حفل فرنسي «استثنائي» للحلفاء في ذكرى «إنزال النورماندي»

بايدن: الانعزالية لم تكن الحل قبل 80 عاماً وهي ليست الحل اليوم

ماكرون وبريجيت ماكرون يصطحبان جو وجيل بايدن في حفل إحياء ذكرى إنزال النورماندي الخميس (د.ب.أ)
ماكرون وبريجيت ماكرون يصطحبان جو وجيل بايدن في حفل إحياء ذكرى إنزال النورماندي الخميس (د.ب.أ)
TT

حفل فرنسي «استثنائي» للحلفاء في ذكرى «إنزال النورماندي»

ماكرون وبريجيت ماكرون يصطحبان جو وجيل بايدن في حفل إحياء ذكرى إنزال النورماندي الخميس (د.ب.أ)
ماكرون وبريجيت ماكرون يصطحبان جو وجيل بايدن في حفل إحياء ذكرى إنزال النورماندي الخميس (د.ب.أ)

3 احتفالات رئيسية شهدتها منطقة النورماندي، الواقعة في شمال غربي فرنسا، هي احتفال أميركي، وآخر بريطاني، ثم بعد الظهر الاحتفال الدولي الذي جرى في «أوماها بيتش»، حيث دارت إحدى أعنف المعارك «يوم الإنزال» الذي جرى في 6 يونيو (حزيران) 1944.

صبيحة ذلك اليوم الشهير نزل 150 ألف رجل على شواطئ النورماندي، بمشاركة 11500 طائرة حربية و6900 سفينة، وأسقطت الطائرات القاذفة ومدافع السفن 12 ألف طن من القنابل على مواقع الجيش الألماني، وأماكن تمركزه في المدن، وعلى الطرق التي سيّر عليها دورياته وقواته. بيد أن المدنيين في المنطقة دفعوا ضريبة مرتفعة، إذ قتل منهم 20 ألف شخص، وثمّة مدن مثل «سان لو» محيت تماماً من الخريطة، فيما أصاب الدمار بعنف مركز المحافظة، وهي مدينة «كاين».

تكريم المقاومين

إيمانويل وبريجيت ماكرون يستقبلان ملك وملكة بريطانيا في النورماندي الخميس (رويترز)

ويوم الأربعاء، كرّس الرئيس إيمانويل ماكرون نهاره لتكريم المقاومين الفرنسيين الذي شاركوا في العمليات العسكرية، والمدنيين أيضاً الذين دفعوا ثمن تحرير المنطقة من الاحتلال النازي. وتُبيّن الأرقام الرسمية أن 58 ألف جندي أميركي شاركوا في الإنزال، إلى جانب 54 ألف بريطاني، و21 ألف كندي، بينما كان عدد الفرنسيين ضئيلاً ولم يتجاوز 177 رجلاً. لكن رجال المقاومة الفرنسية في الداخل والمظليين الذين انضموا إليهم في الليلة السابقة لعبوا دوراً مُهمّاً في عمليات التخريب وإعاقة تحرك القوات الألمانية.

وكانت محصلة اليوم الأول من ضحايا الحلفاء 10470 رجلاً، سقطوا على رمال شواطئ النورماندي، وعلى بعد عدة كيلومترات فقط من الشاطئ حيث كانت المقاومة الألمانية ضارية.

تدابير أمنية

وسط تدابير أمنية استثنائية نفّذتها القوات الفرنسية ورجال الدرك والأمن بشكل عام براً وبحراً وجواً، من نشر قطع بحرية ومنظومات صاروخية وتأهّب أمني استثنائي لحماية المسؤولين الدوليين ورجال الدولة الفرنسية، جرت 3 احتفالات: في المقبرة الأميركية التي يرقد فيها آلاف الجنود الأميركيين في مدافن بيضاء، تجول بينها الرئيس الأميركي جو بايدن وزوجتته قبل بدء الاحتفال الرسمي. بعدها، أقيم احتفال ثانٍ في المقبرة البريطانية القريبة من مدينة «بايو»، وذلك بحضور الملك تشارلز الثالث، وولي عهده الأمير وليام. إلا أن الاحتفال الأكبر الدولي، الذي جرى بمشاركة قادة الدول الـ25 المدعوين، حصل في الموقع المسمى «أوباما بيتش»، الذي خلّده الفيلم الشهير «اليوم الأطول» الذي يروي ملحمة الإنزال، وهي الكبرى في التاريخ.

