قتلى وجرحى بقصف على رفح... و«حماس» تحضّر ردّها على مقترح الهدنة

فلسطينيون يتفقدون أضرار القصف الإسرائيلي على رفح في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أضرار القصف الإسرائيلي على رفح في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ف.ب)
TT

قتلى وجرحى بقصف على رفح... و«حماس» تحضّر ردّها على مقترح الهدنة

فلسطينيون يتفقدون أضرار القصف الإسرائيلي على رفح في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أضرار القصف الإسرائيلي على رفح في جنوب قطاع غزة اليوم (أ.ف.ب)

تعرّضت مدينة رفح، اليوم (الجمعة)، لقصف إسرائيلي، ما أوقع مزيداً من الضحايا في القطاع الفلسطيني المحاصر الذي تثير الحرب فيه تعبئة طالبية في عدد من الجامعات في العالم تطالب بوقف الحرب التي خلّفت «دماراً غير مسبوق»، وفق الأمم المتحدة.

ولم تسلّم حركة «حماس» بعد ردّها على مقترح الهدنة الذي نقله لها الوسطاء، بعد أن أعلنت الخميس أنها تدرسه بـ«روح إيجابية»، علماً أن الحركة تتمسّك بوقف إطلاق نار دائم في حربها مع إسرائيل، بينما تؤكد الدولة العبرية أنها لن تنهي الحرب قبل دخول رفح و«القضاء» على ما تبقى من كتائب حركة «حماس».

وأفادت مصادر طبية في قطاع غزة، الجمعة، بوقوع ضربات إسرائيلية في رفح قرب الحدود مع مصر.

تظهر بقع الدم على الحائط بينما يقوم رجل بكنس الأنقاض في مبنى أصيب بالقصف الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وأكدت وزارة الصحة في القطاع في بيان سقوط 6 قتلى و51 إصابة خلال 24 ساعة حتى صباح الجمعة، مشيرة الى أن إجمالي عدد المصابين في الحرب وصل إلى 77867 منذ بدء المعارك قبل زهاء سبعة أشهر. فيما ارتفعت حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34622 شخصاً غالبيتهم من المدنيين منذ اندلاع الحرب، وفق الوزارة التابعة لحماس.

وتنتظر دول الوساطة، قطر ومصر والولايات المتحدة، ردّ حركة «حماس» على اقتراح هدنة لمدة أربعين يوماً يشمل الإفراج عن رهائن محتجزين في قطاع غزة وفلسطينيين في سجون إسرائيلية وزيادة المساعدات إلى القطاع.

وأعلنت الحركة الخميس أنها تدرس بـ«روح إيجابية» المقترح المطروح حالياً، على ما أكد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية بعد اتصال هاتفي مع وزير المخابرات المصرية، عباس كامل.

وخلال الاتصال، أكد هنية أن وفداً من «حماس» سيزور مصر «في أقرب وقت لاستكمال المباحثات الجارية بهدف إنضاج اتفاق يحقّق مطالب شعبنا بوقف العدوان».

وحصل أيضاً اتصال هاتفي بين هنية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني، مؤكداً له الاستعداد للتوصل إلى اتفاق.

وتمّ التوصل إلى هدنة أولى في الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) أفرج بموجبها عن 105 رهائن في مقابل 240 فلسطينياً معتقلاً في السجون الإسرائيلية.

رجل فلسطيني يقف وسط أنقاض مبنى دمره القصف الإسرائيلي في رفح (أ.ف.ب)

«بذل كل الجهود»

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دعا خلال زيارته إسرائيل، الأربعاء، حركة «حماس» إلى القبول بالمقترح «السخي جداً»، في رأيه، من جانب الدولة العبرية.

وحضّ إسرائيل على التخلّي عن فكرة شنّ هجوم برّي على رفح، آخر معاقل حركة «حماس» بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي يقيم فيها حالياً 1.2 مليون شخص غالبيتهم من النازحين جراء الحرب. وكان العدد أكبر من ذلك، لكن غادرها الآلاف خلال الأسابيع الماضية في ضوء التصريحات الإسرائيلية المتتالية حول التحضير لعملية عسكرية في المدينة.

