ماذا بعد الحكم بتجنيد طلاب «الحريديم» في إسرائيل؟

يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
TT

ماذا بعد الحكم بتجنيد طلاب «الحريديم» في إسرائيل؟

يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)

قضت المحكمة العليا في إسرائيل بأنه يتعين على الحكومة بدء تجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتزمتين دينياً (الحريديم) في الجيش، في قرار ينهي إعفاء هذه الفئة منذ مدة طويلة من الخدمة العسكرية، ومن المرجح أن يقوض ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ومع وجود فرصة أمام نتنياهو للسعي إلى التوصل لحل وسط يحافظ على تماسك الائتلاف الحاكم، قال النائب العام الإسرائيلي إنه يتعين البدء على الفور في تجنيد نحو 3 آلاف من طلاب المعاهد الدينية المتزمتين دينياً، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وصار الإعفاء، المعمول به منذ عقود والذي أعفى على مر السنين عدداً كبيراً من الأشخاص، نقطة شائكة بشدة في إسرائيل مع انخراط الجيش في الحرب بقطاع غزة وازدياد حدة الصراع على الحدود مع لبنان.

* ماذا يحدث الآن؟

يستعد اليهود المتزمتون دينياً لاحتجاج في القدس الساعة 16:00 بتوقيت غرينيتش اليوم الأربعاء، للتعبير عن غضبهم إزاء الحكم الذي يشمل أيضاً قطع التمويل الحكومي عن المعاهد التي لا يمتثل طلابها للتجنيد.

ويعول نتنياهو في تماسك حكومته على دعم اثنين من الأحزاب المتزمتة دينياً. وتحاول الحكومة بالفعل صياغة قانون يتوافق مع قرار المحكمة العليا دون إثارة غضب شركائه في الائتلاف.

ولا يزال مشروع القانون قيد المناقشة في الكنيست، ومن الممكن أن يقضي بتجنيد تدريجي لعدد مُزداد من «الحريديم» في الجيش.

ويمكن للحكومة أن تروج لهذا القانون حال موافقة الكنيست عليه في دليل على أنها تنفذ حكم المحكمة مع توفير تعديلات قانونية من شأنها تخفيف التأثير على طلاب المعاهد الدينية من «الحريديم».

ولكن إذا تعثر مشروع القانون ولم يبق سوى الحكم القضائي، فقد يضع ضغوطاً إضافية على ائتلاف نتنياهو، مما قد يدفع بإسرائيل نحو إجراء انتخابات جديدة.

* ماذا يكمن وراء الخلاف؟

يعود إعفاء «الحريديم» إلى الأيام الأولى بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948 حينما أعفى الاشتراكي ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس للوزراء، نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية. وكان بن غوريون يأمل من خلال ذلك في حماية المعرفة والتقاليد اليهودية بعد أن كادت تُمحى خلال المحرقة النازية (الهولوكوست).

ومنذ ذلك الحين، صارت الإعفاءات مصدر إزعاج كبيراً مع توسع الطائفة سريعة النمو لتشكل أكثر من 13 في المائة من سكان إسرائيل، وهي نسبة من المتوقع أن ترتفع إلى نحو ثلث السكان في غضون 40 عاماً بسبب ارتفاع معدل المواليد بينهم.

وترتكز معارضة «الحريديم» للانضمام إلى الجيش على إحساسهم القوي بالهوية الدينية، وهو شعور يخشى كثير من الأسر أن يضعف بفعل الخدمة في الجيش.

ويؤدي بعض رجال «الحريديم» الخدمة العسكرية، لكن معظمهم لا يؤدونها، وهو شيء يشعر كثير من العلمانيين الإسرائيليين بأنه يفاقم الانقسامات الاجتماعية.

