شي وبوتين يدعوان في أستانا إلى عالم «متعدّد الأقطاب» يكون على «الجانب الصحيح من التاريخ»

من خلال «شنغهاي للتعاون» التي اكتسبت زخماً تحت قيادة بكين وموسكو على أنّها منصّة منافسة للمنظمات الغربية

زعماء الدول المشاركة في قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» (إ.ب.أ)
زعماء الدول المشاركة في قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» (إ.ب.أ)
TT

شي وبوتين يدعوان في أستانا إلى عالم «متعدّد الأقطاب» يكون على «الجانب الصحيح من التاريخ»

زعماء الدول المشاركة في قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» (إ.ب.أ)
زعماء الدول المشاركة في قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» (إ.ب.أ)

ندّد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينغ، الخميس، اللذان يُظهران تفاهماً واضحاً ويعملان على تسريع التقارب بينهما وخصوصاً منذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا، باستمرار «الهيمنة» المفترضة للولايات المتحدة على العلاقات الدولية، وتعهّدا بوضع حدّ لها.

بوتين يطالب بتشكيل نظام عالمي متعدّد الأقطاب (أ.ف.ب)

وأعلن بوتين عند افتتاح الجلسة العامة لقمة أستانا في العاصمة الكازاخستانية لـ«منظمة شنغهاي للتعاون» أن المشاركين، وبينهم مسؤولون صينيون وإيرانيون وهنود، سيشددون خلال الإعلان الختامي على «التزامهم بإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب وعادل يستند إلى الدور المحوري لمنظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي وتطلعات الدول صاحبة السيادة لشراكة تقوم على الفائدة المتبادلة». وأكّد بوتين أنّ إعلان أستانا «يؤكد التزام جميع المشاركين في (منظمة شنغهاي للتعاون) بتشكيل نظام عالمي عادل متعدّد الأقطاب».

من جهته، أكّد نظيره الصيني شي أنّه «من الأهمية بمكان أن تضع (منظمة شنغهاي للتعاون) نفسها على الجانب الصحيح من التاريخ، إلى جانب العدالة والإنصاف».

وقال إنّ إعلان أستانا يلقي الضوء على «تغييرات مزلزلة تحصل على مستوى السياسة والاقتصاد العالميين وفي ميادين أخرى من العلاقات الدولية»، وعلى ضرورة «تعزيز (منظمة شنغهاي للتعاون)».

زعماء الدول المشاركة في قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» (رويترز)

وتأسست «منظمة شنغهاي للتعاون» في البداية لمكافحة الإرهاب في عام 2001. ويُنظر إلى المنظمة التي تضم «روسيا، والصين، والهند، وإيران، وكازاخستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، وباكستان، وطاجيكستان» والتي اكتسبت زخماً جديداً في السنوات الأخيرة تحت قيادة بكين وموسكو، على أنّها منصّة تعاون منافسة للمنظمات الغربية مع التركيز على الجانب الأمني والاقتصادي. وانضمت بيلاروسيا رسمياً، الخميس، إلى المنظمة.

وبعد انضمام إيران الخاضعة للعقوبات الغربية، إلى المنظمة العام الماضي، أصبحت بيلاروسيا المنبوذة من قبل الغرب بسبب دعمها للحرب التي تشنّها روسيا ضدّ أوكرانيا، العضو العاشر في التكتل الآسيوي. وقال رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذي يحكم البلاد منذ 30 عاماً: «بمقدورنا تحطيم جدران عالم أحادي القطب وتوفير الغذاء لشعوبنا ووضع حد للتناقضات والنزاعات الناجمة عن التفاوت الاجتماعي والنقص في المواد الغذائية والموارد».

زعماء الدول المشاركة في قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» مع بعض الضيوف المشاركين في القمة (إ.ب.أ)

ووقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ، وقادة دول آخرون، على وثائق قبول بيلاروسيا. ووجّه الرئيس الكازاخي، قاسم جومارت توكاييف، الذي يرأس المنظمة خلال العام الجاري، التهنئة لرئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو.

