دول الاتحاد الأوروبي تتبنى قواعد جديدة للديون وعجز الموازنات

معدلاتها عاودت الارتفاع مع تراجع إرادة ضبط الإنفاق بسبب الضغوط السياسية

علم الاتحاد الأوروبي يرفرف خارج مقر مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل ببلجيكا (رويترز)
علم الاتحاد الأوروبي يرفرف خارج مقر مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل ببلجيكا (رويترز)
TT

دول الاتحاد الأوروبي تتبنى قواعد جديدة للديون وعجز الموازنات

علم الاتحاد الأوروبي يرفرف خارج مقر مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل ببلجيكا (رويترز)
علم الاتحاد الأوروبي يرفرف خارج مقر مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل ببلجيكا (رويترز)

أكد عدد من الدبلوماسيين لـ«وكالة الأنباء الألمانية» أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اعتمدت قواعد جديدة تحكم حجم الدين العام الذي يمكن أن يتراكم لأي دولة من دول الاتحاد، وحجم العجز المسموح به في الموازنة.

وتتكون القواعد المالية الجديدة الأكثر مرونة من جزأين، ولا بد من إيلاء قدر أعظم من الاهتمام للظروف الاقتصادية الفردية لكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي عند تحديد الأهداف الرامية إلى خفض الديون المفرطة والعجز.

ومن ناحية أخرى، تشتمل القواعد التنظيمية المالية الجديدة على حد أدنى واضح من المتطلبات لخفض نسب الدين بالنسبة للبلدان المثقلة بالديون في الاتحاد الأوروبي.

ومن الجدير بالذكر أن القواعد السابقة كانت تعد لفترة طويلة معقدة للغاية وصارمة من حيث مراقبة وتنفيذ متطلبات الديون.

وكان تبني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للقواعد الجديدة اليوم بمثابة الخطوة النهائية الضرورية نحو إصلاح الأنظمة المالية المخطط له منذ فترة طويلة.

صراع مالي

تتجه بعض حكومات أوروبا الأكثر مديونية نحو مواجهة صعبة هذا العام، حيث تتصادم طموحاتها في خفض الاقتراض مع الواقع السياسي.

بعد سنوات من نهج الإنفاق بلا حدود خلال تصدي القارة للإغلاق بسبب الجائحة، وارتفاع أسعار الطاقة، كان من المفترض أن يمثل عام 2024 علامة فارقة في إصلاح المالية العامة للدول من فرنسا إلى المملكة المتحدة؛ وفق «بلومبرغ».

ولكن بينما سيحقق المعظم تقدماً في كبح العجز عن طريق وقف تدريجي لإجراءات دعم الطاقة، فإن الضغوط الناجمة عن الالتزامات الجديدة والقائمة، بالإضافة إلى تأثير ارتفاع أسعار الفائدة، من المقرر الآن أن تبقي الديون الوطنية مرتفعة أو حتى متصاعدة في معظم أنحاء المنطقة. على سبيل المثال، يمكن أن يتجاوز اقتراض إيطاليا قريباً 140 في المائة من الناتج الاقتصادي من جديد.

ولدى حكومات أوروبا معضلة صعبة، فبينما تسعى جاهدة لخفض الديون المتراكمة، تواجه مخاطر إغضاب الناخبين بخفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، أو المخاطرة بتقاعس المستثمرين عن تمويلها. وتزداد حدة هذه المعضلة مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، وربما انتخابات وستمنستر في المملكة المتحدة، مما يضفي على المشهد السياسي حساسية متزايدة.

وحذّرت رئيسة الجيواستراتيجية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة «إرنست آند يونغ»، فامكه كرومبولر من أن الوضع الاقتصادي الهش في أوروبا يُمثل أرضاً خصبة لنمو الخطاب الشعبوي، خاصة مع احتمالية دخول الدول في جولة جديدة من التقشف المالي.

وتكثف التدقيق في المالية العامة الأقل صحة في المنطقة. على سبيل المثال، في وقت متأخر من يوم الجمعة، لاحظت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني أن هدف فرنسا المتمثل في خفض عجزها إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027 «سيكون صعب التحقيق».

