فرنسا تستقبل الشعلة الأولمبية بـ1000 زورق

تطوف أحياء مرسيليا تحيّةً للتنوّع بهذا الميناء الرائع

«نايسترو» (تصوير: فيليب دوانون)
«نايسترو» (تصوير: فيليب دوانون)
TT

فرنسا تستقبل الشعلة الأولمبية بـ1000 زورق

«نايسترو» (تصوير: فيليب دوانون)
«نايسترو» (تصوير: فيليب دوانون)

بحضور الرئيس إيمانويل ماكرون، ونخبة من كبار المسؤولين، وبمشاركة 150 ألف متفرّج حجزوا موقعهم على ضفاف ميناء مرسيليا القديم، وصلت إلى شاطئ جنوب فرنسا سفينة «البلم» الشراعية التاريخية وسط رنين صافرات أكثر من 1000 زورق صغير خرج لاستقبالها بقيادة ملّاحي المدينة وصيّاديها. وسعت فرنسا إلى تنظيم استقبال احتفالي، بعدما غادرت السفينة ميناء أثينا في اليونان في 16 من الشهر الماضي حاملةً عدداً من أبطال الرياضة لحراسة الشعلة الأولمبية التي تنتظر فرنسا عودتها إليها منذ 100 عام.

ولدى وصول السفينة، نُصب ممشى عائم يربط بينها وبين الشاطئ. ومن المقرَّر أن تبقى الشعلة يومين في مرسيليا وتطوف أحياءها الشمالية تحيّةً للتنوّع العرقي والديني في هذا الميناء الفريد والرائع. بعد ذلك، ستأخذ وجهتها نحو العاصمة. وكان أول المترجّلين منها السبّاح فلوران مانادو، صاحب الميداليات الأولمبية الثلاث، رافعاً بيُمناه الشعلة التي صمَّمها ماتيو لوهانور، مُستهماً رموز الماء والمساواة والسلام.

12 يوماً في البحر الأبيض المتوسّط، قبل قَطْع 5 آلاف كيلومتر محمولةً بأيدي 11 ألف عدّاء اختيروا بعناية، بحيث يمثّلون مختلف الفئات والمناطق الفرنسية، يتناوبون على إيصال هذا الرمز الأولمبي إلى باريس مع افتتاح دورتها المرتقبة في 26 من يوليو (تموز) المقبل. وأوضحت نائبة عمدة مرسيليا سامية غالي، أنّ الشعلة ستبدأ رحلتها الفرنسية انطلاقاً من بلدة ماساليا الإغريقية في جنوب فرنسا.

ووفق التقديرات، فإنّ مليار متفرّج أبدى اهتماماً بمتابعة مراسم وصول الشعلة عبر شاشات العالم. ووصل إلى مرسيليا 1500 صحافي لتغطية الحدث الذي حشدت له فرنسا أفضل مبتكراتها من تشكيلات جوّية بالطائرات البهلوانية والألعاب النارية. ومن بين آلاف الحاضرين في الميناء، يحضُر 45 ألفاً الحفل الموسيقي الخاص بمراسم الاستقبال. ويلفت النظر اختيار مغنّي الأوبرا العربي الأصل نبيل راشدي المعروف بـ«نايسترو» للغناء فيه. وأعلن «نايسترو» الذي ترعرع في المدينة الجنوبية، عن تأدية النشيد الوطني الفرنسي (المارسييز) بصوته الأوبرالي، وأمام الرئيس ماكرون.

السفينة الشراعية تقترب من مرسيليا (أ.ف.ب)

حكاية نبيل راشدي...

من الملاكمة إلى الغناء، وعَبْر السجن، اجتاز راشدي المراحل من قاع المجتمع إلى أضواء الشهرة. وهو اليوم مغنّي أوبرا معروف في فرنسا باسمه الفنّي «نايسترو»، وقع عليه الاختيار للغناء في مراسم استقبال الشعلة.

حين يرتدي «نايسترو» بدلة السهرة، ويقف على المسرح، فإنه لا يختلف في مظهره عن أي «تينور» ممن نشأوا في ميلانو أو برشلونة. لكنه يحبّ أن يُطلق على موسيقاه تسمية أوبرا المدن والشوارع. فهذا الشاب الثلاثيني الذي نشأ في بلدة بور دو بوك، غير بعيد عن مرسيليا. كان في مراهقته صبياً متمرّداً خارجاً على القانون، يقود عصابته الصغيرة، ويحبّ أغنيات الراب والإيقاعات الراقصة.

اكتشف الصبي قوّته حين دخل مع أشقّائه الأكبر سنّاً نادياً للملاكمة. كانت تلك الرياضة وسيلته للتعبير عن الغضب الذي يملأ صدره، والانتقام من ظروفه المعيشية الصعبة. وهو قد تقدَّم ونال ميداليات عدّة من دون أن ينجح في تهدئة شعوره بالغبن. قال المدرّب لأشقائه: «هذا الصغير عندما يُلاكم، فإنه يكشف عن سخط كبير». كان ناجحاً في المدرسة ويحلم بأن يصبح محامياً. أحد الأشقاء صار شرطياً والآخر ضابط شرطة. وارتدى الصغير القفازات في سنّ 16 عاماً، وانضمّ إلى فنون القتال المختلطة. وبعد عامين، انضمّ إلى الفريق الفرنسي وكان اللاعب الأصغر.

