لبنان يتجه لتأجيل ثالث للانتخابات المحلية وسط انقسام سياسي

الصمد تقدم بمقترح قانون معجل مكرر... وجعجع يدعو باسيل لمقاطعة الجلسة

 البرلمان اللبناني منعقداً في جلسة عامة في يناير الماضي (المجلس النيابي)
البرلمان اللبناني منعقداً في جلسة عامة في يناير الماضي (المجلس النيابي)
TT

لبنان يتجه لتأجيل ثالث للانتخابات المحلية وسط انقسام سياسي

 البرلمان اللبناني منعقداً في جلسة عامة في يناير الماضي (المجلس النيابي)
البرلمان اللبناني منعقداً في جلسة عامة في يناير الماضي (المجلس النيابي)

يمضي التوجه لتأجيل الانتخابات المحلية في لبنان، للمرة الثالثة على التوالي، بخطى حثيثة، وتدرج هيئة مكتب المجلس في اجتماعها، الأربعاء، هذا البند، إلى جانب بند آخر، على جدول أعمال جلسة الهيئة العامة للبرلمان التي يفترض أن تُعقد في الأسبوع المقبل، وذلك وسط انتقاد سياسي لتأجيل الانتخابات المقررة الشهر المقبل، ومطالبة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لـ«التيار الوطني الحر» بمقاطعة الجلسة.

وانتهت ولاية المجالس البلدية والاختيارية في لبنان في المرة الأولى، عام 2022، وتم تأجيل الانتخابات لمدة عام لتزامنها مع الانتخابات النيابية، وفي عام 2023، جرى تأجيلها لسنة واحدة أيضاً في مجلس النواب، أما هذا العام فإن ولايتها تنتهي في أواخر شهر مايو (أيار) المقبل، وجرى نقاش حول إجرائها مع استثناء ثلاث محافظات من أصل 7 هي الجنوب والنبطية وبعلبك الهرمل، وذلك «لأسباب أمنية مرتبطة بالحرب الإسرائيلية في الجنوب».

اقتراح قانون للتأجيل

وقال رئيس لجنة الدفاع والداخلية والشؤون البلدية في البرلمان النائب جهاد الصمد إنه تقدم منفرداً باقتراح قانون معجل مكرر إلى البرلمان يقضي بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لمدة عام، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاقتراح «ستدرجه هيئة مكتب المجلس في اجتماعها، الأربعاء، على جدول أعمال الجلسة التي يفترض أن يدعو لعقدها رئيس المجلس وتُعقد في الأسبوع المقبل».

وقال الصمد: «خلال شهر رمضان، عقدنا جلسة للجنة الدفاع والداخلية بحضور وزير الداخلية بسام مولوي، وكان هناك رأيان؛ الأول يدعو لعقد الانتخابات واستثناء المحافظات الثلاث، والثاني يدعو لتأجيلها في ظل الظروف القائمة». وقال الصمد: «مع أن الحكومة تقول إنها جاهزة للالتزام بالمواعيد، إلا أن أول إشارة لعدم جديتها وهروبها إلى الأمام كان في عدم لحظها اعتمادات مالية لإجراء الانتخابات في موازنة عام 2024، لكننا في مناقشة الموازنة في البرلمان خصصنا ألف مليار لإجرائها».

وأكد الصمد أن الجميع بالمطلق يؤيد الالتزام بالمواعيد الدستورية، لكن «بعد العدوان الإسرائيلي لم تعد هناك ظروف طبيعية يجب أن تُجرَ الانتخابات على أساسها»، لافتاً إلى أنه في الحالتين اللتين عبّر عنهما الرأيان في الجلسة يستلزمان قوانين من البرلمان، سواء لإجراء الانتخابات مع استثناء المحافظات الثلاث، أو تمديد ولاية المجالس. وأضاف: «كوني رئيس لجنة دفاع وداخلية، أميل إلى التمديد لمدة سنة، لعدم توافر الظروف الطبيعية سياسياً وأمنياً، بعد العدوان الإسرائيلي والاستباحة للبنان، لإجراء الانتخابات».

وقال الصمد: «تقدمت باقتراح قانون معجل مكرر. لا يزال مقترحاً حتى الآن، ولا يصبح نافذاً إلا بإقراره في جلسة الهيئة العامة. في تلك الجلسة، من يخالفني الرأي، فليصوت ضده، ونحتكم جميعاً للتصويت عملاً بالأسس الديمقراطية».

