مجلس الأمن الدولي قلق من خطر الإرهاب في الساحل... هل يملكُ مفاتيح الحل؟

خبير: عاجز بسبب الخلافات حول الساحل الأفريقي

جلسة مجلس الأمن لنقاش الوضع الأمني في غرب أفريقيا والساحل يوم الجمعة (الأمم المتحدة)
جلسة مجلس الأمن لنقاش الوضع الأمني في غرب أفريقيا والساحل يوم الجمعة (الأمم المتحدة)
TT

مجلس الأمن الدولي قلق من خطر الإرهاب في الساحل... هل يملكُ مفاتيح الحل؟

جلسة مجلس الأمن لنقاش الوضع الأمني في غرب أفريقيا والساحل يوم الجمعة (الأمم المتحدة)
جلسة مجلس الأمن لنقاش الوضع الأمني في غرب أفريقيا والساحل يوم الجمعة (الأمم المتحدة)

في آخر اجتماع له، عبَّر مجلس الأمن الدولي عن قلقه البالغ حيال تصاعد أعمال العنف الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا، خصوصاً في دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهي الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية تربطها علاقة متوترة مع الغرب، ودخلت في تحالف عسكري وأمني مع روسيا.

دول تربطها علاقة متوترة مع الغرب

تثير وضعية دول الساحل الأمنية الصعبة، ومواقف حكامها السياسية، كثيراً من الخلافات داخل مجلس الأمن الدولي، فمن جهة هنالك روسيا والصين اللتان ترتبطان بعلاقات وثيقة مع الحكام العسكريين في الساحل، ومن جهة أخرى هنالك الغرب ممثَّلاً في الولايات المتحدة وفرنسا التي توترت علاقتها بهذه الدول، وفقدت نفوذها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.

أطفال في مخيم للنازحين من الإرهاب في شمال بوركينا فاسو (الأمم المتحدة)

قلق أممي

رغم أن مجلس الأمن الدولي ناقش الوضعية الأمنية الصعبة في منطقة الساحل، وتأثيرها في الوضع بشكل عام في غرب أفريقيا، فإنه لم يتخذ أي قرار، وإنما اكتفى بإصدار بيان يعبِّر فيه عن «قلقه البالغ» حيال ما سماه «تصاعد أعمال العنف بين المجتمعات في غرب أفريقيا والساحل، خصوصاً في وسط الساحل».

وقال المجلس في بيانه إن أغلب الهجمات الخطيرة تنفذها «جهات غير حكومية، بمن في ذلك الأفراد والجماعات والشركات والكيانات المرتبطة بتنظيمي (داعش) و(القاعدة)»، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه أن «يسهم في تعقيد إعادة سلطة الدولة، وسيادة القانون، وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية في جميع أنحاء المنطقة».

ورأى مجلس الأمن أن تصاعد خطر الإرهاب يقوض «الجهود الدولية والإقليمية والوطنية لإعادة الاستقرار إلى المنطقة»، ولكنه شدد على أهمية «الحوار الشامل على المستويين الوطني والمحلي»، مؤكداً أنه «يلعب دوراً مركزياً في تعزيز السلام والأمن الدائمين».

قلق أم عجز؟

يقول الخبير في الشأن الأفريقي محمد الأمين ولد الداه، في حديث مع «الشرق الأوسط» إن قلق مجلس الأمن حيال تدهور الأوضاع الأمنية في الساحل «ليس بالأمر الجديد، بل إنه أمر معتاد في كل جلسة لمجلس الأمن بهذا الشأن، وحتى في التقارير الأممية».

وأضاف الخبير في الشأن الأفريقي أن «قلق مجلس الأمن يعكس حالة عجز المنظمة الأممية، وعدم قدرتها على فعل أي شيء، خصوصاً بعد خروج قواتها من المنطقة إثر إنهاء مهام البعثة الأممية المشتركة في دولة مالي، وبعد أن أصبح مصير دول الساحل بيد أنظمة عسكرية انقلابية».

وكانت الأوضاع الأمنية الصعبة في منطقة الساحل قد أسفرت خلال السنوات الأخيرة عن موجة انقلابات عسكرية بدأت أولاً في دولة مالي عام 2020، ثم بوركينا فاسو عام 2021، وأخيراً في النيجر عام 2023، ورفضت جيوش هذه الدول بعد أن سيطرت على الحكم تسليم السلطة إلى المدنيين؛ ما أدى إلى توتر علاقاتها مع الغرب، ودفعها إلى التحالف مع روسيا والصين.

وبالفعل دخلت هذه الأنظمة العسكرية في شراكة عسكرية وأمنية مع روسيا، حصلت بموجبها على صفقات سلاح، ويوجد فيها عسكريون روس من أجل تدريب جيوشها على محاربة الإرهاب، ولكن هؤلاء العسكريين يقدَّر عددهم بالمئات، وأغلبهم عبارة عن مقاتلين من مجموعة «فاغنر»، التي أصبحت مؤخراً تسمى «فيلق أفريقيا».