كان يمكن أن يصبح ملاكماً شهيراً، لكنه تورَّط في قضية مخدّرات قادته إلى السجن. كان رفيقه في الزنزانة إيطالياً يُدعى برونو، يغنّي بلغة لا يفهمها. أغنيات من نمط لم يسمع به الملاكم العربي من قبل. لقاء سيُغيّر مصيره لأنه تعلّم من شريكه في الزنزانة الكلمات الثلاث الأولى من أغنية بافاروتي «O Sole mio». راح يردّدها ويكتشف قدرات حنجرته وهي تنطلق بأعلى ما يمكن.

سمعه مدير السجن الذي كان من عشاق الأوبرا فأذهله الصوت. وأهداه أسطوانتين لبافاروتي. وهو لا يزال يحتفظ بهما حتى اليوم. وقد تمكّن من ترجمة الكلمات بمساعدة برونو، وراح يغنّي ليلَ نهار، ولم يعد يطبق فمه منذ تلك اللحظة. يقول إنَّ اليوم الذي يمرّ من دون موسيقى ليس من عمره.

في عام 2015، تعرّف الجمهور إلى المغنّي الجديد من خلال النسخة الفرنسية من برنامج «فرنسا لديها مواهب». ثم دُعي إلى الاستعراض الذي ينظّمه الكوميدي جمال دبوز في مراكش. ومع صدور أسطوانة «بيللا تشاو» عام 2018، بلغ نبيل راشدي عتبات الشهرة، وصار اسمه «نايسترو». وهي الأسطوانة التي تعاون فيها مع فنّانين من جيله عاشوا ظروفاً مشابهة. ومنذ ذلك الحين، عكف السجين السابق على سلسلة من المشاريع الفنية الناجحة، آخرها أسطوانة يمزج فيها بين موسيقى الراب والأوبرا.

يقول في مقابلة تلفزيونية: «هذا النمط الموسيقي هو المفضل لديّ. لكنني أحببتُ فقط غناء النوتات العليا. النغمات السفلية تُشعرني بالملل قليلاً. لذلك خطرت ببالي فكرة دعوة مغنّي راب لأداء هذا الجزء. ثم سألني مديري الفنّي إن كنت أعرف تأدية الراب، وطلب مني تقديم النوعين، العالي والخافت». هكذا نشأت فرقة أوبرا المدينة. ومنذ صدور الأغنية في الخريف الماضي، جمعت مليونَي مشاهدة على «يوتيوب».

يبدو أنّ هذا الأسلوب الجديد قد حاز إعجاب الجمهور. منذ نشرها في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، حصدت الأغنية أكثر من مليوني مشاهدة على الموقع المذكور.

بالعودة إلى حفل الاستقبال، فقد بلغت تكلفته 1.8 مليون يورو، وفق تقديرات صحيفة «لوموند». ويسهر على تأمين الموقع 5 آلاف رجل شرطة ودرك فتّشوا المباني المطلّة على الميناء ومئات المراكب الخاصة الراسية في محيطه. كما مسح 200 غواص قعر الميناء تحسّباً لعبوات متفجّرة قد تكون زُرعت فيه. وسترافق قوّة من 20 رجل أمن مسيرة الشعلة في كل مراحلها عبر 52 مدينة وقرية فرنسية، قدّمت كل منها 150 ألف يورو للاحتفال بمرورها في أراضيها. بينما خصّصت وزارة الداخلية مليون يورو للمسيرة. وتأتي هذه الإجراءات نظراً إلى بيانات سابقة من متطرّفين يساريين هدّدوا بتخريب الدورة الأولمبية. وهي الثانية التي تستضيفها فرنسا بعد دورة عام 1924.


مقالات ذات صلة

براونلي بطل الأولمبياد مرتين يعتزل لعبة «الثلاثي»

رياضة عالمية أليستير براونلي (أ.ب)

براونلي بطل الأولمبياد مرتين يعتزل لعبة «الثلاثي»

أعلن أليستير براونلي، الفائز بذهبيتين أولمبيتين في الثلاثي وبطل العالم مرتين، اعتزاله في عمر الـ36 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية آدم بيتي (رويترز)

بيتي: لست مستعداً لاتخاذ قرار المشاركة في «أولمبياد 2028»

قال السباح البريطاني آدم بيتي، بطل الأولمبياد 3 مرات، إنه غير مستعد الآن لاتخاذ قراره بشأن المشاركة في أولمبياد لوس أنجليس 2028، وذلك بعدما أصيب بالإحباط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية الوكالة الدولية للاختبارات أن 10.3 في المائة من الرياضيين لم يتم اختبار تعاطيهم للمواد المنشطة في الأشهر الـ6 (أ.ف.ب)

67 فائزاً بميداليات لم يخضعوا لاختبارات المنشطات قبل «أولمبياد باريس»

ذكر تقرير صادر من الوكالة الدولية للاختبارات أن 3.‏10 في المائة من الرياضيين، بما في ذلك 67 رياضياً فازوا بميداليات.