رسائل أميركية

في الكلمة التي ألقاها في احتفال بالمقبرة الأميركية الواقعة قرب مدينة «كولفيل سور مير» صباحاً، بحضور الرئيس الفرنسي وكثير من المدعوين، وخصوصاً مجموعة من قدامي المحاربين الأميركيين الذين جاؤوا خصيصاً من الولايات المتحدة، عبّر بايدن عن مجموعة من المواقف السياسية، ووجّه رسائل إلى الداخل الأميركي، وأخرى إلى العالم، خصوصاً بالنسبة للحرب في أوكرانيا.

بايدن مُرحباً بزيلينسكي بعد وصوله للمشاركة في حفل إحياء ذكرى النورماندي (رويترز)

تجدر الإشارة إلى أن بايدن سيبقى في فرنسا، حيث تبدأ غداً زيارة الدولة التي دعاه إليها الرئيس ماكرون، والتي ستدوم حتى يوم السبت، حيث يكون قد أمضى 5 أيام على الأراضي الفرنسية، وهي الزيارة الأطول لأي رئيس أميركي إلى فرنسا.

ومما جاء في كلمته قوله: «نحن نعيش في حقبة أصبحت فيها الديمقراطية معرضة للخطر في كل أنحاء العالم، أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». ولم يتردد بايدن في التلميح للمعركة التي يخوضها للفوز بولاية ثانية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والتنديد بخصمه الرئيس السابق دونالد ترمب، بقوله: «إن الانعزالية لم تكن الحلّ قبل 80 عاماً، وهي ليست الحل اليوم».

وإذ عدّ بايدن أن التحالفات القوية كانت وما زالت تعد «أساسية»، دعا الأميركيين إلى تجنب تناسي هذا الدرس أبداً. ويتهم ترمب بأنه عمد إلى اتباع سياسة انعزالية تنُمّ عن انسحابه شيئاً فشيئاً من الانخراط في شؤون العالم، والتركيز على الولايات المتحدة وعلى مسائل أساسية بالنسبة إليها، مثل التنافس مع الصين.

واستفاد بايدن من المناسبة ليجدد تأكيده على دعم أوكرانيا وعدم التخلي عنها، وليؤكد إيمانه بـ«أشياء تستحق القتال والموت من أجلها»، ذاكراً منها الحرية والديمقراطية. ووجّه بايدن رسالة مبطنة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن وصفه بـ«الطاغية العازم على الهيمنة» بقوله إن الحلف الأطلسي «أكثر اتحاداً اليوم من أي وقت مضى وأكثر استعداداً للمحافظة على السلام».

ملك وملكة بريطانيا يشاركان في إحياء ذكرى إنزال النورماندي الخميس (د.ب.أ)

أما الملك تشارلز الثالث الذي ترأس الاحتفال البريطاني، بحضور رئيس الوزراء ريشي سوناك، والرئيس ماكرون، فقد كلف الأمير وليام تمثيله في احتفال أوماها بيتش. وفي خطابه الذي ألقى نصفه بالفرنسية، التي يجيدها كما كانت تجيدها والدته، فقد عاد إلى معاني الإنزال، وإلى الدور المحوري الذي لعبته القوات البريطانية.

كذلك، حيّا الدور الذي لعبته القوات الفرنسية، كما عبّر عن تأثّره وعن إجلاله للضحايا الفرنسيين الذين وقعوا نتيجة الإنزال.

حفل استثنائي

قطعاً، كان الاحتفال الدولي في «أوماها بيتش» استثنائياً بكل المعايير. والسبب في ذلك أن الرئيس الفرنسي، ومعه الحكومة، أراداه ضخماً نظراً للوضع السياسي في البلاد، وحاجة ماكرون ليظهر، في زمن الحرب المتواصلة منذ أكثر من عامين على الأرض الأوروبية، أنه مرجعية يعتد بها وصاحب مبادرات.

