تشريعات مكافحة «الأخبار الزائفة» تثير جدلاً حول حرية الصحافة

دراسة أميركية أشارت إلى افتقار القوانين لتعريفات دقيقة لـ«المعلومات المضلّلة»

shutterstock
shutterstock
TT

تشريعات مكافحة «الأخبار الزائفة» تثير جدلاً حول حرية الصحافة

shutterstock
shutterstock

أثارت نتائج دراسة أميركية حديثة مخاوف بشأن تأثير التشريعات الخاصة بالحد من «الأخبار الزائفة» على الحريات الإعلامية. وبينما أكد خبراء أهمية وجود قوانين لمكافحة المعلومات المضللة، فإنهم حذروا من إمكانية استخدام «التعريفات المطاطة» في تقييد عمل الصحافي.

الدراسة التي نشرها موقع معهد «نيمان لاب» الأميركي المتخصص في الدراسات الإعلامية يوم 10 أبريل (نيسان) الجاري، تقول إن «التشريعات التي صاغتها الحكومات في دول عدة حول العالم لمكافحة الأخبار الزائفة، خلال السنوات الأخيرة، لا تفعل الكثير لحماية حرية الصحافة؛ بل على النقيض فإنها تثير مخاوف كبيرة بشأن ما قد تحدثه من ضرر».

محمود غزيل

الدراسة أعدها «مركز الأخبار والتكنولوجيا والابتكار» (CNTI) وهو مركز مستقل لأبحاث السياسات العالمية، يضم أكاديميين ومتخصصين في مجال الأخبار، فحصت التشريعات في 31 دولة، من إثيوبيا إلى الفلبين، واعتمدت على التقارير والبيانات الصادرة عن مركز المساعدة الإعلامية الدولية التي تتبع قوانين الإعلام على مستوى العالم، لتحديد التشريعات التي تم النظر فيها أو تمريرها في الفترة ما بين عامي 2020 و2023.

ولقد أشارت الدراسة إلى أنه «على الرغم من أن تلك التشريعات استهدفت الأخبار الزائفة، فإن المصطلح نفسه لم يعرّف بشكل واضح إلا في 7 فقط من أصل 32 قانوناً دُرست، أي أقل من الربع». كذلك «يمنح 14 تشريعاً من أصل 32 الحكومة سلطة التحكم في التعريف، في حين لم يورد 18 قانوناً أي لغة واضحة في هذا الصدد، ما يعني منح الحكومات السلطة الافتراضية»، حسب الدراسة.

من ناحية ثانية، لفتت الدراسة إلى أن قلة الوضوح في قوانين الحد من الأخبار الزائفة «لا تتعلق بنظام الحكم في الدولة... وأن العقوبات بشأن انتهاك القانون ممكن أن تكون مشددة، وتصل إلى السجن لمدة تتراوح بين عدة أشهر، وقد تصل إلى 20 عاماً في زيمبابوي». وأضافت أن «القوانين تضمن القليل من أوجه الحماية للصحافة المبنية على الحقائق، أو لاستقلال الإعلام، في حين يمكن أن تستخدم تلك التشريعات الفضفاضة لتقييد العمل الصحافي».

أحمد عصمت

من جانبه، يقول محمود غزيل، الصحافي اللبناني والمدرّب في مجال التحقق من المعلومات، لـ«الشرق الأوسط» معلقاً، إن «التشريعات المُعدة لمكافحة الأخبار الزائفة تُطبق على جميع الأفراد، بغض النظر عن هويتهم أو أهدافهم، سواء كانوا صحافيين، أو وسائل إعلام، أو مستخدمين لمنصات التواصل الاجتماعي... وبالتالي لا تميز تلك التشريعات بين وسائل الإعلام التي يفترض أن تكون لديها حصانة الرسالة الإعلامية، وبين سكان مدنيين يفترض أن يكون لهم الحق في التعبير».