النائب جهاد الصمد (الوكالة الوطنية)

شعبوية وواقعية

ويدافع الصمد عن المقترح الذي قدمه، قائلاً: «أمارس مسؤولياتي بمسؤولية، وهو حق لأي نائب بأن يعبر عن رأيه»، مشدداً على «أنني واقعي»، في مقابل «مزايدات وشعبوية». وقال: «أتحدى أن يثبت أحد أننا نمر بظروف طبيعية». وعن استثناء محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك الهرمل، قال: «نحن لا نعيش بنظام كونفدرالي ولسنا ولايات منفصلة كي يتم استثناء محافظات من الانتخابات»، مضيفاً: «فلتكشف الداخلية اليوم، قبل 20 يوماً من موعد إجراء الانتخابات المفترض بجبل لبنان، عدد المرشحين مقارنة بفترة 20 يوماً سبقت آخر انتخابات أجريت».

وكانت وزارة الداخلية أعلنت، الأسبوع الماضي، أن مولوي وقّع قرار دعوة الهيئات الانتخابية البلدية في دوائر محافظة جبل لبنان، لانتخاب أعضاء المجالس البلدية وتحديد عدد الأعضاء لكل منها، ولانتخاب مختارين ومجالس اختيارية وتحديد عدد المختارين والأعضاء وذلك بتاريخ 12 مايو 2024.

انقسام سياسي حول التأجيل

وتعارض قوى سياسية تأجيل الانتخابات، ووصف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تأجيلها بأنه «جريمة إضافية بحق لبنان واللبنانيين يرتكبها كل من يساهم في التمديد مرة ثالثة للبلديات».

وتوجه جعجع إلى «محور الممانعة وحلفائه» بالقول: «بعدما حرمتم اللبنانيين من دولة فعلية، وبعدما أوصلتموهم إلى قعر جهنّم، وبعدما عطلتم الانتخابات الرئاسية، تجهدون اليوم لحرمانهم أيضاً، وأيضاً من السلطات المحلية».

ودعا جعجع «التيار الوطني الحر» الذي يترأسه النائب جبران باسيل إلى «عدم المشاركة في هذه الجريمة، وعدم حضور جلسة التمديد المنتظرة، وذلك من أجل إجبار الحكومة على تنظيم الانتخابات البلدية في المناطق اللبنانية كلها ما عدا المناطق التي تشهد عمليات عسكرية متواصلة»، في إشارة إلى إفقاد جلسة التمديد النصاب القانوني للجلسة (65 نائباً من أصل 128).

وتؤيد «حركة أمل» و«حزب الله» و«التقدمي الاشتراكي» بشكل خاص، تأجيل الانتخابات، فيما يعارضها بشكل أساسي «القوات اللبنانية» و«الكتائب». أكد عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حمادة أن «الأحداث التي تدور في المنطقة وأجواء الحرب ستجعل إنجاز الاستحقاق البلدي والاختياري أصعب بكثير، خاصة أن أحداً لم يتقدم بالترشح بعد الدعوة التي أرسلها وزير الداخلية بسام مولوي؛ لأنّ الجو يوحي بالتأجيل الحتمي».

وستنعقد جلسة البرلمان بجدول أعمال ضيق يضم، إلى جانب تمديد ولاية المجالس المحلية، مقترحاً آخر متصلاً بتثبيت عناصر الدفاع المدني بوصفهم موظفين مدنيين يستفيدون من تقديمات تعاونية موظفي الدولة، علماً أن هؤلاء لم يتمكنوا منذ أغسطس (آب) 2023 من قبض مستحقّاتهم، وهو اقتراح تقدم به عدد من النواب بينهم الصمد ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان.


مقالات ذات صلة

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت ذات طابع عسكري فقط؛ بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثل في ضرب منطقة أضحت بيئة مؤيدة لـ«حزب الله».

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي ضابط شرطة يسير في مكان سقوط المقذوف بعد أن أبلغ الجيش الإسرائيلي عن وابل من المقذوفات التي تعبر إلى إسرائيل من لبنان في معالوت ترشيحا بشمال إسرائيل (رويترز)

«حزب الله»: هاجمنا قاعدة أسدود البحرية وقاعدة استخبارات عسكرية قرب تل أبيب

أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيان، الأحد، أنه شن هجوماً بطائرات مسيَّرة على قاعدة أسدود البحرية في جنوب إسرائيل للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)

ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 3670 قتيلاً

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، أن حصيلة الضحايا جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق مختلفة في البلاد ارتفعت إلى 3670 قتيلاً، و15413 مصاباً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال اجتماع سابق مع مسؤولين إسرائيليين (أ.ب)