ولا يعمل كثير من رجال «الحريديم» لكسب المال؛ بل يعيشون على التبرعات والمعونات الحكومية وعلى أجور زوجاتهم اللائي تعمل كثيرات منهن بأجور زهيدة غالباً. ويعيش اليهود «الحريديم» في الغالب داخل أحياء معظم سكانها من المتدينين ويكرسون حياتهم لدراسة الدين.

وبالنسبة إلى العلمانيين الإسرائيليين الملزمين بالخدمة في الجيش والذين تسهم ضرائبهم في دعم «الحريديم»، فإن الإعفاءات تثير لديهم شعوراً بالاستياء منذ مدة طويلة. وازداد هذا الاستياء منذ اندلاع الحرب في غزة.

وينظر كثير من الإسرائيليين إلى الحرب على حركة «حماس» على أنها معركة وجودية من أجل مستقبل الدولة. وانضم نحو 300 ألف من قوات الاحتياط إلى القتال.

وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء «الحريديم» من التجنيد.

* ما المخاطر بالنسبة إلى نتنياهو؟

بالنسبة إلى نتنياهو، فالمخاطر كبيرة. فمع أن الرأي العام يبدو مؤيداً لإلغاء الإعفاء، فإن حكومته تضم حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها.

وفي السابق، تعهد الحزبان المتزمتان دينياً؛ حزب «يهودية التوراة المتحدة» وحزب «شاس»، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء الإعفاء.

وأظهر البعض داخل حزب «الليكود»؛ الذي يتزعمه نتنياهو، عدم الارتياح أو المعارضة للإعفاء؛ منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو جنرال سابق وعضو بارز في حزب «الليكود».


مقالات ذات صلة

حملة إيرانية ضد تركيا بعد نصائح لطهران بعدم إثارة غضب إسرائيل

شؤون إقليمية جانب من لقاء الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والإيراني مسعود بيزشكيان على هامش قمة الثماني في القاهرة (الرئاسة التركية)

حملة إيرانية ضد تركيا بعد نصائح لطهران بعدم إثارة غضب إسرائيل

تتصاعد حملة الانتقادات والهجوم الحاد في إيران ضد السياسة الخارجية لتركيا وتعاطيها مع قضايا المنطقة وسط صمت رسمي من أنقرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جانب من قداس منتصف الليل في بيت لحم (إ.ب.أ)

الحرب على غزة ودمارها الموضوع الرئيسي بقداس منتصف الليل في بيت لحم

خيَّمت الحرب المدمرة في قطاع غزة على قداس منتصف الليل في بيت لحم الذي ترأسه بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)
تحليل إخباري جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)

تحليل إخباري نودّع الحرب... ونستعدّ للحرب القادمة

كيف تتصرّف الأمم الصغيرة عند التحوّلات الكبرى؟ ما معنى العقلانية والواقعية السياسيّة في ظل الزلازل الجيوسياسيّة؟

المحلل العسكري
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (إ.ب.أ)

إسرائيل تقر لأول مرة بمسؤوليتها عن اغتيال إسماعيل هنية في طهران

أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن بلاده اغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، في الصيف الماضي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً في موقع غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

قال مسعفون لـ«رويترز»، اليوم السبت، إن خمسة أشخاص، بينهم طفلان، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إسرائيل تصدّ «رسائل دافئة» من دمشق

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تصدّ «رسائل دافئة» من دمشق

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (أ.ف.ب)

في وقت كشفت فيه مصادر سياسية في تل أبيب عن «رسائل دافئة» من الحكومة السورية الجديدة تم إرسالها بواسطة الإدارة الأميركية بشكل رسمي، وخروج المحافظ الجديد لدمشق بتصريحات علنية عن الرغبة في السلام، أطلق وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، تصريحات عدائية صَدّ فيها هذه الرسائل، وعَدّها جزءاً من محاولات تسويق النظام الجديد في الغرب.