«الشرق الأوسط» (لايبزغ)
رياضة عربية إيمان خليف وقعت ضحية جدل حول هويتها الجنسية منذ وصولها إلى باريس (رويترز)

الجزائرية إيمان خليف تتقدم بدعوى قضائية لمزاعم تسريب سجلات طبية

تقدمت الملاكمة الجزائرية ايمان خليف حاملة ذهبية وزن 66 كلغ في أولمبياد باريس الصيف الماضي بدعوى قضائية، الأربعاء، بسبب تقارير إعلامية عن سجلات طبية مسربة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية نواه لايلز (رويترز)

لايلز خارج قائمة المرشحين للفوز بجائزة أفضل رياضي على المضمار

لن يكون البطل الأولمبي في سباق 100 متر، الأميركي نواه لايلز، أحد مرشحَين نهائيَّين للفوز بجائزة أفضل رياضي على مضمار ألعاب القوى لهذا العام.

«الشرق الأوسط» (باريس)

كيف تحوّل روتينك اليومي إلى مصدر «للفرح والرضا»؟

كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
TT

كيف تحوّل روتينك اليومي إلى مصدر «للفرح والرضا»؟

كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)

يعتقد البعض أنه عليه الذهاب في إجازة باهظة، أو على الأقل الانتظار حتى انتهاء أسبوع العمل، للشعور بالسعادة والرضا الحقيقيين في الحياة. في الواقع، يمكنك أن تجد الفرح في روتينك اليومي، كما تقول المؤلفة وخبيرة اتخاذ القرارات السلوكية كاسي هولمز، بحسب تقرير لشبكة «سي إن بي سي».

وفقاً لمسح حديث أجري على ألفين من سكان الولايات المتحدة، يمر واحد من كل أربعة أميركيين بنوبات من الملل مع روتينه. لمكافحة ذلك، تقول هولمز لنفسها عبارة بسيطة في اللحظات التي تدرك فيها أنها غير مهتمة: «احسب الوقت المتبقي».

على سبيل المثال، كانت هولمز تأخذ ابنتها في مواعيد لشرب الشاي منذ أن كانت في الرابعة من عمرها. بعد خمس سنوات، يمكن أن تبدو جلسات التسكع وكأنها مهمة روتينية.

قالت هولمز: «الآن أصبحت في التاسعة من عمرها، لذلك ذهبنا في الكثير من المواعيد في الماضي... لكن بعد ذلك، فكرت، (حسناً، كم عدد المواعيد المتبقية لنا)؟».

بدلاً من الانزعاج من النزهات المتكررة، بدأت في حساب عدد الفرص المتبقية لها للاستمتاع قبل أن تكبر ابنتها وتنتهي أوقات الترابط هذه.

أوضحت هولمز، التي تبحث في الوقت والسعادة «في غضون عامين فقط، سترغب في الذهاب إلى المقهى مع أصدقائها بدلاً مني. لذا سيصبح الأمر أقل تكراراً. ثم ستذهب إلى الكلية... ستنتقل للعيش في مدينة أخرى».

ساعدها حساب الوقت المتبقي لها في العثور على «الفرح والرضا» في المهام الروتينية.

«الوقت هو المورد الأكثر قيمة»

إلى جانب مساعدتك في العثور على السعادة، قالت هولمز إن التمرين السريع يدفعها إلى إيلاء اهتمام أكبر لكيفية قضاء وقتها. لم تعد تستخف بالنزهات مع ابنتها -بدلاً من ذلك، تسعى إلى خلق المحادثات والتواصل الفعال، وهو أمر أكثر أهمية.

من الأهمية بمكان ما أن تفعل الشيء نفسه إذا كنت تريد تجنب الشعور بالندم في المستقبل، وفقاً لعالم النفس مايكل جيرفيس.

وشرح جيرفيس لـ«سي إن بي سي»: «الوقت هو المورد الأكثر قيمة لدينا... في روتين الحياة اليومي، من السهل أن تخرج عن التوافق مع ما هو الأكثر أهمية بالنسبة لك. لكن العيش مع إدراكنا لفنائنا يغير بشكل أساسي ما نقدره وكيف نختار استخدام وقتنا».

وأضاف: «إن تبنّي حقيقة أننا لن نعيش إلى الأبد يجعل قيمنا في بؤرة التركيز الحادة. بمجرد إدراكك أن الوقت هو أغلى السلع على الإطلاق، فلن يكون هناك انقطاع بين الخيارات التي تريد اتخاذها وتلك التي تتخذها بالفعل».