موسكو ومينسك تجريان تدريبات نووية لمواجهة «تهديدات خارجية»

بوتين إلى كوريا الشمالية وفيتنام... وأوكرانيا لنشر مقاتلات «إف 16» في بلدان مجاورة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى اجتماعه مع مفوضة حقوق الإنسان في روسيا تاتيانا موسكالكوفا بموسكو الاثنين (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى اجتماعه مع مفوضة حقوق الإنسان في روسيا تاتيانا موسكالكوفا بموسكو الاثنين (أ.ف.ب)
TT

موسكو ومينسك تجريان تدريبات نووية لمواجهة «تهديدات خارجية»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى اجتماعه مع مفوضة حقوق الإنسان في روسيا تاتيانا موسكالكوفا بموسكو الاثنين (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى اجتماعه مع مفوضة حقوق الإنسان في روسيا تاتيانا موسكالكوفا بموسكو الاثنين (أ.ف.ب)

أطلقت روسيا، الاثنين، المرحلة الثانية من تدريبات على أسلحة نووية تكتيكية، بمشاركة بيلاروسيا، في إطار رفع درجة التأهب وفحص جاهزية القوات غير الاستراتيجية.

بدورها، قالت مينسك، التي نشرت في وقت سابق أسلحة نووية روسية على أراضيها، إن هذه المناورات تهدف إلى مواجهة التهديدات الخارجية ضد روسيا وبيلاروسيا وحماية أمن البلدين وسيادتهما.

وأكد وزير الدفاع البيلاروسي، فيكتور خرينين، تعليقاً على انطلاق المرحلة الثانية من المناورات، أن مينسك «ليس لديها هدف خلق توتر أمني في المنطقة». وزاد أن بلاده «تواجه تهديدات جدية؛ لكنها لا تقوم بخطوات لتهديد أي طرف»، موضحاً أن «قيادات الدول الغربية هي التي تنتهج سياسة عدوانية لا هوادة فيها في المجال العسكري، وتظهر عدم الاستعداد للحوار البناء؛ مما يزيد من درجة التوتر في المنطقة».

وتابع الوزير أنه «بعد المحاولات الفاشلة لجرنا إلى وباء الثورات الملونة وسحقنا بالعقوبات الاقتصادية، يخطط بعض المتهورين في الغرب بشكل خاص لاستخدام القوة العسكرية ضد دولتنا، ويدلي ممثلو بعض الدول بتصريحات حول السماح بضربات بأسلحتهم التي نُقلت إلى أوكرانيا ضد أراضي الاتحاد الروسي». وقال إن بيلاروسيا تراقب وتحلل «كل هذه الهجمات العدوانية (...) وتعمل باستمرار على تعزيز إمكاناتها الدفاعية. ومشاركتنا في المرحلة الثانية من تدريبات القوات المسلحة للاتحاد الروسي على استخدام الأسلحة النووية غير الاستراتيجية هي تأكيد لذلك، ونحن اليوم استباقيون، ونخطط لزيادة استعدادنا لاستخدام ما تسمى (الأسلحة الانتقامية)».

وزاد الوزير: «نحن مصممون أكثر من أي وقت مضى على الرد على أي تهديدات يجري خلقها لبلدنا والدولة الاتحادية (مع روسيا)». وأضاف أن المناورات النووية تعد «فرصة ممتازة لتقييم مستوى استعداد القوات المسلحة لضمان الأمن والدفاع المسلح عن بيلاروسيا».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في قاعدة «فوستوشني» الفضائية بأقصى الشرق الروسي يوم 13 سبتمبر 2023 (رويترز - أرشيفية)

جولة خارجية لبوتين

في غضون ذلك، أعلن الكرملين، الاثنين، أن الرئيس فلاديمير بوتين ينوي القيام بجولة إلى كوريا الشمالية وفيتنام الأسبوع المقبل. وقال الناطق الرئاسي، ديميتري بيسكوف، إن الكرملين سوف يعلن لاحقاً تفاصيل الجولة. وهذه واحدة من الزيارات الخارجية النادرة لبوتين الملاحق من جانب المحكمة الجنائية الدولية على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا، وسبق له أن زار الصين وبعض الجمهوريات السوفياتية السابقة. وينظر إلى زيارة كوريا الشمالية في الغرب باهتمام خاص، على ضوء تقارير غربية تحدثت عن قيام بيونغ يانغ بنشاط واسع لإمداد موسكو بأنظمة صاروخية متعددة الأغراض ومعدات عسكرية أخرى؛ بينها قذائف مدفعية وذخائر. وتنفي موسكو وبيونغ يانغ صحة تلك الاتهامات.