وقال نتنياهو، الخميس، مجدداً: «سنفعل ما هو ضروري للانتصار والتغلّب على عدوّنا، بما في ذلك في رفح»، بعدما توعّد سابقاً بشن هجوم بري «مع اتفاق أو من دونه»، في إشارة إلى الهدنة.

تجمُّع الفلسطينيين حول أقاربهم وأحبائهم القتلى الذين قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية (د.ب.أ)

وعبّرت عواصم عدّة غربية وعربية ومنظمات دولية وإنسانية عن مخاوف من وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين في رفح لغياب خطّة ذات مصداقية لحماية السكّان.

وتقول إسرائيل إنها ستجلي المدنيين من رفح قبل الهجوم.

في هذا الوقت، تزداد الضغوط في العالم على إسرائيل لوقف الحرب.

وتتوسّع التعبئة الطلابية في جامعات في عدد من الدول تضامناً مع قطاع غزة، غداة دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أن يسود النظام في الجامعات الأميركية.

وتشهد جامعات في فرنسا وكندا وسويسرا وأستراليا والمكسيك اعتصامات وتحركات تطالب بوقف الحرب.

في فرنسا، تدخلّت قوات الشرطة، الجمعة، في معهد العلوم السياسية العريق في باريس لإخراج عشرات الناشطين المؤيدين للفلسطينيين يحتلون بعض أرجائه منذ الخميس.

وأكدت الحكومة الفرنسية أن «الحزم كامل وسيبقى كاملاً».

وأعلنت كولومبيا، الأربعاء، قطع علاقاتها بإسرائيل، فيما علّقت تركيا الخميس علاقاتها التجارية معها.

وشنّت حركة «حماس» هجوماً غير مسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وخطفت أكثر من 250 شخصاً ما زال 129 منهم محتجزين في غزة، توفّي 35 منهم وفق مسؤولين إسرائيليّين، كان آخرهم درور أور، أحد سكان كيبوتس بئيري، وقد أعلنت إسرائيل وفاته الجمعة.

وأفرج خلال هدنة نوفمبر (تشرين الثاني) عن اثنين من أبناء أور كانا خطفا أيضاً في الهجوم الذي قتلت فيه والدتهما.

وقال منتدى عائلات الرهائن: «على الحكومة الإسرائيلية بذل كل الجهود لإعادة درور والرهائن الآخرين المقتولين لكي يدفنوا بكرامة في إسرائيل».

تحسن «طفيف»

من جهة أخرى، أعلنت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، الخميس، أن اثنين من المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، أحدهما طبيب في مستشفى الشفاء، لقيا حتفهما خلف قضبان السجون الإسرائيلية، مؤكدة أنهما تعرضا لـ«التعذيب» وحرما من الرعاية الصحية. وهما من بين المئات الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية في القطاع منذ بدء عملياتها البرية في 27 أكتوبر.

وكان الدكتور عدنان أحمد عطية البرش (50 عاماً) رئيس قسم العظام في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة.

وقال بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، إن البرش «اعتقل على يد جيش الاحتلال في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2023 خلال وجوده في مستشفى العودة إلى جانب مجموعة من الأطباء»، ولقي حتفه في سجن عوفر و«ما يزال جثمانه محتجزاً».

وردّاً على استفسارات «وكالة الصحافة الفرنسية»، قال الجيش الإسرائيلي: «نحن حالياً لسنا على دراية بالحادثة».

وإضافة إلى الحصيلة البشرية الهائلة، هناك دمار هائل في قطاع غزة وأزمة إنسانية حادة وجوع.

ويتوقّع أن يكلّف إعمار القطاع بين 30 و40 مليار دولار، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

وقال الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، في مؤتمر صحافي بعمّان الخميس، إن «حجم الدمار هائل وغير مسبوق»، مشيراً إلى أنّ هذه المهمّة «لم يسبق للمجتمع الدولي أن تعامل معها منذ الحرب العالمية الثانية».

