«دمار يفوق الوصف»... الفلسطينيون يعودون إلى «أرض محروقة» في جباليا

فلسطينيون يحملون بعض ممتلكاتهم التي جرى إنقاذها في أثناء مغادرتهم مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة بعد عودتهم (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون بعض ممتلكاتهم التي جرى إنقاذها في أثناء مغادرتهم مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة بعد عودتهم (أ.ف.ب)
TT

«دمار يفوق الوصف»... الفلسطينيون يعودون إلى «أرض محروقة» في جباليا

فلسطينيون يحملون بعض ممتلكاتهم التي جرى إنقاذها في أثناء مغادرتهم مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة بعد عودتهم (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون بعض ممتلكاتهم التي جرى إنقاذها في أثناء مغادرتهم مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة بعد عودتهم (أ.ف.ب)

كان السكان الذين عادوا إلى بلدة جباليا بشمال قطاع غزة يوم الجمعة، يتوقعون أن يجدوا دماراً شاملاً، رغم ذلك فهم ما زالوا مصدومين من حجم الدمار الذي رأوه بعد ثلاثة أسابيع من الهجوم الإسرائيلي على المنطقة الحضرية كثيفة السكان.

وقال محمد عويس، الذي عاد مع عائلته إلى منزلهم في جباليا، الجمعة، لصحيفة «نيويورك تايمز»، إنه عاد إلى جباليا ليجد أن «الدمار لا يوصَف»، وأضاف: «عقولنا غير قادرة على استيعاب ما نراه».

دمار لا يوصَف

وتحدث عن أنه وعائلته ساروا على طول الطرق المدمرة لمدة ساعة تقريباً في ظل الحر، ورأوا أنه لا يمكن لأي مركبة أن تتنقل في الشوارع التي أغلقتها أكوام الأنقاض من المنازل والمتاجر التي دمَّرها الجيش الإسرائيلي.

وعن شوارع جباليا، أكد أنه «حتى سيارات الإسعاف لا تستطيع المرور عبرها لنقل الجرحى والشهداء».

والجمعة، أنهت القوات الإسرائيلية عملياتها في منطقة جباليا شمال قطاع غزة، بعد قتال عنيف استمر أياماً شنَّت خلاله أكثر من 200 غارة جوية، بينما استمرت في التوغل في رفح بجنوب القطاع، مستهدفةً ما تقول إنه آخر معقل كبير لمقاتلي حركة «حماس».

ما تبقى من مدرسة تديرها الأمم المتحدة في مخيم جباليا للاجئين (أ.ف.ب)

وأعلن الجيش الإسرائيلي انسحابه من جباليا بعد انتشال جثث 7 رهائن، مما أسفر عن مقتل مئات المقاتلين وتدمير عدة أميال من شبكة الأنفاق تحت الأرض.

وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي التقطتها شركة «بلانيت لابز» في أواخر مايو (أيار) حجم الدمار في إحدى المناطق الجنوبية من البلدة والمنطقة القريبة من السوق.

وكان بعض المباني قد دُمر قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير على المنطقة، وفقاً للصور التي التُقطت في أبريل (نيسان)، ولكن بحلول أواخر شهر مايو (أيار)، بدا أن مزيداً من المباني في تلك المناطق قد سُوِّيت بالأرض ودُمِّر جميع المباني تقريباً، وفق الصحيفة.

جباليا قبل الحرب وبعدها (نيويورك تايمز)

وعويس وعائلته هم من بين السكان القلائل الذين لا يزال لديهم مكان للعودة إليه. وتعرض منزلهم لأضرار جزئية فقط. وأشارت الصحيفة الى أنهم بدأوا يوم الجمعة، في تنظيف أجزاء من الجدران المنهارة والخشب والزجاج المكسور والأثاث المدمَّر حتى يصبح منزلهم صالحاً للسكن مرة أخرى. لكن المتجر العائلي الذي اضطر إلى إغلاقه في ديسمبر (كانون الأول) نتيجة الحصار الإسرائيلي على غزة، دُمر بالكامل، وفقاً له. وأضاف: «الأنقاض في كل مكان».

لا مقومات حياة

وقال حسام شباط، وهو صحافي في غزة لـ«نيويورك تايمز»، إن «السكان عادوا والدموع في عيونهم». وأضاف: «كل ما نراه هو مجرد ركام ودمار وحطام، ومزيد من المجازر».

وأشار الى أن «السكان عادوا ليروا ما لا يمكن لأحد أن يتخيله، تدمير المؤسسات والبنية التحتية والملاجئ التي آوت آلاف النازحين».

