البنك الدولي يضع اليمن ضمن أكثر البلدان فقراً في العالم

حذّر من آثار التصعيد البحري على مستوى الأمن الغذائي

يعاني ملايين اليمنيين من الصدمات الاقتصادية وانعدام الغذاء (الأمم المتحدة)
يعاني ملايين اليمنيين من الصدمات الاقتصادية وانعدام الغذاء (الأمم المتحدة)
TT

البنك الدولي يضع اليمن ضمن أكثر البلدان فقراً في العالم

يعاني ملايين اليمنيين من الصدمات الاقتصادية وانعدام الغذاء (الأمم المتحدة)
يعاني ملايين اليمنيين من الصدمات الاقتصادية وانعدام الغذاء (الأمم المتحدة)

أكد تقرير حديث للبنك الدولي أن اليمن «ربما يكون الأكثر فقراً» على مستوى العالم، وذكر أن بيانات الأمن الغذائي المتكامل تضع هذا البلد في مرتبة واحدة مع أفغانستان وهايتي والصومال وجنوب السودان والسودان ودول الساحل الأفريقي.

ووفق ما جاء في التقرير الخاص بتقييم مستوى الفقر، فإن اليمن كان في الأساس بلداً فقيراً قبل اندلاع الحرب، ولهذا خلفت عشر سنوات من الصراع والأزمات آثاراً وخيمة على الظروف المعيشية، حيث يعاني الملايين من الجوع والفقر.

يعيش ملايين اليمنيين على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية (إ.ب.أ)

غير أن مُعدّي التقرير تحدثوا عن أن الافتقار إلى البيانات جعل من الصعب تقدير عدد الفقراء في اليمن على وجه الدقة، أو تحليل الأسباب الرئيسية للفقر.

وبحسب البنك الدولي، فإن التقرير الذي أعدته وحدة الفقر والإنصاف بالبنك الدولي، اعتمد على مصادر بيانات جديدة متعددة لتقييم كيف من المحتمل أن يصبح أفقر بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واحداً من أكثر البلدان فقراً في جميع أنحاء العالم؛ وكيف أن اليمنيين العاديين يتأقلمون أو يحاولون التأقلم مع أشكال الحرمان المتعددة والمتداخلة.

صدمات اقتصادية

ذكر معدو تقرير البنك الدولي أن اليمن وقبل عقد من الزمن، كان بلداً منخفض الدخل، وكان 49 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وقالوا إنه ونظراً للتدهور الكبير في الظروف الاقتصادية خلال فترة الحرب، فمن الطبيعي الاستنتاج بأن الفقر قد ارتفع في خلال هذه السنوات التسع، وتناولوا جهود إحلال السلام وقالوا إن التفاؤل الحذر تضاءل بإمكانية تحويل الهدنة غير الرسمية، إلى وقف دائم لإطلاق النار خلال 2023.

وبينما كان تقرير البنك الدولي على وشك الانتهاء - وفق ما ذكر معدوه - حذر كثير من المراقبين من أن اليمن قد يتأثر بشكل كبير بالصراع في الشرق الأوسط وتداعياته المحلية، على خلفية استهداف الحوثيين سفن الشحن التجاري، ودخول القوات الأميركية والبريطانية على خط المواجهة معهم. وأكد البنك أن هذا احتمال لا يستطيع اليمنيون العاديون تحمله.

قبل اندلاع الصراع كان 49 % من سكان اليمن تحت خط الفقر (الأمم المتحدة)

وفي حين رأى التقرير أن الصدمات الاقتصادية الكثيرة التي شهدتها البلاد منذ بداية الحرب هي المحرك الرئيسي للفقر، قال إن السلسلة الزمنية للاستهلاك الغذائي غير الكافي تظهر أن أزمة الجوع والفقر في البلاد قد تكشفت على أربع مراحل متميزة، فمع حلول أغسطس (آب) 2015، أي بعد بضعة أشهر فقط من الحرب، كان 48 في المائة من اليمنيين يعانون من سوء استهلاك الغذاء، أي بزيادة أربعة أضعاف عن العام الذي سبقه، وذلك تماشياً مع انهيار أوسع في الناتج الاقتصادي.

وأفاد البنك الدولي بأن انعدام الأمن الغذائي في اليمن وصل إلى أدنى مستوياته في عام 2018 عندما تقاطعت أبعاد الحرب المادية والاقتصادية، مع توجه الحكومة اليمنية إلى السيطرة على ميناء الحديدة أحد أكبر موانئ البلاد، وتشديد الرقابة على الواردات.