عرض للطائرات الحربية خلال خطاب ماكرون الخميس (أ.ب)

لكن المعارضة الداخلية تتهمه باستغلال الاحتفالات في السياسة الداخلية، وتسخيرها في حملة الانتخابات الأوروبية التي ستحصل في فرنسا يوم الأحد. وحرص منظمو الاحتفال الدولي على أن يكون متنوعاً، ووفق سيناريو محدد، إذ تداخل فيه المسؤولون الفرنسيون الذين استقبلهم ماكرون وزوجته بريجيت فرداً فرداً وسط «باليه» من السيارات الرسمية، وعلى أنغام موسيقى الجيش، وثلة من حرس الشرف.

وقبل افتتاح الاحتفال، طارت في سماء النورماندي مجموعة من الطائرات، كالتي شاركت في عملية الإنزال، بينما اختتم المهرجان بعرض جوي قامت به الفرقة الوطنية الفرنسية التي تؤدي دوراً مماثلاً بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو (تموز) من كل عام.

كذلك، حرص المنظمون على مشاركة المواطنين في الاحتفالات، فدعي منهم مئات إلى جانب عدد كبير من التلامذة والطلاب، ليكون الاحتفال مناسبة للتعريف بتاريخ فرنسا الحديث، وبإنزال الحلفاء الذي حررها من الاحتلال النازي.

الغائب الأكبر

كانت روسيا الغائب الأكبر عن الاحتفال الذي درجت العادة على دعوتها إليه، نظراً للدور الذي لعبته القوات السوفياتية بإشراف جوزيف ستالين في الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا. وتُبيّن الوثائق التاريخية أن 27 مليون مواطن سوفياتي قُتلوا خلال أقسى حرب عرفها التاريخ في كل حقباته. وحصل نقاش طويل داخل دوائر القرار في باريس حول مدى ملاءمة دعوة الرئيس فلاديمير بوتين، الذي صدرت بحقّه مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. وفي النهاية، كان القرار بالامتناع عن دعوته.

فولوديمير زيلينسكي وزوجته أولينا لدى وصولهما إلى الحفل في النورماندي الخميس (أ.ب)

وكانت لافتة حرارة الاستقبال، الذي خُصّص به الرئيس فولوديمير زيلينسكي وزوجته إن كان من جانب ماكرون، أو من جانب القادة الأوروبيين الآخرين الذين سبقوه إلى المنصة أو من الجمهور المدعو. ونصبت المنصة على شاطئ «أوماها بيتش» مباشرة، بحيث تشرف على مياه الأطلسي، وتعيد إلى حد ما رسم الأجواء التي أحاطت بالإنزال الكبير.

وخصص ماكرون جزءاً من خطابه في الاحتفال الدولي لتأكيد الدعم الغربي المستمر لأوكرانيا، وقال إن فرنسا وحلفاءها سيقفون إلى جانب أوكرانيا. وتابع: «نحن هنا ولن نضعف».

كذلك، حرص المنظمون على إبراز مشاركة قدامى المحاربين الذي عمد قادة الدول إلى التحادث معهم لوقت غير قصير.

وكان ماكرون قد ألقى كلمة في الاحتفال الأميركي، عبّر فيها عن شكره لمساهمة الجنود الأميركيين في تحرير فرنسا، مُنوّهاً بـ«عظمة شعب مستعد للموت لتحرير بلد ليس بلده». وفي المناسبة نفسها، كرّم ماكرون 11 أميركياً من قدامى المحاربين الذين شاركوا في إنزال 6 يونيو 1944 بمنحهم وسام جوقة الشرف، وهو أعلى تكريم تقدمه الجمهورية الفرنسية لمن أسدوا لها أهم الخدمات، مشيراً إلى «صلة الدم الذي أهرق من أجل الحرية».


مقالات ذات صلة

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا بوتين يتحدث مع طلاب مدرسة في جمهورية توفا الروسية الاثنين (إ.ب.أ) play-circle 00:45

بوتين يتوعد الأوكرانيين في كورسك ويشدد على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها

شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الهجوم الأوكراني في كورسك لن يوقف تقدم جيشه في منطقة دونباس، متعهداً بمواصلة العمليات الحربية حتى تحقيق أهداف بلاده.