لا يمكن لسيارات الإسعاف المرور في جباليا بسبب الركام (رويترز)

ويشار إلى جباليا بأنها مخيم بسبب إنشاء المنطقة قبل أكثر من 70 عاماً من اللاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا أو أُجبروا على الفرار من منازلهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة إسرائيل حالياً، خلال فترة إعلان قيام دولة إسرائيل.

ولم يُسمح لهؤلاء بالعودة إلى ديارهم حتى الآن، وأصبحت جباليا منطقة يعيش فيها مجتمع كامل من اللاجئين وأحفادهم، وفق «نيويورك تايمز».

وفي مقطع فيديو سجله شباط يوم الخميس، تظهر آثار جباليا من حوله. وخلفه، في هيكل مبنى مكون من 4 طوابق، كانت النيران لا تزال مشتعلة في الحطام.

امرأة فلسطينية تُسبّح في أثناء جلوسها وسط أنقاض مبنى بمخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة بعد عودتها لفترة وجيزة مع أشخاص سعوا لتفقد منازلهم (أ.ف.ب)

وقال: «لا يمكننا وصف ذلك بالكلمات لقد دمَّر جيش الاحتلال عمداً كل مقومات الحياة».

لا تصلح للسكن

وأوضح النازح الفلسطيني هشام سالم لـ«وكالة أنباء العالم العربي» وهو من سكان جباليا، أن المخيم أصبح عنواناً للدمار بعدما كان ينبض بالحياة قبل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

وقال: «يقومون بإبادة مظاهر الحياة في مخيم جباليا، المطلوب الآن وقف المجازر في رفح وفي جباليا، بقية جباليا لم يخرج منها الناس، الدمار الذي حدث هنا أشبه بزلزال نزل على هذه المنطقة التي كانت يوماً تنبض بالحياة».

وأكد فارس عفانة مدير الإسعاف والطوارئ في شمال قطاع غزة، أن الدمار الكبير الذي نال مباني المخيم ومنازل الناس أحاله إلى مكان لا يصلح للسكن.

وقال عفانة: «مخيم جباليا أصبح غير صالح للسكن نهائياً بسبب الدمار الهائل الذي طال أيضاً مناطق النزوح وقد جرى حرقها برمّتها وتدميرها عن آخرها».

امرأة فلسطينية يظهر عليها الحزن تجلس فوق أنقاض منزلها في جباليا (رويترز)

وأضاف: «منذ الصباح يتوافد المواطنون إلى مخيم جباليا، حيث انسحبت قوات الاحتلال بشكل جزئي من هذه المناطق، ما حدث هنا في مخيم جباليا هو عبارة عن زلزال، لا شيء صالحاً للسكن».

جثث متحللة

وأثناء سيرهم، مر عمال الإنقاذ وهم يحملون الجرحى وجثث القتلى على نقالات. وبحسب عويس، تم العثور على بعض الجثث في الشوارع، بينما تم انتشال جثث أخرى من تحت الأنقاض، وكانت قد بدأت في التحلل، وفق «نيويورك تايمز».

امرأة فلسطينية تقف فوق الدمار وتتفقد الأضرار بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جباليا (رويترز)

وأشار عفانة الى أنه «حتى هذه اللحظة طواقمنا تعمل وتبحث عن الشهداء والمصابين، ولكن للأسف الشديد حتى هذه اللحظة لم نتمكن من انتشال أو العثور على مصابين... فقط جثث الشهداء المتحللة بشكل كامل».

وأضاف: «هناك جثامين شهداء تم انتشالها مضى عليها أسبوع أو أسبوعان وهي متحللة بشكل كامل وقد نهشتها الكلاب الضالة، للأسف الشديد مناظر بشعة جداً».

انتشال أكثر من 70 جثة

وأمس، أعلنت وسائل إعلام فلسطينية، الجمعة، انتشال جثث أكثر من 70 قتيلاً من جباليا وبيت لاهيا بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الجيش الإسرائيلي «عاث تخريباً وتدميراً في مخيم جباليا على مدى 20 يوماً، مستخدماً سياسة الأرض المحروقة، مما تسبب في قتل وجرح المئات ونزوح قسري لنحو 200 ألف مواطن، وتدمير مربعات سكنية كاملة، وحرق وقصف المنشآت العامة والخدمية، وبدا المشهد كأن المنطقة تعرضت لزلزال مدمر».

