إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

وصفها بـ«القاتلة» بعد إطاحتها رؤساء جامعات كبرى بحجة «معاداة السامية»

عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
TT

إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020

مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي، منتصف الشهر المقبل، لتثبيت ترشيح دونالد ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية، تزايدت التكهنات والترشيحات عن هوية «نائب الرئيس» الذي سيُدرج اسمه على بطاقات الاقتراع الخريف المقبل. وبينما ينتقد العديد من المراقبين «تأخر» ترمب في تسمية نائبه العتيد، على الرغم من انسحاب كل منافسيه الجمهوريين من السباق منذ مارس (آذار) الماضي، يرى آخرون أنه تأخير «طبيعي» بالنظر إلى شخصيته و«شروطه» التي تقوم على «الولاء» الكامل. ثم أنه بعدما نجح في السيطرة على قاعدة الحزب، وأزاح معارضيه «المعتدلين» في قيادته، استبعد في الوقت نفسه كل الشخصيات المحتملة؛ لضمان ألا تتكرر تجربته «المريرة» مع نائبه السابق مايك بنس، الذي رفض الموافقة على طلبه لإنكار فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتجهت الأنظار نحو إليز ستيفانيك، النائبة الجمهورية عن ولاية نيويورك، التي وصفها الرئيس السابق دونالد ترمب بـ«القاتلة» (من منطلق الإعجاب بها)، بعدما صعدت أسهمها بشكل كبير إثر استجوابها ثلاثة رؤساء جامعات كبرى في جلسة استماع بالكونغرس بتهمة «معاداة السامية» في الحرم الجامعي؛ وذلك على خلفية الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت نصرة للفلسطينيين بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. وبالفعل، أدّت جلسات الاستجواب إلى استقالة ليز ماغيل، رئيسة جامعة بنسلفانيا، وكلودين غاي رئيسة جامعة هارفارد.

ولقد حظي الدور الذي لعبته ستيفانيك في جلسة الاستجواب، بتأييد واسع من «اللوبي الإسرائيلي – الأميركي»، ومن إسرائيل ذاتها. وبدلاً من إبداء رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو امتنانه لإدارة بايدن على «الخدمات» الكبيرة التي أسدتها لإسرائيل إبان هذه الحرب، اختار نتنياهو الاحتفاء بستيفانيك ومنحها شرفاً استثنائياً بإلقاء خطاب أمام الكنيست. وفي الكنيست انتقدت النائبة الجمهورية الرئيس الأميركي بشدة، وأثنت على ترمب مع أنه «ليس لها أي موقف في السياسة الخارجية على الإطلاق»، فكانت «الشخص الذي يذل نفسه ليصبح نائباً لترمب»، بحسب صحيفة «النيويورك تايمز».

بطاقة شخصية

وُلدت إليز ماري ستيفانيك في مدينة ألباني، عاصمة ولاية نيويورك، يوم 2 يوليو (تموز) 1984. وهي تدّعي أن والدها كينيث من أصل تشيكي، ووالدتها ميلاني من أصل إيطالي. لكن سجلات الأنساب تظهر أن عائلة والدها جاءت من إقليم غاليسيا الذي يتوزع بين جنوب شرقي بولندا وغربي أوكرانيا.

تزوجت ستيفانيك يوم 19 أغسطس (آب) 2017، من ماثيو ماندا، الذي يعمل في مجال التسويق والاتصالات. وفي ديسمبر 2018، انتقلت وزوجها إلى شويلرفيل، بالقرب من ساراتوغا سبرينغز بشمال شرقي ولاية نيويورك، حيث أنجبا عام 2021 طفلاً واحداً هو صموئيل ألبرتون. واعتباراً من عام 2022، يعمل زوجها مديراً للشؤون العامة في المؤسسة الوطنية لرياضة الرماية، وهي جمعية تجارية لمصنعي الأسلحة النارية.

