الغلاء يُجبر عائلات مصرية على التخلي عن عاداتها في العيد

البعض استبعد الأضحية... وآخرون قلصوا الولائم الأسرية

مصريون أمام منفذ لوزارة الزراعة بمحافظة القليوبية لشراء اللحوم بأسعار مخفضة (محافظة القليوبية - فيسبوك)
مصريون أمام منفذ لوزارة الزراعة بمحافظة القليوبية لشراء اللحوم بأسعار مخفضة (محافظة القليوبية - فيسبوك)
TT

الغلاء يُجبر عائلات مصرية على التخلي عن عاداتها في العيد

مصريون أمام منفذ لوزارة الزراعة بمحافظة القليوبية لشراء اللحوم بأسعار مخفضة (محافظة القليوبية - فيسبوك)
مصريون أمام منفذ لوزارة الزراعة بمحافظة القليوبية لشراء اللحوم بأسعار مخفضة (محافظة القليوبية - فيسبوك)

أبدى المصري أحمد صلاح حزنه لعدم تمكنه من شراء أضحية هذا العام، بعدما فوجئ بأن سعر الخروف يبدأ من 10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 47.6 جنيه مصري).

وقال الشاب الأربعيني، الذي يعمل كيميائياً لدى إحدى مصانع المنظفات السائلة في القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «أُفضل مذاق لحم الضأن، وأنتظر كل عيد أضحى لكي أضحِّي بخروف، فهي سُنة مستحبّة وعادة متوارَثة، لكن هذا العام ارتفعت الأسعار بشكل كبير للغاية بفوق مقدرتي المالية، لذا قررت عدم الشراء، والاستغناء عن العادة السنوية وطقوسها المحببة لي ولأطفالي، مثلما تخليت عن غيرها بفعل الغلاء».

ويستقبل المصريون عيد الأضحى هذا العام في ظل أعباء اقتصادية، بعد أن أرهق غلاء الأسعار مختلف فئات المصريين على مدار الأشهر الماضية، وبالتزامن مع ارتفاعات حالية في أسعار اللحوم، والدواجن، والملابس الجاهزة، التي يقبل عليها المواطنون قبل العيد.

وتباينت أسعار اللحوم الحية والأضاحي في الأسواق المصرية بالتزامن مع عيد الأضحى المبارك، حيث يبلغ سعر اللحوم عند محال الجزارة نحو 500 جنيه للحم الضأن للكيلوغرام، ومن 380 إلى 450 جنيهاً للحوم البلدية حسب القطعية، كذلك حسب المحافظة التي يتم البيع فيها. فيما سجلت أسعار اللحوم الحية في منافذ وزارة الزراعة المصرية 150 جنيهاً لكيلوغرام اللحم الحي القائم، بينما تبدأ أسعار اللحوم الحمراء من 250 جنيهاً.

وسعت الحكومة المصرية لتوفير احتياجات المواطنين من اللحوم قبل عيد الأضحى؛ إذ طرحت أضاحي العيد في المنافذ الحكومية بأسعار مخفضة أقل من سعر السوق، إلى جانب توفير اللحوم البلدية والسودانية ولحوم الضأن.

وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد القرش، في تصريحات تلفزيونية: «هناك اهتمام كبير بتوفير احتياجات المواطن المصري من اللحوم، خصوصاً في موسم عيد الأضحى، وزيادة حجم المعروض من اللحوم في المنافذ الحكومية خلال الفترة الحالية».

مع تخليه عن أضحيته كان البديل لدى صلاح هو توجهه لأول مرة إلى أحد منافذ وزارة الزراعة، حيث اشترى منه 3 كيلوغرامات من لحم الضأن المستورد بسعر 390 جنيهاً، لتجربته على مائدة أول أيام العيد.

الخبير الاقتصادي المصري الدكتور محمد البهواشي، قال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا العام قلَّت ظاهرة الإقبال على ذبح الأضاحي بشكل كبير مقارنةً بالأعوام الماضية، فالمشاهد المعتادة مع طقوس الذبح في الشوارع وكذلك في المنازل اختفت هذا العيد بشكل مُلاحَظ، حيث اتخذ كثيرون قراراً بعدم التضحية مع ارتفاع أسعار الأضاحي الحية كثيراً هذا العام، للدرجة التي وصل فيها سعر رُبع الأضحية في الوقت الحالي إلى أن يماثل سعر أضحية كاملة فيما مضى، وهو بالطبع أمر أثَّر بالسلب على معدلات الشراء، وجعل البعض يتجه إلى شراء صكوك الأضاحي التي تتيحها وزارة الأوقاف والجمعيات الخيرية».

وبينما تجتمع العائلات لتناول وجبات العيد المميزة مثل اللحوم والفتة والمحاشي والرقاق، فإن ربة المنزل الستينية، ماجدة حامد، التي تقطن محافظة المنوفية (دلتا النيل)، قالت إن ارتفاع أسعار اللحوم غيّر من طقوسها في العيد، مشيرةً إلى أن وليمة عيد الأضحى التي تدعو إليها أبناءها وأحفادها، تغيرت معالمها هذا العام.