وقال ساعر، خلال لقاءات صحافية، الجمعة: «إن النظام الجديد في سوريا ما هو إلا عصابة إرهاب نعرفها من أدائها في إدلب، والجديد أنها سيطرت على دمشق. صحيح أن الغرب معجب بطريقة تسليم السلطة هناك بطرق سلمية، لكن علينا أن نتذكّر أنه ليس نظام حكم منتخباً بشكل ديمقراطي. فالعالم الغربي يتحمس له؛ لأنه يريد المساعدة على الاستقرار وإعادة ملايين اللاجئين السوريين. لكن الوضع في سوريا لا يطمئن، ولا يوجد استقرار حقيقي. هناك معارك قتالية في بلدات الشاطئ، وهناك تهديدات واضحة من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لتصفية الحكم الذاتي للأكراد، وهناك تنكيل بالمسيحيين، فهذا نظام حكم إسلامي يسعى للسيطرة على سوريا برمتها».

القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق 23 ديسمبر 2024 (رويترز)

وقامت جهات سياسية أخرى في إسرائيل بإطلاق تصريحات أكثر اعتدالاً، لكنها تحمل المضمون نفسه في التشكيك بصدق النظام الجديد في دمشق. وقالت هذه الجهات، وفق موقع «واي نت»، إن قائد النظام أحمد الشرع يُطلق تصريحات مهمة، لكن من غير الواضح إذا كان يريد فعلاً دولة سوريا موحدة تحت قيادة من جميع الأطياف. عليه أن يثبت صدق نياته بالأفعال، وليس بالأقوال وحسب.

وكانت مصادر سياسية أخرى قد أكدت أن إسرائيل تلقّت رسائل من الشرع وصفتها بـ«سلمية دافئة»، توضح أنه ورفاقه غير معنيين بأي صراع مع إسرائيل. وقد جاءت هذه الرسائل عبر واشنطن، لكنها أكدت أن «الإدارة الأميركية شريكة في الشكوك، ولم تُقدم النصح لا لإسرائيل ولا لسوريا، بأن تباشرا اتصالات تفاهم على علاقات سلمية في الوقت الحاضر».

وأضافت أن «واشنطن تُقيم علاقات مع دمشق الجديدة، وتُقدم دعماً لها لتطور سياستها السلمية إزاء الداخل وإزاء الخارج، وتنتظر هي أيضاً أن ترى تطبيقاً عملياً للسياسة المعلنة التي تتسم حالياً بالاعتدال.

من جانبه، كان قد ألمح قائد تنظيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، بنفسه، قبل نحو أسبوعين، إلى أن الحكومة الجديدة في سوريا غير مهتمة بالدخول في صراع مع إسرائيل في المستقبل القريب. وأكد الجولاني أن «الوضع في سوريا المنهكة من سنوات القتال لا يسمح بالدخول في صراعات جديدة»، لافتاً إلى أن «البناء والاستقرار على رأس الأولويات، وعدم الانجرار إلى صراعات جديدة تؤدي إلى مزيد من الدمار».

وقد فوجئ الإسرائيليون بالتصريحات التي أدلى بها محافظ دمشق الجديد ماهر مروان، الذي عيّنه الشرع، الجمعة، في مقابلة مع الإذاعة الأميركية العامة (إن بي آر)، قائلاً: «نحن نريد السلام، ولا نريد أن نكون أعداء لإسرائيل، أو لأي أحد آخر».

وأبدى مروان، في المقابلة، تفهماً للشكوك الإسرائيلية تجاه الحكومة الجديدة في سوريا، وقال: «من الممكن أن تكون إسرائيل قد شعرت بالخوف، ولهذا تقدمت قليلاً (في المنطقة العازلة) وقصفت قليلاً. إنه خوف طبيعي. نحن لسنا خائفين من إسرائيل، وليس لدينا أي مشكلة. ليس لدينا أي رغبة في التدخل في أمر من شأنه أن يُهدد أمن إسرائيل. يوجد هنا أناس يريدون العيش بتعايش ويريدون السلام».