وأوضح أن الاعتماد على «الأطر التقليدية لإعادة البناء يعني أن الأمر قد يستغرق عقوداً من الزمن والشعب الفلسطيني لا يملك رفاهية عقود من الزمن. لذلك من المهم أن نقوم بسرعة بإسكان الناس في سكن كريم وإعادة حياتهم الطبيعية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية (...) خلال السنوات الثلاث الأولى بعد وقف إطلاق النار».

وأعلنت منظمة الصحة العالمية، الجمعة، أنّ الوضع الغذائي في قطاع غزة يشهد تحسّناً «طفيفاً» مع توافر مزيد من المواد، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنّ خطر المجاعة لا يزال قائماً.

وسمحت إسرائيل خلال الأسابيع الماضية بدخول مزيد من شاحنات المساعدات إلى القطاع.


مقالات ذات صلة

مصر والسلطة الفلسطينية تطالبان بإعمار غزة دون خروج أهلها منها

المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيفية - د.ب.أ)

مصر والسلطة الفلسطينية تطالبان بإعمار غزة دون خروج أهلها منها

أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة الفلسطينية، الأربعاء، عن «رفضهما الشديد لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم».

«الشرق الأوسط» (رام الله - القاهرة)
المشرق العربي أفراد من خدمة الإسعاف ينتظرون أمام البوابة المصرية لمعبر رفح الحدودي مع قطاع غزة (أ.ب) play-circle

إعلام فلسطيني: بدء خروج المعتقلين المبعدين إلى مصر من معبر رفح

أفادت وسائل إعلام فلسطينية ببدء خروج معتقلين فلسطينيين أطلقت إسرائيل سراحهم، السبت، من معبر رفح متجهين إلى مصر.

المشرق العربي مواطنون يقفون بالقرب من معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة مع إعادة فتحه (رويترز) play-circle

إجلاء 50 مريضاً إلى مصر من معبر رفح (صور وفيديو)

أعلنت وزارة الصحة في غزة أن 50 مريضاً، غالبيتهم أطفال، ومرافقيهم غادروا غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (د.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يعلن نشر بعثة تابعة له بمعبر رفح الحدودي

أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الجمعة، نشر بعثة الحدود المدنية التابعة للتكتل في معبر رفح بناء على طلب فلسطين وإسرائيل وبالاتفاق مع مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون أثناء عودتهم إلى وسط رفح جنوب غزة بعد سريان الهدنة الأحد الماضي (أ.ف.ب)

«تتضمن تفتيشاً للمركبات وتبدأ الأحد»... ما آلية عودة النازحين لشمال غزة؟

أعلنت «حماس» أن عودة النازحين إلى شمال غزة تبدأ الأحد المقبل وذلك ضمن ترتيبات اتفاق الهدنة مع إسرائيل... ومصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن التفاصيل المنظمة لذلك.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الأسد في منفاه: حياة فاخرة داخل المنطقة الراقية في موسكو

«موسكو سيتي»... حي ضخم فيه مساكن فاخرة ومقار شركات لعائلة الأسد (أرشيفية - مواقع)
«موسكو سيتي»... حي ضخم فيه مساكن فاخرة ومقار شركات لعائلة الأسد (أرشيفية - مواقع)
TT

الأسد في منفاه: حياة فاخرة داخل المنطقة الراقية في موسكو

«موسكو سيتي»... حي ضخم فيه مساكن فاخرة ومقار شركات لعائلة الأسد (أرشيفية - مواقع)
«موسكو سيتي»... حي ضخم فيه مساكن فاخرة ومقار شركات لعائلة الأسد (أرشيفية - مواقع)

يقول صحافي مقيم في موسكو ويتتبع الحياة الجديدة للرئيس السوري المخلوع في موسكو سيتي، المنطقة الراقية في العاصمة الروسية: «إن الأسد كان محظوظاً مقارنة بمن لم ينج من مصير الإطاحة به، مثل الرئيس الأسبق معمر القذافي، فقد نجا الأسد ليس فقط بفضل الأمر الصريح الذي أصدره (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين بإخراجه وسط انهيار نظامه، بل أحضر معه كل ما هو ضروري ليعيش حياة مريحة وخالية من الهموم: المال، والمزيد من المال، والكثير من المال»، وذلك حسب تقرير نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية.