وأوضحت، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أنها اقتصدت في أطباق الوليمة، فبعد أن كانت تضم أصناف اللحوم والبفتيك والكبدة وصواني الرقاق باللحم المفروم، لجأت هذا العام إلى إدخال الدجاج مع القليل من اللحوم، والتخلي عن البفتيك والكبدة الذي تجاوز سعرهما 450 جنيهاً للكيلوغرام، مثلما طالت الارتفاعات غالبية السلع والمنتجات، وهو ما يفوق قدرتها المادية، حسب تعبيرها.

وأظهرت بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء في مصر، الاثنين الماضي، أن التضخم في أسعار المستهلكين في المدن وصل إلى 28.1 في المائة في مايو (أيار) على أساس سنوي.

يعود الخبير الاقتصادي المصري إلى حديثه، مشيراً إلى أنه في ظل ما وجده المواطن المصري من ارتفاع أسعار المنتجات قبل عيد الأضحى بفعل حالة الغلاء، فإنه حاول التخلي عن بعض عاداته والتقليل من كميات السلع المرتبطة بالعيد، مضيفاً: «الأعياد في مصر دائماً لها طبيعة استهلاكية، ومع ارتباط عيد الأضحى باللحوم تحديداً، التي تكون حاضرة بقوة على مائدة العيد، نجد أن هناك إحجاماً عن شرائها أمام ارتفاع أسعارها، وكثيرون اتجهوا إلى شراء الدواجن بوصفها البديل المناسب عن اللحوم المرتفعة السعر».


مقالات ذات صلة

مصر تنوع دعمها للصومال بقافلة طبية وسلع غذائية

شمال افريقيا القافلة الطبية المصرية للصومال (وزارة الصحة المصرية)

مصر تنوع دعمها للصومال بقافلة طبية وسلع غذائية

عززت مصر من دعمها للصومال بإرسال قافلة طبية موسعة والإعلان عن تعاون مع مقديشو في مجال الأمن الغذائي.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)

مصر: تعهدات حكومية بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع

تواصلت التعهدات الحكومية في مصر من جديد بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)

مصر لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» بتحركات مكثفة بنيويورك

كثّفت مصر من تحركاتها الدبلوماسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» الإثيوبي.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا أسعار الطماطم سجلت مستويات قياسية في مصر (المصدر: موقع سوق العبور)

«الطماطم» تعاند موائد المصريين وتواصل الارتفاع

سجلت أسعار الطماطم، التي تُعد غذاء أساسياً للمصريين يدخل في الوجبات والأكلات كافة، مستويات غير مسبوقة.

محمد عجم (القاهرة)
شمال افريقيا مقر وزارة الداخلية المصرية (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)

انتقادات متصاعدة بشأن مقطع صوتي لـ«اعترافات طبيبين بالتحرش» في مصر

تصاعدت في مصر الانتقادات بشأن مقطع صوتي متداول لحديث جرى نسبه إلى «طبيبين»، قالا إنهما «قاما بالتحرش بالمترددات على المستشفيات للعلاج».

أحمد عدلي (القاهرة )

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
TT

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

يسجّل الشاعر سمير نخلة حالة خاصة بكلام الأغاني التي يكتبها. يتعرّف سامعها بسرعة على أنه هو موقّعها. تعاون مع أهم النجوم في لبنان والعالم العربي. حقق نجاحات متتالية مع فنانين مشهورين أمثال عاصي الحلاني، ونانسي عجرم، ووائل كفوري، ونجوى كرم، وراغب علامة وغيرهم.

كتب «بزعل منّك» لديانا حداد و«أنا هيفا» لهيفاء وهبي و«كلما غابت شمس» لملحم زين، فشكّلت مجموعة أغنيات من فئة العمر المديد. وفي «لون عيونك غرامي» لنانسي عجرم حقق نجاحاً هائلاً. فهو لا يزال يحصد صدى أعماله تلك حتى اليوم.

مع الفنان الراحل وديع الصافي (سمير نخلة)

وكما في الأغنية الرومانسية كذلك في الأعمال الوطنية استطاع سمير نخلة أن يحفر في ذاكرة اللبنانيين، ولعلّ أغنية جوزيف عطيّة «الحق ما بموت» من أشهر ما قدّمه في هذا الإطار.

فقلّة من الأغاني الوطنية التي تستطيع أن تحقق الانتشار الواسع على مدى سنوات طويلة. عمرها الذي ناهز الـ15 عاماً لم يقهره الزمن، وتُعدّ اليوم بمثابة نشيد وطني يتفاعل معه اللبنانيون في كلّ مرّة يستمعون إليها.

