سكان تعز يتلهفون لفتح طريق الحوبان وإنهاء الحصار الحوثي

ترتيبات على أعلى المستويات وحذر رسمي وشعبي

رفضت الجماعة الحوثية طوال السنوات الماضية تنفيذ كل الاتفاقيات وتجاهلت جميع الدعوات لفك الحصار عن مدينة تعز (أ.ف.ب)
رفضت الجماعة الحوثية طوال السنوات الماضية تنفيذ كل الاتفاقيات وتجاهلت جميع الدعوات لفك الحصار عن مدينة تعز (أ.ف.ب)
TT

سكان تعز يتلهفون لفتح طريق الحوبان وإنهاء الحصار الحوثي

رفضت الجماعة الحوثية طوال السنوات الماضية تنفيذ كل الاتفاقيات وتجاهلت جميع الدعوات لفك الحصار عن مدينة تعز (أ.ف.ب)
رفضت الجماعة الحوثية طوال السنوات الماضية تنفيذ كل الاتفاقيات وتجاهلت جميع الدعوات لفك الحصار عن مدينة تعز (أ.ف.ب)

يتلهف سكان محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) إلى فك الحصار عن مركز المحافظة، وفتح الطرق الرئيسية المؤدية إليها، إلا أن المخاوف تساور الكثير منهم، من أن تكون المبادرات المعلنة من طرف الحوثيين مجرد مراوغة سياسية، في حين تجري السلطات المحلية ترتيبات بطيئة وحذرة لتطبيع الحياة في المنفذ الشرقي للمدينة.

وتسببت التحركات الحوثية المفاجئة بالإعلان عن فتح الطريق الرابطة بين مدينة تعز وضاحيتها الشرقية، الحوبان، بإرباك الرأي العام في المحافظة؛ كون الجماعة هي من فرضت الحصار على المدينة وقيّدت حركة السكان، وتسببت بالكثير من المعاناة الإنسانية لهم، وألحقت الأضرار بمصالحهم.

وقالت مصادر مسؤولة في محافظة تعز لـ«الشرق الأوسط» إن ترتيبات فعلية وعلى أعلى المستويات بين السلطات المحلية من جهة، وقيادات حوثية في ضاحية الحوبان تجري يومياً لفتح الطريق وتطبيع الحياة في المنفذ الشرقي للمدينة، وسط محاذير واحترازات أمنية كثيرة.

وأكدت المصادر أن الترتيبات تتضمن تفاهمات حول نقاط التفتيش من الجانبين، وتأمين الطريق من المخاطر كافة، بما في ذلك الألغام والخنادق، وتأمين عودة النازحين إلى منازلهم، وتسهيل مرور البضائع والسلع، غير أن كل ذلك يسير ببطء وحذر شديدين.

وبحسب المصادر؛ فإن الجماعة الحوثية تشترط تحصيل الجبايات على البضائع من طرفها وفق إجراءاتها المعمول بها في مناطقها، ومن ذلك استحداث نقاط تحصيل جمركية على غرار ما أقدمت عليه منذ سنوات في مختلف المنافذ المؤدية إلى مناطق سيطرتها.

وكان نبيل شمسان محافظ محافظة تعز أعلن منذ أيام أن السلطة المحلية تعمل منذ أشهر لإنهاء معاناة السكان، وفقاً لإجراءات بناء الثقة برعاية السعودية والأمم المتحدة، إلى جانب وساطة سويسرية وأخرى محلية، وبتوجيهات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي.

مصير اتفاق استوكهولم

واستقدمت الجماعة الحوثية عشرات الشخصيات الاجتماعية والأعيان من محافظات عدة، ودفعت بإعلاميين تابعين لها لنقل مشاهد الجرافات، وهي تزيل أحد المتاريس التي كانت تغلق هذه الطريق، والتي يقدر أنها تزيد على 15 متراساً.

ويربط الكاتب اليمني وسام محمد المبادرة الحوثية باتفاق استوكهولم والقرارات الحكومية الأخيرة التي ضيقت عليها الخناق اقتصادياً، متوقعاً أن الجماعة تخشى أن تمتد القرارات الحكومية إلى الانسحاب من الاتفاق الموقع أواخر العام 2018 في العاصمة السويدية؛ وهو ما قد يلغي ما تحصلت عليه من مكاسب في ميناء الحديدة، ويمثل ضربة قاضية لها.

جرافة حوثية تزيل أحد المتاريس في طريق الحوبان شرق مدينة تعز (إكس)

ووفقاً لرأي محمد الذي أدلى به لـ«الشرق الأوسط»؛ فإن الجماعة تهرب إلى الأمام فقط، ولا يوجد لديها أي رغبة حقيقية في فك الحصار الذي فرضته على المدينة منذ 9 أعوام، فهذه التحركات تخفي خلفها مصلحة ما للجماعة، التي ينفي أن يكون لديها قدرة على خداع المجتمع أو استغفاله، بدليل طريقة التعاطي المجتمعي مع الحدث.