وأظهرت توقعات صندوق النقد الدولي هذا الشهر مدى حدة التغيير الذي طرأ على التوقعات. وبينما من المتوقع أن يتقلص العجز، فإن كل من فرنسا وإيطاليا على استعداد الآن لتحمل المزيد من الديون، وكذلك المملكة المتحدة.

خيارات السياسة

تعد تكاليف الفائدة المرتفعة والنمو الضعيف من بين أسباب تدهور التوقعات بشأن المالية العامة، لكن الخيارات السياسية تلعب دوراً أيضاً.

تواجه إيطاليا تحديات مالية جسيمة، حيث تُثقل كاهلها تركة ثقيلة من إعفاء ضريبي من حقبة الوباء على تجديدات المنازل المعروف باسم «السوبر بونص»، وتجاذب سياسي يعيق مساعي الإصلاح المالي.

وفي فرنسا، توقف الرئيس إيمانويل ماكرون عن محاولة سن تشريع جديد لخفض الإنفاق بشكل أكبر، وهو ما يطالب به بعض نواب المعارضة. ومن المحتمل أن يؤدي تقديم مشروع قانون موازنة معدل إلى البرلمان إلى تصويت بحجب الثقة يمكن أن يؤدي إلى سقوط حكومته.

وعلى امتداد الاتحاد الأوروبي، يثير احتمال تحقيق تقدم كبير لأحزاب اليمين المتطرف في انتخابات المنطقة الواسعة التي تجرى في يونيو (حزيران) ضغوطاً لتأجيل أو تجميل تخفيضات الإنفاق. وتواجه المملكة المتحدة تحديات مماثلة، حيث تقيد الانتخابات العامة المقبلة حكومة المحافظين.

استمرار التحديات المالية

ورغم أن المجال قد يكون متاحاً لاتخاذ بعض الإجراءات بعد انتهاء هذه الأصوات، فإن التوقعات الاقتصادية لإيطاليا هذا الشهر لم تتضمن تشريعات محتملة من حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، مما قد يشير إلى احتمال حدوث بعض المحاولات للإصلاح المالي.

لكن المشكلة الأكبر على المدى الطويل في كل مكان، هي عدم وجود رغبة أو دافع لدى المواطنين لخفض الموازنات، وعدم وجود أي إجماع حول هذا الأمر.

ووفقاً لأحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «يوروباروميتر» التابعة للمفوضية الأوروبية، فإن الأولوية القصوى للناخبين هي مكافحة الفقر والإقصاء - وهي المشاكل التي تتطلب غالباً المال لمعالجتها - يليها دعم الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.

وأظهر استطلاع أجرته شركة «يوغوف» في وقت سابق من هذا الشهر في المملكة المتحدة أن نسبة متساوية تقريباً من المشاركين اختلفوا بشكل مباشر حول ما إذا كانت المملكة المتحدة تفرض ضرائب أكثر من اللازم وتنفق أكثر من اللازم على الخدمات أم لا.

وقال استراتيجي الائتمان العالمي في وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، كولين إليس: «يبدو من الصعب بناء الدعم العام لخفض الديون. بينما نتوقع أن ينتعش النمو في أوروبا هذا العام، فإن ديناميكيات الديون لا تزال تبدو مثيرة للمشاكل بالنسبة لعدد من البلدان».

وتتيح خلفية إيجابية في الأسواق المالية بعض الوقت للقيادات الأوروبية الحالية لمعالجة التحديات المالية، حيث شهدت سندات إيطاليا انخفاضاً ملحوظاً في العائد مقابل نظيراتها الألمانية، وهو ما يُعد مقياساً رئيسياً للمخاطر في المنطقة.

ولكن على المدى الطويل، ستستمر ضغوط متعددة في الضغط على المالية العامة، وتحمل الحكومات والمؤسسات الأوروبية ضغوطاً سياسية. الأول هو الحاجة إلى تخصيص الموارد للدفاع في وقت يبدو التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا متذبذباً. ويشكل تمويل التحول الأخضر عاملاً آخر، وسوف تؤدي شيخوخة السكان أيضاً إلى ارتفاع فواتير معاشات التقاعد والصحة.