يقول الشاعر سمير نخلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن للأغنية الوطنية صفات خاصة كي تنجح. وإن كلاماً كثيراً اختصرته أغنيات وطنية لم تحقق هدفها.

ويتابع: «لا بدّ أن تنبع من الروح فلا تكون مجرّد صفّ كلام»، وهذا ما يفعله في كلمات أغنياته الوطنية وغيرها. وتابع: «لذا تصل إلى قلوب الناس بسرعة. فما ينبع من القلب لا يمكن أن يخطئ. كما أن التركيبة الثلاثية للأغنية من شاعر وملحن ومغنٍّ، تلعب دوراً مهماً».

يتشارك نخلة ملاحظات العمل مع الملحن والمغني، يقول: «أحياناً تُعدّل عبارة أو نوتة موسيقية أو أسلوب أداء. فالأمر يتطلّب اجتماع الركائز الثلاث على قاعدة الانسجام».

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان. ونسأل الشاعر نخلة عن سبب الوقت الطويل الذي يفصل بين أغنية وطنية ناجحة وأخرى مثلها، يوضح: «الأغنية الوطنية صعبة الولادة وعندما كتبت (الحق ما بموت) استلهمتها من حلم يراودني. كنت حينها أحلم بلبنان ينتفض من كبوته ويستعيد دوره الريادي في العالم العربي. كل هذا الحب والشغف تجاه وطني فرّغته في كلمات هذه الأغنية. وهذه الأحاسيس الدفينة والعميقة لا يمكن أن تحضر بسهولة».

الشاعر سمير نخلة يرى أن ولادة الأغنية الوطنية صعبة (سمير نخلة)

وإذا ما تصفّحنا مشهدية الأغنيات الوطنية في لبنان، لاحظنا أن الرحابنة كانوا الأشهر فيها. وقد استطاعوا أن يُنتجوا كثيراً منها بصوت فيروز. ويعلّق نخلة: «كانت مسرحيات الرحابنة لا تخلو من الأغاني الوطنية. ويعدّونها أساسية بحيث تؤلّف مساحة لا يستهان بها من باقي الأعمال الغنائية المغناة بصوت فيروز. وأنا شخصياً معجب بعدد كبير من تلك الأغنيات. ومن بينها (رُدّني إلى بلادي) و(بحبك يا لبنان) و(وطني) وغيرها».

ولكن، ما ينقص الساحة اليوم لتوليد أغنيات بهذا المستوى؟ يقول: «زمن اليوم تبدّل عن الماضي، وأصبح العمل الرديء يطغى. ولكن لا شيء يمكن أن يمحو الأصالة. وعلى هذا الأساس نلحظ موت تلك الأغنيات بسرعة. ولكن ولحسن الحظ لا يزال لبنان ولّاداً لشعراء أصحاب أقلام جيدة. فإضافة إلى مخضرمين مثلي تلوح على الساحة أسماء جيل شاب يمكن التّعويل على الكلام الذي يكتبونه».

حالياً يعيش لبنان حالة حرب قاسية، فهل ألهمته كتابة أغنية وطنية؟ يردّ في سياق حديثه: «ما نعيشه اليوم مليء بالمآسي. ولا أستطيع شخصياً أن أكتب في هذه الأجواء. أميل أكثر إلى كتابة الكلام المفعم بالأمل وقيامة لبنان».

عادة ما يحصد المغني شهرة أغنية معينة، ويغيّب - إلى حدّ ما - اسم كلّ من ملحنها وكاتبها. يعلّق الشاعر سمير نخلة: «الكلمة في الأغنية هي الأساس، وهناك ألحان جميلة لم تلفت النظر بسبب ضعف الكلمة المغناة. وبشكل عام الملحن والشاعر لا يُسلّط الضوء عليهما. بعض الأحيان، نلاحظ أن الملحن يحاول الترويج لعمله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك بالكاد تبقى مكانته محفوظة في الأغنية».

يعتب نخلة على المطرب الذي لا يذكر اسم ملحن وشاعر أغنية يقدّمها، «لا أتوانى عن التدخل مباشرة إذا ما لاحظت هذا الأمر. أتصل بالمغني وأصارحه بأنه نسي ذكر اسمي شاعراً، فأنا متابع جيد لعملي. وأحياناً، عندما يُكتب اسم شاعر آخر بدل اسمي على قناة تلفزيونية ألفت نظرهم إلى ضرورة تصحيح الخطأ».

يعاني الشعراء في لبنان من عدم حصولهم على حقوق الملكية لمؤلفاتهم، «هل تعرفين أنه على المغني دفع نسبة 8 في المائة من أرباح حفلاته للملحّن والشاعر. وهذا بند مدرج ضمن نص حقوق الملكية الفكرية في لبنان، ولكنه لا يُطبّق. في الدول الأجنبية الأمر طبيعي. وأركان العمل الغنائي تصلهم حقوقهم بلا أي معاناة. ولكن مع الأسف حقوقنا في لبنان مهدورة ولا أحد يهتمّ بها».