الأمين العام للأمم المتحدة (أ.ب)

وإضافة إلى أعضائها الثابتين، تضم منظمة الأمن والتعاون «شركاء في الحوار»، خصوصاً تركيا عضو «حلف شمال الأطلسي». وحضر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان القمة، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ما يعكس النفوذ المتنامي لهذه المنظمة، خصوصاً في آسيا.

الرئيس البيلاروسي (إ.ب.أ)

ودعا الرئيس التركي الذي يحتفظ بعلاقات متقلّبة مع الكرملين، خلال اجتماع ثنائي مع بوتين إلى «سلام عادل» في أوكرانيا، الأمر الذي يعكس مقاربة سلبية بالنسبة إلى روسيا. وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام روسية عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، وصفه الوساطة التركية بـ«المستحيلة»، في حين بدا منزعجاً أثناء حديثه عن الأمر، وذلك بعدما كانت موسكو قد أعلنت العام الماضي أنّها تؤيّد هذه الوساطة.

وتدخل قمة أستانا في إطار تحرّكات دبلوماسية مستمرّة في آسيا الوسطى، التي يجتمع قادة دولها بانتظام مع بوتين وشي. ودعا الرئيس الصيني إلى «مقاومة التدخّلات الخارجية»، في إشارة واضحة إلى الدول الغربية وفي تكرار لأحد شعارات هذه المنظمة.

رئيس وزراء باكستان (إ.ب.أ)

ورغم أنّ «منظمة شنغهاي للتعاون» تقول إنّها تجمع 40 في المائة من سكّان العالم ونحو 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإنّ هذه المجموعة تظلّ غير متجانسة وتوجد انشقاقات عديدة بين أعضائها، وبعضها غارق في منافسات إقليمية.

وتستعرض روسيا والصين اتحادهما في مواجهة الغرب، ولكنهما تبقيان متنافستين في آسيا الوسطى الغنية بالنفط والتي تحمل أهمية بالغة في إطار نقل البضائع بين أوروبا وآسيا.

وتتمتع موسكو بنفوذ تاريخي في تلك المنطقة بسبب الماضي السوفياتي، في حين تتمتّع بكين بحضور متزايد هناك، كما أنّ لدى الغرب اهتماماً كبيراً فيها.

وتبقى إحدى أولويات «منظمة شنغهاي للتعاون» تعميق العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء وتطوير المشاريع اللوجستية الضخمة لربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى. وضاعف بوتين ولا سيما منذ غزوه أوكرانيا، الجهود للحصول على دعم دول آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، لفكرته.

وتكثّف اهتمام الدول الكبرى بهذه المنطقة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، في حين أرادت موسكو الحفاظ على نفوذها التقليدي في دول آسيا الوسطى، التي أصبحت الآن مرتبطة بالصين بقوّة عبر مشاريع اقتصادية واسعة النطاق؛ أي من خلال «طرق الحرير الجديدة»، في حين يتودّد إليها الغرب بشدّة.

المتحدث باسم «الكرملين» دميتري بيسكوف (أ.ف.ب)

وأوقفت العقوبات الغربية ضدّ موسكو ممرّ النقل التقليدي الذي يربط الصين بأوروبا عبر روسيا، ما دفع الاتحاد الأوروبي ودول آسيا الوسطى إلى البحث عن طرق بديلة، خصوصاً تلك التي تعبر وسط آسيا؛ أي الممر عبر بحر قزوين.

وتعد مكافحة ما تسميّه بكين «الشرور الثلاثة» (الانفصالية والإرهاب والتطرّف) موضوعاً رئيسياً آخر بالنسبة إلى «منظمة شنغهاي للتعاون».

وفي سياق الحرب الروسية ضد أوكرانيا والتوترات اللاحقة مع الغرب، أعلن بوتين مراراً وتكراراً طموحاته لإقامة نظام عالمي جديد لا تضطلع فيه الولايات المتحدة بدور مهيمن. ومن غير المرجح أن يسمع بوتين الكثير من الانتقادات من قبل المجموعة الموالية لروسيا، بسبب غزوه أوكرانيا.

الرئيس فلاديمير بوتين اجتمع مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» في أستانا عاصمة كازاخستان (أ.ب)

جدير بالذكر أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، ليس موجوداً في القمة. وأعلن الكرملين أن مودي يعتزم زيارة روسيا في وقت لاحق.