يعود الفلسطينيون إلى منازلهم بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من منطقة جباليا في شمال قطاع غزة ليجدوها أرضاً محروقة (د.ب.أ)

وأضاف المركز في بيان أن «فرق الإسعاف والدفاع المدني انتشلت عشرات الشهداء طيلة فترة الاجتياح وبعد الانسحاب، وتواصل البحث حالياً عن عشرات المفقودين بين ركام المنازل ومراكز الإيواء والمدارس والمستشفيات التي لم تسلم من القصف والتدمير، وحتى عيادات ومقرات ومراكز وكالة الغوث الدولية لم تسلم هي الأخرى من آلة التخريب».

وتابع البيان أن الجيش الإسرائيلي «دمَّر البنى التحتية والمقومات الاقتصادية كالأسواق والمحال التجارية، وحتى قبور الأموات لم تسلم، حيث قامت آلياته بتجريف المقابر، ليظهر بذلك مشهد جديد من مشاهد جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني للشهر الثامن».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

المشرق العربي جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

«الشرق الأوسط»
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أثناء حضوره الدورة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة السنوي (رويترز)

الشرع: سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا يدخلنا في مكان خطر

اعتبر الرئيس السوري أحمد الشرع أن سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا من شأنه أن يدخل بلاده في «مكان خطر».

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
المشرق العربي على اليمين صورة لمريم إبراهيم قبل الإصابة في الحرب... ويساراً صورة لها بعد الإصابة (وسائل إعلام محلية - إ.ب.أ)

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

نجت فتاة من غزة كانت تعاني من إصابة في جمجمتها، جراء شظية إسرائيلية، بعد جراحة تمت لها في الأردن.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يتحدث في اليوم الأول من النسخة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة السنوي (رويترز) play-circle

قطر: مفاوضات إنهاء حرب غزة تمر بمرحلة حرجة

كشف رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اليوم (السبت)، أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بمرحلة حرجة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
المشرق العربي سيدة فلسطينية تبكي في مستشفى الناصر بخان يونس بعد وقوع شهداء في ضربات إسرائيلية - 3 ديسمبر الحالي (أرشيفية - أ.ف.ب)

مقتل شخص وإصابة 3 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في غزة

قُتل فلسطيني وأُصيب 3 آخرون برصاص الجيش الإسرائيلي في منطقة شمال غربي قطاع غزة، وفق ما أفادت به وسائل إعلام محلية اليوم.

«الشرق الأوسط» (غزة)

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

يشكّل إعلان إسرائيل عن استعدادها لفتح قنوات تعاون اقتصادي مع لبنان، بالتزامن مع تكليف الرئيس اللبناني جوزيف عون للسفير السابق في واشنطن سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، محطة جديدة في مسار المواجهة المعقّدة بين بيروت وتلّ أبيب.

وبينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»، حسبما تقول مصادر لبنانية، و«تندرج ضمن مسعى إسرائيلي لإعادة رسم مشهد إقليمي يتيح لها الظهور بمظهر الساعي إلى الاستقرار، مقابل تحميل لبنان ولا سيما (حزب الله) مسؤولية استمرار التوتر».

ولا يعكس الموقف الإسرائيلي بالنسبة للبنان تغيّراً فعلياً في السلوك، أو المقاربة، بقدر ما يشكّل محاولة لتسويق صورة سياسية يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مرحلة دقيقة داخلياً، وإقليمياً. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل، التي تواصل عملياتها العسكرية في لبنان براً وبحراً وجواً، لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات عملية، بل تكتفي بإشارات مرونة محسوبة، تؤسّس بمفهومها لمرحلة تفاوض محتملة حين تنضج الظروف، وتتقاطع الحسابات الإقليمية».

الغاز والنفط

ويشكّل موقع لبنان الجيوسياسي نقطة جذب إقليمية لإسرائيل، وكل دول المنطقة، رغم قدراته الاقتصادية المحدودة. ويقول مصدر رسمي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن تل أبيب «لا تسقط من حساباتها إمكانية التعاون في مجال الطاقة والغاز، لا سيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مع لبنان في العام 2022، حيث تسعى لإعطاء انطباع بأن شرق المتوسط يمكن أن يتحوّل إلى منطقة تبادل اقتصادي».

رئيس الحكومة نواف سلام خلال استقباله وفد مجلس الأمن الدولي في بيروت يوم الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

ويلفت المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «تولي أهمية قصوى للتعاون في البنى التحتية الحدودية، مثل إدارة الموارد المائية، خصوصاً أن طمعها بمياه لبنان تاريخي، كما تتطلع إلى ربط أسواق المنطقة ببعضها، خصوصاً إذا فُعّل مشروع ممرات النقل الإقليمي».

