قرية بوليفية في منطقة الأمازون تعشق صناعة آلات الكمان

خوسيه مانويل أوراريبيا معلم في معهد أوروبيتشا للتدريب الفني والكورالي والأوركسترا (أ.ف.ب)
خوسيه مانويل أوراريبيا معلم في معهد أوروبيتشا للتدريب الفني والكورالي والأوركسترا (أ.ف.ب)
TT

قرية بوليفية في منطقة الأمازون تعشق صناعة آلات الكمان

خوسيه مانويل أوراريبيا معلم في معهد أوروبيتشا للتدريب الفني والكورالي والأوركسترا (أ.ف.ب)
خوسيه مانويل أوراريبيا معلم في معهد أوروبيتشا للتدريب الفني والكورالي والأوركسترا (أ.ف.ب)

مع بيوتها المصنوعة من الطين أو الخشب وشوارعها الترابية، تبدو أوروبيتشا كأي قرية تقطنها مجموعات من السكان الأصليين، لكنّ هذه القرية التي غالبية أفرادها من مجموعة غوارايوس باتت بفضل صانعي الآلات الوترية أهم منطقة لتصنيع الكمان في بوليفيا.

يقول عميد معهد أوروبيتشا للتدريب الفني والكورالي والأوركسترا والدو بابو: «لم أرَ قط مكاناً يُصنّع فيه هذا العدد الكبير من آلات الكمان كما في هذه القرية».

تقع أوروبيتشا في منطقة الأمازون، وتضم 8 آلاف نسمة، تتحدث غالبيتهم لغة غوارايو، وهي إحدى اللهجات الـ37 المعتمدة رسمياً في بوليفيا. ويشير بابو إلى أنّ القرية تضم ما بين 40 إلى 50 مصنّعاً شهيراً للآلات الوترية.

نيلسون أوريبوشانغا أحد الطلبة في مدرسة ببلدة أوروبيتشا في بوليفيا يعمل على صناعة آلة الكمان (أ.ف.ب)

ورغم غياب أي أرقام رسمية، يقدّر وجود مصنّع واحد لكل 200 مقيم تقريباً. والمدرسة التي يديرها هي إحدى أشهر المدارس في بوليفيا لموسيقى الباروك. وتضم هذه المدرسة 600 تلميذ، يتعلّم نحو 20 منهم العزف على الكمان.

وفي هذه البلدة الصغيرة أوركسترا سيمفونية أيضاً، إلا أنّ هذه المهنة لا تزال تعتمد على التقاليد أكثر من المدرسة.

«التوصّل إلى الصوت الجيّد»

بات هيلديبرتو أورياي، البالغ 76 سنة، صانع آلات وترية بفضل والده. ويحتاج هذا الحرفي الشهير أسبوعين لتصنيع آلة كلاسيكية ذات 4 أوتار.

هيرنان ياريتا أحد الطلبة في مدرسة ببلدة أوروبيتشا في بوليفيا يعمل على صناعة آلة الكمان (أ.ف.ب)

ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية، بلهجة تمتزج فيها لغتا الغوارايو والإسبانية: «التوصّل إلى آلة صوتها جيّد يحتاج إلى صبر».

وتُباع كل آلة كمان، يصنعها من خشب الأرز أو المارا، وهما نوعان من الخشب المتين، لقاء ما يعادل نحو 580 دولاراً، بحسب عائلته. أورياي أرمل، وأب لـ5 أبناء، وله عدد كبير من الأحفاد. وقد بدأ هذا الحرفي الذي لا يتكلم كثيراً يعاني منذ مدّة من مشكلات في السمع.

ويقول الرجل جالساً أمام مشغله: «أحب العزف كثيراً».

هيلديبرتو أورياي البالغ 76 سنة يقول خلال جلوسه أمام مشغله: «أحب العزف كثيراً» (أ.ف.ب)

وعلى عكس حرفيين بارزين آخرين، لم ينجح أورياي في جعل أبنائه يواصلون مهنة تصنيع الآلات الوترية التي تعلّمها من جده.

