول.

واستغرب عبد الجبار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من عدم إعلان الحكومة حتى الآن حالة طوارئ مائية، وتبني سياسات تهدف إلى تحسين جودة وكفاءة الري، وإلزام الجهات الرسمية والمزارعين باستخدام وسائل الري الحديثة التي تكفل الكفاءة، وتسهم في توفير المياه، خصوصاً أنها غير قادرة على بناء مشاريع لتخزين وتوفير المياه.

طفلان يمنيان يتجهان إلى مضخة مياه عامة لجلبها إلى منزل عائلتهما في صنعاء (غيتي)
طفلان يمنيان يتجهان إلى مضخة مياه عامة لجلبها إلى منزل عائلتهما في صنعاء (غيتي)

ودعا إلى تبني برامج توعية وإرشاد حول ذلك، إلى جانب توفير وسائل توفير وترشيد مياه الري من خلال التعاون بين الحكومة والجهات الدولية المانحة، واعتماد المكافآت لمن يلتزم بطرق الري الموفرة للمياه، على أن تكون تلك المكافآت عينية وليست نقدية لضمان التزام المزارعين، وتحول هذه الطرق إلى ثقافة بدلاً من كونها وسيلة للحصول على مكافآت.

فقر مائي شديد

يقول المكتب الإقليمي في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن اليمن هو أفقر دولة في العالم من حيث الموارد المائية، إذ يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه 83 متراً مكعباً، مقارنة بالحد المطلق البالغ 500 متر مكعب، ويمثل القطاع الزراعي نحو 90 في المائة من استخدامات المياه، غير أن معظمها يذهب إلى زراعة القات.

وتوقع المكتب الأممي منذ عدة أسابيع أنه، بمعدل الاستخراج الحالي للمياه في اليمن، بحلول عام 2030 سيتم استنفاد أحواض المياه، وسيكون هذا كارثياً بالنسبة لبلد يمارس 70 في المائة من مجتمعاته الريفية الزراعة، ما يهدد بضياع أجندة تحويل النظم الغذائية الزراعية مع استنفاد الموارد المائية في اليمن، حيث يجري استنزاف المياه الجوفية بمعدل ضعفي معدل تجديدها، واستخدامها بشكل عشوائي.

ويسعى اليمن إلى تغطية احتياجات الأسواق المحلية من الحبوب والخضراوات والبقوليات، لمواجهة شح الإمدادات الغذائية جراء التطورات التي يشهدها العالم والمنطقة، والتي بدأت منذ أكثر من عامين بالحرب بين روسيا وأوكرانيا اللتين تعدان من أكثر البلدان تصديراً للحبوب، ثم الحرب في السودان، وتداعيات الحرب في غزة المتمثلة بمواجهات البحر الأحمر.

وأثرت هذه الأحداث بنسب متفاوتة وبشكل مباشر أو غير مباشر على إمدادات الغذاء إلى اليمن، وزيادة تكلفة النقل، وتسببت في تراجع المساعدات الغذائية الموجهة إلى المتضررين من الأزمة الإنسانية، وهو ما يتطلب التوجه إلى تغطية العجز محلياً في ظل التدهور الاقتصادي الذي تواجهه البلاد، والاعتماد شبه الكلي على الاستيراد.

وأدى تغير المناخ والنمو السكاني السريع إلى فرض ضغوط إضافية على موارد المياه المحدودة في اليمن، وفقاً لتقديرات أممية، إذ لا يحصل نحو 14.5 مليون من السكان على مياه الشرب الآمنة ومرافق الصرف الصحي الموثوقة.

ضرورة المواجهة

تتحمل النساء اليمنيات عبء الوضع المائي الذي لا يؤثر فقط على إنتاجهن من المحاصيل والثروة الحيوانية، بل يستلزم مزيداً من العمل، واستخدام الوقت للسفر لجمع المياه وتخزينها وتوزيعها، طبقاً للمكتب الأممي.

ويؤكد مصدر حكومي في وزارة الزراعة والري اليمنية أن الأثر الأكبر للتغيرات المناخية أصاب المياه، وأثر على الإنتاج الزراعي، وتسبب بالجفاف والتصحر، وحدّ من ري المحاصيل الزراعية.

ويعترف المصدر، الذي فضّل عدم إيراد بياناته، بأن اليمن بات، وفي ظل الصعوبات الكبيرة التي تواجهها الحكومة، والحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها الجماعة الحوثية، ينتظر ما تقدمه المنظمات الدولية من مشاريع لتحسين قطاع الزراعة، وتمكين المزارعين من الحصول على الموارد الكافية، وتنظيم عمليات الري.

ووفقاً للمصدر، فإن السياسات الحكومية تتركز حالياً على مواجهة الكوارث المحتملة التي تتسبب بها التغيرات المناخية، مثل الفيضانات والأعاصير والانهيارات، مشيراً إلى اهتمام أقل لدى الحكومة بالسياسات المائية والري والتكيف مع التغيرات المناخية، ودعم قطاع الزراعة، ويرجع ذلك إلى الصعوبات الكبيرة التي تواجه الحكومة في الوقت الراهن.

مشروع لمياه الشرب في محافظة لحج بالتعاون بين المنظمة الدولية للهجرة والاتحاد الأوروبي (الأمم المتحدة)
مشروع لمياه الشرب في محافظة لحج بالتعاون بين المنظمة الدولية للهجرة والاتحاد الأوروبي (الأمم المتحدة)

ونوّه إلى أنه لا ينبغي الاكتفاء بتحميل الميليشيات الانقلابية الحوثية المسؤولة عن تدهور سائر القطاعات في البلاد، وذلك لأن مواجهة الانقلاب تقتضي مواجهة ممارساته، ومعالجة آثار تلك الممارسات، إلا أنه يبقى من الصعوبة العمل دون الحصول على الموارد اللازمة لتنفيذ تلك السياسات.