وسوف تتحمل المفوضية الأوروبية، المسؤولة عن دفع البلدان إلى إصلاح مواردها المالية العامة، وطأة التوترات أيضاً. ومن المقرر أن يصدر مسؤولوها توقعات النمو والديون للمنطقة في غضون أسبوعين، يليها حكم بشأن مدى الصرامة التي سيتعاملون بها مع الانحرافات عن قاعدة تحديد العجز عند 3 في المائة.

ويدرك المسؤولون جيداً أيضاً من خلال أزمات الديون التي شهدتها المنطقة على مدى العقد الماضي أن تحقيق التوازن الصحيح في فرض الانضباط ليس بالأمر السهل على المستوى السياسي.

التقشف في أوروبا

في حين يقع على عاتق بروكسل مسؤولية معاقبة التلكؤ المالي، فإن التقشف يمكن أن يكبح النمو القليل الثمين الذي يمكن أن تحققه أوروبا. ويتوقع اقتصاديو «أليانز» أن يؤدي تعزيز المالية العامة إلى خفض نصف نقطة مئوية من النمو الاقتصادي الأوروبي في كل من عامي 2024 و2025.

وقال كبير الاقتصاديين في «أليانز» لودوفيك سوبران: «هي قنبلة سياسية واقتصادية لأوروبا، خاصة وأن الولايات المتحدة لا يبدو أنها تفكر في التعزيز في أي وقت قريب، ولأن الصين لا تحقق النمو إلا بسبب التحفيز المالي. إن الآثار طويلة المدى لصدمتين كبيرتين تلاحق صناع القرار وتدفعهم إلى أخطاء سياسية محتملة».


مقالات ذات صلة

رئيس صربيا يستبعد انضمامها للاتحاد الأوروبي قبل 2030

أوروبا الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش (رويترز)

رئيس صربيا يستبعد انضمامها للاتحاد الأوروبي قبل 2030

قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش اليوم (السبت) إنه يستبعد انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي في 2028.

«الشرق الأوسط» (بلغراد)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع شارل ميشيل رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي خلال اللقاء في أبوظبي (وام)

محمد بن زايد يبحث مع رئيس الاتحاد الأوروبي العلاقات الثنائية وقضايا المنطقة

بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، مع شارل ميشيل رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، مختلف أوجه العلاقات بين الإمارات والاتحاد الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
أميركا اللاتينية إدموندو غونزاليس مع زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو (أ.ف.ب)

كاراكاس تنتقل من الدفاع عن «فوز» مادورو إلى شن هجوم واسع على قادة المعارضة

بعد مضي شهر على الانتخابات الرئاسية الفنزويلية التي ما زالت نتائجها موضع خلاف عميق، وقد تسببت في أزمة تهدد بانفجار اجتماعي جديد.

شوقي الريّس (مدريد)
أوروبا جانب من أشغال المؤتمر الدولي حول أوكرانيا في بورغنستوك بسويسرا الأحد (رويترز)

هل تتخلى سويسرا عن حيادها التاريخي؟

بعد قرون من التمسك بالحياد وعدم التحالف، تواجه سويسرا تحدياً غير مسبوق يدفعها إلى إعادة النظر في موقفها الدفاعي التاريخي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مخازن وأنابيب نفطية ضمن خط دروجبا في دولة التشيك (رويترز)

أوكرانيا تهدد بوقف مرور صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا

قال مسؤول أوكراني إن بلاده ستوقف شحن النفط والغاز الروسيين من خلال خطوط أنابيبها إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)

قالت رئيسة بنك التنمية التابع لمجموعة «بريكس»، ديلما روسيف، السبت، إن الجزائر حصلت على تفويض للانضمام إلى البنك.

وكانت مجموعة «بريكس» قد أسست البنك التنموي متعدد الأطراف في عام 2015. وأنشأت الدول المؤسسة لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) «بنك التنمية الجديد». وضمّت مجموعة «بريكس» السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى عضويتها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024.

ووافق البنك على ضم بنغلادش ومصر والإمارات والأوروجواي في 2021 في إطار حملة للتوسع.

وذكرت ديلما روسيف لصحافيين على هامش الاجتماع السنوي التاسع للبنك، في كيب تاون: «نجري عملية للسماح بضم أعضاء جدد إلى البنك... وحصلت الجزائر على تفويض لتصبح عضواً في البنك».