نشر «احتياطي» لمقاتلات «إف 16»

في سياق متصل، أعلنت أوكرانيا أنها تنوي نشر جزء من المقاتلات الغربية من طراز «إف16»، التي تسلَّم إلى كييف، في مطارات بعض البلدان المجاورة بهدف حمايتها من الضربات الروسية. وأعاد الحديث عن تزويد أوكرانيا بهذه المقاتلات التذكير بخطر استخدام السلاح النووي، بعدما رأت موسكو أن وصول المقاتلات إلى الأراضي الأوكرانية وبدء استخدامها ضد مواقع روسية يفتح على تهديد بالانزلاق نحو مواجهة تستخدم فيها القدرات النووية.

ونقل موقع «سترانا. وا» الأوكراني، الاثنين، عن سيرغي غولوبتسوف، قائد سلاح الطيران في الجيش الأوكراني، أن «بعض المقاتلات التي تسلَّم إلى أوكرانيا سوف يبقى في مطارات وقواعد عسكرية خارج البلاد، حيث يجري فيها تدريب طيارين وطواقم لدينا. هناك عدد معين من الطائرات ستخزَّن في قواعد جوية آمنة، وليس في أوكرانيا، لذلك لن تكون أهدافاً لضربات روسية». وأوضح غولوبتسوف أن المقاتلات التي سوف تنشر في المطارات الأجنبية ستكون «احتياطية في حال الحاجة إلى استبدال وإصلاح الطائرات المعيبة»، في إشارة إلى أن بلاده لن تستخدم كل الترسانة التي يقدمها الغرب حالياً في عمليات هجومية.

ويعدّ هذا رداً على تهديدات روسية سابقة باستهداف المواقع التي سوف تنشر فيها المقاتلات. وكان رئيس لجنة الدفاع في «مجلس الدوما (النواب)»، آندريه كارتابولوف، أفاد وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية بأنه «إذا شاركت مقاتلات (إف16) في مهام قتالية، فإنها والمطارات التي تتمركز فيها ستصبح هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة الروسية. ولكن إذا كانت تخزن فقط في المطارات، فلن تكون لدينا مطالبات ضد البلدان التي تخزنها». وأكد النائب: «لكن إذا أقلعوا من مطارات دولة ما، ودخلوا المجال الجوي الأوكراني، وأطلقوا الصواريخ ثم عادوا إلى هناك، فهذا هدف مشروع».

وكانت الولايات المتحدة وافقت على تسليم كييف مقاتلات من هذا الطراز عبر حليفاتها في أوروبا. وبدأت هولندا والدنمارك عمليات واسعة لتدريب الطيارين الأوكرانيين، وأعلنت أخيراً عن بدء تسليم كييف هذه الطائرات. وتتوقع لاهاي إرسال أولى الطائرات إلى أوكرانيا هذا العام، كما صرح وزير الخارجية البلجيكي، آجا لبيب، أن بروكسل ستسلم 30 طائرة من هذا الطراز بحلول عام 2028.

وحذرت موسكو الدول الغربية من تداعيات خطرة للتطور، ووفقاً لوزير الخارجية، سيرغي لافروف، فإن روسيا «تنظر إلى تسليم طائرات (إف16) على أنه إشارة متعمدة من (حلف شمال الأطلسي) في المجال النووي». وشدد لافروف على أن ظهورها في أوكرانيا «لن يغير الوضع على خط التماس القتالي بأي حال من الأحوال؛ إذ ستدمَّر هذه الطائرات كغيرها من أنواع الأسلحة».

وتعدّ روسيا تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز «إف16» إشارةً متعمدة من «حلف شمال الأطلسي» في المجال النووي، «في حين ستدمَّر هذه الطائرات بالطريقة نفسها التي تدمَّر بها الأسلحة الأخرى للقوات المسلحة الأوكرانية»، ولن يغير مظهرها، من وجهة نظرها، الوضع في ساحة المعركة بأي شكل من الأشكال. وقال وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في مقابلة مع «ريا نوفوستي» إن «مقاتلات (إف16) وسيلة الإيصال الرئيسية في إطار ما تسمى (المهام النووية المشتركة لحلف شمال الأطلسي)، لذلك، لا يسعنا إلا أن نعدّ توريد هذه الأنظمة إلى نظام كييف إشارة متعمدة من قبل الناتو (...) إنهم (الغرب) يحاولون أن يجعلونا نفهم أن الولايات المتحدة و(حلف شمال الأطلسي) مستعدان لأي شيء في أوكرانيا».

