هل «حرّرت» المعارضة بري من دعوته للتشاور الرئاسي بمن حضر؟

باسيل: رفضتُ الإغراءات التي لا يتصورها أحد لتأييد فرنجية

رئيس البرلمان نبيه بري ملتقياً رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والنائب غسان عطا الله (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري ملتقياً رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والنائب غسان عطا الله (رئاسة البرلمان)
TT

هل «حرّرت» المعارضة بري من دعوته للتشاور الرئاسي بمن حضر؟

رئيس البرلمان نبيه بري ملتقياً رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والنائب غسان عطا الله (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري ملتقياً رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والنائب غسان عطا الله (رئاسة البرلمان)

يدخل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان في مرحلة جديدة لتقطيع الوقت، يراد منها ملء الفراغ إلى حين نضوج الظروف الخارجية والداخلية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، الذي بات يتلازم حكماً مع وضوح الرؤية السياسية في المنطقة، وما إذا كانت مواتية للتوصل إلى تسوية، في حال أخذ وقف إطلاق النار في غزة طريقه إلى التنفيذ.

فتعثُّر الدعوة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري للتشاور بوصف ذلك ممراً إلزامياً لانتخاب الرئيس، وإن كانت اصطدمت بعدم تجاوب قوى المعارضة مع دعوته، يأتي ليؤكد أن الظروف غير ناضجة حتى الساعة لانتخابه، رغم أن هذه الدعوة للتشاور تحظى بتأييد الغالبية النيابية، بعد أن انضم إليها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، من موقع اختلافه مع «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل)، برفضه تأييد مرشحه، رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية: «رغم الإغراءات التي قُدمت والتي لا يتصورها أي شخص» على حد قول باسيل للمعارضة عندما التقاها، في محاولة منه لجرها إلى ملعبه، لكن دون جدوى، لما بينهما من تباين جذري في مقاربتهما للملف الرئاسي، وعلى رأسه التباين في العمق في تعاملهما مع الدعوة التشاورية.

بري يفضل التمهل

وأدى تعثر الدعوة للتشاور، بامتناع المعارضة ومعها عدد من النواب المنتمين إلى «قوى التغيير» عن الانخراط فيها، إلى التشويش على التحرك الذي أطلقه «اللقاء الديمقراطي» لملاقاة «الخماسية»، بهدف التوصل إلى تسوية تفتح الباب أمام إخراج انتخاب الرئيس من التأزم، مع أن «اللقاء» سيستكمل اجتماعاته بالكتل النيابية، فيما سارع باسيل، على حد قول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، إلى الدخول على خط المنافسة مع الحزب «التقدمي الاشتراكي»، بدلاً من أن ينتظر انتهاء «اللقاء» من اجتماعاته وترقب ردود الفعل عليها.

والسؤال الذي يُطرح هنا: هل يوجه بري دعوته الكتل النيابية للتشاور بمن حضر، أم أنه يتريث لبعض الوقت، ما يتيح له مراقبة ما سيؤول إليه وقف النار على الجبهة الغزاوية في حال التزمت به حركة «حماس» وإسرائيل، ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه؟

ومع أن القرار النهائي، كما تقول المصادر، يعود لبري، فإنه يفضل التمهُّل ريثما يتشاور مع سفراء اللجنة «الخماسية»، الذين يمضي معظمهم حالياً إجازة العيد في دولهم.

ولا تود المصادر النيابية استباق ما سيقرره بري، الذي يعود له وحده اتخاذ القرار المناسب حيال دعوته للتشاور، التي قوبلت بتأييد من الغالبية النيابية، لكنها ترجح، من باب التحليل لما سيكون لديه من معطيات، أن يبادر إلى صرف النظر عنها، ولو مؤقتاً، من دون أن يسحبها من التداول، محملاً فريق المعارضة مسؤولية عدم التجاوب معها بوصف ذلك أساساً لانتخاب الرئيس.