وقال إن التحسن الذي حدث في عامي 2019 و2020، كان جزئياً بسبب التدفق الهائل للمساعدات، لكن الوضع عاد للتدهور مدفوعاً بالهجوم العسكري للحوثيين على مأرب، وجائحة «كورونا»، والحرب في أوكرانيا عام 2022 وما صاحبها من صدمات.

وأقر البنك الدولي بتحسن انعدام الأمن الغذائي في اليمن منذ إعلان الهدنة في عام 2022، لكنه نبه إلى أنه لا يزال من بين البلدان التي تعاني من أعلى معدلات الجوع في العالم، حيث يعاني حوالي نصف السكان من سوء الاستهلاك الغذائي أو عدم كفاية استهلاكه. وقال إن أزمة الأمن الغذائي هي في الأساس أزمة تتعلق بقدرة الناس على الوصول إلى السلع في الأسواق المحلية، والقدرة على دفع ثمنها.

فقد الكثير من الأطفال اليمنيين حياتهم بسبب عجز الأسر عن تحمل نفقات العلاج (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير فإنه حين يستمر استيراد المواد الغذائية الأساسية وتقديمها من خلال المساعدات الإنسانية، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد على مدار النزاع، وفشل دخل الأسر في مواكبة التضخم، ومن ناحية أخرى انخفضت الإمدادات الغذائية، لا سيما مع ضعف الإنتاجية الزراعية المحلية، في حين زاد عدد سكان البلاد بنسبة تقدر بنحو 18 في المائة منذ عام 2015.

الصراع الاقتصادي

أوضح تقرير البنك الدولي أن الصراع الاقتصادي أصبح عاملاً مهماً في تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وأنه خلال السنوات الأولى من الحرب، أظهرت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أسوأ نتائج الأمن الغذائي، ورأى أن قرار الحوثيين في عام 2019 بمنع تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية التي أصدرتها الحكومة أدى إلى صراع اقتصادي، وعواقب سلبية مدمرة على الجميع.

وبحسب ما أورده التقرير فقد أصبح الوصول إلى المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية غير متاح وأكثر محدودية منذ بداية الحرب، على الرغم من بعض المكاسب التي تحققت قبل بدء الصراع مباشرة، حيث تدهورت إمكانية الحصول على الكهرباء من خلال الشبكة العامة بشكل كبير، ولهذا تم ربط 15 في المائة من اليمنيين بالشبكة في عام 2023، مقارنة بنسبة 78 في المائة في عام 2014.

فرض الحوثيون انقساماً مصرفياً في اليمن مما أدى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية (أ.ف.ب)

واعترف معدو التقرير بأن الحصول على تقدير دقيق حول عدد اليمنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر أمر صعب للغاية، لأن القيود المفروضة على جمع البيانات تجعل من المستحيل حساب مستويات الفقر النقدي باستخدام الأساليب التقليدية، كما أنه لم يتم إجراء أي مسح لميزانية الأسرة، وهو حجر الأساس لتقييمات الفقر التقليدية.

ونبه فريق البنك الدولي الذي أعد التقييم إلى أن فجوات البيانات والافتقار إلى معلومات موثوقة من أرض الواقع تُشكل عائقاً كبيراً أمام معرفة مستوى الفقر وغيره من أشكال التحليل الاقتصادي، خاصة وأن اليمن مجزأ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بما في ذلك وجود منطقتين اقتصاديتين منفصلتين بأسعار صرف مختلفة للغاية.

وأكد التقرير أن العوائق التشغيلية والافتقار إلى بيانات موثوقة حول النشاط الاقتصادي الرسمي وغير الرسمي وغير المشروع، تجعل التحليل الدقيق صعباً بشكل خاص، لكن التحليلات الإحصائية المستندة إلى أفضل البيانات المتاحة تشير إلى أن الفقر ربما زاد بأكثر من النصف خلال فترة الصراع.

الفيضانات والجفاف يزيدان من تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن (إ.ب.أ)

وبحسب الفريق كانت هناك عدة محاولات لتقدير مستوى الفقر في اليمن، لكن هذه المحاولات اعتمدت على بيانات قديمة والكثير من الافتراضات، وتستنتج النماذج الإحصائية التي تم إجراؤها للمذكرة الاقتصادية القطرية الأخيرة للبنك الدولي الخاصة باليمن أن معدل الفقر يصل إلى 74 في المائة في 2022، وأنه يمكن أن يصل إلى ما بين 62 و74 في المائة بحلول عام 2030، اعتماداً على مسار الصراع والسيناريوهات المختلفة.

