المبعوث الأميركي الخاص لـ«الشرق الأوسط»: أرى طريقاً إلى الأمام في السودان

توم بيريللو: المواطنون لا يريدون رؤية المتطرفين ومسؤولي النظام القديم الفاسدين يعودون إلى الحكم

TT

المبعوث الأميركي الخاص لـ«الشرق الأوسط»: أرى طريقاً إلى الأمام في السودان

 المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيريللو (الشرق الأوسط)
المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيريللو (الشرق الأوسط)

حذّر المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيريللو، من خطورة الحرب السودانية، داعياً إلى ضرورة حل الأزمة سريعاً قبل تحولها إلى «حرب إقليمية». ورجّح بيريللو، في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، أن تبدأ محادثات جدة قريباً من دون تحديد التاريخ، مشيراً إلى وجود مفاوضات غير رسمية جارية في الوقت الحالي.

وحثّ بيريللو «اللاعبين الخارجين» على أن يكونوا شركاء في تحقيق السلام في السودان، مشدداً على أنه يحظى بتعاون من أعلى المستويات في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، لكنه لا يستطيع «تحقيق الهدف بمفرده من دون تعاون الآخرين». وأوضح أن ما يجري يشكل مشكلة استراتيجية، تتمثل في «وجود بلد يتمتع بموقع رئيسي في الساحل، لكنه ينزلق نحو ما هو ليس مجرد حرب أهلية، بل حرب متعددة الأطراف تجر جيران السودان. فما نراه هو تحول النزاع إلى صراع إقليمي بشكل متزايد، وهذا يعد كارثة للجميع».

وأكد المبعوث الخاص الأميركي أنه يحصل على تعاون من أعلى المستويات في البيت الأبيض ومن وزارة الخارجية للقيام بمهامه. وفيما يلي نص اللقاء كاملاً...

إرادة سياسية

* هل ترى نوراً في نهاية الأفق في السودان؟

- نعم، أرى طريقاً إلى الأمام في السودان، لقد رأيت صراعات سابقة اعتبر البعض أنه ليس لديها أمل، ثم شهدنا انفراجات كبيرة، بما في ذلك أول اتفاقية سلام عملتُ عليها في سيراليون. أرى في الواقع طريقاً للأمام في السودان، إنها مسألة إرادة سياسية. الحقيقة أن الشعب السوداني موحد إلى حد كبير حول ما يريده، إنهم منقسمون بشأن القضايا السياسية، وهذا أمر طبيعي في أي مكان، ليس من المفترض أن يكون عليه إجماع، لكن هناك إجماعاً عميقاً على الأسئلة الجوهرية التي لها صلة بهذه القضايا.

وأعتقد أن هناك مصلحة مشتركة، أو ينبغي أن تكون هناك مصلحة مشتركة، لكل اللاعبين في المنطقة، بأن الجميع يمكن أن يستفيد من سودان مستقر تحت انتقال ديمقراطي شامل، والجميع يخسر في المسار الذي نحن عليه الآن. لذا يجب أن نكون قادرين على الاصطفاف من أجل الوصول إلى اتفاق. وهذا ليس مجرد سؤال عما إذا كنا سنفعل ذلك، بل ما إذا كنا نفعله بسرعة كافية، لأن الوقت ليس لصالحنا، ونحن نتصرف بسرعة ليست دائماً في طبيعة الدبلوماسيين والدبلوماسية.

وربما ننتهي بكوننا غير دبلوماسيين بعض الشيء، إذ إننا ندفع ونلوي الأذرع قليلاً للوصول إلى تلك النقطة. لكن ما رأيته في أشهري القليلة في الوظيفة هو أن هناك فهماً متزايداً بأن هذا وضع يخرج عن السيطرة، ولا أحد سيستفيد من ذلك السيناريو، وهذا ما يمنحني بعض الأمل. والأهم من ذلك، أنا متفائل لأن الشعب السوداني كان مرناً خلال أوضاع مروعة في السابق، وهو لا يتخلى عن طموحه لمستقبل أكثر إشراقاً. وأرى ذلك كلما التقيت بالسودانيين، خاصة النساء والشباب الذين يأتون بأشياء مثل غرف الاستجابة للطوارئ، ويجدون طرقاً للحصول على تطبيقات دفع نقدي وأشياء أخرى. وهم ببساطة على دراية رقمية هائلة، كما أنهم مخلصون جداً لبلدهم، ولم يتخلوا عن ذلك المستقبل الذي يعتقدون أنهم يستحقونه. وطالما أنهم لم يستسلموا، نحن لن نستسلم وأعتقد أنه يمكننا العثور على مسار للحل.

