«لعبتي»... منحوتات زجاجية مستوحاة من عالم «المكعبات»

معرض للفنان المصري سيد واكد يضمّ 17 قطعة

شفافية الزجاج تفرض عليه التعامل معه وكأنه يعيد تشكيل الفراغ (الشرق الأوسط)
شفافية الزجاج تفرض عليه التعامل معه وكأنه يعيد تشكيل الفراغ (الشرق الأوسط)
TT

«لعبتي»... منحوتات زجاجية مستوحاة من عالم «المكعبات»

شفافية الزجاج تفرض عليه التعامل معه وكأنه يعيد تشكيل الفراغ (الشرق الأوسط)
شفافية الزجاج تفرض عليه التعامل معه وكأنه يعيد تشكيل الفراغ (الشرق الأوسط)

رغم بساطة المنحوتات التي يضمها معرض «لعبتي» للتشكيلي المصري سيد واكد، فإنها تشكل مجموعة مكعبات أكثر تعقيداً تتلاءم معاً بشكل طبيعي، وتحمل إحساساً قوياً بالتوازن والانسجام.

ويُعد المعرض المقام في غاليري «بيكاسو» بالزمالك في القاهرة، الذي يضمّ 17 منحوتة زجاجية ملونة، بمثابة رحلة تأمل في محيطنا ولترابط البشر بالطبيعة؛ إذ تخلق الأعمال به تجربة متعددة الأبعاد، تسألنا عمّا يمكن أن نستفيده من تسخير العلاقة الوثيقة مع بيئتنا لصالح الإنسانية، من خلال الاهتمام بظواهرها وفلسفتها.

يخوض الفنان عبر المعرض تجربة جديدة مغايرة لمعارضه السابقة (الشرق الأوسط)

يٌعرف عن الفنان احتفاؤه بتوصيل رسالة إلى المتلقّي عبر أعماله، وميله كذلك إلى التعبير عن العلاقات الإنسانية الجماعية، مستخدماً في تحقيق ذلك القيم الفنية والجمالية لمادة الزجاج، بمدلولها التعبيري الذي يميزها عن باقي المواد؛ ولذلك لم يكن من المستغرب أن تبدأ ثيمة معرضه الفردي السادس، التي تدور حول لعبة «المكعّبات» أثناء ممارسة الفنان نفسه لها مع أبنائه.

يقول سيد واكد لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال اللعب مع أبنائي بالمكعبات دار نقاش داخلي، وهو لماذا لا نكون مثل الأطفال؟ نلعب مثلهم، ونستمتع بحياتنا ببساطة، ومن دون تعقيد، ونستلهم بالتالي من اللعب فلسفة أن لا أحد يفوز أو يخسر بشكل مطلق، إنما هناك فرص دوماً للانتصار أو الهزيمة، فقد أعجبتني الفكرة للغاية، وقرّرت التعبير عنها عبر خامة الزجاج التي أعمل بها».

«لماذا لا نكون مثل الأطفال»... سؤال فلسفي يطرحه المعرض (الشرق الأوسط)

جاءت منحوتاته كلّها في المعرض ما بين الشّكل الرأسي والأفقي، متمتعةً بالبناء التركيبي للعمل الفني؛ فهي بمثابة لقاءات لمجموعات من الكتل مع بعضها بعضاً، ليخوض الفنان عبر هذه الأعمال تجربة فنية جديدة مغايرة لمعارضه السابقة؛ ابتعد فيها عن التشخيصية التي تتكون من كتلة واحدة، إلى مجسمات يتكون كلٌ منها من عدة قطع أو مكعبات صغيرة.

يقول واكد: «لم أقدّم جديداً في التقنية؛ فالاختلاف عن تجاربي السابقة ينحصر في التشكيل فقط؛ ولأتمكّن من التّحكم في التكوينات التي أريد تقديمها، اعتمدت على الأشكال الرأسية والأفقية معاً؛ بحيث أنفذ مكعبات لها علاقة ببعضها من خلال المقاس؛ ولذلك عملت (إسطمبات) للمكعبات، وبعدها بدأت أشكّل المنحوتة الزجاجية بلا أي قيود تفرض عليَّ التشكيل». ويتابع :«بعد ذلك نفّذت أعمالي بفكر اللعبة المشار إليها، وهو أن أبنيَ تكوينات ومنها أعود لأبنيَ أخرى أكبر».