مجلس متصدع

ويعتقدُ الخبير في الشأن الأفريقي محمد الأمين ولد الداه أن الصراع الدائر على الأرض بين المعسكرين في منطقة الساحل يلقي بظلاله على جميع نقاشات وقرارات وبيانات مجلس الأمن الدولي.

وقال ولد الداه: «ما أخشاه هو أن تعبِّر هذه البيانات الصادرة عن مجلس الأمن - في جزء كبير منها - عن التنافس الشديد بين أعضاء مجلس الأمن والخلافات الحادة»، وهو تنافسٌ يعتقدُ الخبير أن له تأثيراً مباشراً في حياة السكان المحليين في منطقة الساحل.

وأوضح ولد الداه أن «ما يخشاه هو أن تكون بيانات الأمم المتحدة تأتي كلما كان هنالك طرف يسعى لتحميل المسؤولية أو الضغط على روسيا والصين في هذا الشأن، بمعنى أن قرارات الأمم المتحدة وبياناتها لا تصدر من أجل تخفيف معاناة السكان في الساحل، وإنما في إطار التجاذب الدولي في المنطقة».

بعثة من مجلس الأمن الدولي في بوركينا فاسو عام 2019 (أرشيف الأمم المتحدة)

مفاتيح الحل

لا يزالُ مجلس الأمن على موقفه من رفض الانقلابات العسكرية التي جرت في دول الساحل، حين عبَّر في بيانه عن قلقه البالغ «إزاء التغييرات غير الدستورية للحكومات، ومحاولات الانقلاب»، بل إنه دعا الأنظمة العسكرية إلى «استعادة النظام الدستوري في أسرع وقت ممكن»، لكن هذا الموقف، وفق ما يعتقده الخبير في الشأن الأفريقي، لن يقود إلى «حل» للأزمة في منطقة الساحل، ويؤكد أن «البحث عن مفاتيح الحل يجب أن يبدأ بسعي الأمم المتحدة نحو تشجيع الحوار مع الأنظمة الانقلابية، والخروج بها من حالة العزلة والقطيعة مع المجموعة الدولية».

وأضاف أن «الحوار هو السبيل الوحيد نحو إعادة بناء جسور الثقة مع دول الساحل، ومن ثم بناء مستوى من التعاون والتنسيق الأمني يمكن أن يخفف من وطأة وحدة الأزمة الأمنية في منطقة الساحل».


مقالات ذات صلة

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

أفريقيا مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

اندلعت، الخميس، معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد ينظمون مسيرة حاشدة احتفالاً بيوم الجمهورية التونسية إلى جانب احتجاج أنصار أحزاب المعارضة للمطالبة بالإفراج عن المعارضين السياسيين في البلاد (د.ب.أ)

تطورات جديدة في قضايا المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة» في تونس

أعلنت مصادر أمنية رسمية تونسية أن قوات مكافحة الإرهاب ووحدات أمنية من النخبة في محافظات عدة ألقت مؤخراً القبض على عدد من المتهمين في قضايا إرهاب وتهريب بشر.

كمال بن يونس (تونس)
آسيا قوات الأمن التركية ألقت القبض على سيريبرياكوف عقب وصوله بودروم الأربعاء (صورة موزعة من الداخلية التركية)

تركيا سلمت روسيا مُنفِّذ تفجير سيارة أحد العسكريين في موسكو

سلمت تركيا مواطناً روسياً مطلوباً دولياً إلى السلطات في موسكو بعد أن هرب إلى موغلا في ولاية بودروم الجنوبية الغربية عقب تفجيره سيارة ضابط.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة)
آسيا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

ألمانيا: إيداع اثنين السجن على ذمة التحقيق للاشتباه في دعمهما «داعش»

عقب إلقاء القبض على اثنين للاشتباه في تأييدهما لتنظيم «داعش» بولايتي هامبورغ وشليزفيج-هولشتاين، تم إيداعهما السجن على ذمة التحقيق.

«الشرق الأوسط» (كارلسروه )
أوروبا حالة استنفار في العاصمة بروكسل إثر إنذار إرهابي (متداولة)

بلجيكا تفتش 14 منزلاً في تحقيق لمكافحة الإرهاب وتحتجز 7 لاستجوابهم

قال مكتب المدعي العام الاتحادي في بلجيكا، الخميس، إن الشرطة فتشت 14 منزلاً في إطار تحقيق يتعلق بالإرهاب، مضيفاً أن 7 أشخاص احتُجزوا بغرض استجوابهم.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
TT

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

اندلعت معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين، الواقعة في أقصى شمال شرقي البلاد، الخميس، والتي تمثل آخر معاقل المتمردين وأهم مركز للتبادل التجاري على الحدود مع الجزائر.

أعلن متمردو الطوارق في مالي أنهم هزموا القوات الحكومية في قتال عنيف للسيطرة على مدينة كيدال الشمالية الرئيسية (أ.ف.ب)

ولا تزال الأنباء القادمة من منطقة المعارك متضاربة جداً، في حين يؤكد كل طرف تفوقه في الميدان، وانتشار مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي لمعارك عنيفة، دون ما يؤكد صحة نسبتها إلى المواجهات الدائرة منذ أمس على الحدود بين مالي والجزائر.