ويتابع بأن «كثيراً من الدول التي وضعت مثل هذه التشريعات في السنوات الأخيرة، سجلّها في حرية الصحافة والتعبير ليس الأفضل عالمياً، ومن ثم، لا يتمتع أفرادها بحرية التعبير الكافية، ما يشير إلى أن هذه القوانين قد تُستخدم لتقييد الأصوات المختلفة عن الرواية الرسمية من الدولة، أو من جهات الأمر الواقع».

غزيل يشير أيضاً إلى «انتشار اتهامات من قبيل القدح والذم وبث الشائعات خلال السنوات الماضية، والتحقيق مع أشخاص بسببها... ومع التطور العالمي والتوسع في الوعي بمصطلح الأخبار الزائفة، أصبح هذا المصطلح مبرراً كافياً لقمع الاختلافات استناداً للقانون». ثم يلفت إلى أنه «عند النظر بعمق إلى هذه التشريعات، يتضح أن القليل من الدول عملت حقاً على توضيح تعريف نشر الأخبار الزائفة، ما يترك مجالاً للتأويل والاستغلال حسب الحالة المراد مواجهتها». ويستطرد: «وبينما يحق لوسائل الإعلام الانحياز، وقلة الالتزام بالموضوعية، فإن عليها -وفق غزيل- أن تكون مهنية في تقديم المواضيع، وواعية بالأخطاء التي قد ترتكبها».

يوشنا إكو

كذلك يرى غزيل أن «الحد من انتشار الأخبار الزائفة يتطلب توازناً دقيقاً للحفاظ على حرية التعبير، كما يتطلب تعزيز التفكير النقدي لدى المواطنين والسكان، وتطبيق القوانين بالتساوي على الجميع، ودفع وسائل الإعلام لتحسين مستوى الاحتراف، والمطالبة بالشفافية من الحكومات لعدم ترك المجال للتأويل أو للأخبار غير المؤكدة». ويوضح الصحافي والمدرب اللبناني أن «تعزيز وسائل الإعلام المستقلة والمبادرات المحلية للتحقق من الحقائق، يمكن أن يلعب دوراً كبيراً كجهة ثالثة في أي موضوع قيد النقاش... وحقاً، لا يمكن تغييب دور الهيئات المنظمة التي يمكن أن تلعب دوراً في دراسة الخطاب الإعلامي بشكل دوري، وتسليط الضوء على المشكلات التي تواجهه، من دون أن تعاقب وسائل الإعلام؛ بل بالإشارة إلى المشكلات التي تواجهها والعمل على التغلب عليها».

عودة إلى الدراسة، فإنها تطرقت إلى «أهمية النتائج؛ لا سيما أن عام 2024 شهد ويشهد إجراء انتخابات في عدد كبير من الدول، وسط مخاوف بشأن وصول الجمهور إلى أخبار موثوقة وقائمة على الحقائق، سواءً من حيث استقلال وسائل الإعلام أو إمكانية استخدام تلك الوسائل في نشر (معلومات مضللة)»، وإن «التشريعات التي فُحصت تخلق فرصاً محتملة لتقليل الأصوات المعارضة وتقييد حرية وسائل الإعلام». وأوضحت أن «الهدف المعلن من تلك التشريعات، والتي يتعلق 13 من أصل 32 فيها بجائحة (كوفيد-19)، هو الحد من المعلومات المضللة؛ لكن الافتقار إلى تعريفات واضحة يهدد بالحد من الحريات الإعلامية، ومن وصول الجمهور إلى المعلومات المبنية على الحقائق». هذا بينما شددت الدراسة على «أهمية اتباع نهج دقيق لتحديد اللغة في التشريعات المتعلقة بوسائل الإعلام».