وذكر التلفزيون الصيني الحكومي أن شي أكد مجدداً لبوتين، خلال اجتماعهما الثنائي، أنه سيواصل العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي للحرب في أوكرانيا. وأكد شي مجدداً تعاون الصين مع روسيا التي غزت أوكرانيا المجاورة قبل أكثر من عامين.

ووصف المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، المحادثات مع الصين بأنها ناجحة للغاية. وقال للتلفزيون الروسي الحكومي، إن الجانبين اتفقا على أن المفاوضات بشأن الصراع في أوكرانيا لا معنى لها من دون روسيا التي لم تُدعَ لحضور قمة السلام حول أوكرانيا في سويسرا في منتصف يونيو (حزيران) الماضي.


مقالات ذات صلة

مديرة «التجارة العالمية» تدعو لوضع قواعد لمواكبة الذكاء الاصطناعي

الاقتصاد المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية تتحدث في إحدى جلسات مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» (الشرق الأوسط)

مديرة «التجارة العالمية» تدعو لوضع قواعد لمواكبة الذكاء الاصطناعي

قالت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نجوزي أوكونجو-إيويالا، إن الولايات المتحدة اتخذت إجراءات أحادية الجانب لأنها ترى أن النظام التجاري العالمي لم يتطور

الاقتصاد شعار منظمة التجارة العالمية يظهر على مقرها في جنيف (رويترز)

الصين تُقيل ممثلها في «منظمة التجارة» بعد انتقادات أميركية

ذكرت وكالة «شينخوا» يوم الاثنين، أن الصين أقالت رسمياً كبير المفاوضين التجاريين لي تشينغ قانغ، من منصب الممثل الدائم لدى منظمة التجارة العالمية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد مديرة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو-إيويالا في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن (أ.ف.ب)

الصين تتهم أميركا بـ«انتهاكات تجارية»... والبيت الأبيض: لسنا في حرب مع بكين

اتهمت بعثة الصين لدى منظمة التجارة العالمية الولايات المتحدة يوم الجمعة، بانتهاك القواعد التجارية الدولية وفرض سياسات تمييزية تهدد النظام الاقتصادي العالمي

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد شعار منظمة التجارة العالمية يظهر على مقرها في جنيف (رويترز)

توقعات «التجارة العالمية» لعام 2026 تتراجع بشكل حاد بفعل الرسوم

خفّضت منظمة التجارة العالمية الثلاثاء توقعاتها لنمو حجم التجارة العالمية للبضائع لعام 2026 بشكل حاد إلى 0.5 %

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ يصافح المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا في لقاء سابق على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة تيانجين الصينية (أ.ب)

الصين تتخلى عن «مزايا الدولة النامية» في منظمة التجارة العالمية

أعلنت الصين، مساء يوم الثلاثاء، أنها ستتخلى عن المطالبة بالمزايا التي تجنيها من وضعها بوصفها دولة نامية في منظمة التجارة العالمية.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين )

اشتباكات بين قوات باكستان و«طالبان» أفغانستان عند الحدود

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات بين قوات باكستان و«طالبان» أفغانستان عند الحدود

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)

أفاد مسؤولون في إسلام آباد وكابل بأن تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار اندلع بين القوات الحدودية الباكستانية والأفغانية، الجمعة، بعد نحو شهرين من سقوط عدد كبير من القتلى في أسوأ اشتباكات عابرة للحدود منذ عقود. وتحدثت تقارير غير مؤكدة عن وقوع إصابات على جانبي الحدود.

وقال مسؤول باكستاني لوكالة الأنباء الألمانية إن الأعمال العدائية الأخيرة التي اشتملت على إطلاق قذائف مدفعية وأسلحة أخرى وقعت بين مقاطعة بلوشستان الباكستانية ومنطقة قندهار الأفغانية.

وصرّح مسؤول من قوات حرس الحدود الباكستانية التي تراقب الحدود: «استمر إطلاق النار لمدة ساعتين. وكان مكثفاً وشرساً».