ضرورة الحل العاجل

* بعد عام من بدء الحرب في السودان، لا تبدو هناك انفراجة في جهود وقف إطلاق النار أو حتى تسليم المساعدات الإنسانية، فما هي خطتكم؟

- هناك قدر كبير من الشعور بضرورة الاستعجال في حل الأزمة التي تتحول بسرعة من سيئ إلى أسوأ من حيث مستوى العنف على الأرض. الولايات المتحدة هي أكبر المانحين في المساعدات الإنسانية، ونأمل أن نتمكن من جمع مزيد من الأموال في مؤتمر المانحين في باريس. كما أننا بحاجة إلى إيصالها، ونحن نضغط على جانبي النزاع للسماح بذلك، حتى مخيمات اللاجئين في مناطق مثل تشاد، ليس لدينا تمويل كافٍ، وذلك لأن العالم لم يسمح لهذه الأزمة بالاستمرار فحسب، بل بالاستمرار بخفاء تام تقريباً. نحن ندفع باتجاه استئناف محادثات السلام في جدة لكي تكون شاملة لكل من الشركاء الأفارقة ودول الخليج الذين هم مفتاح المساعدة. ونحن بحاجة إلى أن تنتهي هذه الحرب، ومن الواضح أننا لم نضغط بما فيه الكفاية على الفاعلين لإنهاء هذا الوضع، وسنحتاج إلى القيام بذلك، بالتعاون مع الآخرين في المنطقة.

عقوبات على الفاعلين

* تتحدث عن الضغط، ماذا يعني هذا بالنسبة للولايات المتحدة؟ أيعني مزيداً من العقوبات؟

- كما تعلمون، لقد بدأنا بفرض عقوبات على الفاعلين من طرفي النزاع المسلح، سواء الأفراد أو البنوك والمؤسسات الأخرى التي تدعم الحرب والفظائع، ونحن نأمل أن ينضم إلينا آخرون في توسيع نطاق تلك العقوبات الحكومية. وأعتقد أنه يجب أيضاً حثّ البعض على الاستماع إلى المنطق، حتى إن لم يكن الحافز هو رؤية هذه المعاملة الفظيعة للنساء والأطفال، فما يجري يشكل مشكلة استراتيجية أيضاً، بمعنى وجود بلد يتمتع بموقع رئيسي في الساحل، لكنه ينزلق نحو ما هو ليس مجرد حرب أهلية فحسب، بل حرب متعددة الأطراف، تجر جيرانه. لقد رأينا هذا من قبل، ولا أحد يربح في ذلك السيناريو. لذا، نحتاج إلى أن تسود العقول الهادئة الآن، ونحتاج إلى مزيد من شركاء السلام.

ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق جدة في مايو 2023 (رويترز)

* قلت في السابق إن محادثات جدة ستبدأ نحو يوم 18 من الشهر الحالي، هل ما زلت تعتقد ذلك؟

- نحن نؤمن بأن المحادثات ستبدأ، لكننا لم نحصل بعد على تاريخ من الجانب السعودي، لكنّ لدينا التزاماً بإعادة بدء المحادثات، وفي الأثناء نحن لا ننتظر بدء تلك المحادثات، بل نتفاوض كل يوم. ترون ذلك في تنقلاتي حول المنطقة، وترونه أيضاً في الدور المتزايد لـ«الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي». المفاوضات جارية الآن، ويجب على الناس أن يعرفوا ذلك. نحن نسعى إلى إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن. الشعب السوداني لا يستطيع تحمل تكلفة الانتظار، وبالتأكيد نعتقد أن المحادثات الرسمية جزء مهم من هذه المساعي.

* لكن الخارجية السودانية تقول لا أحد تواصل معها في شأن عقد المحادثات، فهل تواصلتم معها؟

- نحن نتطلع إلى إرسال الدعوات، وإلى إجراء الاتصال، بمجرد أن يعطينا الجانب السعودي تاريخاً للمضي قدماً، ونعتقد أنه كلما كان ذلك أسرع كان أفضل. ربما نرى بعض الأخبار بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب، لكننا نعلم أيضاً أن هناك بعض التوقف بمناسبة عيد الفطر، رغم أن القتال لم يتوقف، بل شهدنا تصعيداً دراماتيكياً للقتال، خاصة حول مدينة الفاشر، ما خلق بيئة رهيبة للمدنيين، ووصول مساعدات إنسانية أقل. لذا في هذا السياق، نحتاج إلى استعجال أكبر في التحرك نحو إبرام اتفاق ما.