رائد جبر (موسكو)
العالم تمثال لفلاديمير لينين أمام عَلم روسي وسط مدينة كورسك (أرشيفية - إ.ب.أ)

أوكرانيا... من حرب الثبات إلى الحركيّة

يرى الخبراء أن أوكرانيا تعتمد الهجوم التكتيكي والدفاع الاستراتيجيّ، أما روسيا فتعتمد الدفاع التكتيكي والهجوم الاستراتيجيّ.

المحلل العسكري (لندن)
الولايات المتحدة​ يوكو ساكاتو (يسار) وفاليري ماتسوناغا (يمين) من بين أقارب جنود قاتلوا في فوج المشاة 442 خلال الحرب العالمية الثانية يحضرون احتفال في كامب داربي (أ.ب)

الجيش الأميركي يُكرّم كتيبة يابانية ساعدت في تحرير توسكانا من النازيين

يحتفل الجيش الأميركي بجزء غير معروف من تاريخ الحرب العالمية الثانية، حيث يكرم وحدة الجيش الأميركي اليابانية الأميركية التي كانت أساسية لتحرير أجزاء من إيطاليا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

محلّل أميركي: بايدن يسير دون أن يدري نحو الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط

اللقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض مساء الخميس (د.ب.أ)
اللقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض مساء الخميس (د.ب.أ)
TT

محلّل أميركي: بايدن يسير دون أن يدري نحو الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط

اللقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض مساء الخميس (د.ب.أ)
اللقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض مساء الخميس (د.ب.أ)

يؤكد الخبير السياسي الأميركي جاستن لوجان، أنه من دون الدعم العسكري من جانب الولايات المتحدة، لا يمكن لأوكرانيا أو إسرائيل مواصلة الحروب التي تخوضانها حالياً. ومنذ اليوم الأول لغزو روسيا لأوكرانيا، اعتمدت أوكرانيا تماماً على الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الأميركية، للدفاع عن نفسها. وبالمثل، اعتمدت إسرائيل على مليارات الدولارات من الأسلحة الأميركية لخوض حملتها واسعة النطاق في غزة، وحرب إسرائيل مع «حزب الله» ستعتمد على مساعدات أميركية أوسع نطاقاً للدفاع عن إسرائيل في مواجهة الصواريخ وغيرها من الذخائر، وكذلك لمحاولة ردع إيران.

ويقول لوجان، الحاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة شيكاغو، في تقرير نشره معهد «كاتو» الأميركي، إن للولايات المتحدة مصالح في أوكرانيا وإسرائيل، ولكن هذه المصالح ليست متوائمة مع مصلحة أي من الدولتين في حد ذاتها. ومع ذلك، بدا أن إدارة بايدن غير قادرة على الدفاع عن المصالح الأميركية عندما تختلف مع مصالح شركائها، وتبدو واشنطن مشاهِداً سلبياً للتصعيد في الحربَين، على الرغم من التداعيات بالنسبة للأميركيين.

وبالنسبة لأوكرانيا، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان: «إن مهمتنا هي دعم الأوكرانيين، وهم الذين سيحدّدون الأهداف العسكرية، وهم الذين سيحدّدون الأهداف على مائدة التفاوض»، وأضاف: «لن نقوم بتحديد نتيجة هذا للأوكرانيين، فهم عليهم التحديد، وعلينا دعمهم في ذلك».

بايدن في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض 26 سبتمبر 2024 (أ.ب)

وقالت الحكومة الألمانية في برلين، الجمعة، إن الاجتماع رفيع المستوى الذي أعلنت عنه في وقت سابق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يضم نحو 50 دولة داعمة لأوكرانيا، سيُعقد في قاعدة رامشتاين الجوية التابعة للجيش الأميركي بجنوب غرب ألمانيا.