جاءت منحوتاته ما بين الشكلين الرأسي والأفقي (الشرق الأوسط)

واللافت أن هذه الأعمال التي تحمل ثيمة اللعبة الشهيرة بألوانها الصارخة الجاذبة للأطفال من مختلف الثقافات، جاءت بألوان هادئة للغاية في منحوتاته.

يبرّر واكد ذلك بقوله: «بالفعل يمثل هذا الأمر مفارقة؛ لكنّي لم أتعمّد أن أجعل الألوان هادئة، فما حدث هو أنّ الخامة فرضت نفسها»، ويوضح: «هناك سرّ في الزجاج قد لا يعرفه كثيرون، وهو أنه بسبب الشفافية والانعكاس يحقق الزجاج (هارموني) رائعاً وبسيطاً للغاية بين أجزائه، وكذلك مع المكان حيث يوجد بشكل طبيعي، وهكذا من خلال خامته ألعب بالشفافية، ومن ثمّ ألجأ إلى تلوينها أو تعتيمها عن طريق تأثير المرايا، فضلاً عن الاستعانة أحياناً بالزجاج الملون».

تخلق الأعمال بالمعرض تجربة متعددة الأبعاد (الشرق الأوسط)

علاقة قوية متنامية إذن تربط بين واكد والزجاج يقول: «أكثر ما يجذبني إلى الزجاج شدة شبهه بالماء، إلى حد أنني أشعر حين أنفذ به أعمالي، كما لو كنت أستخدم الماء خامةً للنحت، فبسبب الشفافية أشعر وكأنني أعيد تشكيل الفراغ نفسه، وهو مفهوم مختلف كلياً عن التشكيل في مواد النحت التقليدية المعتمة».

من أعمال الفنان بالمعرض (الشرق الأوسط)

لكن على الرغم من ذلك الطابع الخاص للزجاج، فثمة تحديات في تشكيله، حسب الفنان: «إمكانيات الزجاج في التشكيل محدودة للغاية، مقارنة بالخامات الأخرى، كما أنه من الصعب تشكيله؛ لذلك يتطلّب فهماً عميقاً له، فضلاً عن ضرورة تمتع من يستخدمه بكثير من الخبرة وبمرونة التفكير».


مقالات ذات صلة

معرض «آرت بازل» اختبار لصحة سوق الفن عالمياً

يوميات الشرق معرض «آرت بازل» بسويسرا 13 يونيو (إ.ب.أ)

معرض «آرت بازل» اختبار لصحة سوق الفن عالمياً

شهد معرض «آرت بازل» للفن المعاصر المُقام هذا الأسبوع في سويسرا مرة جديدة مبيعات ضخمة تخفي تطوّراً غير منتظم لسوق الفن التي لا تزال في «وضع سيئ»، بحسب الخبراء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مسرح البيكاديللي يتوسط المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «أمل في عصر ديستوبيا» اليأس ممنوع

هنا العالم ملوّن تحكمه الريشة بدل الفساد... والفوضى تبحث عن مخرَج لها لأنها تشعر بالاختناق. 

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق سيُدشّن «كتاب المعلقات» باللغة الكورية (واس)

احتفاء عالمي بالثقافة السعودية وكنوزها الفنية والتراثية

تفتح الثقافة السعودية نوافذ لعرض ألوان من فنونها وكنوزها التراثية وتجاربها الفكرية والإنسانية لزائري معرضي بكين وسيول للكتاب.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق زوار ينظرون إلى العمل الفني من الربيع إلى الخريف للفنان الأميركي سام فالسون (أ.ب)

«آرت بازل» اختبار لسوق الفنون في سويسرا بعد عام من التراجع

بمشاركة نحو 300 جهة عرض من حول العالم، يقام في سويسرا معرض «آرت بازل» هذا الأسبوع ، والذي يشكل اختباراً لصحة سوق الفنون خلال الأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من افتتاح المعرض العام بمصر (قطاع الفنون التشكيلية)

«المعرض العام» يمنح الحركة التشكيلية في مصر زخماً واسعاً

يمنح المعرض العام الذي تنظمه وزارة الثقافة المصرية الحركة التشكيلية في مصر والوطن العربي زخماً.