ويشدد المصدر الرسمي على أن «أي تعاون اقتصادي بين دولتين في حالة نزاع مستمر يتطلب أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار، يتبع بترتيبات أمنية واضحة، ثم فتح قنوات اتصال رسمية، مقرونة بضمانات دولية، لذلك تبقى المبادرة الإسرائيلية مجرّد خطوة يحاول نتنياهو استثمارها في الداخل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي أنه انتزع مكاسب مهمّة في بداية مرحلة التفاوض مع لبنان».

رسالة سياسية

وينظر الخبراء إلى المبادرة الإسرائيلية على أنها رسالة سياسية موجّهة إلى الخارج أكثر مما هي طرح اقتصادي قابل للتطبيق. ويرى الباحث في الشؤون الجيوسياسيّة الدكتور زياد الصائغ أن إسرائيل «تسعى إلى الاستثمار في الموقف الأميركي السّاعي إلى تطبيق عملاني لمقرّرات مؤتمر شرم الشيخ، ولقاءات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، بما يعني الذهاب أبعد من وقف القتال».

ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «تعتبر أن السلام من البوّابة الاقتصادية هو الأنجع لتجاوز الصراعات، لكنّ هذا أقرب إلى الفولكلور، لا سيّما مع استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانيّة»، ويشدد الصائغ على أن «الاستعجال، ورفع منسوب ما جرى في لجنة الميكانيزم قد يأخذ طابع جسّ النبض أيضاً لمدى استعداد لبنان للذهاب بعيداً في المفاوضات، وهذا أيضاً يشكّل محاولة غير ناضجة الظروف».

سفينة عسكرية إسرائيلية تبحر بجوار منصة إنتاج حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - رويترز)

لكن الاستعجال الإسرائيلي للتعاون الاقتصادي مغاير تماماً للمشهد اللبناني، باعتبار أن الذهاب نحو هذا الخيار أشبه بالمغامرة، ويؤكد الصائغ أنّ «ملف لبنان التفاوضيّ يبدو ضبابيّاً حتى السّاعة، ولو أنّ سقفه اتفاقيّة الهدنة الموقعة ما بين لبنان وإسرائيل في العام 1949 برعاية الأمم المتحدة، لكن من الواضح أنّ السفير سيمون كرم، وبخبرته الواسعة ووضوحه السّيادي، سيفتح الطريق أمام بناء عناصر هذا الملف من المسار السياسي، إلى الدبلوماسيّ، إلى القانونيّ، إلى ذاك المرتبط بالقرار 1701».

ويذكّر بأن لبنان «جزء من الإجماع العربي، وملتزم بسقف المبادرة العربية للسلام، وكل ما يُساق خارج ذلك يبقى من قبيل التمنّيات، أو التوقّعات، لكن من الواضح أنه لا عودة عن قرار تجفيف الصراعات والحروب في الشرق الأوسط».

طاقة وسياحة

إضافة إلى ذلك، يطرح تركيز الحكومة الإسرائيلية على المجال الاقتصادي علامات استفهام في ظلّ محدودية الدور الاقتصادي للبنان في المنطقة، ولا يستبعد الصائغ أن «تسعى إسرائيل إلى تعاون اقتصادي مع لبنان على المستوى النفطي، أو السياحي، أو الصناعي، خصوصاً في ظلّ الحديث عن فكرة إنشاء منطقة اقتصاديّة على حدود لبنان الجنوبيّة، انطلاقاً من المبادرة الأميركية». لكنّه شدد على أن ذلك «لا يستقيم قبل حوار دبلوماسيّ بطابع سياسي، ويبدو مستحيل المنال في هذه المرحلة، خصوصاً مع استمرار احتلال إسرائيل للنقاط الخمس، وعدم إنجاز تسوية تحريرية لمزارع شبعا، وبدء إعمار الجنوب، توازياً مع تحقيق بسط الدولة اللبنانية سيادتها حصراً على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة». وختم الصائغ بالقول إن «ذلك كلّه يبقى مضبوطاً تحت سقف اتفاقية الهدنة 1949».


إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تسعى إسرائيل قبيل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع مساعي الوسطاء، خصوصاً الولايات المتحدة، للانتقال إليها في أقرب فرصة ممكنة، إلى تدمير ما تبقّى في المناطق الخاضعة لسيطرتها داخل قطاع غزة، والتي تُقدر بنحو 53 في المائة من المساحة العامة للقطاع.

وينص وقف إطلاق النار في مرحلته الثانية، حال نُفّذ وفق الاتصالات المتسارعة في الأيام الأخيرة، على انسحاب آخر للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الحفاظ على بقائها في مناطق أخرى قد تصل إلى نحو ما مساحته 20 في المائة من مساحة القطاع.