المعارضة وإحراج بري

وتلفت المصادر إلى أن المعارضة، وإن كانت تقدمت بطرح سياسي تشرح فيه الأسباب الموجبة التي أملت عليها عدم الاستجابة لدعوة بري للتشاور، وقد تكون صائبة في مرافعتها بتبيان هواجسها حيال دعوته، لكن ليس هناك ما يمنعها من إحراج بري بموافقتها على أن تكون طرفاً في التشاور الذي لن يكون لصالح فرنجية، ما دام أن باسيل، وهذا ما أبلغه شخصياً إلى بري، ليس في وارد الانقلاب على موقفه بتأييده فرنجية.

وتؤكد المصادر أن بعض الكتل التي أبدت استعدادها للمشاركة كانت أكدت سابقاً أنها تبحث عن تسوية رئاسية، وهذا ما أبلغته إلى سفراء اللجنة «الخماسية» بترجيحها كفة الخيار الرئاسي الثالث، تقديراً منها بأن الانقسام النيابي سيبقى على حاله إذا اقتصرت المنافسة على فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور الذي تقاطعت المعارضة مع باسيل على تأييده.

وتقول المصادر نفسها إن الثقة، وإن كانت مفقودة بين بري والمعارضة، فليس هناك ما يمنعها من أن تكون طرفاً في التعاطي مع دعوته بانفتاح، ولو مرحلياً، لاستكشاف مدى استعداده للتوصل إلى تسوية، وتؤكد أنه لا بد من التوقف أمام قول باسيل لبري أنه لا يؤيد فرنجية، رداً على ما أبلغه إياه بري بأنه «كان يمكن انتخابه رئيساً لو مشيت معه».

لا تشاور «بمن حضر»

وتسأل المصادر: هل يُفهم من كلام بري أنه لم يقفل الباب أمام الوصول إلى تسوية رئاسية أم أنه لا يزال يتمسك بترشيح فرنجية؟ هذا مع أن الذين أبدوا استعدادهم للانخراط في التشاور منقسمون على أنفسهم في تأييدهم لفرنجية، ولا يمكن إقناع المعترضين بتعديل موقفهم بعد أن التزموا به في العلن وأبلغوه لسفراء «الخماسية»، بترجيحهم كفة الخيار الرئاسي الثالث.

لذلك، فإن بري كان أكد أمام نواب، وبعضهم من كتلة «الاعتدال»، قبل أن تنأى المعارضة بنفسها عن المشاركة في التشاور، أنه ليس في وارد توجيه دعوة تقتصر على من حضر، لأن البلد لا يتحمل مزيداً من الانقسامات والتوترات. فهل يتمسك بموقفه؟ خصوصاً أن المعارضة «حررته» من الإصرار عليه، وأبقت، من وجهة نظر المصادر النيابية، فرنجية بوصفه واحداً من الأساسيين في السباق الرئاسي، خصوصاً أنه يستقوي بترشيحه بالتوصل إلى تسوية في المنطقة ترفع حظوظه الرئاسية، وكان في وسع المعارضة أن تنضم للمدعوين للتشاور كونه سيؤدي حكماً إلى غربلة أسماء المرشحين، وهذا ما يُشكّل إحراجاً للثنائي الشيعي في تسويقه لمرشحه، لأنه سيواجه صعوبة في تأمين التأييد المطلوب لإيصاله إلى بعبدا، انطلاقاً من جنوح الأكثرية نحو البحث عن مرشح وسطي يتمتع بالمواصفات التي كانت حددتها «الخماسية».

فباسيل عاد للتقارب هذه المرة مع محور الممانعة من بوابة بري، رغم أنه على خلاف مع الثنائي في مقاربته للملف الرئاسي، ويبدي استعداده للتوافق معه حول مرشح بديل لفرنجية، لأن لا هم له سوى إبعاده من السباق الرئاسي، وهو، أي باسيل، لم يتقدم بمبادرة أو أفكار محددة، وإنما أراد التموضع تحت جناح رئيس البرلمان، لعله يقنع الثنائي بصرف النظر عن تأييد فرنجية، لا سيما أن تموضعه في الوسطية لا يعني افتراقه عنه، بل لا يزال يضع أوراقه الرئاسية في السلة الشيعية، وهو لم يتحرك على وجه السرعة لو لم يشعر بأن الثنائي باقٍ على موقفه، وهو يحاول مقايضته بأن يترك له الخيار للمرشح البديل.