وزير الدفاع الأميركي يشدد على التزام بلاده «حلاً دبلوماسياً في لبنان»

كرر وزير الدفاع الأميركي، السبت، التزام بلاده التوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان، وذلك خلال اتصال مع نظيره الإسرائيلي الذي أكد تواصل التحرك «بحزم» ضد «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
TT

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة، وسط بيروت فجر الجمعة، ذات طابع عسكري فقط، بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثّل في ضرب منطقة أضحت من البيئات الشعبية المؤيدة لـ«حزب الله»، وتماهت معه منذ تأسيسه في عام 1982 يوم انشق عن حركة «أمل» بصفته تنظيماً مسلّحاً حمل اسم «حركة أمل الإسلامية».

يكفي الحديث عن تاريخ هذه المنطقة لإدراك أن استهدافها وتدميرها لا يقفان عند حدود تعقّب قيادات «الحزب» واغتيالهم وترويع بيئته في قلب العاصمة بيروت فقط، بل الأمر يتعدى ذلك إلى تدمير أحياء ومبانٍ ما زالت تحفظ على جدرانها وفي ذاكرتها كثيراً من تاريخ بيروت الجميل، رغم تغيّر هويتها، لا سيما شارع المأمون الذي تحمل عقاراته ومبانيه أسماء عائلات بيروتية سنيّة ومسيحية رغم انتقال ملكيتها في السنوات الماضية إلى أسماء أشخاص من الطائفية الشيعية الذين يدورون في فلك «حزب الله»، بعد أن عزز الأخير وجوده ونفوذه في البسطة وامتداداً منها إلى مناطق أخرى، سواء بفعل استملاك العقارات، أو بنقل سجلات قيد عائلات من الجنوب إلى بيروت لغايات سياسية انتخابية وأحياناً أمنية.

لا يختلف اثنان من أبناء بيروت على أن الهوية الطائفية والسياسية لمنطقة البسطة تغيّرت كثيراً، ويشير مختار المصيطبة، صائب كلش، إلى أن «المنطقة التي استهدفتها الغارة الإسرائيلية، وتحديداً شارع المأمون، ذات غالبية سنيّة بامتياز، وأغلب سكانها من عائلات: عيتاني، وشاتيلا، والنويري، وعيدو، والتنير، ومنيمنة، ومغربل، وسوبرة، وكان فيها عدد لا بأس به من العائلات المسيحية مثل: مجدلاني، وجنحو، ومنيّر، والمطران، وعودة... وغيرها».

وأوضح كلش لـ«الشرق الأوسط» أنه «على أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، والتهجير من الجنوب إلى بيروت، استوطنت عائلات شيعية في هذه المنطقة، وآثرت البقاء فيها، واستملكت عقارات وشققاً سكنية، ورفضت مغادرتها حتى بعد انسحاب إسرائيل إلى خلف ما كان يعرف بالشريط العازل في الجنوب».

مجزرة «فتح الله»

اللافت أن دور «حزب الله» ووجوده بدأ يتعزز مع اكتشاف ارتباطه بإيران، واتخذ في بداياته من منطقة البسطة مكاناً لقياداته وتقوية نفوذه، وحوّل ثكنة «فتح الله» الواقعة في شارع المأمون مقراً لقيادته. لكن بعد أشهر قليلة من عام 1987، وفي ظلّ تمدده عسكرياً بالمنطقة، اصطدم مع القوات السورية إثر دخول الأخيرة إلى «بيروت الغربية» على أثر إقدام «الحزب» على قتل جندي سوري، عندها عمد الجيش السوري إلى تصفية 27 عنصراً من مقاتلي «الحزب» داخل هذه الثكنة وسيطر عليها، وعرفت العملية يومها بـ«مجزرة فتح الله»، لينقل على أثرها «الحزب» مركز قيادته إلى الضاحية الجنوبية.

اتخذ «حزب الله» من تلك المجزرة عبرة لإعادة صوغ علاقته بالجيش السوري، خصوصاً في ظلّ العلاقات المتنامية بين إيران وسوريا. وأكد المختار كلش أنه «بعد سيطرته عسكرياً على بيروت، سمح الجيش السوري لـ(الحزب) بأن يتمدد في منطقة البسطة شعبياً، وهذا سهّل عليه وعلى مؤيديه استملاك الشقق والمنازل، خصوصاً بين عامي 1988 و1990عندما أطلق العماد ميشال عون ما سماها (حرب التحرير) ضدّ الجيش السوري، وتسبب ذلك في هجرة المئات من أبناء العائلات البيروتية السنيّة والمسيحية من المنطقة، والخشية من استهداف منطقتهم من الجيش اللبناني الذي كان تحت إمرة ميشال عون، كما شمل التهجير النهائي غالبية المسيحيين، وبقي وجود بعضهم رمزياً».