أما على الصعيد التعليمي، فقد أنهت ستيفانيك تعليمها الثانوي في مدرسة أكاديمية ألباني للبنات، وهي مدرسة خاصة عريقة. ثم التحقت بجامعة هارفارد، حيث تخرّجت بدرجة بكالوريوس في الإدارة العامة عام 2006. وخلال تلك الفترة انتُخبت نائبة لرئيس معهد هارفارد للسياسة في عام 2004، وحصلت من الجامعة على تنويه مشرّف لجائزة القيادة النسائية، وهي جائزة طلابية للقيادة والمساهمة في النهوض بالمرأة. بعد هارفارد، عملت في واشنطن لمدة ست سنوات قبل دخولها عالم السياسة، وحسب قولها فإنها فكّرت لأول مرة بالعمل في الخدمة العامة والسياسة إثر هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وللعلم، ضُمّت ستيفانيك إلى اللجنة الاستشارية العليا في معهد هارفارد للسياسة بعد فترة قصيرة من انتخابها، بيد أنها أقيلت من اللجنة عام 2021 إثر اعتراضها على الأصوات الانتخابية لولاية بنسلفانيا بعد اقتحام مبنى الكابيتول.

البدايات السياسية

في مستهل سجلّ تدرّج إليز ستيفانيك السياسي انضمامها إلى إدارة جورج بوش «الابن»، كموظفة في مجلس السياسة الداخلية، وعملت لاحقاً في مكتب جوشوا بولتن، رئيس أركان البيت الأبيض.

وفي عام 2009، أسّست مدوّنة لتعزيز آراء «النساء المحافظات والجمهوريات»، سمّتها على اسم رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر. وأدارت التحضير لمناظرات الحملة الرئاسية التي خسرها المرشح الرئاسي الجمهوري - يومذاك - ميت رومني ونائبه بول ريان عام 2012، أمام الرئيس باراك أوباما.

وبعد سنتين، في العام 2014، انتُخبت ستيفانيك وهي لا تزال في سن الثلاثين لأول مرة نائباً في مجلس النواب؛ ما جعلها أصغر امرأة تحظى بعضوية الكونغرس في ذلك الوقت، وأول امرأة تشغل مقعدها عن دائرتها في مجلس النواب.

وهنا تجدر الإشارة، إلى أنه عندما انتُخبت ستيفانيك نائبةً كانت تعتبر جمهورية محافظة معتدلة. إلا أنها مع صعود أسهم دونالد ترمب وفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2016، تحوّلت تدريجياً ولكن بشكل صريح نحو اليمين المتشدد، وانضمت إلى فريقه خلال رئاسته الأولى، وأعادت تصنيف نفسها كواحدة من كبار حلفائه في الكونغرس.

جمهورية ملتزمة

وحقاً، لدى مراجعة مسيرة ستيفانيك فإنها تكشف في بداياتها التزاماً لافتاً بـ«أجندة» الحزب الجمهوري ما قبل «الهيمنة الترمبية»، فهي - على سبيل المثال - عام 2017، ورغم فشل المحاولة، صوّتت ملتزمة بالسياسة الحزبية لإلغاء «قانون الرعاية الصحية» (أوباما كير) من أجل تمرير قانون الرعاية الصحية الأميركية الذي يرعاه الجمهوريون في مجلس النواب.

وفي العام نفسه، عارضت «الأمر التنفيذي» الذي أصدره الرئيس ترمب بفرض حظر مؤقت على السفر والهجرة إلى الولايات المتحدة من مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة، غير أنها رفضت إدانة «سياسة فصل العائلات» التي اتبعتها إدارة ترمب، ونشرت بياناً صحافياً تشيد به، بعدما وقّع ترمب «أمراً تنفيذياً» لتعليق عمليات الفصل واحتجاز العائلات.

ثم في العام 2019، صوّتت ستيفانيك مع 14 جمهورياً وجميع الديمقراطيين في مجلس النواب لتجاوز «حق النقض» الذي استخدمه ترمب على إجراء يلغي إعلان الأخير حالة الطوارئ الوطنية على الحدود الجنوبية. وعارضت التفويضات الفيدرالية الخاصة بلقاح «كوفيد - 19» لأصحاب العمل في القطاع الخاص.