وأعلن بايدن أنه سيزور ألمانيا من 10 إلى 12 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ودعا أنصار أوكرانيا لحضور اجتماع في ذلك البلد خلال تلك الفترة، ولكنه لم يذكر مكان انعقاد الاجتماع.

يُشار إلى أنه يتكرّر عقد مثل هذه الاجتماعات في رامشتاين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكنها كانت حتى الآن على مستوى وزراء الدفاع فقط، والهدف من الاجتماع تنسيق المساعدة العسكرية لأوكرانيا، وسيلتقي بايدن أيضاً بالمستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس فرانك - فالتر شتاينماير، وتُعدّ هذه أول زيارة ثنائية للرئيس الأميركي المنتهية ولايته إلى ألمانيا منذ نحو 4 سنوات في منصبه.

ومن ناحية أخرى، رفضت الولايات المتحدة طلبات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتكرّرة بأن تدخل الولايات المتحدة الحرب عن طريق منطقة محظور الطيران فيها، وبالمثل عندما ألقى زيلينسكي باللوم على روسيا بسبب صاروخ طائش قتل مواطنين بولنديين، أوضحت إدارة بايدن علانيةً أن صاروخاً أوكرانياً هو الذي قتل البولنديين، رافضةً مرة أخرى فرصة تصعيد الحرب، وعندما خطّط الأوكرانيون للقيام بهجوم واسع النطاق على موسكو في الذكرى الأولى للحرب، طلب منهم الأميركيون عدم القيام بذلك.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)

وفيما يتعلق بغزو أوكرانيا البرّي لروسيا، من الواضح أن أوكرانيا لم تخطر واشنطن بأنها ستقوم بغزو الأراضي الروسية؛ خوفاً من أن يرفض الأميركيون ذلك، أو أن يقوموا بتسريب الخطة.

ويقول لوجان، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية، إن نفس الأسلوب اتبعته إسرائيل في حربها في غزة، فغزو رفح كان أحد الأمثلة التي قامت فيها الإدارة الأميركية بعمل شيء ملموس لمحاولة احتواء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنها لم تنجح، فقد قامت إدارة بايدن بتأجيل شحنة قنابل؛ للإعراب عن معارضتها لاجتياح رفح، وفي نهاية الأمر أفرجت عن جزء من الشحنة التي تم تأخيرها.

وإسرائيل أيضاً تعلّمت عدم سؤال الإدارة الأميركية عندما تعرف أن الإجابة ستكون بالرفض، وفيما يتعلق بعملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان، أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، نظيره الأميركي فقط قبل العملية مباشرة «عن عملية وشيكة، دون الكشف عن أي تفاصيل»، حسبما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، وبالمثل لم تُبلغ إسرائيل الأميركيين عن قرارها الخاص ببدء قصف بيروت في 20 سبتمبر (أيلول) الحالي.

كل هذا برغم الاحتمال التصعيدي، وبرغم حقيقة أن إدارة بايدن أوضحت معارضتها لتوسيع نطاق الحرب لتشمل لبنان، قبل يوم واحد من إطلاق إسرائيل لعملية البيجر.

زيلينسكي وأوستن وأوميروف وبراون (إ.ب.أ)

وفي أوكرانيا وإسرائيل، يقوم شركاء أميركا بدفع الولايات المتحدة نحو نتائج تقول إنها لا تريدها، وغالباً ما تفعل الدولتان ذلك دون إخطار الإدارة الأميركية بقراراتها التصعيدية.

ويرى لوجان أنه يتعيّن أن تسعى السياسة الأميركية لانتزاع الأميركيين من هذه الحروب، وبقدر ما تهمّ المساعدات الأميركية أوكرانيا وإسرائيل، بقدر ما ينبغي الاهتمام بالمشورة الأميركية، والمصالح الأميركية، بنفس القدر.

وتحتاج المصالح الأميركية إلى شخص يدافع عنها في الدولتين، فالسياسات الحالية في الدولتين تنطوي على خطر توريط الأميركيين في حروبهما، وإذا كانت إدارة بايدن لا تستطيع الدفاع عن المصالح الأميركية، أو لن تفعل ذلك، فإنه يتعيّن أن يقوم شخص ما بذلك.