تزامناً مع ذلك، كشف مدير إدارة الاقتصاد العسكري في الجيش الفنلندي، ميكو هيسكانين، عن إرسال بلاده عينات من الأسلحة الفنلندية إلى أوكرانيا، مشيراً إلى أن بعضها لا يزال في مرحلة التطوير. ونقلت وسائل إعلام محلية عن هيسكانين أنه «إلى جانب الأسلحة القديمة عند الجيش الفنلندي، يجري إرسال عينات من الأسلحة الجاري تطويرها»، من دون أن يحدد صنوف تلك الأسلحة. وقال: «يجري أيضاً تصدير أحدث الابتكارات من صناعة الدفاع الفنلندية إلى أوكرانيا»، وإن «التجارب والخبرات المكتسبة من أداء تلك الأسلحة في نزاع أوكرانيا ستسخَّر لاحقاً في تطوير الآليات العسكرية الفنلندية».


مقالات ذات صلة

ناجون من طائرة أذربيجان: سمعنا دوي انفجارات قبل السقوط

العالم فافا شبانوفا ناجية من حادثة تحطم طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية في كازاخستان (رويترز)

ناجون من طائرة أذربيجان: سمعنا دوي انفجارات قبل السقوط

قال أحد ركاب طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية التي تحطمت في كازاخستان، لوكالة «رويترز»، إنه سمع دوي انفجار قوي لدى اقتراب الطائرة من وجهتها في مدينة غروزني.

«الشرق الأوسط» (باكو)
أوروبا رجلان يقفان بجوار جثمان قريب لهما قُتل في قصف صاروخي على منطقة دونيتسك 21 يناير (كانون الثاني) 2024 (أ.ف.ب)

سلوفاكيا تؤكد استعدادها لاستضافة مباحثات سلام بشأن أوكرانيا

أعربت سلوفاكيا عن استعدادها لاستضافة مباحثات سلام في أوكرانيا، بعدما أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موافقته على أن تصبح براتيسلافا «منصة» للحوار بشأن الحرب.

«الشرق الأوسط» (براتيسلافا)
أوروبا جنود أوكرانيون من كتيبة «دافنشي» خلال تدريب في منطقة دنيبروبيتروفسك في 12 ديسمبر 2024... وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

ازدياد عمليات الفرار يثير القلق في صفوف الجيش الأوكراني

مع استمرار الحرب في أوكرانيا بشراستها منذ أكثر من عامين، يختار آلاف الجنود الأوكرانيين الفرار من الجيش في محاولة للنجاة من أهوال القتال على الجبهة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

قالت المخابرات العسكرية الأوكرانية إن القوات الكورية الشمالية تتكبد خسائر فادحة في القتال في منطقة كورسك الروسية، وتواجه صعوبات لوجيستية نتيجة هجمات أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بوتين: روسيا تسعى للانتهاء من الحرب في أوكرانيا

نقلت وكالات أنباء روسية عن الرئيس فلاديمير بوتين القول اليوم الخميس إن موسكو تسعى جاهدة للانتهاء من الصراع في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الوضع السياسي الفرنسي متفجر رغم تشكيل حكومة جديدة

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

الوضع السياسي الفرنسي متفجر رغم تشكيل حكومة جديدة

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)

منذ اليوم الأول، يُطرح السؤال حول عمر حكومة فرنسوا بايرو التي أُعلنت الاثنين الماضي، وحول قدرتها على التعامل مع الاستحقاقات الرئيسة التي تواجهها فرنسا، وعلى رأسها إقرار موازنة عام 2025 وخفض المديونية التي ضربت رقماً قياسياً بحيث وصلت إلى 3300 مليار يورو، فضلاً عن عجز المالية العامة والعثور على وفر قدره 60 مليار يورو، ومواجهة النقص في قطاعات رئيسة مثل الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، وغيرها كثير.

ومشكلة بايرو، السياسي الوسطي البالغ من العمر 73 عاماً، أنه لم ينجح حقيقة في توسيع القاعدة السياسية لحكومته، بحيث جاءت كنسخة قريبة جداً من حكومة سابقه ميشال بارنييه التي استقالت بعد 3 أشهر فقط من تشكيلها بعد طرح الثقة بها في البرلمان.