ننحاز للشعب فقط

* سمعت من بعض المسؤولين السابقين اقتراحات بأن واشنطن تقف مع طرف في النزاع دون الآخر، ما رأيك بهذا الطرح؟

- نحن بالفعل نقف مع طرف محدد، وهو الشعب السوداني الذي هو واضح جداً إزاء ما يريد... فهو يريد إنهاء الحرب، ويريد رؤية جيش موّحد ومحترف، ويرغب أيضاً في العودة إلى الانتقال الدستوري، الذي كان لدى الشعب السوداني شجاعة وإلهام كبيران في إحيائه قبل 5 سنوات. السودانيون لا يريدون رؤية المتطرفين ومسؤولي النظام القديم الفاسدين يعودون «إلى الحكم». كما أن هناك توافقاً كبيراً في الرأي بين شعب السودان والولايات المتحدة التي تقف إلى جانبه. وسوف نعمل مع أي طرف في هذا الصراع يوافق على الالتزام بمسار يريده شعب السودان، ونحن نعتقد أن هذا هو المحور الأهم في هذه المحادثات، بل في أي اتفاق سلام.

* هناك كثير من اللاعبين الخارجيين الذين يشاركون اليوم في النزاع، من إيران إلى أوكرانيا، هل يمكنك تأكيد هذه التقارير؟ وهل تقلقك؟

- رأينا تقارير بهذا الشأن (حول أوكرانيا)، ونحن نرى كذلك مزيداً من التقارير حول قدوم مقاتلين أجانب إلى جانب «قوات الدعم السريع» من الغرب عبر الساحل. ما نراه هو تحول الصراع إلى صراع إقليمي بشكل متزايد، وهذا يعد كارثة، ليس للسودان فقط، لكن بصراحة لجميع اللاعبين الإقليميين. وينبغي أن يكون هذا نداء صارخ للدول المجاورة بأن هذا الوضع يجب أن يتوقف قبل أن نشهد شيئاً يشبه حرباً إقليمية. ولا يزال هناك وقت لفعل ذلك، وما نحتاجه هو أن يتوقف اللاعبون الخارجيون عن تغذية الحرب، نحتاج منهم أن يكونوا شركاء في السلام وأن يقفوا مع ما يريده الشعب السوداني.

* وماذا تفعل الولايات المتحدة في هذا الخصوص؟

- نحن نتصرف كل يوم، ونقوم بذلك من خلال زيارات دبلوماسية مكوكية. رأينا عدة مبادرات أعتقد أنها لعبت دوراً إيجابياً. أعتقد أنه قبل بضعة أشهر، كان هناك البعض - ممن لا أوافقهم الرأي - ظنوا أن جانباً في الصراع المسلح قد يتمكن من تحقيق النصر، وهذا الاعتقاد يصعّب الوصول إلى طاولة المفاوضات. لكني لا أعتقد أن أي شخص ذي مصداقية يرى أن هذا سيحدث الآن. وما نراه هو جمود يمتد، مع وجود مزيد من اللاعبين الخارجيين الذين يدخلون إلى البلاد، وهذه وصفة كارثية لجميع الأطراف، لأن الحقيقة أن الجميع سيستفيد من سودان مستقر يعود إلى المسار الذي كان عليه قبل بضع سنوات، وهذا يشمل التفكير في إنشاء جيش موّحد محترف، باعتباره جزءاً مهماً من مؤسسة الدولة في المستقبل.