رجال أمن لبنانيون في وسط بيروت... وتبدو خلفهم صورة الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)

صحيح أن شوارع وأحياء المصيطبة، القريبة من البسطة، لا تزال تحمل أسماء شخصيات بيروتية سنيّة، إلّا إن وجهها تبدّل أيضاً، وهذا تظهّر بشكل كبير بعد انخراط «حزب الله» في العمل السياسي؛ بدءاً من الانتخابات النيابية في عام 1992 وحصوله على كتلة وازنة، كما تعزز أكثر بعد تحرير الجنوب في عام 2000، لكنّ التحوّل الأكبر انطلق في عام 2005 على أثر خروج الجيش السوري من لبنان على خلفية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتصدّر «الحزب» المشهد السياسي ليأخذ الدور الذي كان يمارسه السوريون في لبنان.

نقل نفوس

ويلفت كلش إلى أن «عدد الشيعة المسجلين في دوائر النفوس ببيروت كان ضئيلاً جداً، لكن بعد عام 2005 نُقلت نفوس آلاف العائلات من الجنوب إلى بيروت، وسُجلوا في مناطق مثل المصيطبة، والباشورة، والمرفأ، امتداداً إلى ميناء الحصن وعين المريسة، والسبب في ذلك تعزيز حضور (الحزب) في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، بدليل أن نائب (الحزب) عن بيروت، أمين شرّي، حصد 33 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، بينها 28 ألف صوت شيعي، مقابل 6 آلاف صوت فقط لنائب حركة (أمل) محمد خواجة».

ذاكرة المصيطبة

لم يُكتب الكثير عن منطقة المصيطبة، إلّا إن أبناءها المتجذرين فيها يحملون في ذاكرتهم ووجدانهم تاريخ منطقتهم، ويشير المحامي مروان سلام، رئيس جمعية «بيروت منارتي»، إلى أن البسطة «مصنّفة ضمن قائمة أشهر المناطق التراثية، لكن العوامل التي دخلت عليها غيّرت كثيراً من مزاياها». ويؤكد سلام لـ«الشرق الأوسط» أن المنطقة «تميزت بما تحتوي من مراكز إدارية وتعليمية وطبية، بالإضافة إلى عدد من الحدائق والمتنزهات التي جرى تشويه وجهها؛ إما عمداً، وإما تقصيراً»، لافتاً إلى أنها «غنيّة بالمطاعم والمقاهي الواقعة في مبانٍ تراثية قديمة». ويردّ سلام تسمية المنطقة «البسطة» إلى أنها «اعتُمدت مقراً لسلطة المماليك، وحملت هذا الاسم نسبة إلى الكرسي الخشبي التي كان يجلس عليه السلطان».

أكثر من ذلك، حملت المنطقة اسم «البسطة الشريفة»، كما يقول المحامي مروان سلام؛ «ففيها كانت تقام حلقات تلاوة القرآن الكريم ورواية الأحاديث النبوية الشريفة، وكان لأهل بيروت في ذلك الحين مكانان يتحلقون فيهما للغرض المذكور؛ هما (البسطة الفوقا) و(البسطة التحتا)، ويعنون بهما الحلقات الدينية».

محطة القبضايات

ويتحدث عن مزايا أبناء المنطقة؛ «إذ كانت محطة دائمة للقبضايات الذين يرتادون مقاهيها، وكانت معبراً لـ(ترامواي بيروت) الذي ينطلق من البربير إلى النويري ثم البسطتين الفوقا والتحتا، والباشورة، وصولاً إلى محطته في (ساحة رياض الصلح)». ويضيف سلام أن البسطة «رغم صغر مساحتها، فإنها كات تحوي عدداً من المستشفيات منها: (البربير)، و(الإسلامي)، و(مليح سنو) و(مستشفى الدكتور محمد خالد)، إضافة إلى مدارس: (الشيخ نور)، و(عزيز مومنة)، و(شريف خطاب)، و(العلماوي) و(مكارم الأخلاق). كما خرّجت عدداً كبيراً من الفنانين، منهم: نجاح سلام، ومحمد سلمان، وأنطوان كرباج، وشوشو، ومحمد شامل، ومحيي الدين سلام، والرسام مصطفى فروخ... وغيرهم. وهؤلاء جميعاً من أبنائها وكانت تفخر بهم ويفخرون بها وبتاريخها».