ويعتقد الصحافي أن الأسد تعلم درس القذافي، وذلك ليس فيما يتعلق بتفضيل الهروب على البقاء في بلد متهاوٍ فحسب، فصحيح أن الرئيس الليبي الراحل أدرك أهمية امتلاك العقارات والممتلكات التي قد تصبح ملاذاً في المستقبل، لكنه فشل في الهروب إليها في الوقت المناسب، أما الأسد فقد برع في كلا الأمرين.

ولا تغطي وسائل الإعلام الروسية المعروفة أنشطة عائلة الأسد في موسكو؛ إذ يقول الصحافي إنه «موضوع محظور»، مؤكداً أنه لا يوجد أي صحافي يجرؤ على خرق هذا الحظر أو الحديث علناً عن مكان إقامة أفراد الأسرة، أو ماذا يفعلون، أو كيف يبدو روتينهم اليومي. ويتابع: «إن إظهار الأسد قد يؤدي إلى إثارة حفيظة السلطات السورية الجديدة، وعندها يمكن للكرملين أن ينسى حلم الاحتفاظ بالقواعد العسكرية الروسية في دمشق».

لكن الافتقار إلى التغطية الإعلامية لم يمنع دوائر النخبة في المجتمع الروسي من بث الشائعات حول تجارب عائلة الأسد في مكان إقامتهم الجديد، كما أن قنوات تطبيق «تلغرام» أداة فعَّالة إلى حد ما في المشهد الإعلامي الروسي المقيَّد، وتقدم معلومات متنوعة بين الحين والآخر، وأولئك الذين يجمعون هذه القطع معاً، كما يفعل الصحافي المقيم في موسكو، يمكنهم رسم صورة موثوقة لحياة الحاكم السوري المخلوع الجديدة في العاصمة الروسية.

مطار «فنوكوفا» قرب موسكو حيث كان يجري تسليم حقائب الأموال المهربة عبر مطار دمشق لحساب عائلة الأسد (موقع المطار)

وتمثل الثروة التي نقلها الأسد إلى روسيا، قبل وقت طويل، العنصر الأكثر أهمية في هذه الحياة؛ إذ يقول الصحافي: «الأمر بسيط للغاية؛ فبعد أن تحصل على اللجوء، إما أن تكون متسولاً خاضعاً لأهواء البلد المضيف، أو أن تكون ثرياً، وعندها تصبح أنت المسيطر». وأضاف: «يمكنك شراء النفوذ، وترويض وكالات إنفاذ القانون وما إلى ذلك، كل هذا ما دمتَ لا تُبالغ، وتتبع قواعد اللعبة، ولا تطور شهية كبيرة للغاية (أي ألا تصبح طموحاً أو جشعاً بشكل كبير) وسيتعلم بشار الأسد قواعد اللعبة، أو أنه ربما يكون قد تعلمها بالفعل».

ترتيبات مبكرة

وتنقل صحيفة «إسرائيل هيوم» عن «د»، الذي عمل في مجال العقارات في موسكو لمدة طويلة، كيف كان قبل نحو عقد من الزمن مشاركاً في تسويق العقارات في أبراج موسكو سيتي، التي كانت قيد الإنشاء في ذلك الوقت، و«جاء إلينا ممثلون عن (شخصية سورية رفيعة المستوى) مهتمون بشراء شقق فاخرة، وكانوا معجبين للغاية بالمشروع، بحيث لم يفكروا في شراء شيء صغير أو محدود، فقد اشتروا عدة شقق بأسماء أقارب الأسد وشركات خاضعة لسيطرتهم، ودفعوا المبالغ المطلوبة دون تفاوض».