جانب من الدمار الذي سببته الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في دارفور (أ.ف.ب)

تعاون من أعلى المستويات

* لنتطرق إلى تعيينك في منصبك كمبعوث خاص، حظي بردود فعل مرحبة، لكن البعض انتقده خاصة في الكونغرس، لأنه لم يكن تعييناً رئاسياً. يقولون إنك لا تملك خط تواصل مباشر مع وزير الخارجية، صحيح؟

- سألتقي بوزير الخارجية قريباً، أعتقد أن هذه المخاوف تلاشت اليوم، عبر رؤية حجم العمل الذي نقوم به. نحن نحصل على تعاون من أعلى المستويات في البيت الأبيض ومن وزارة الخارجية، فهناك اهتمام بهذا الملف، بالإضافة إلى مرافق أخرى في الإدارة الأميركية. على سبيل المثال، اتخذت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد دوراً قيادياً مهماً في «الأمم المتحدة» وتعمل معنا ومع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. هذه مقاربة شاملة من الحكومة الأميركية، وأنا كمبعوث خاص وظيفتي تقضي تنسيق وقيادة هذه الجهود الاستراتيجية باسم الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن. وأعتقد أنكم ترون دوراً هائلاً من قيادة الولايات المتحدة، لكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا، ونحتاج أن نرى اللاعبين الرئيسيين في الداخل وفي المنطقة ينضمون إلينا بنفس حسّ الإلحاح لنصل إلى ذلك الاتفاق، وتسليم الشعب السوداني مستقبله.

* هل سنرى تعيين سفير إلى السودان قريباً؟

- سفارتنا ليست مفتوحة في الخرطوم كما تعلمون، نحن في الواقع على تواصل مع الحكومة، والوزارات ذات الصلة بشأن هذه العملية لديها بروتوكول خاص. في الوقت الحالي يتوزع فريقنا في أجزاء مختلفة من المنطقة، وسنواصل محاولة التعرف على أفضل طريقة لإدارة الوضع، بما في ذلك من خلال موظفينا المحليين الذين يبقى بعضهم في البلاد، وواجباتنا القنصلية وعوامل أخرى مرتبطة بذلك.

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

فوائد الاتفاق

* يقول البعض إن طرفي النزاع في السودان اليوم هم عسكريون، والعسكر غير مدرب على التفاوض، بل على الفوز في القتال، ما هي استراتيجيتك في هذا الشأن؟

- أملنا هنا هو أننا قد نتمكن من تغيير العقلية القائلة إن عدم الفوز يعني الخسارة. وأحياناً، من الأسهل فعلياً جعل الناس يرون فوائد الاتفاق أولاً بدلاً من فوائد المحادثة. لذلك، نحن بحاجة إلى إجراء محادثات رسمية، لكني أعتقد أيضاً أنه عندما نتحدث عن النتيجة في المستقبل سيكون لدينا شيء يرى الجميع أنه يفيدهم في السودان. لكن، هذا صعب، عندما يكون الناس في حالة الحرب، لأن عداوتهم تكون في أوجها. ولهذا السبب، نعتقد أن الأمر لا يتعلق بجعل الطرفين المتحاربين يتباحثان بعضهما مع بعض، بل يتعلق قبل كل شيء بتركيز اهتمامنا على الشعب السوداني وما يريده. يجب أن يكون السودانيون هم من يحدد المستقبل، ومن ثم العمل مع اللاعبين الخارجيين لضمان أن لدينا ضغطاً دبلوماسياً كافياً لدعم الخطة التي يريدها الشعب السوداني.


مقالات ذات صلة

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

شمال افريقيا رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي.

رياضة عربية مشجع سوداني يساند منتخب بلاده خلال مباراته أمام الجزائر (أ.ب)

محمد عبد الرحمن لاعب السودان: سنقدم ما علينا رغم ظروف الحرب

يطبق محمد الغربال سياسة «الأمر الواقع» للتعامل مع الظروف المحيطة بمنتخب السودان لكي يتمكن من النجاح رغم ظروف الحرب التي أثرت على نشاط كرة القدم

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع البرهان التطورات بالسودان في ظل تصعيد «الدعم السريع»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان آخر التطورات في السودان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص مفوضة العون الإنساني سلوى آدم بنية في مؤتمر صحافي (سونا)

خاص مفوضة «العون الإنساني» لـ«الشرق الأوسط»: نزوح أكثر من 145 ألف أسرة جرّاء معارك كردفان

قالت الحكومة السودانية إن أكثر من 145 ألف أسرة نزحت وتشردت جراء المعارك الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في إقليم كردفان

وجدان طلحة (بورتسودان)
خاص السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خاص عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

فتحت مبادرة للمملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة نافذة جديدة تراهن على كسر الجمود في السودان الرازح تحت وطأة مجازر وموجات نزوح واسعة.

أحمد يونس (كمبالا)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، حيث تستند إلى مرجعيات من بينها إعلان منبر جدة، مشدداً على أن بلاده لن تقبل بوجود أي قوات أممية أو أي رقابة مفروضة عليها.