غير أن الخبير الزراعي اليمني محمد سيف ثابت يرى أن مواجهة شح المياه وآثار التغيرات المناخية تتطلب وجود مشاريع عملاقة، لتقديم حلول جذرية، فالفيضانات تجرف الأراضي الزراعية في مناطق كثيرة، بينما في مناطق أخرى مجاورة لها يزداد الجفاف ويزحف التصحر.

ويوضح ثابت لـ«الشرق الأوسط» أن مشاريع تخزين المياه من شأنها أن تمنع الفيضانات وتحد من جرف التربة الزراعية، وأن تمد المناطق التي يضربها الجفاف والتصحر بالمياه اللازمة للري واستصلاح الأراضي الزراعية مجدداً.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يستقبلون عيد الفطر بمزيد من الضربات الأميركية

العالم العربي مقاتلة أميركية تناور في منطقة عمليات القيادة المركزية التي تتولى ضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

الحوثيون يستقبلون عيد الفطر بمزيد من الضربات الأميركية

استقبل الحوثيون عيد الفطر بالمزيد من الضربات الأميركية على معقلهم في صعدة وفي ريف صنعاء، فيما هاجموا تل أبيب بصاروخ باليستي، وزعموا مهاجمة القطع الأميركية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي العقوبات الأميركية تلقي بظلالها على واردات الوقود والأغذية إلى مواني الحوثيين (إعلام محلي)

كمية الوقود في مواني سيطرة الحوثيين بأدنى المستويات

أكدت مصادر يمنية في قطاع النفط وأخرى أممية، تراجع القدرة التخزينية للمواني اليمنية الخاضعة للجماعة الحوثية إلى أدنى مستوياتها، جراء الضربات الإسرائيلية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: استعادة صنعاء «أقرب من أي وقت مضى»

أعاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني إحياء آمال اليمنيين بهزيمة المشروع الحوثي. وقال في خطاب لمناسبة العيد: «إن استعادة صنعاء أقرب من أي وقت مضى».

«الشرق الأوسط» (عدن)
المشرق العربي أرشيفية لغارات أميركية على صنعاء (إ.ب.أ)

إعلام حوثي: 13 غارة أميركية تستهدف مواقع بمحافظة صعدة

ذكرت وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثي اليمنية، اليوم (السبت)، أن طائرات أميركية شنت 13 غارة على مواقع بمحافظة صعدة بشمال البلاد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ب)

تكتُّم حوثي على الخسائر وتكثيف أميركي للضربات

ضربت عشرات الغارات الأميركية، ليل الجمعة- السبت مواقع وثكنات محصنة ومستودعات أسلحة مفترضة للجماعة الحوثية، شملت صنعاء والجوف وصعدة.

علي ربيع (عدن)

إعلام حوثي: قصف أميركي يستهدف مناطق متفرقة باليمن

جانب من الدمار جراء الغارات الأميركية على العاصمة صنعاء في 24 مارس (إ.ب.أ)
جانب من الدمار جراء الغارات الأميركية على العاصمة صنعاء في 24 مارس (إ.ب.أ)
TT
20

إعلام حوثي: قصف أميركي يستهدف مناطق متفرقة باليمن

جانب من الدمار جراء الغارات الأميركية على العاصمة صنعاء في 24 مارس (إ.ب.أ)
جانب من الدمار جراء الغارات الأميركية على العاصمة صنعاء في 24 مارس (إ.ب.أ)

أفادت قناة تلفزيون «المسيرة» التابعة لجماعة الحوثي، اليوم (الأحد)، بأن الولايات المتحدة قصفت مناطق متفرقة في الأراضي اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون.

وأوضح التلفزيون أن أميركا قصفت شمال شرقي صنعاء، وشنّت 4 غارات على مديرية بني الحارث، شمال العاصمة اليمنية. وأضافت «المسيرة» أن الولايات المتحدة شنّت 8 غارات على منطقة الملكة، و5 غارات على مديرية بني حشيش بمحافظة صنعاء.

وأعرب الاتحاد الدولي لجمعيات «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر»، اليوم، عن «غضبه» لمقتل 8 مسعفين من «الهلال الأحمر» كانوا يؤدون واجبهم في غزة، سائلاً: «متى يتوقف ذلك؟». وقال الأمين العام للاتحاد جاغان تشاباغين، في بيان: «أشعر بحزن شديد. هؤلاء المسعفون المتفانون كانوا يتعاملون مع جرحى. كانوا طواقم إنسانية. كانوا يضعون شارات من المفترض أن تحميهم. وكانت سيارات الإسعاف العائدة اليهم تحمل علامات واضحة. كان ينبغي أن يعودوا إلى عائلاتهم، لكنهم لم يفعلوا» .

وبدأت الولايات المتحدة عملية عسكرية موسعة الأسبوع الماضي ضد الحوثيين، وقالت وسائل إعلام تابعة للجماعة اليمنية إنها أسفرت عن مقتل العشرات.

وتشنّ جماعة الحوثي، التي تسيطر على معظم أنحاء اليمن، هجمات على السفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، دعماً للفلسطينيين في غزة. وتسببت هجمات الحوثيين في تعطيل التجارة العالمية، ودفعت الولايات المتحدة إلى مهاجمة أهداف مرتبطة بالجماعة اليمنية.