بشكل سريع ومفاجئ، تستنزف العملية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، نحو 45 عاماً من السلام بين القاهرة وتل أبيب، وسط «تصعيد مصري تدريجي» يقترب من محطة خفض العلاقات، وفق مصادر.
التصعيد المصري مر حتى الآن بمحطتي تعليق التنسيق في معبر رفح، وانضمام القاهرة لدعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، حول ممارسات إسرائيل في غزة، في المقابل تطالب تل أبيب القاهرة بفتح المعبر والقبول بالأمر الواقع.
وفي أحدث حلقة، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الثلاثاء، عن مسؤولين مصريين لم تكشف عن هويتهم، أن القاهرة «تدرس خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، من خلال سحب سفيرها في تل أبيب».
وتلوح هذه الخطوة التصعيدية في الأفق بعد يومين من حديث صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، عن مطالبة مسؤولين مصريين، واشنطن بالضغط على تل أبيب للانسحاب من رفح والعودة لمفاوضات جادة، وإلا فستقوم القاهرة بتجميد أو إنهاء معاهدة السلام.
وفي اليوم ذاته، الأحد، وصف وزير الخارجية المصري سامح شكري، الاتفاقية بأنها «خيار استراتيجي»، وأي «مخالفات لها سيتم تناولها عبر آليات».
تصعيد تدريجي
واتخذت القاهرة خطوات تصعيدية تدريجية، منذ 7 مايو (أيار) الجاري عقب سيطرة إسرائيل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، منها رفض التنسيق مع إسرائيل، وإبلاغ جميع الأطراف المعنية بتحمل تل أبيب مسؤولية التدهور الحالي، وفق مصدر مصري رفيع المستوى تحدث السبت الماضي لقناة «القاهرة الإخبارية» الحكومية.
والأحد، أعلنت الخارجية المصرية، في بيان، عزمها على دعم دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، التي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة في غزة.
وفي مقابل التصعيد المصري التدريجي، غرد وزير خارجية إسرائيل، يسرائيل كاتس، الثلاثاء، قائلاً: «يتعين على مصر إعادة فتح معبر رفح، لتفادي حدوث أزمة إنسانية في غزة»، في حين رفض نظيره المصري سامح شكري ذلك، مؤكداً رفض سياسة «ليّ الحقائق والتنصل من المسؤولية»، مشدداً على «تحمل تل أبيب مسؤولية ما يحدث».
واستنكر وزير الخارجية المصري بشدة «محاولات الجانب الإسرائيلي اليائسة تحميل مصر المسؤولية عن الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي يواجهها قطاع غزة، والتي هي نتاج مباشر للاعتداءات الإسرائيلية العشوائية ضد الفلسطينيين لأكثر من سبعة أشهر».
أهداف إسرائيل
وحول شكل التصعيد المحتمل، يتوقع حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، «تصعيداً مُداراً»؛ إذ قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر لن تقدم على إلغاء معاهدة السلام، ولا تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وخاصة أن المعاهدة تنص على تبادل السفراء، لكن يمكن أن تقلل عدد الدبلوماسيين وتستدعي السفير».
هريدي يمضي موضحاً أن «ما تقدم إسرائيل عليه في رفح الفلسطينية أمر كبير»، متوقعاً «استمرار تل أبيب في ذلك بهدف سياسي هو نجاة حكومة بنيامين نتنياهو، وهدف استراتيجي هو السيطرة على معبر رفح».
ومتفقاً مع الطرح السابق، يقول الدكتور بشير عبد الفتاح خبير العلاقات الدولية في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية» (بحثي)، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يثار عن إلغاء معاهدة السلام يحمل قدراً من المبالغة»، لافتاً إلى أن «محاولات إسرائيل لاستفزاز مصر وعدم مراعاة حساباتها تم الرد عليها مصرياً بشكل دبلوماسي وقانوني».
وشملت الردود المصرية، دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، ورفض التنسيق في معبر رفح، أما «الخروج من المعاهدة وقطع العلاقات، فهو أمر مستبعد وغير وارد»، على حد قول عبد الفتاح.
الخبير في «مركز الأهرام» يشير إلى أن «معاهدة السلام لها آلية داخلية لمعالجة أي خلاف عبر لجنة تنسيق مصرية - أميركية - إسرائيلية، وواشنطن باعتبارها راعية وضامنة للمعاهدة لن تسمح بانهيارها؛ لأنها ركن ركين في استقرار المنطقة وبداية اتفاقيات السلام بها».
ويرى عبد الفتاح أن «استدعاء السفير سيكون هو الإجراء الدبلوماسي الطبيعي للتعبير عن أن العلاقات لم تمضِ في المستوى الصحيح، ومحاولة الضغط على الطرف الآخر مع تصعيد صانع القرار برسائل قانونية وسياسية».
ضغوط متبادلة
أما عاطف سعداوي، الخبير في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، فيرى أن تصريحات مصر وإسرائيل منذ رفض التنسيق وحتى مطالبة تل أبيب القاهرة بفتح المعبر، هي «ممارسة لأقصى أنواع الضغوط لتحقيق تنازلات».
وسيكون التصعيد الدبلوماسي المصري، وفق حديث سعداوي لـ«الشرق الأوسط»، «متدرجاً»، و«لن يصل لفكرة انسحاب من معاهدة السلام؛ لأن بديل ذلك حديث عن معاهدة جديدة بشروط جديدة، وهذا ليس وارداً».
ربما يصل التصعيد المصري إلى «استدعاء السفير، وهذا أيضاً في نطاق ممارسة الضغوط، وكذلك إسرائيل سترد بمواقف ترد فيها الضغط على القاهرة».
خطوات دبلوماسية
خالد سعيد، الباحث في الشؤون الإسرائيلية والتاريخ العبري، يرى أن إسرائيل «خالفت اتفاقية كامب ديفيد، بتهديد الأمن والسلم مع مصر بطريقة مباشرة عقب 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عبر الإصرار على تهجير الفلسطينيين، وبطريقة غير مباشرة عبر العمليات برفح وتحريك دباباتها أمام الحدود».
ولا يستبعد سعيد أن «تجمد مصر الاتفاقية أو تهدد بالإلغاء»، لكنه يرى أن «القاهرة أقرب لاتخاذ خطوات دبلوماسية أكثر تدير فيها معركة دبلوماسية مع تل أبيب، مثلما تم في خطوة دعم جنوب أفريقيا؛ لما تتمتع به القاهرة من صبر وعقلانية، وسيكون سحب السفير أو استدعاؤه خطوة مؤجلة».
في المقابل، سيواصل نتنياهو، وفق سعيد، «تصعيده في رفح، لاستفزاز القاهرة، وربما يرسل وفداً إليها لمحاولة التهدئة، وقد لا تستقبله مصر على غرار رفض التنسيق في معبر رفح».