وأوضح إدريس، خلال مؤتمر صحافي في بورتسودان بعد عودته من الولايات المتحدة، أن معظم التفاعلات في جلسة مجلس الأمن تجاه مبادرة الحكومة للسلام كانت «إيجابية»، وأكد أن هذه المبادرة من شأنها أن توقف الحرب وتحقق السلام العادل والشامل للشعب السوداني.

وأضاف رئيس الوزراء: «نحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، بل الحرب قد فُرضت علينا»، محذراً من أن أي هدنة لا يصاحبها نزع سلاح مَن سماهم «الميليشيات» ستؤدي إلى تعقيد الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك (صور الأمم المتحدة)

وأوضح أن مبادرة الحكومة للسلام تستند إلى مرجعيات عدة، منها قرارات مجلس الأمن وإعلان منبر جدة الموقع في مايو (أيار) 2023، إلى جانب الزيارات التي أجراها رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا سيما لمصر وقطر.

كان رئيس الوزراء السوداني قد توجه إلى الولايات المتحدة يوم السبت الماضي ليبحث مع مسؤولين بالأمم المتحدة تعزيز التعاون بين الجانبين ويجري مشاورات بشأن تداعيات الحرب وآفاق السلام.

اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» الآن على إقليم دارفور بالكامل في غرب السودان، بعدما أعلنت سيطرتها مؤخراً على مدينة الفاشر عقب حصارها لمدة 18 شهراً، فيما يسيطر الجيش على النصف الشرقي من البلاد.


مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

أفادت السلطات الصومالية، أمس (الخميس)، بأن انتخابات المجالس المحلية شهدت «إقبالاً واسعاً» في أول انتخابات مباشرة تجري بالبلاد منذ 57 عاماً.

ذلك الإقبال الذي تحدثت عنه مقديشو، تؤكده الصور التي تخرج من مراكز الاقتراع الـ523، ويراه خبير في الشؤون الأفريقية «يعكس رغبة شعبية خالفت رهانات المعارضة بعدم المشاركة، وتشكل فرصة لمسار ديمقراطي قد يتشكل عبر الانتخابات المباشرة، مما يدفع الرافضين لهذا المسار لبدء حوار بشأن المستقبل، لا سيما قبل رئاسيات 2026».

وتوافد سكان محافظة بنادر إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في انتخابات المجالس المحلية المباشرة، في أول عملية انتخابية من هذا النوع تشهدها العاصمة مقديشو منذ نحو 6 عقود.

وافتُتح 523 مركزاً للاقتراع في تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، وأغلقت عند السادسة مساءً، وسط إجراءات تنظيمية وأمنية مشددة شملت 16 مديرية من مديريات المحافظة التي تضم العاصمة مقديشو، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الصومالية»، الخميس، مشيرة إلى وجود «إقبال واسع على مراكز الاقتراع في بنادر».

وبحسب الجهات المختصة، تسلّم 503 آلاف و916 ناخباً بطاقات الاقتراع من بين المسجلين، تمهيداً للإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في المجالس المحلية. وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري، السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991 يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي، فيما أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل 20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، أن «تسجيل الانتخابات إقبالاً شعبياً لافتاً تجاوز التوقعات، عكس رغبة واضحة لدى سكان مقديشو في الانخراط بالعملية السياسية، وطيّ صفحة طويلة من العزوف القسري عن المشاركة الديمقراطية»، مشيراً إلى أنه «يُنظر إلى هذا الحراك الشعبي بوصفه مؤشراً على تعافٍ تدريجي تشهده العاصمة، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، بعد سنوات من الهشاشة والصراع».

وأكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عقب الإدلاء بصوته، وذلك في مركز مسرح الدولة الوطنية، أن انتخابات المجالس المحلية في محافظة بنادر، تمثل «محطة تاريخية مفصلية وحلماً طال انتظاره»، مشيراً إلى أنها تشكل خطوة أساسية تقود البلاد نحو الانتخابات الدستورية الشاملة.

طوابير من الناخبين خلال الإدلاء بأصواتهم في محافظة بنادر (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقب الإدلاء بصوته في ذلك الاقتراع، أكد رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، أن الانتخابات المباشرة لمجالس الإدارة المحلية في إقليم بنادر تمثل خطوة مهمة لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد.