وقال متحدث باسم حكومة «طالبان» الأفغانية إن قواتهم ردّت على إطلاق النار الذي بدأته باكستان. بينما قال مسؤولون باكستانيون إن مقاتلي «طالبان» هم الذين بدأوا إطلاق النار على المدنيين عبر الحدود.

وتأتي الاشتباكات بعد أشهر من مناوشات دامية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي أثارتها غارات جوية باكستانية على أهداف داخل أفغانستان، بينها العاصمة كابل، استهدفت زعيم ميليشيا يُزعم أنها وراء هجمات عابرة للحدود.

وتم التوصل إلى هدنة هشّة توسطت فيها قطر، ولا تزال سارية منذ ذلك الحين.


مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
TT

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)

أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الرسمية إلى الهند، استمرار بلاده في تزويد نيودلهي بالنفط رغم العقوبات الأميركية، بينما أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي اتفاقاً ثنائياً واسعاً لتعزيز التعاون الاقتصادي؛ بهدف رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

وأوضح مودي، خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع بوتين، أن الجانبين يعملان على اتفاقية للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، ويضم كلاً من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان.

بدوره، قال بوتين، لمودي خلال المؤتمر الصحافي، إن «روسيا مزوّد موثوق للنفط والغاز والفحم وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند»، مضيفاً: «نحن مستعدون لمواصلة توريد النفط دون انقطاع لاقتصاد الهند سريع النمو».

ومن دون الإشارة مباشرة إلى النفط الروسي، شكر مودي ضيفه على «دعمه الراسخ للهند»، مشدداً على أن «أمن الطاقة ركيزة أساسية وقوية» في الشراكة بين البلدين.

وتتعرَّض نيودلهي منذ أشهر لضغوط من الولايات المتحدة التي تتهمها بالمساهمة في تمويل المجهود الحربي الروسي عبر شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة. وفي أواخر أغسطس (آب)، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 50 في المائة على الصادرات الهندية، في وقت كانت تُجرى فيه محادثات ثنائية حول اتفاقية تجارة حرة. وأكد ترمب لاحقاً أنه حصل على تعهّد من مودي بوقف واردات النفط الروسي التي تُشكِّل نحو 36 في المائة من النفط المكرر في الهند.

وبحسب منصة «كبلر» للمعلومات التجارية، تراجعت المشتريات الهندية من الخام الروسي، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من نيودلهي، بينما أعلنت مجموعات هندية عدة أنها ستتوقف عن الاعتماد على الواردات المقبلة من موسكو.

وكان مودي قد استقبل بوتين شخصياً، مساء الخميس، في مطار نيودلهي، واستضافه على مأدبة عشاء خاصة. ومنذ بداية الزيارة، تبادل الجانبان عبارات الإطراء وأشادا بمتانة العلاقات التاريخية بين البلدين.

ووصف مودي ضيفه أمام الصحافيين بأنه «صديق حقيقي»، معرباً عن تفاؤله بإمكان إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا، ومؤكداً أنه «علينا جميعاً العودة إلى طريق السلام».

وردَّ بوتين بشكر جهود مودي «الرامية إلى إيجاد تسوية لهذا الوضع»، مشيداً بالعلاقات «العميقة تاريخياً» بين البلدين وبـ«الثقة الكبرى في التعاون العسكري والتقني» بينهما.

ويسعى البلدان إلى إعادة التوازن في المبادلات التجارية التي بلغت مستوى قياسياً وصل إلى 68.7 مليار دولار خلال عامَي 2024 – 2025، رغم أنها تُظهر حالياً اختلالاً كبيراً لصالح روسيا. وما زالت الهند تمتنع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل صريح، مع حفاظها في الوقت ذاته على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.

وكان مودي قد عبّر لأول مرة عام 2022 خلال لقاء في أوزبكستان عن موقفه حيال الأزمة، حين دعا إلى وقف الحرب «في أسرع وقت ممكن»، مؤكداً لاحقاً تمسكه بنظام عالمي «متعدد الأقطاب» ومقاومة الضغوط الغربية لقطع العلاقات مع موسكو.