مقالات ذات صلة

هوكستين في باريس لتنسيق جهود خفض التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»

المشرق العربي وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)

هوكستين في باريس لتنسيق جهود خفض التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»

يسعى المبعوث الأميركي آموس هوكستين في باريس إلى «ترجمة توافق الرئيسين بايدن وماكرون بشأن إقامة آلية تنسيق للمناقشات مع إسرائيل ولبنان إلى واقع».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم العربي زيارة نتنياهو المقبلة لواشنطن ستحدد اتجاه الصراع في غزة وجنوب لبنان نحو التهدئة أو إلى حرب موسعة (أرشيفية - رويترز)

التهدئة بجنوب لبنان تنتظر لقاءات نتنياهو في واشنطن

تُولي مصادر دبلوماسية وسياسية لبنانية أهمية خاصة لزيارة بنيامين نتنياهو واشنطن، 24 يوليو (تموز)، متوقعةً أن يرفع شروطه للموافقة على التهدئة في غزة ولبنان.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي سيدات يشاركن في تشييع عناصر في «حزب الله» (أ.ف.ب)

تراجع التهديدات الإسرائيلية للبنان: العودة إلى الواقعية وتعويل على الدبلوماسية

بعد أكثر من أسبوع على رفع سقف تهديدات المسؤولين الإسرائيليين يسجّل في الأيام الأخيرة تراجع لافت في مستوى المواقف الإسرائيلية مترافقة مع تبدّل في دينامية المعركة

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي الفسفور الأبيض الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي لإنشاء حاجز من الدخان يظهر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية في شمال إسرائيل (رويترز)

إسرائيل تغتال قائد عمليات القطاع الغربي في «حزب الله»

اغتالت إسرائيل قيادياً في «حزب الله»، هو الثالث منذ بدء الحرب في جنوب لبنان، عبر استهداف سيارته في منطقة الحوش شرق مدينة صور.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مشهد لواجهة بيروت البحرية - كورنيش المنارة (رويترز)

بيروت تستقر في قائمة المدن «الأسوأ» عالمياً بنوعية الحياة

احتفظت بيروت بتصنيفها المتدني في قائمة المدن العربية والعالمية في مؤشر «نوعية الحياة»، رغم تسجيل تقدم طفيف في كلفة المعيشة والقدرات الشرائية وبدلات الإيجارات.

علي زين الدين (بيروت)

هوكستين في باريس لتنسيق جهود خفض التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)
TT

هوكستين في باريس لتنسيق جهود خفض التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه أخيراً بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)

في البيان المشترك، الذي صدر بنهاية زيارة الدولة، التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرنسا، الشهر الماضي، ورد أن البلدين «يشدّدان، على وجه الخصوص، على الأهمية القصوى للحفاظ على الاستقرار في لبنان، والحد من التوترات على طول الخط الأزرق، وسيعملان معاً لتحقيق هذه الغاية، ويدعوان جميع الأطراف إلى التحلّي بأقصى درجات ضبط النفس والمسؤولية، امتثالاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم «1701». وفي هذا السياق، تشدّد فرنسا والولايات المتحدة على الضرورة المُلحّة لإنهاء الشغور الرئاسي المستمر منذ 18 شهراً في لبنان، والمضي دون مزيد من التأخير في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة، وتنفيذ الإصلاحات الضرورية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد اللبناني، وإرساء أسس الانتعاش والنمو الاقتصادي الشامل في البلاد».

وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع بايدن، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، إن باريس وواشنطن ستكثّفان جهودهما لتجنّب تفاقم الصراع في الشرق الأوسط، مع إعطاء الأولوية لتهدئة الوضع بين إسرائيل و«حزب الله».