وخلال ساعات ليل ونهار السبت، لم تنفك القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات الحربية تارةً، ومن خلال العربات المفخخة تارةً أخرى، بقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية، سواء داخل الخط الأصفر المشار إليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بوصفه خط انسحاب أولياً، أو على جانبه من داخل المناطق الخاضعة لسيطرة حركة «حماس».

أطفال يستعدون للدخول إلى صفوفهم في مدرسة للأونروا تعيش فيها عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ولوحِظ خلال الأيام الثلاثة الماضية تكثيف الغارات الجوية وعمليات النسف، حتى داخل مدينة رفح التي تُسيطر عليها القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف العام، وكذلك شرق مدينتَي خان يونس وغزة. كما امتدت هذه العملية، من مساء الجمعة حتى ظهر السبت، إلى مناطق واقعة شرق وشمال جباليا وبيت لاهيا شمالَ قطاع غزة. وتسببت إحدى عمليات النسف في منطقة زايد ببيت لاهيا، ليلاً، في وقوع انفجار ضخم سُمِع دويه في جميع أنحاء قطاع غزة، ووصل صداه حتى جنوب تل أبيب.

وتعمد إسرائيل إلى تدمير ما تبقى من مبانٍ ومنازل في تلك المناطق، بهدف حرمان سكانها من العودة إليها بعد الانسحاب منها، في عملية تدمير ممنهجة، انتهجتها بشكل كبير خلال الحرب التي استمرت عامين على قطاع غزة.

ووفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ بعمليات القصف والنسف للمنازل والمباني داخل مناطق سيطرتها، بل عملت على استخدام العربات المفخخة، وإدخالها إلى مناطق غرب الخط الأصفر -مناطق سيطرة «حماس»- وذلك تحت نار القصف المدفعي، وإطلاق النار من المسيرات، لتصل إلى مناطق سكنية بهدف تدميرها بشكل كامل.

وأوضحت أن ذلك تزامن أيضاً مع عمليات توغّل ازدادت حدّتُها في الأيام الأخيرة، ولا سيما شرق مدينة غزة، وتحديداً في حييّ الشجاعية والتفاح. وأشارت إلى أن الآليات الإسرائيلية توغّلت مسافة لا تقل عن 350 متراً خلف الخط الأصفر، واقتربت من شارع صلاح الدين الرئيسي عند الحيَّين، ما يعني أنها باتت تفرض سيطرة شبه كاملة عليهما.

خيم النازحين وسط الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي جواً وبراً في مدينة غزة الجمعة (أ.ب)

وأشارت إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كررت المشهد ذاته صباح السبت في خان يونس، بعدما تقدّمت إلى أجزاء من حي الشيخ ناصر وأقامت سواتر ترابية، فيما قامت طائرات مسيّرة بإطلاق النار في مختلف الاتجاهات وعلى أي هدف متحرك. وبعد انسحاب القوات تبيّن أن الهدف من إقامة السواتر الترابية كان تمهيد الطريق لآليات هندسية لتنفيذ عمليات حفر في حي الفرا المجاور.

وقالت المصادر إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تعمل على توسيع سيطرتها في قطاع غزة، من خلال تقديم المكعبات الأسمنتية الصفراء، المشار إليها بالخط الأصفر، من خلال التقدم جزئياً من حين إلى آخر داخل بعض المناطق.

وتزامنت هذه التطورات مع قتل القوات الإسرائيلية 4 فلسطينيين، في حادثتين منفصلتين شمال القطاع، كما أصابت آخرين في مناطق أخرى.

ووفق مصادر طبية، فقد قُتل شابّان في إطلاق نار شرق جباليا البلد، فيما قُتل اثنان آخران وأصيب 3 في إطلاق نار ببلدة العطاطرة شمال غربي بيت لاهيا. كما أُعلن عن وفاة خامس متأثراً بجروحه بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة، مساء الجمعة، بإطلاق النار عليه وعلى نجله، وهما يعملان في جهاز الدفاع المدني بغزة.

وأصيب عدد من الفلسطينيين بإطلاق نار في مناطق متفرقة، بينهم غزي بجروح خطيرة إثر قصف مدفعي استهدف محيط شارع صلاح الدين قبالة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في حين أصيب آخر بإطلاق نار من مسيرات شرق خان يونس.

وبذلك يكون قد قُتل ما لا يقل عن 370 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 960 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما قتل 70357 منذ السابع من أكتوبر 2023.