وأقرّ البنك المركزي اليمني أخيراً سحب أوراق العملة النقدية القديمة التي تستخدمها الجماعة في مناطق سيطرتها، وإيقاف البنوك التي رفضت نقل مراكزها ومقارها إلى العاصمة المؤقتة؛ فالجماعة تهرب إلى الأمام، وحظر الحوالات الخارجية إلا عبر البنوك وشركات الصرافة المعتمدة من طرفه الحوالات.

ويتوقع الكاتب وسام محمد أن إلغاء اتفاق استوكهولم، وما يخص بنود رفع القيود عن إدخال المشتقات النفطية وباقي السلع عبر ميناء الحديدة، بذريعة أن الجماعة لم تلتزم بالاتفاق، وتنصلت من بنود فتح الطرق في تعز وسداد رواتب الموظفين العموميين، سيحقق نتائج هائلة.

في المقابل، يذهب الباحث السياسي مصطفى ناجي إلى الدعوة إلى إعادة التفكير في وضع الجبهة في تعز وعلاقتها بحاضنتها الشعبية، وتقييم دور السلطة المحلية، في مقابل التذكير بأن فتح طرق تعز واحد من أهم بنود اتفاق استوكهولم، ولها إطار قانوني طالما كانت تحت إشراف الأمم المتحدة.

ورعت الأمم المتحدة والدول الكبرى اتفاقاً في العاصمة السويدية أواخر العام 2018، للهدنة في محافظة الحديدة غرب اليمن، يضمن بقاء الحديدة وموانئها ممراً آمناً للمساعدات الإنسانية، مقابل انسحاب الجماعة الحوثية منها، وإيداع موارد موانئها في البنك المركزي اليمني لدفع مرتبات الموظفين العموميين، كما شمل الاتفاق فتح الطرق في تعز.

شارع مهجور في الطرف الشرقي لمدينة تعز وتظهر على مبانيه آثار الحرب (إكس)

ويفسر ناجي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» تهرّب الجماعة الحوثية من تنفيذ اتفاقيات ملزمة لها صيغة قانونية وتبعات، وزعمها الاستجابة إلى وساطات محلية أخرى، بوجود فرصة للتملص من الالتزام في أي لحظة، مستغرباً من طريقة الجماعة في هدر حقوق سكان المدينة بادعاء أن فتح الطريق كان مكافأة لهم على موقفهم من الحرب على غزة.

رسائل إلى الداخل والخارج

وتتداول الأوساط الشعبية في المدينة وأريافها أخبار فتح الطريق بتلهف مصحوب بالحذر، وتسود حالة من الغضب بين عدد من الناشطين السياسيين والكتاب والمقاتلين في صفوف المقاومة، من طرق التعاطي مع هذه التطورات، والتي يرون أنها تخدم رغبة الجماعة الحوثية في مساعيها لتجميل صورتها.

وعبّر أحد قادة المقاومة الشعبية عن استنكاره ما سمّاه «الصمت الرسمي» إزاء اتخاذ الجماعة الحوثية فتح طريق الحوبان وكأنه مكرمة منها، وعدم الرد عليها وتوضيح ملابسات وغموض الحدث، وتحديد موقف لا يفرّط في حقوق السكان، ولا يمنح الجماعة نصراً إعلامياً وشهادة حسن سيرة وسلوك حسب وصفه، كما لا يمنح الفرصة لتناسي التضحيات الكبيرة لمنع السيطرة على المدينة وإسقاطها.

زحام شديد في منفذ مدينة تعز الشرقي باتجاه ضاحية الحوبان وهو المنفذ المغلق بسبب الحرب منذ 9 أعوام (إكس)

القيادي الذي فضل عدم الكشف عن هويته، انتقد كذلك مسارعة الإعلاميين ومشاهير التواصل الاجتماعي في المدينة للنزول إلى منفذ الحوبان والتعامل مع الحدث وكأن الأمور قد عادت إلى طبيعتها قبل الحصار الحوثي للمدينة، بينما دفعت الجماعة بمقاتليها للظهور كرسل سلام وفاعلي خير، بعد كل جرائمهم بحق المدينة وأهلها.

بدوره يربط الباحث السياسي صلاح علي صلاح فتح طريق الحوبان بالتصعيد تجاه أنشطة المنظمات الدولية والغربية في مناطق سيطرة الجماعة، والاعتقالات التي طالت موظفي هذه المنظمات، من حيث إن الجماعة تريد إرسال رسائل عدة وتبحث عن فرصة للدخول في مفاوضات.

ويوضح صلاح لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التناقض في المواقف بالتهدئة محلياً وفتح الطرقات، مقابل التصعيد تجاه الغرب لدرجة اتخاذ إجراءات تعسفية تجاه منظماته العاملة في البلاد، يوجه رسالة بضرورة التفاهم حول مختلف التطورات السياسية، وعودة الدول الكبرى لرعاية جهود السلام، حيث يمكن أن تثبت الجماعة أنها حققت خطوات متقدمة في ذلك.