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الجديدة فرنسوا بايرو في عام 2017 (أ.ب)

رغم ما سبق، فإن بايرو الذي ترشح لرئاسة الجمهورية ثلاث مرات دون أن يتأهل أبداً للجولة الثانية الحاسمة، يؤمن بأن حظوظه في البقاء، عندما سيتاح للرئيس إيمانويل ماكرون حل البرلمان مجدداً، أصلب وأقوى من حظوظ سلفه. وحجته في ذلك أنه نجح في ضم شخصيات قوية إلى حكومته، ومنها رئيسان سابقان للوزارة (إليزابيث بورن في وزارة التعليم، ومانويل فالس في وزارة شؤون مقاطعات ما وراء البحار)، إضافة إلى جيرالد دارمانان (وزير الداخلية السابق) الذي أُعطيت له وزارة العدل، وبرونو روتايو المنتمي إلى اليمين التقليدي وقد حافظ على حقيبته السابقة (وزارة الداخلية).

بالمقابل، فإن ماكرون احتفظ بوزيري الخارجية والدفاع (جان نويل بارو وسيباستيان لو كورنو) باعتبار وزارتيهما سياديتين وتحت إشراف رئيس الجمهورية، وفق ما ينص عليه دستور الجمهورية الخامسة.

رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (الأول يساراً) في صورة مركبة مع الوزراء الرئيسين في حكومته الجديدة (أ.ف.ب)

هشاشة الحكومة

وتعيش فرنسا، منذ انتخابات الصيف الماضي، حالة من عدم الاستقرار السياسي. وأبلغ دليل على ذلك أنها عرفت خلال عام واحد أربعة رؤساء حكومات. وخلال العام المنقضي، عاشت فرنسا من غير حكومة فاعلة طيلة 174 يوماً. ورغم الصعوبات الاستثنائية التي تعاني منها البلاد، فإن الرئاسة والحكومة في عطلة حتى الثالث من يناير (كانون الثاني)؛ موعد أول اجتماع لمجلس الوزراء.

مانويل فالس الذي كان رئيس حكومة في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند عُهد إليه بحقيبة مقاطعات فرنسا ما وراء البحار (أ.ف.ب)

أما بايرو، فإنه لن يكشف عن برنامج حكمه وتوجهاته السياسية إلا في خطاب مقرر يوم 13 من الشهر القادم. وفي أي حال، لن تكون بعيدة عن السياسات المتبعة منذ سبع سنوات؛ أي منذ وصول ماكرون إلى رئاسة الجمهورية في ربيع عام 2017. لكن الفارق الكبير أن ماكرون اليوم بعيد كل البعد عما كان عليه خلال ولايته الخماسية الأولى؛ فهو، من جهة، يفتقر اليوم لأكثرية مطلقة في البرلمان، بعكس ما كانت عليه حاله سابقاً حيث اتكأ على أكثرية ساحقة مكنته من إقرار القوانين والتشريعات واتباع السياسات التي ارتآها من غير وجود معارضة مؤثرة.

أما اليوم، فإن البرلمان يتشكل بشكل رئيس من ثلاث مجموعات نيابية، منها اثنتان (تحالف اليسار والخضر وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف) تعارضانه، في حين يحظى بدعم الكتلة المركزية. من هنا، حاجته لليمين التقليدي الذي أُعطي سبع وزارات في الحكومة الجديدة للحصول على دعمه. بيد أن مساندة اليمين المذكور متأرجحة. ورهان ماكرون على الخلافات الجوهرية التي تحول دون توافق اليسار والخضر واليمين المتطرف.

رئيس الوزراء الفرنسي المعيّن فرنسوا بايرو وسلفه المنتهية ولايته ميشال بارنييه خلال حفل التسليم (د.ب.أ)

لكن رهانه هذا غير مكفول النتائج، والدليل على ذلك أنهما صوتا معاً لإسقاط حكومة بارنييه، ولا شيء يمنعهما من التوافق مجدداً لإطاحة حكومة بايرو، رغم أن الأخير كرر في الأيام الثلاثة الأخيرة أن السياسة التي سيسير على هديها، والشخصيات الرئيسة التي ضمها إلى حكومته، ستوفر لها المناعة وتضمن لها الاستمرارية. ويعول الأخير على تجنيد أربعة وزراء دولة يتولون حقائب الداخلية والعدل والتعليم ومقاطعات ما وراء البحار، وعلى تجربتهم الحكومية والسياسية وحضورهم الإعلامي، للبقاء في السلطة لأشهر طويلة. وزعم بايرو أنه نجح في جمع شخصيات «تتحلى بالخبرة وقادرة على تحقيق المصالحة وترميم الثقة مع الفرنسيين».