محمد الكفراوي (القاهرة )

إدلب تستقبل «الأضحى» بكعك له نكهات المحافظات السورية

من صور متداولة على مواقع التواصل لأسواق ليلة عيد الأضحى في إدلب شمال غربي سوريا
من صور متداولة على مواقع التواصل لأسواق ليلة عيد الأضحى في إدلب شمال غربي سوريا
TT

إدلب تستقبل «الأضحى» بكعك له نكهات المحافظات السورية

من صور متداولة على مواقع التواصل لأسواق ليلة عيد الأضحى في إدلب شمال غربي سوريا
من صور متداولة على مواقع التواصل لأسواق ليلة عيد الأضحى في إدلب شمال غربي سوريا

من الكعك الحلو المعتاد، إلى أصناف الكعك المالح والحار، استقبلت إدلب في الشمال السوري «عيد الأضحى» بنكهات كعك مميزة، جلبها معهم سوريون جرى تهجيرهم إليها من مختلف المحافظات خلال سنوات الحرب.

وعلى الرغم من الأوضاع غير المستقرة ومستويات الدخل المحدود لكثيرين، فإن المهجرين والنازحين يصرون على إعداد المعمول وكعك العيد بنكهات محلية، تذكر بالأماكن التي نزحوا عنها، وتعوض قليلاً غصة العيد، وهم بعيدون عن أسرهم ومناطقهم.

تجتمع النساء قبل العيد لصناعة كعك ومعمول العيد والحفاظ على طقوسه (الشرق الأوسط)

تجدر الإشارة أولاً إلى أنه يقيم في مناطق شمال غربي سوريا، الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، نتيجة سنوات الحرب، (إدلب وريفها وجزء من ريف حلب) 5.06 مليون شخص، بينهم أكثر من 3 ملايين من المهجرين والنازحين، وفقاً لإحصائيات «الأمم المتحدة». ومع خفض تصعيد العمليات العسكرية في مارس (آذار) 2020، أطلق القادمون الجدد الذين سكنوا المنطقة مشاريعهم الخاصة، بما فيها محال الحلويات التي حملت نكهات بيئاتهم التي نزحوا عنها، مثل حمص وحماة وريف دمشق ودير الزور.

يحمل المطبخ السوري في الأساس تنوعاً غنياً ينعكس في حلويات العيد، من الكعك وأنواع المعمول، والحشوات وطريقة الإعداد، بحسب كل منطقة.

عبد اللطيف الحموي نقل خبرته بصناعة الحلويات من حماة إلى إدلب (الشرق الأوسط)

حمل عبد اللطيف خبرته في صناعة الحلويات من حماة، وسط سوريا: «قدمنا أصنافاً جديدة وتعرفنا على أنواع أخرى»، قال الشاب، البالغ من العمر 37 عاماً، لـ«الشرق الأوسط». مضيفاً، في المنطقة الوسطى من سوريا تنتشر أنواع البقلاوة المحشوة بالفستق الحلبي والجوز والمبرومة والبلورية، «لكن أكثر الحلويات شهرة هي الأقراص». أشار عبد اللطيف إلى أقراص عجين دائرية بلون فاتح، متحدثاً عن مكوناتها من الشمرا واليانسون وحبة البركة والسكر، وقال: «لا أحد يصنعها سوى أهل حماة وحمص... أحبها سكان إدلب وأصبحوا يشترونها».

حلويات العيد السورية المشهورة التي يكون قوامها السمن العربي والطحين والسكر، مثل البرازق والغريبة، أصلها دمشقي، بحسب عبد اللطيف. مشيراً إلى انتشارها في المحال المختصة بالحلويات في إدلب، التي غالباً ما تعتمد على صناعة البسكويت والبيتفور المعدّ من الزبدة أو الزيت النباتي والطحين والسكر مع إضافات الشوكولا أو وجوز الهند، وهي الأصناف التي تعد أرخص تكلفة وأقرب لمتناول السكان، وكذلك الكعك المعدّ بزيت الزيتون والتوابل.