وتقدمت سفارة الصومال بمصر في بيان، بالتهنئة لشعب وحكومة الصومال على بدء الانتخابات المحلية، مؤكدة أنها لحظة تاريخية وتحويلية، حيث يشارك المواطنون في هذه العمليات الديمقراطية لأول مرة منذ نحو 6 عقود.

ويعتقد كلني أن طريقة إدارة الحكومة للعملية الانتخابية، إلى جانب المشهد العام الذي ساد المدينة خلال يوم الاقتراع، حملا رسائل سياسية متعددة؛ من أبرزها قدرة الدولة على تنظيم استحقاقات انتخابية في بيئة أمنية معقّدة، والحدّ من المخاوف التي روّجت لها أطراف معارضة بشأن استحالة تطبيق مبدأ «صوت واحد لكل مواطن» في مقديشو.

وكان «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، أعلن في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو، الأسبوع الماضي، رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس، الرئيس حسن شيخ محمود، مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

ورغم الشكوك العميقة التي عبّرت عنها قوى المعارضة حيال إجراء انتخابات المجالس المحلية في العاصمة مقديشو، والمخاوف الواسعة من احتمالات الاضطراب الأمني والسياسي، شهدت المدينة محطة سياسية غير مسبوقة، تمثلت في إجراء انتخابات محلية بعد ما يقارب 60 عاماً من الانقطاع، وفق كلني.

نائب رئيس الوزراء الصومالي صالح أحمد جامع خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

وقد شكّلت هذه الانتخابات حدثاً استثنائياً في الوعي الجمعي، لا سيما لدى ما يقارب 3 أجيال من سكان العاصمة الذين لم يسبق لهم أن عايشوا عملية اقتراع رسمية مباشرة، يُمنح فيها المواطن حق اختيار ممثليه السياسيين عبر صندوق الاقتراع.

ويتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة 4 عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر. واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

رئيس الوزراء الصومالي خلال جولة تفقدية في عدد من مراكز الاقتراع بالعاصمة مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)

وسيطوي زخم الإقبال في تلك الانتخابات مشهد الخلافات، بحسب ما يعتقد كلني، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن مشهد الإقبال في الانتخابات قد يسفر عن ارتفاع مستوى الثقة الشعبية بالحكومة، لا سيما بالحزب الحاكم، بوصفه الجهة التي أشرفت على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، وتعزيز ثقة الأحزاب والتنظيمات السياسية في المنظومة الأمنية الوطنية وقدرتها على تأمين الاستحقاقات الديمقراطية، وتحوّل تدريجي في موقف المعارضة التي كانت تشكك في إمكانية إجراء انتخابات مباشرة بالعاصمة.

ويتوقع أيضاً انجذاب شرائح من المتعاطفين مع المعارضة نحو الحكومة، مع احتمال انضمام بعضهم إلى صفوف الحزب الحاكم، فضلاً عن ازدياد ثقة المجتمع الدولي في المسار الانتخابي الصومالي، واستمرار دعمه لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود من أجل تعميم الانتخابات المباشرة على كامل البلاد.


البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
TT

البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس «مجلس السيادة» السوداني عبد الفتاح البرهان، آخر التطورات في السودان، و«التعاون الدفاعي» بين الجانبين، في ظل التطورات الأخيرة في السودان، وضمنها تحقيق «قوات الدعم السريع» تقدماً في ولاية شمال دارفور قرب الحدود مع تشاد.

واستقبل إردوغان، البرهان، بمراسم رسمية في القصر الرئاسي بأنقرة، أمس (الخميس)، ثم عقدا جلسة ثنائية، أعقبتها جلسة موسعة بحضور عدد من الوزراء. وتناولت المباحثات العلاقات الثنائية والتطورات في السودان، والخطوات الكفيلة بتحقيق الاستقرار الإقليمي، والتعاون الدفاعي بين أنقرة والخرطوم، حسبما ذكرت الرئاسة التركية.

وكانت تقارير كشفت سابقاً عن تزويد تركيا للجيش السوداني بطائرات مسيَّرة، العام الماضي، استخدمها لتحقيق تقدم مهم ضد «قوات الدعم السريع» في مناطق مثل الخرطوم والأبيض.

كما أعرب مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، أحمد يلدز، قبل أيام، عن إدانة بلاده الشديدة لـ«الظلم» الذي تمارسه «قوات الدعم السريع» ضد المدنيين في السودان.