واستغلت روسيا والهند الزيارة لمناقشة التعاون في المجال العسكري. وقال الدبلوماسي الهندي الكبير فيكرام ميسري إن وزيرَي الدفاع في البلدين عقدا اجتماعاً، من دون التوقيع على أي اتفاق جديد. ورغم توجه نيودلهي مؤخراً إلى مورِّدين آخرين مثل فرنسا، وزيادة اعتمادها على التصنيع المحلي، فإن موسكو لا تزال من أبرز مورِّدي السلاح للهند.

وبعد الاشتباكات التي شهدتها الحدود الهندية - الباكستانية في مايو (أيار)، أبدت نيودلهي اهتماماً بالحصول على منظومات دفاع جوي روسية متقدمة من طراز «إس - 400». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قبل الزيارة: «لا شك أنه سيتم بحث هذا الموضوع خلال الزيارة». كما أشارت تقارير صحافية هندية إلى اهتمام الجيش الهندي بالمقاتلات الروسية من طراز «سوخوي - 57».

ومن المقرر أن يغادر بوتين الهند عائداً إلى موسكو، مساء الجمعة.


خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
TT

خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)

عكست نتائج القمة الروسية الهندية إصرار موسكو ونيودلهي على إطلاق مرحلة جديدة لتعزيز التعاون في كل المجالات، بما في ذلك في قطاعي الطاقة والدفاع وفي المجالات النووية والتقنية. وتجنبت الوثائق التي وقَّعها الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي الإشارة إلى الضغوط الأميركية على الهند لتقليص التعاون مع روسيا، لكنها رسمت ملامح «خريطة طريق» لتوسيع الشراكة بين البلدين خلال السنوات المقبلة.

وبعد جولات من المحادثات التي شارك فيها ممثلون عن قطاعات مختلفة في البلدين، شارك الزعيمان في أعمال المنتدى الروسي الهندي للتعاون، ووقَّعا عشرات الوثائق المشتركة.

ووصف بوتين نتائج المحادثات بأنها وضعت أساساً لتوسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين. بينما أعلن رئيس الوزراء الهندي برنامجاً للتعاون الاقتصادي حتى عام 2030، سيساعد على تنويع التجارة والاستثمارات، وتحقيق التوازن بينهما.

جانب من حقل استقبال بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

وشملت الوثائق الجديدة التي تضاف إلى اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» المبرمة قبل 25 سنة، اتفاقية للتعاون في مجال الصحة والتعليم الطبي والعلوم، واتفاقية لتنظيم حماية المستهلك، وتعزيز الإشراف على حقوق المستهلكين في البلدين.

كما وقَّع الزعيمان اتفاقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز فرص العمل لمواطني كل دولة لدى الدولة الأخرى، وكان هذا مطلباً هندياً لتوسيع مجالات العمالة الوافدة من الهند. وركزت اتفاقية أخرى على توسيع التعاون في منطقة القطب الشمالي، وتم رفدها بمذكرتي تفاهم للتعاون في مجال الملاحة في المياه القطبية.

ومن ضمن الاتفاقات الأخرى كان هناك بروتوكول بين الهيئة الفيدرالية للجمارك الروسية والهيئة الجمركية الهندية. واتفاق لتعزيز الخدمات البريدية. وبدا أن هذه تشكل الجوانب المعلنة من الاتفاقات الجديدة التي وصل عددها بحسب مصادر الكرملين إلى 29 وثيقة.

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

إجراءات تبسط التنقل بين البلدين

كما أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً حدد أولويات التعاون الثنائي. بعد مشاركتهما في منتدى الأعمال الروسي الهندي. وشدد البيان على إطلاق موسكو ونيودلهي إجراءات العمل على تبسيط التنقل لمواطني البلدين من خلال نظام تأشيرات ميسر. وأشار إلى تعزيز التعاون في إمدادات الطاقة، وتوسيع الصادرات الهندية إلى روسيا، وحدد أولويات تطوير التعاون الدفاعي في إعادة تركيز الشراكة العسكرية والانتقال إلى إنتاج منصات دفاعية متقدمة وتطوير أبحاث علمية.