في هذا الجانب، يؤكد يوشنا إكو، الباحث الإعلامي الأميركي، ورئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام في نيويورك»، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «تشريعات الحد من الأخبار الزائفة لها تأثير على حرية الإعلام؛ إذ قد يستخدمها البعض كغطاء لتقييد وقمع الصحافيين»، ضارباً المثل بما فعله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب «عندما وصف وسائل الإعلام بأنها عدوٌّ للشعب، لصرف نظرها عن تغطية القضايا والاتهامات الموجهة له». ويضيف إكو: «في المجتمعات التي لا تؤمن بالمبادئ الديمقراطية، لن يتمكن أي تشريع من تغيير موقف السلطات التي لا تحترم سيادة القانون وإجراءاته. وبالتالي، من الممكن أن تتسبب تشريعات الحد من (الأخبار الزائفة) في تقييد الحريات الإعلامية، ولا تعمل على حماية الصحافيين».

وقالت الدراسة إن «سلطات بعض الدول استخدمت تشريعات مكافحة الأخبار الزائفة في تقييد الحريات الصحافية»، مشيرة إلى أنه «بين 363 صحافياً تعرّضوا للسجن خلال عام 2022، سُجن 39 بتهمة انتهاك قوانين الأخبار الزائفة، حسبما رصدته لجنة حماية الصحافيين». وأضافت الدراسة أنه «حتى في إطار السياسات التشريعية حسنة النيّة، كتلك التي وُضعت في ألمانيا بشأن المحتوى غير القانوني المتعلق بخطاب الكراهية وإنكار (الهولوكوست) فإن هناك مخاوف بشأن رقابة حكومية محتملة».

من جانبه، يقول أحمد عصمت، الخبير في الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك حاجة ملحة لوضع تشريعات للحد من الأخبار الزائفة؛ لكن المهم: كيف يتمّ ذلك؟»، موضحاً أن «المصطلحات المطّاطة والتعريفات غير الواضحة بشأن تزييف الحقائق، تضعف من قوة هذه القوانين وتجعلها تُستخدم لأغراض غير تلك التي وُضعت من أجلها، من بينها الحد من حريّة الإعلام».

ويضيف عصمت أن «العالم بات يكيل بمكيالين فيما يتعلق بمفهوم حرية الإعلام، ولم يعد هناك تعريف واضح للحريات الإعلامية»، متسائلاً: «هل العالم بحاجة إلى قوانين جديدة؟ أم تطويع التشريعات الموجودة فعلاً للتفاعل مع الأخبار الزائفة؟ لا سيما أن التشريعات عادة ما تكون متأخرة ولا تواكب سرعة التطور التكنولوجي». ومن ثم تساءل «عن الجهة المنوط بها تنفيذ تلك التشريعات»، قبل أن يقول إن نشر الوعي بوصفه واحداً من الحلول غير القاطعة وغير النهائية لهذه المعضلة، قد يشكل ضماناً لآلية تطبيق مثل هذه التشريعات.

شملت الدراسة عدة دول، بينها: أنغولا، وأذربيجان، والبرازيل، وكوبا، وإثيوبيا، وألمانيا، واليونان، وتركيا، وفيتنام، وسوريا، وجنوب أفريقيا، وتايوان، وماليزيا.

أخيراً، من المقرّر أن يستمر «مركز الأخبار والتكنولوجيا والابتكار» في متابعة تطورات تلك التشريعات بوصفها جزءاً من برنامج بحثي؛ حيث تُعد الدراسة بشأن تشريعات الأخبار المزيفة «هي الأولى في سلسلة من المشاريع البحثية التي سيجريها المركز خلال عام 2024».

ولفت المركز إلى أن «الأبحاث المستقبلية ستركّز على 3 مجالات؛ وهي تحليلات السياسات، والدراسات الاستقصائية العامة في بلدان متعددة حول ما تعنيه الأخبار للناس، واستقصاء دولي للصحافيين لفهم كيف ينظرون إلى صناعتهم مع ظهور الذكاء الاصطناعي، واحتمال زيادة التدخل الحكومي».



رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.