وحسب الصحافي المقيم في موسكو، فإن عائلة الأسد اشترت ما لا يقل عن 19 شقة مختلفة في مختلف أنحاء موسكو سيتي على مر السنين، وكان سعر الشقة العادية في المجمع نحو 2 مليون دولار في ذلك الوقت، لكن ممثلي الأسد فضَّلوا شراء وحدات ذات مواصفات أعلى من المعايير المعتادة، وأضاف «د» أن عمليات الشراء هذه لم تمنح أفراد عائلة الأسد الممتدة مجرد قناة استثمارية جذابة، بل كانت بمثابة تذكرة دخول إلى نادي النخبة في موسكو؛ إذ تُعد موسكو سيتي رمزاً للمكانة الاجتماعية المرموقة.

بشار وأسماء الأسد خلال زيارتهما الرسمية إلى موسكو عام 2005 (عمار عبد ربه)

ومن بين هذه الامتيازات المشاركة في الحياة الاجتماعية لأثرياء موسكو، لكن الصحافي أكد أن الأسد تجنب هذه الحياة تماماً حتى الآن، قائلاً: «ربما يكمن التفسير في مرض زوجته أسماء الخطير، أو ربما يكون هو نفسه مكتئباً بعد الخروج من السلطة، أو ربما يتم توجيهه من قبل أجهزة الأمن الروسية بعدم الخروج دون داعٍ بسبب خطر تعرضه للاغتيال».

حماية الأسد

ويكشف الصحافي أن مصادره في أجهزة الأمن الروسية تشير إلى أن «نصف جهاز الأمن الفيدرالي مُكلَّف بحماية الأسد»، وحتى وإن كان هذا مُبالغاً فيه، فمن الواضح أن الروس يأخذون أمن الرئيس السوري السابق وأفراد عائلته على محمل الجد.

لكن مَن الذي قد يهدده في موسكو، على بُعد آلاف الأميال من سوريا؟ الإجابة هي الجهاديون أنفسهم الذين حاربوا ضد نظامه، ويقول الصحافي المقيم في موسكو: «لا تنسوا أن مواطني دول آسيا الوسطى التي كانت ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفياتي، مثل الأوزبك والطاجيك، يمكنهم دخول روسيا دون تأشيرات، وهؤلاء المواطنون حاربوا في صفوف الجماعات الجهادية في العراق وسوريا، وانضموا إلى تنظيم (داعش)، ومروا بالتطرف المتشدد، وقد عاد بعضهم إلى بلدانهم الأصلية، ويمكنهم القدوم إلى موسكو سعياً للانتقام من الرجل الذي قمع رفاقهم الجهاديين».

حافظ الأسد الابن

يتوقع الصحافي أن «الأسد سيغامر بدخول عالم الأعمال، إن لم يكن شخصياً، فمن خلال أبنائه، فقد تم بناء الأساس لذلك، استناداً إلى الأموال التي تدفقت من سوريا قبل عدة سنوات، حيث نُقلت أوراق نقدية تقدر بـ250 مليون دولار أميركي، تزن نحو الطنين، إلى موسكو في أكثر من 20 رحلة».

مطار «فنوكوفا» قرب موسكو حيث كان يجري تسليم حقائب الأموال المهربة عبر مطار دمشق لحساب عائلة الأسد (موقع المطار)

ويضيف الصحافي أنه في مايو (أيار) 2022، أسس ابن خالد الأسد، إياد مخلوف، شركة عقارات في موسكو، موضحاً: «فقط الأعمى لن يفهم مَن هم المالكون الحقيقيون لهذه الشركة، ومن أين تأتي أموالها، وإذا تعافت أسماء، فقد تنضم إلى العملية، فهي في النهاية لديها خبرة في العمل بمجال الاستثمار إذ تتضمن سيرتها الذاتية العمل في إحدى الشركات الاستثمارية».