إليزابيث بورن التي كانت ثاني امرأة تكلف برئاسة الحكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية عُينت وزيرة للتربية في الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)

رهان بايرو، ككافة الرهانات، يمكن أن يتحقق، كما أنه يمكن أن يفشل. ونقلت صحيفة «لوموند» عن توماس أرهارد، المحاضر في العلوم السياسية في جامعة «باريس 2 - بانتيون»، قوله إن «حكومة بايرو ليست أفضل حالاً من حكومة بارنييه؛ إذ إنها تفتقر للشرعية البرلمانية، ولأن الجمعية الوطنية لا تعتبر نفسها مرتبطة باختياره ولا بتعيين حكومته». وتجدر الإشارة إلى أن 19 وزيراً من الحكومة السابقة أُعطوا حقائب وزارية في الحكومة الجديدة، وأن 13 وزيراً منها ينتمون إلى الكتلة المركزية الداعمة لماكرون.

انتقال القرار السياسي من الإليزيه إلى البرلمان

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

ويرى المحللون السياسيون أن مشكلة الرئيس الفرنسي تكمن في أنه فقد القدرة على التحكم بالحياة السياسية، وأن مركز القرار انتقل من قصر الإليزيه إلى البرلمان؛ ذلك أن الجمهورية الخامسة قامت على مبدأ أولوية الرئاسة على غيرها من المؤسسات، بفضل الصلاحيات الواسعة التي أرادها مؤسس الجمهورية الخامسة، الجنرال ديغول، لرئاسة الجمهورية، والتي فصّلها على قياسه. ولكن ذلك يفترض أنه يحظى بأكثرية برلمانية تمكنه من أن يقود وينفذ السياسة التي يقررها، وهذا غير قائم اليوم. والخطر الأكبر الذي يهدد ماكرون عنوانه السقوط السريع لبايرو، وهو ما يدفع باتجاهه زعيم اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون، وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان. وإذا سقط بايرو يكون ماكرون قد استنفد آخر ذخائره، وسيجد نفسه مقوداً إلى الاستقالة؛ إذ إن ما تعيشه فرنسا لن يكون مجرد أزمة عابرة، بل إنها ستواجه أزمة مؤسسات وأزمة نظام، ولا خروج منهما إلا من خلال انتخابات عامة، ورئاسية بالدرجة الأولى.

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري (إ.ب.أ)

بيد أن ماكرون نجح، حتى اليوم، في إبعاد اليسار عن السلطة رغم أن تحالف اليسار (الاشتراكي والشيوعي وحزب فرنسا الأبية والخضر) حلّ في المرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة، وطرح مرشحته (لوسي كاستيه) لرئاسة الحكومة وفق ما يقتضيه العرف المعمول به في فرنسا. لكن ماكرون ناور مرتين بنجاح وأبقى اليسار بعيداً عن السلطة بحجة أنه لا يملك الأكثرية المطلقة في البرلمان، إلا أن نجاحه كان مؤقتاً. واليوم، يعاني من تراجع شعبيته؛ إذ إن ثلاثة أرباع الفرنسيين لا يبدون ارتياحاً إزاء أداء رئيس الجمهورية، بحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «إيفوب» ونشرت نتائجه أمس. ولا شيء يشير إلى أنه سيستعيد شعبيته المفقودة؛ إذ إن نجاح الألعاب الأولمبية، وأيضاً الانتهاء من ترميم كاتدرائية «نوتردام»، كان لهما الأثر الإيجابي، ولكنه اندثر سريعاً. فهل سيبتعد عن المسرح السياسي الداخلي ويركز على لعب دور في السياسة الخارجية رغم تراجع نفوذ بلاده بسبب أوضاعها الاقتصادية ونزاعاتها السياسية، أو أنه سينتظر الصيف القادم ليحل البرلمان مجدداً ويحاول تغيير الخريطة السياسية لصالحه بحيث ينهي ولايته الثانية ربيع عام 2027 من غير أضرار كبرى؟ سؤال تصعب الإجابة عنه اليوم، وهو متروك للقادم من الأيام.