إلا أنه لم يستبعد أن تكون هذه المبادرات مقدمة لعودة التصعيد العسكري، ومناورة لتحقيق أغراض عسكرية وأمنية.


مقالات ذات صلة

العليمي يدعو إلى نهج عالمي جماعي لدعم اليمن اقتصادياً وأمنياً

العالم العربي العليمي التزم بعدم تأثير تصنيف الحوثيين «إرهابيين» على العمل الإنساني (سبأ)

العليمي يدعو إلى نهج عالمي جماعي لدعم اليمن اقتصادياً وأمنياً

أعرب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، عن تطلعه لشراكة أوسع مع واشنطن لمواجهة التحديات، داعياً إلى نهج عالمي جماعي لدعم بلاده اقتصادياً وأمنياً.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي تجمع لأتباع الحوثيين في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة لاستعراض القوة (رويترز)

رجال أعمال يمنيون مغيّبون في سجون الحوثيين

بينما لا يزال رجل أعمال يمني في سجن عمّ زعيم الحوثيين منذ عام ونصف العام لرفضه التحكيم في نزاع تجاري مع شريك له، فشلت محاولات والدي رجل أعمال ثانٍ بإطلاق سراحه.

محمد ناصر (تعز)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لدى استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في جدة يونيو 2024 (واس)

السعودية ترسِّخ مكانتها وسيطاً موثوقاً في الدبلوماسية العالمية

تعيد المملكة العربية السعودية رسم ملامح دورها في الدبلوماسية العالمية، وسيطاً موثوقاً ومنصةً رئيسيةً للمفاوضات الحساسة بين القوى الإقليمية والدولية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي نقل المياه إلى المنازل... مهمة شاقة فرضتها الأوضاع المعقدة على اليمنيات (أ.ف.ب)

أعباء الحرب تدفع اليمنيات للعمل في ظروف معقدة

أجبرت الحرب نساء يمنيات على العمل في ظروف صعبة وفي مهن لا تناسب قدراتهن البدنية والنفسية، فيما يعمل كل من الأمم المتحدة ومركز الملك سلمان على تأهيل المئات منهن.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقد بمحافظة مأرب عن انتهاكات جماعة الحوثي في البيضاء (سبأ)

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

كشف تقرير حقوقي يمني عن توثيق نحو 13 ألف انتهاك لحقوق الإنسان في محافظة البيضاء (وسط اليمن) ارتكبتها ميليشيا الحوثي خلال السنوات العشر الأخيرة

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الحوثيون: سنتخذ إجراءات عسكرية ضد إسرائيل بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة

عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون: سنتخذ إجراءات عسكرية ضد إسرائيل بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة

عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)

قال الحوثيون في اليمن، اليوم (الاثنين)، إنهم سيتخذون إجراءات عسكرية بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة لرفع الحصار عن قطاع غزة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الجمعة، إن الحركة ستستأنف عملياتها البحرية ضد إسرائيل إذا لم تُنهِ تعليقها دخول المساعدات إلى غزة خلال 4 أيام، مما يشير إلى تصعيد محتمل.

وشنت الحركة المتمردة المتحالفة مع إيران أكثر من 100 هجوم على حركة الشحن البحرية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، قائلة إن الهجمات تضامن مع الفلسطينيين في حرب إسرائيل على حركة «حماس» الفلسطينية في قطاع غزة، وتراجعت الهجمات في يناير (كانون الثاني) بعد وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني.

خلال تلك الهجمات، أغرق الحوثيون سفينتين واستولوا على أخرى وقتلوا 4 بحارة على الأقل، مما أدى إلى اضطراب حركة الشحن العالمية لتُضطر الشركات إلى تغيير مسار سفنها لتسلك طريقاً أطول وأعلى تكلفة حول جنوب القارة الأفريقية.

وقال الحوثي، الجمعة: «سنعطي مهلة 4 أيام وهذه مهلة للوسطاء فيما يبذلونه من جهود، إذا استمر العدو الإسرائيلي بعد الأيام الأربعة في منع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، واستمر في الإغلاق التام للمعابر ومنع دخول الدواء إلى قطاع غزة فإننا سنعود إلى استئناف عملياتنا البحرية ضد العدو الإسرائيلي. كلامنا واضح ونقابل الحصار بالحصار».

وفي الثاني من مارس (آذار)، منعت إسرائيل دخول شاحنات المساعدات إلى غزة مع تصاعد الخلاف حول الهدنة، ودعت «حماس» الوسطاء المصريين والقطريين إلى التدخل.

ورحّبت الحركة الفلسطينية بإعلان الحوثي، الجمعة. وقالت في بيان: «هذا القرار الشجاع الذي يعكس عمق ارتباط الإخوة في أنصار الله والشعب اليمني الشقيق بفلسطين والقدس، يعد امتداداً لمواقف الدعم والإسناد المباركة التي قدموها على مدار خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة في قطاع غزة».