الكعك بالفلفل الحار يختص به سكان ريف إدلب الشمالي (الشرق الأوسط)

كعك عيد بفليفلة

رغم درجة الحرارة المرتفعة خلال شهر يونيو (حزيران)، تقوم «أم أحمد» بتجهيز قرون الفليفلة الحارة المجففة لبدء عمل كعك العيد، تشدد على أنها «مهما صنعت أنواع الكعك لا أعدّ أني حضّرت شيئاً إن لم يكن الكعك بالفلفل الحار أولها».

تنتشر زراعة الفليفلة الحارة ذات الطعم اللاذع، في منطقة سلقين، بالريف الشمالي لإدلب، حيث يميل مطبخ المنطقة إلى إضافة الفلفل الحار إلى طعامهم بأنواعه، وكان للعيد نصيب بالكعك المعد من فليفلة «قرن الغزال» والزعتر الأخضر وزعتر «الزوبعة» كما يسميه السكان المحليون، إضافة إلى الشمرا واليانسون والملح والسمسم والزنجبيل وبهار المحلب المعروف بـ«بهار الكعك».

أم أحمد تعد الكعك بالفلفل الحار في كل عيد لعائلتها (الشرق الأوسط)

تخبرنا «أم أحمد» أن سكان إدلب يعدون أنواعاً مختلفة من الحلويات، مثل المعمول المحشو بالتمر، إضافة إلى الكعك المالح المعد من ماء الجبن، و«الكرابيج» المعروف بهذا الاسم في إدلب وحلب، وهو نوع من المعمول المحشو بالجوز، ويقدم في حلب «الناطف»، المعدّ من بياض البيض المخفوق مع السكر، ليؤكل مع الكرابيج.

الكعك الأصفر المالح بشكله المدور الشهير تشتهر به إدلب (الشرق الأوسط)

أما الكعك الأشهر في إدلب فهو المالح أصفر اللون، المعد من زيت الزيتون والكركم مع البهارات، ويستعيض البعض عن الفليفلة بالزنجبيل لإبراز النكهة الحارة في الكعك المدور الذي يقدم مع الشاي المحلى.

تختلف عجينة المعمول من محافظة لأخرى في سوريا فالبعض يجهزها بالطحين والبعض بالسميد (الشرق الأوسط)

الاختلاف بين الشمال السوري وجنوبه، بحسب مختصين في الحلويات، هو في الطحين المستخدم في عجينة المعمول، إذ جنوباً يستخدم الطحين الناعم، وقد يخلط مع سميد «الفرخة»، أي السميد الناعم نعومة الطحين، بينما في الشمال يستخدم السميد الأكثر خشونة.

في دمشق يحشى المعمول بالفستق الحلبي، إضافة إلى التمر والجوز، وتقدم أنواع البقلاوة للضيوف في الأعياد، أما في أريافها، فتضاف نكهات أخرى لحشوات المعمول، مثل راحة الحلقوم أو مربى الورد أو قشر حمضيات فاكهة الكباد والنارنج.

في اللاذقية غرباً على الساحل السوري، يصنع المعمول المحشو بالجبن المحلى الذي يضاف إليه القطر (السكر المذاب) أو السكر الناعم، ويقدم ساخناً لزوار العيد.

تجتمع النساء قبل العيد لصناعة كعك ومعمول العيد والحفاظ على طقوسه (الشرق الأوسط)

شرقاً في دير الزور والرقة والحسكة، تشتهر «الكليجة» وهي الكعك المحشو بالتمر والمزين بالسمسم، والتي لم تعد غريبة في أسواق إدلب، المدينة التي احتضنت نكهات مطبخ القادمين الجدد، وهي تلقى إقبالاً من الأهالي الأصليين والجدد معاً.

وعلى الرغم من سوء الأوضاع المعيشية في شمال غربي سوريا، حيث يحتاج 4.24 مليون نسمة للمساعدات الإنسانية، ويعاني 3.6 مليون شخص من فقد الأمن الغذائي، لم يتراجع كعك العيد بأنواعه وتحضيره في البيت أو شراؤه من المحلات المختصة، بل بقي تقليداً يحرص عليها السوريون لارتباطه ببهجة قدوم العيد وطقوسه المميزة.