«بدايةً... تصنيع آلات لنا»

لا يمكن الوصول إلى قرية أوروبيتشا إلا من خلال طريق طولها 300 كيلومتر، تربطها بسانتا كروز.

في بداية القرن التاسع عشر، جاء رهبان من الفرنسيسكان في مهمة إلى هذه القرية، وتبيّن لهم أن السكان الأصليين هم حرفيون ماهرون، ولاحظوا ميلهم إلى الموسيقى.

خوسيه مانويل أوراريبيا معلم في معهد أوروبيتشا للتدريب الفني والكورالي والأوركسترا (أ.ف.ب)

ويشير علماء الأنثروبولوجيا إلى أنّ هذا الميل متجذر في فكرتهم عن الموت. فهم يعتبرون أنّ روح أي فرد من مجموعة غوارايوس لتصل إلى الجدّ، أي الإله على ما يصفونه، عليها أن تغنّي وتعزف على «تاكوارا» أو مزمار الخيزران، بحسب ما يوضح المؤرخ خوان أورانيافي.

ويشير إلى أنّ الروح تركب تمساحاً لمقابلة جدّها، ولكن إذا كانت لا تعرف كيفية العزف على التاكوارا جيداً، «بسبب خطأ ارتكبته خلال حياتها»، فإن التمساح يرميها في النهر لالتهامها.

هيرنان ياريتا أحد الطلبة بمدرسة ببلدة أوروبيتشا في بوليفيا يعمل على قطعة خشب تستخدم في صناعة آلة الكمان (أ.ف.ب)

واستخدم رهبان الفرنسيسكانية الكمان كوسيلة للتبشير، مستفيدين من هذه الحساسية الموسيقية.

في البداية، لم يكن العزف على هذه الآلات ممكناً سوى في الكنيسة، ولكن لاحقاً «تعلّم السكان الأصليون أنفسهم من المبشرين» كيفية صنعها والعزف عليها.

نيلسون أوريبوشانغا أحد الطلبة في مدرسة ببلدة أوروبيتشا في بوليفيا يعمل على صناعة آلة الكمان (أ.ف.ب)

ومن هنا تعود الأهمية التي يتمتع بها صانعو الآلات الوترية في أوروبيتشا، الذين لا تُعَلَّم مهنتهم في المتاجر العائلية فحسب، بل في صفوف المدرسة الثانوية في المدينة أيضاً.

يقترب هيرنان ياريتا (38 عاماً) من الحصول على دبلوم في تصنيع الآلات الوترية. ويرغب في أن تصل آلاته إلى سكان القرية أولاً حتى لا يختفي التقليد. ويقول: «هناك أطفال لا يحوزون آلة كمان، لهذا السبب نريد تصنيع آلات لأنفسنا أولاً، ولأحبائنا».


مقالات ذات صلة

مهرجان «بلد بيست»... مزيج إبداعي موسيقي في «جدة التاريخية» أواخر يناير

يوميات الشرق «بلد بيست» سيتيح لمحبي الموسيقى والثقافة فرصة استكشاف الإرث العريق لمنطقة «البلد» في جدة (ميدل بيست)

مهرجان «بلد بيست»... مزيج إبداعي موسيقي في «جدة التاريخية» أواخر يناير

تطلق منصة «ميدل بيست» النسخة الثالثة من مهرجان «بَلَد بيست»، في قلب مدينة جدة التاريخية (غرب السعودية) يومي 30 و31 يناير (كانون الثاني) المقبل.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الاستماع إلى الموسيقى يمكنه تغيير كيفية تذكر الناس للماضي (رويترز)

الموسيقى قد تغير طريقة تذكرنا للماضي

أكدت دراسة جديدة أن الاستماع إلى الموسيقى لا يمكن أن يحفز الذكريات فحسب، بل يمكنه أيضاً تغيير كيفية تذكُّر الناس لها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)

حفل لإحياء تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب بالأوبرا المصرية

في إطار استعادة تراث كبار الموسيقيين، وضمن سلسلة «وهّابيات» التي أطلقتها دار الأوبرا المصرية، يقام حفل لاستعادة تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق يهدف الحفل إلى تزويد اللبنانيين بجرعات أمل من خلال الموسيقى (الجامعة الأميركية)

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح، وهو يتألّف من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية...