كما نص على تسريع المشاورات بشأن بناء محطة طاقة نووية جديدة بتصميم روسي في الهند. واتفق الزعيمان على تطوير أنظمة دفع بالعملات الوطنية، وناقشا إنشاء شركات للأسمدة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصول الزعيم الروسي إلى قاعدة بالام الجوية في نيودلهي في 4 ديسمبر 2025 وهو اليوم الأول من زيارته الرسمية التي تستغرق يومين إلى الهند (أ.ف.ب)

ووفقاً للبيان المشترك، فقد ناقش الطرفان، وأشادا عالياً بالتعاون الواسع النطاق في مجال الطاقة بوصفه عنصراً أساسياً في الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة بينهما. وأشار الطرفان إلى التعاون الحالي والمستقبلي بين الشركات الروسية والهندية في مجالات النفط ومنتجاته، والتكنولوجيات المتعلقة بالتكرير والبتروكيماويات، وخدمات الحفر، وتكنولوجيا الاستخراج والبنية التحتية ذات الصلة، والبنية التحتية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال، والمشاريع المختلفة القائمة في البلدين، وتكنولوجيا الغاز تحت الأرض للفحم، والمشاريع النووية، وما إلى ذلك. كما شدّد الطرفان على ضرورة حلّ القضايا المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية في قطاع الطاقة بشكل عاجل، واتفقا على معالجة مختلف التحديات التي يواجهها المستثمرون في هذا القطاع.

تعاون في مجال الطاقة النووية

كما اتفق الطرفان على تعميق التعاون في إنشاء ممرات نقل مستقرة وفعالة، مع التركيز بشكل خاص على توسيع الروابط اللوجيستية لتحسين الترابط، وزيادة قدرة البنية التحتية، دعماً لتطوير «الممر النقل الدولي الشمال – الجنوب»، وممر تشيناي – فلاديفوستوك، والطريق البحري الشمالي. ورحّب الطرفان بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن إعداد المتخصصين للعمل على السفن العاملة في المياه القطبية.

أشار الطرفان إلى التعاون المثمر بين إدارات السكك الحديدية في روسيا والهند، الهادف إلى إقامة شراكات في مجال تبادل التكنولوجيا المتبادل المنفعة.

وأكدا استعدادهما لتكثيف التعاون التجاري والاستثماري في منطقة الشرق الأقصى الروسي والمنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي. ويشكل «برنامج التعاون الروسي - الهندي في المجالات التجارية - الاقتصادية والاستثمارية في الشرق الأقصى الروسي للفترة 2024–2029»، فضلاً عن «مبادئ التعاون في المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي»، الأساس الضروري لمزيد من التعاون بين الهند والأقاليم الروسية في الشرق الأقصى، خصوصاً في مجالات الزراعة والطاقة واستغلال الثروات المعدنية واستخدام العمالة وتعدين الألماس ومعالجته والصناعات الدوائية والنقل البحري.

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

وأكد الطرفان عزمهما على توسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما في ذلك دورة الوقود النووي، وضمان دورة حياة تشغيل محطة الطاقة النووية «كودانكولام»، والتطبيقات غير الطاقوية للتكنولوجيا النووية، فضلاً عن بلورة جدول أعمال جديد للتعاون في المجالات المتعلقة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتكنولوجيات العالية المرتبطة بها.

وأشار الطرفان إلى أهمية التعاون في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية كجزء جوهري من الشراكة الاستراتيجية، خصوصاً مع الأخذ في الحسبان خطط حكومة جمهورية الهند لزيادة توليد الطاقة النووية في البلاد إلى 100 غيغاواط بحلول عام 2047. ورحّب الطرفان بالتقدم المحرز في مشروع محطة «كودانكولام»، بما في ذلك بناء الوحدات المتبقية، واتفقا على الالتزام بجدول تسليم المعدات والوقود.

لاحظ الطرفان أهمية مواصلة النقاش حول تخصيص موقع ثانٍ في الهند لبناء محطة طاقة نووية.