وإلى جانب ما يقرب من 170 عضواً آخر في الكونغرس، وقّعت ستيفانيك على مذكرة للمحكمة العليا تجادل فيها بأن الكونغرس لم يمنح الحكومة سلطة فرض تفويض باللقاح. لكنها في مارس (آذار) 2021، صوّتت مع جميع الجمهوريين في مجلس النواب، ضد «قانون خطة الإنقاذ» الأميركية لعام 2021، وهو مشروع قانون إغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار من فيروس «كوفيد - 19». وبعدما كانت تدعم قانون «داكا» صوتت عام 2021 ضد قانون «دريم» (الحالمين بالجنسية).

أيضاً، صوّتت ستيفانيك مع ثمانية جمهوريين لمصلحة قانون المساواة وقدّمت مشروع قانون «الإنصاف للجميع»، الذي من شأنه حظر التمييز ضد المثليين، مع تضمين استثناءات للمجموعات الدينية والشركات الصغيرة ذات المؤسسات الدينية. إلا أنها عام 2021، عادت فصوّتت ضد «قانون المساواة»، على الرغم من دعمه التشريع نفسه. وعام 2022، صوّتت مع 47 نائباً جمهورياً لمصلحة قانون احترام الزواج، الذي من شأنه أن يقنّن الحق في زواج المثليين في القانون الفيدرالي.

دعم قوي لترمب

عارضت ستيفانيك بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019، المتصلة بـ«فضيحة» ترمب وأوكرانيا، ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020، معترضة على الأصوات الانتخابية في ولاية بنسلفانيا.

وبعد تورّط أنصار ترمب في الهجوم على مبنى الكابيتول عام 2021، وتشكيل مجلس النواب الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون، لجنة للتحقيق في الهجوم، أكدت وقوفها مع ترمب عبر تصويتها وجميع القادة الجمهوريين الآخرين في مجلس النواب ضد إنشاء اللجنة. لكن 35 عضواً جمهورياً صوّتوا مع جميع الديمقراطيين البالغ عددهم 217 عضواً على إنشائها. وبعدما بدأت اللجنة تحقيقاتها في الهجوم، قالت ستيفانيك إن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، هي المسؤولة عنه.

ستيفانيك بدلاً من تشيني

في مايو (أيار) عام 2021، انتُخبت ستيفانيك رئيسة للمؤتمر الجمهوري بمجلس النواب، بعد إقالة النائبة ليز تشيني بسبب معارضة الأخيرة لترمب، وبذا صارت ثالث أرفع مسؤول جمهوري، على الرغم من سنّها البالغ في ذلك الوقت 37 سنة. وإبّان ظهورها في برنامج إذاعي مع ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق لترمب، أكدت ستيفانيك على «حاجة الحزب الجمهوري إلى الالتفاف» حول الرئيس السابق. وحين تحدّى النائب تشيب روي ترشيح ستيفانيك لأخذ منصب تشيني، ندّد ترمب به، وأكد تأييده لها. ومن ثم، في أعقاب فوزها، شكرته قائلة: «الرئيس ترمب هو القائد الذي يتطلع إليه الناخبون الجمهوريون». وهنا علّق جاك كولينز، أستاذ العلوم السياسية في كلية سيينا، بالقول إن تسليمها منصبها الجديد يشير إلى أن قادة الحزب يريدون أن تكون جزءاً من «الجيل المقبل من القادة الجمهوريين».

وبالفعل، بعد أسبوعين فقط من انتخاب ستيفانيك رئيسةً للمؤتمر الجمهوري، ذكرت صحيفة «بوليتيكو»، أنها كانت مسؤولة عن نشر قصص سلبية عن جيم بانكس، الذي كان من المنافسين المحتملين لهذا المنصب، ومساعده باكلي كارلسون، نجل مقدم البرامج الشهير السابق لمحطة «فوكس نيوز»، تاكر كارلسون. وقوبل هذا باستياء من قِبل حلفاء دونالد ترمب «الابن»، الذين أبلغوا ستيفانيك أن هجماتها على ابن كارلسون تجاوزت الحدود. ولكن بعد الانتخابات النيابية عام 2022، أعيد انتخابها رئيسةً للمؤتمر الجمهوري، متغلبة على بايرون دونالدز.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».