فيفيان حداد (بيروت)
الوتر السادس إلى جانب الغناء والتلحين يتمتع زياد بموهبة التمثيل (زياد صليبا)

زياد غسان صليبا لـ«الشرق الأوسط»: والدي فنان عالمي

يعدّ زياد الابن الأصغر للفنان غسان صليبا. وهو مثل شقيقه وسام جذبه عالم الفن بكل أبعاده، فمشى على خطى والده المغني وأخيه الممثل وسام صليبا.

فيفيان حداد (بيروت)

الجزائرية ياسمين بلقايد تحصد لقب جائزة «نوابغ العرب 2024» عن فئة الطب ​

البروفسورة ياسمين بلقايد (الشرق الأوسط)
البروفسورة ياسمين بلقايد (الشرق الأوسط)
TT

الجزائرية ياسمين بلقايد تحصد لقب جائزة «نوابغ العرب 2024» عن فئة الطب ​

البروفسورة ياسمين بلقايد (الشرق الأوسط)
البروفسورة ياسمين بلقايد (الشرق الأوسط)

حصدت البروفسورة ياسمين بلقايد، من الجزائر، لقب جائزة «نوابغ العرب 2024» عن فئة الطب، تقديراً لتميزها في أبحاث المناعة والميكروبات والأمراض المعدية.

وأكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن الحضارة العربية قادرة على تجديد مساهماتها الإنسانية في الطب والعلم، مشيداً بإسهامات بلقايد التي نشرت أكثر من 220 بحثاً علمياً.

وركزت بلقايد، رئيسة «معهد باستور» في فرنسا، أبحاثها على دور الميكروبات في تعزيز المناعة وعلاج الأمراض المزمنة، مثل كرون والصدفية. وقال الشيخ محمد بن راشد: «نبارك للبروفسورة بلقايد التي قدمت إسهامات استثنائية جعلتها نموذجاً يُحتذى».

ووفق المعلومات، فإن بلقايد تميزت باكتشافات بشأن سلاسل ميكروبية تلعب دوراً مهماً في مناعة الجلد، إلى جانب تحليلها تفاعلات الجسم مع الميكروبات وتنظيمها المناعي، مما ساهم في فهم أعمق للأمراض المزمنة.

وأنجزت البروفسورة ياسمين بلقايد مجموعة متكاملة من البحوث الدقيقة السبّاقة التي ركّزت على موضوعات تخصصية، منها دور ميكروبات الجسم في المناعة والالتهابات، وتحليل الخلايا التائية التنظيمية الطبيعية في الأمراض المعدية، ودور الخلايا الشجرية، وتحكّم البكتيريا المتعايشة في استجابة السرطان للعلاج عبر تعديل بيئة الورم السرطاني.

وقال محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس اللجنة العليا لـ«مبادرة نوابغ العرب»، إن مساهمات البروفسورة ياسمين بلقايد في أبحاث المناعة وما يتعلق بها من دراسات تخصصية، والتزامها بتحقيق تقدم علمي وبحثي ومعرفي حقيقي في العلوم الطبية، جعلا منها قدوة للشباب في المنطقة والعالم.

وأضاف القرقاوي أن «أمام الأجيال العربية فرصاً كثيرة للتميّز في الأبحاث الطبية والدوائية، خصوصاً مع تطور استخدامات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي وتحليل البيانات الضخمة؛ لابتكار حلول علاجية وطبية جديدة».