وسوف يبذل الجانب الهندي كل الجهود لتخصيص الموقع رسمياً وفقاً للاتفاقيات الموقعة سابقاً. مع الإشارة إلى أهمية التعاون في الفضاء، رحّب الطرفان بتوسيع التعاون بين مؤسسة «روسكوسموس» الروسية ومنظمة الأبحاث الفضائية الهندية في استخدام الفضاء للأغراض السلمية، بما في ذلك برامج الفضاء المأهولة والملاحة الفضائية واستكشاف الكواكب. وأشار الطرفان إلى التقدم المحرز في التعاون المتبادل المنفعة في مجال تطوير وإنتاج وتشغيل محركات الصواريخ.

منظمة شنغهاي والنظام العالمي

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

في الشق السياسي، أشار الطرفان إلى الدور المتنامي لمنظمة شنغهاي للتعاون في تشكيل النظام العالمي الجديد. وأكد دعم روسيا ترشيح الهند للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي الموسع. كما تم توقيع حزمة كبيرة من الاتفاقيات الحكومية والوزارية والتجارية. ويهدف العديد منها إلى توسيع التعاون الاقتصادي بين روسيا والهند.

وأعلن بوتين في ختام المحادثات أن روسيا سوف تظل مورداً موثوقاً به للطاقة لنيودلهي، مؤكداً أن الأسعار التفضيلية التي تمنحها روسيا للهند سوف تظل قائمة. من دون أن يتطرق إلى التهديدات الأميركية برفع التعرفقة الجمركية على الهند في حال واصلت مشتريات موارد الطاقة من روسيا.

وقال بوتين إن حجم التجارة الروسية الهندية بلغ هذا العام 64 مليار دولار، مشيراً إلى أن خريطة الطريق الجديدة لتعزيز التعاون سوف تسهم في رفع هذا الرقم إلى 100 مليار حتى حلول عام 2030.

ورأى بوتين أن العلاقات القوية بين قطاع الأعمال في البلدين تشكل أساساً متيناً لتطوير التعاون بين موسكو ونيودلهي. وزاد أن روسيا مستعدة لشراكة واسعة مع الهند في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً في الوقت نفسه إلى توجه لتعزيز التعاون الصناعي. وتحدث الرئيس الروسي عن تحديث البنية التحتية لطريق بحر الشمال ومشروع الممر الشمالي الجنوبي.

مؤكداً أن سهولة الوصول إلى وسائل النقل والاتصالات اللوجيستية تحظى بأهمية خاصة، و«يجري العمل بالفعل على قدم وساق في هذا الاتجاه. ويجري العمل على مشروع إنشاء ممر بين الشمال والجنوب - من روسيا وبيلاروسيا إلى ساحل المحيط الهندي».

مودي، بدوره، تحدث عن شراكة مع الشركات الروسية في إنتاج المركبات الكهربائية ومكوناتها. وأعرب عن قناعة بأن التعاون في هذا المجال لن يلبي احتياجات البلدين فحسب، بل سيسهم أيضاً في تنمية دول الجنوب العالمي، كما اقترح تطوير علاجات جديدة للسرطان بشكل مشترك. وتطرق إلى إمدادات الطاقة، مؤكداً الاستعداد لضمان إمدادات الوقود دون انقطاع للاقتصاد الهندي سريع النمو.

وبات معلوماً أن الطرفين ناقشا خلال الزيارة توسيع التعاون في مجال الطاقة الذرية.

وقال مودي إن موسكو ونيودلهي تتجهان للتعاون في مجال بناء المفاعلات المعيارية الصغيرة ومحطات الطاقة النووية العائمة، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا النووية في الطب. وأكد أن محطة كودانكولام للطاقة النووية سوف تقدم مساهمة كبيرة في إمدادات الطاقة الهندية.

وأشاد مودي بالشراكة الاستراتيجية الممتدة على مدى ربع قرن مع روسيا، مؤكداً أنها صمدت وتعمقت رغم جميع التحديات والتغيرات العالمية. ووجَّه مودي الشكر للرئيس الروسي على صداقته وعمله المتفاني، مؤكداً أن «حكمة بوتين وخبرته كانتا حاسمتين في تعزيز هذه العلاقات».

وفي إطار التعاون المستقبلي، أشار مودي إلى أن الشراكة في منطقة القطب الشمالي ستحقق منفعة مشتركة، وستسهم في خلق فرص عمل للشباب الهندي.