رواية الطوارق

قالت مصادر قريبة من المتمردين الطوارق إن الجيش المالي ومقاتلي «فاغنر» حاولوا السيطرة على مدينة تينزاواتين، ولكن تم التصدي لهم وإرغامهم على الانسحاب بعد أن تكبّدوا خسائر «فادحة».

وقال مصدر محلي: «وقعت المواجهة عند منطقة آشابريش، غير بعيد من تينزاواتين، وانسحب خلالها الجنود الماليون ومقاتلو (فاغنر)، وتركوا خلفهم ثلاث مركبات عسكرية محترقة، ومركبة أخرى سليمة استحوذ عليها الجيش الأزوادي».

وأضاف المصدر نفسه أن المقاتلين الطوارق «شرعوا في عملية واسعة لتمشيط المنطقة، من أجل الوقوف على عدد القتلى في صفوف الجيش المالي ومرتزقة (فاغنر)، كما تأكد أسر جندي مالي أثناء المعركة، وقُتل جندي واحد من صفوف الطوارق وأُصيب آخر»، على حد تعبير المصدر.

دورية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كيدال (مالي) 23 يوليو 2015 (رويترز)

في غضون ذلك، قال محمد مولود رمضان، المتحدث باسم تنسيقية الحركات الأزوادية، وهي تحالف لجماعات متمردة يهيمن عليها الطوارق، إن «(فاغنر) تخطط بمعية الجيش المالي للاستيلاء على تينزاواتين، آخر ملاذ للمدنيين الذين فرّوا من انتهاكاتهم».

وأضاف في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «وحدات من جيش أزواد منتشرة في المنطقة تشتبك حالياً مع العدو لصدّ تقدمه»، قبل أن يؤكد: «نواجه تقدماً ونحمي السكان المدنيين النازحين، وكبّدنا مرتزقة (فاغنر) ومعاوني الجيش المالي خسائر كبيرة».

رواية أخرى

لكن الرواية الصادرة عن المتمردين الطوارق، تختلف تماماً عن رواية الجيش المالي، الذي أصدر فجر الجمعة بياناً قال فيه إن وحدة عسكرية تابعة له في منطقة تينزاواتين تعرّضت أمس لما قال إنه «هجوم إرهابي» من طرف المتمردين الطوارق الذين وصفهم بـ«الإرهابيين».

وأضاف الجيش المالي في بيان صادر عن قيادة أركانه أنه تصدى للهجوم وأطلق عملية عسكرية واسعة لملاحقة المتمردين، مشيراً إلى أن «ردة فعل الجيش القوية لا تزال مستمرة، وقد كبّدت المجموعات الإرهابية خسائر ثقيلة»، وفق نص البيان. وتعهد الجيش نشر حصيلة العملية العسكرية في وقت لاحق.

صور من المعارك متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

المعركة الأخيرة

تعدّ مدينة تينزاواتين آخر معقلٍ يتمركز فيه المسلحون الطوارق الساعون إلى إقامة دولة مستقلة في شمال مالي، لتحمل اسم «أزواد»، وهم الذين سيطروا على شمال مالي عام 2012، ولكنهم فقدوا السيطرة عليه منذ أن أطلق الجيش المالي عام 2022، عملية عسكرية واسعة النطاق من أجل ما سماه «توحيد الأرض».

وتأتي هذه العملية العسكرية بأمر من المجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ انقلاب 2020، قرّر بعده التخلي عن التحالف مع فرنسا، والتوجه نحو روسيا للحصول على أسلحة جديدة، ودعم في الميدان من مئات المقاتلين التابعين لمجموعة «فاغنر» الخاصة.

وسيطر الجيش المالي مطلع العام على مدينة كيدال، عاصمة شمال مالي والمدينة الأهم بالنسبة للطوارق، وأعلن الاثنين الماضي أنه سيطر على منطقة «إن - أفراك» الاستراتيجية الواقعة على بُعد 120 كلم شمال غرب تيساليت في منطقة كيدال.

حركة مسلحة من الطوارق في شمال مالي (أ.ف.ب)

وأطلق الجيش يوم الأربعاء عملية عسكرية للسيطرة على مدينة تينزاواتين القريبة جداً من الحدود مع الجزائر، فيما يمكن القول إنها آخر المعارك بين الطرفين، حين يحسمها الجيش المالي سيكون قد سيطر على كامل أراضيه.

ومنذ بداية العملية العسكرية الأخيرة فرّ المدنيون نحو الجانب الآخر من الحدود، ودخلوا أراضي الجزائر خوفاً من المعارك، وقال أحد سكان المنطقة: «منذ أول أمس، انتشرت شائعات عن هجمات. لقد لجأنا إلى الجزائر. اليوم سمعنا إطلاق نار. إنها اشتباكات بين الجيش المالي والروس ضد تنسيقية الحركات الأزوادية».