وأفاد الرئيس الفرنسي أن الطرفين وضعا آلية «تنسيق وثيقة» بخصوص المناقشات الجارية مع إسرائيل من جهة، ومع لبنان و«جميع الأطراف المعنية من الجهة الأخرى»، وهو ما سارعت إسرائيل إلى رفضه. وكانت لافتة إشارة ماكرون إلى أن الطرفين «سيعملان على أساس خريطة الطريق» التي طرحتها فرنسا قبل ستة أشهر لخفض التصعيد على الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، وإيجاد السبيل لتنفيذ مضمون القرار الدولي «1701». كذلك أشار ماكرون إلى أن الطرفين سيسعيان إلى «مضاعفة الجهود من أجل منع حصول انفجار إقليمي»، انطلاقاً من الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، وعمدت باريس إلى تعديل بعض فقراتها بناءً على طلب لبناني فيما لم تردّ إسرائيل عليها، أقلّه رسمياً.

من هذا المنظور، يمكن فهم أهمية الزيارة التي يقوم بها المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين إلى باريس، للقاء المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، الوزير السابق جان إيف لو دريان، ومستشارة ماكرون لشؤون الشرق الأوسط، السفيرة آن كلير لو جاندر، التي حلّت منذ عدة أشهر محل باتريك دوريل.

وتجدر الإشارة إلى أن هوكستين تنقّل الشهر الماضي بين تل أبيب وبيروت، كما أن لودريان زار لبنان، مركّزاً في لقاءاته على ملف الفراغ الرئاسي الذي يقترب من عامه الثاني. ونقلت «رويترز» عن مسؤول أميركي قوله إن هوكستين سافر إلى باريس «لمناقشة الجهود الفرنسية والأميركية لاستعادة الهدوء في شمال إسرائيل ولبنان».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

أبعاد زيارة المبعوث الأميركي

يقول مصدر أوروبي واسع الاطلاع في باريس، إن لزيارة هوكستين «مجموعة أبعاد»؛ أولها «السعي لترجمة توافق الرئيسين بايدن وماكرون بشأن إقامة آلية تنسيق للمناقشات مع إسرائيل ولبنان إلى واقع»، خصوصاً أنه لم يظهر لها أي أثر منذ الإعلان عنها. والمهم في ذلك، وفق المصدر المشار إليه، الدمج بين الخطتين الفرنسية والأميركية، والتحرك من خلال خريطة طريق موحّدة، خصوصاً أن «لا خلاف حقيقةً» بينهما في الهدف، بل فقط في «التدرج» الزمني.

وترى باريس أن انتظار انتهاء الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة للبدء بمعالجة ملف التصعيد بين إسرائيل وحزب الله «أمر بالغ الخطورة»، بسبب التدهور الخطير للوضع الميداني، والخوف من خروجه عن السيطرة، بحيث لن يبقى «موضعياً»، ويمكن أن يفتح الباب لحرب «مفتوحة» قد تتحول إلى إقليمية.

ويرى الطرفان أن محدّدات الحل «معروفة»، وأساسها التوصل إلى آليات تنفيذية لفقراته، وحصر الانتشار المسلّح في جنوب لبنان بالجيش اللبناني وقوات اليونيفيل الأممية. وترى باريس وواشنطن في القوة الدولية «عنصراً أساسياً في الحلّ (المطلوب)، ويجب الحفاظ على أمنها وحرية عملها».

ويشير المصدر المذكور، في تفسير مسارعة باريس وواشنطن إلى تنسيق المواقف، اليوم، إلى التهديدات المتتالية الصادرة عن إيران باستعدادها للتدخل المباشر في حال مهاجمة إسرائيل لـ«حزب الله»، فضلاً عن مشاركة المنظمات المؤتمرة بأوامرها، سواء في العراق أو اليمن أو حتى سوريا.