أسماء الأسد مع ابنها حافظ بعد مناقشة أطروحته للماجستير في جامعة موسكو نهاية نوفمبر (منصة لايف جورنال الإلكترونية الروسية)

لكن آمال العائلة ترتكز على حافظ الأسد، الابن الأكبر لبشار (الذي سُمي على اسم والده). وأكمل حافظ دراسته للدكتوراه بجامعة موسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبات يفهم الثقافة الروسية، مضيفاً: «وهو أيضاً معروف هناك، فهو متخصص في الرياضيات، وسيحتاج في المقام الأول إلى عَد النقود».

يقول الصحافي إنها «ظاهرة شائعة في نادي الديكتاتوريين المعزولين الذي يتشكل في موسكو، فالأبناء يتكيفون بشكل أسرع مع الوضع الجديد ويجدون طرقاً لاستغلال وضعهم كمنفيين متميزين على النحو الأمثل».

«نادي الديكتاتوريين المعزولين»

وفي حال كنت تتساءل، فلا أحد في روسيا يقول «نادي الديكتاتوريين المعزولين» على الهواء، لكن عندما لا يكون هناك ميكروفون، فإنه حتى الشخصيات الإعلامية القريبة من الكرملين تستخدم هذا التعبير.

وفي الوقت الحالي، يضم هذا النادي عضوين: بشار الأسد، وفيكتور يانوكوفيتش الرئيس الأوكراني السابق، الذي تم إجلاؤه أيضاً إلى روسيا قبل لحظات من انهيار نظامه.

ويصر المراقبون المتشددون على الإشارة في السياق نفسه إلى الرئيس السابق لقرغيزستان عسكر آكاييف، الذي حصل على اللجوء في موسكو في ظل ظروف مماثلة في عام 2005، لكن آكاييف تمكن من التوصل إلى اتفاق مع السلطات الجديدة في بلاده ولم يعد بحاجة إلى وضع المنفى المحمي في روسيا.

لا لقاءات رسمية

كان الروس حريصين على تأكيد أن الأسد لم يلتقِ الرئيس بوتين، منذ وصوله إلى موسكو، ولا يُتوقع أن يتم عقد مثل هذا الاجتماع، فالرئيس الروسي ليس حريصاً أبداً على الظهور مع شخص فقد السيطرة على بلاده، مثل يانوكوفيتش، وبالتالي اكتسب صورة الخاسر.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يحضر اجتماعاً مع بشار الأسد في الكرملين بموسكو... 24 يوليو 2024 (رويترز)

وسيحتاج بشار إلى نسيان السياسة ولقاءات القمة مع الزعماء، لكن موسكو بها الكثير من اللاعبين الأقوياء الذين قد يرحبون بالتعاون معه في مجال الأعمال، وسيكون للأموال التي جلبها معه من خزائن سوريا دور كبير في هذه العملية.

وأوضح الصحافي، حسب الصحيفة العبرية: «كان ألكسندر يانوكوفيتش الابن يُعتبر ثرياً حتى قبل فرارهم من أوكرانيا، ولكن عندما وصلوا إلى روسيا بدافع الضرورة، بدأت أعماله تزدهر بشكل أكبر، وعلى الرغم من العقوبات الغربية المفروضة عليه، كما حدث مع الأسد الابن، فإن وريث يانوكوفيتش تمكن من التحايل على هذه العقوبات؛ إذ تقوم شركاته الخاضعة لسيطرته بتوريد الفحم إلى دول الاتحاد الأوروبي، ووردت أنباء مؤخراً تُفيد بأنه يبيع الفحم من الأراضي الأوكرانية المحتلة من قبل روسيا إلى تركيا، ومن هناك إلى وجهات أخرى».

وتابع: «على الرغم من أن عائلة يانوكوفيتش كانت دائماً ما تعمل في تجارة الفحم، وأن عائلة الأسد بعيدة كل البُعد عن هذه التجارة، فإن بشار وأولاده من المرجح أن يجدوا مجالات تجارية تتناسب مع اهتماماتهم، وتوفر موسكو فرصاً مغرية لا حصر لها لمثل هؤلاء الأشخاص، الذين لديهم الكثير من الأموال، والمرتبطين بالكرملين، والذين لا وطن لهم».