وتجدر الإشارة إلى أن وصول هوكستين إلى باريس جاء بعد وقت قصير من الاتصال الذي جرى بين الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، حيث أعرب ماكرون مجدداً، وفق البيان الصادر عن الإليزيه، عن «قلقه البالغ إزاء تصاعد التوترات بين (حزب الله) وإسرائيل على طول الخط الأزرق، وشدّد على أن الأهمية المطلقة لمنع اشتعالٍ للوضع من شأنه أن يُلحق ضرراً بمصالح كلّ من لبنان وإسرائيل، وأن يشكّل تطوراً خطراً بشكل خاص على الاستقرار الإقليمي».

كذلك، شدّد الرئيس الفرنسي على «الحاجة الملحّة لجميع الأطراف للمُضي قدماً وبسرعة نحو حلّ دبلوماسي، وذكّر بضرورة التحلّي بأكبر قدر من ضبط النفس». وتناول ماكرون ونتنياهو الجهود الدبلوماسية الجارية لخفض التصعيد.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى جانب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في لقاء سابق (رويترز)

نجاعة الوساطة المشتركة الأميركية ــ الفرنسية

أن يجد ماكرون الوقت الكافي للاتصال بنتنياهو، وإبداء الحرص على إبراز مخاوف بلاده من حرب واسعة ستكون بمثابة كارثة على لبنان، يعكس، حقيقةً، خطورة الوضع. وليست رسالة باريس وحيدة؛ إذ إن الأيام القليلة الماضية حفلت بالتحذيرات الدولية، ومنها تحذير صدر الأسبوع الماضي عن وزارة الخارجية الفرنسية، كما أن دولاً عديدة إما رحّلت رعاياها من لبنان، أو طلبت منهم عدم التوجه إليه.

ليس سراً أن واشنطن دأبت على تحذير إسرائيل من مهاجمة لبنان، وهمّها الأول، وفق المصدر المشار إليه، «تجنّب اندلاع حرب إقليمية قد تجد نفسها مُساقة إليها للدفاع عن إسرائيل كما وعدت»، بحيث يتعين عليها التعامل مع حربين في وقت واحد، وذلك قبل أشهر قليلة على الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة.

ورغم الضغوط التي تمارسها واشنطن على السلطات الإسرائيلية، فإن باريس تعي أن الأشهر المنقضية على حرب غزة «بيّنت أن نتنياهو لا يأخذ كثيراً بعين الاعتبار النصائح الأميركية، بفضل الدعم الذي يتلقّاه من قادة الحزب الجمهوري من جهة، ومن تحوّل الرأي العام الإسرائيلي لدعم الحرب على لبنان».

وفي المقام الثالث، يضغط اليمين الديني الإسرائيلي المتطرف على نتنياهو لإطلاق حملة عسكرية على لبنان، وهو حريص على دعمه السياسي للبقاء في منصبه ومنع سقوط حكومته.

حتى اليوم، يقوم الموقف الرسمي الإسرائيلي على القول إن إسرائيل تريد الهدوء على حدودها الشمالية، وهي تريد تحقيق هذا الهدف، إما عن طريق الدبلوماسية والمفاوضات، وللولايات المتحدة وفرنسا الدور الأكبر، وإما عن طريق القوة العسكرية. والأربعاء، قال وزير الدفاع يوآف غالانت، العائد مؤخراً من زيارة إلى واشنطن، في تصريح مكتوب صدر عن مكتبه: «نحن نضرب حزب الله بقوة كل يوم، وسنصل أيضاً إلى حالة من الاستعداد الكامل للقيام بأي عمل مطلوب في لبنان، أو التوصل إلى ترتيب من موقع قوة. نحن نفضّل التوصل إلى تسوية، ولكن إذا فرض علينا الواقع سنعرف كيف نقاتل».

ويُفهم من كلام الأخير أن إسرائيل لم تصل بعد إلى مرحلة الجهوزية العسكرية، فضلاً عن أن حربها في غزة ما زالت قائمة، رغم دخولها «المرحلة الثالثة»، ولذا، فإن السؤال المطروح هو: هل ستنجح الوساطة الأميركية ــ الفرنسية في استغلال الفترة الفاصلة لتفكيك لغم الحرب الشاملة؟ أم أن الأمور سائرة إلى التصعيد مع وجود وساطة أو بدونها؟