ويقول التقرير إنه وفي حالات الطوارئ الإنسانية الأليمة مثل حالة اليمن، غالباً ما يتقارب الفقر النقدي مع مقاييس الوصول إلى الغذاء، حيث يتم استخدام حصة أكبر من الدخل المتاح لتغطية التغذية الأساسية، وهناك أيضاً نمط قوي وشبه عالمي لحصة الإنفاق على الغذاء التي تتزايد مع انخفاض الدخل، وجزم أن بيانات الأمن الغذائي التي يتم جمعها في اليمن، هي من بين أعلى البيانات جودة وأكثرها اتساقاً وتكراراً.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي يدمر راداراً حوثياً ضمن ضرباته الدفاعية

العالم العربي مقاتلات أميركية تحلّق فوق البحر الأحمر (أ.ف.ب)

الجيش الأميركي يدمر راداراً حوثياً ضمن ضرباته الدفاعية

غداة مزاعم الجماعة الحوثية تنفيذ أربع هجمات بحرية ضد السفن أفاد الجيش الأميركي بتدمير موقع رادار في سياق الضربات الدفاعية التي تقودها واشنطن لحماية الملاحة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي من المتوقع أن تتوقف التحويلات المالية إلى مناطق سيطرة الحوثيين حتى الرضوخ لقرارات البنك المركزي اليمني (رويترز)

تحذيرات أممية من أزمة سيولة عميقة في مناطق سيطرة الحوثيين

حذر برنامج أممي حديث من انخفاض احتياطي النقد الأجنبي مع أزمة في السيولة بمناطق سيطرة الحوثيين إذا ما استمرت المواجهة الاقتصادية مع الحكومة المعترف بها دولياً.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقرّ وزارة التربية والتعليم في صنعاء تحت سيطرة الجماعة الحوثية (فيسبوك)

لماذا يبدأ انقلابيو اليمن العام الدراسي بالتزامن مع فصل الصيف؟

قوبل إعلان الجماعة الحوثية عن بدء العام الدراسي في مناطق سيطرتها، بالتزامن مع بداية فصل الصيف بتذمر السكان ودعوة المعلمين إلى الإضراب للمطالبة برواتبهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي وفد الحكومة اليمنية وفريق التفاوض المشترك لدول التحالف الخاص بملف المحتجزين والمخفيين قسرياً قبيل انطلاق المشاورات مع جماعة الحوثي الأحد في مسقط (الشرق الأوسط)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: الشرعية تتمسك بالإفراج عن محمد قحطان قبل الخطوة الثانية

في يومها الثاني ووسط تكتم شديد، تتواصل مشاورات تبادل الأسرى والمختطفين بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي في العاصمة العمانية مسقط.

عبد الهادي حبتور (الرياض )
العالم العربي يستمر الصراع في اليمن وتطورات البحر الأحمر في مفاقمة الوضع الإنساني (الأمم المتحدة)

نازحون يمنيون يواجهون الطرد لعجزهم عن دفع إيجار المساكن

تواجه مئات الأسر اليمنية النازحة تهديدات بالطرد من مساكنها، نتيجة عجزها عن دفع ما عليها من إيجارات جراء تدهور المعيشة ونقص التدخلات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

مصر تدعو إلى حل «دون إملاءات خارجية» بالسودان

شكري وأبو الغيط وفقي يشهدون فعاليات النسخة الرابعة من «منتدى أسوان للسلام» (الخارجية المصرية)
شكري وأبو الغيط وفقي يشهدون فعاليات النسخة الرابعة من «منتدى أسوان للسلام» (الخارجية المصرية)
TT

مصر تدعو إلى حل «دون إملاءات خارجية» بالسودان

شكري وأبو الغيط وفقي يشهدون فعاليات النسخة الرابعة من «منتدى أسوان للسلام» (الخارجية المصرية)
شكري وأبو الغيط وفقي يشهدون فعاليات النسخة الرابعة من «منتدى أسوان للسلام» (الخارجية المصرية)

دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري، (الثلاثاء)، إلى «حل سياسي حقيقي» للأزمة في السودان، يستند إلى «رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم»، مع ضرورة «تجنب أي إملاءات أو ضغوط من أي أطراف خارجية».

وأودت الحرب، التي يشهدها السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي)، بحياة الآلاف، ودفعت ملايين للنزوح داخلياً وإلى دول الجوار، وتسببت بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وفي كلمته، خلال افتتاح فعاليات النسخة الرابعة من «منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين»، الذى تُقيمه القاهرة على مدار يومين، قال شكري إن بلاده «مستمرة في مساعيها من أجل وقف الحرب في السودان».

وأكد أن أي حل سياسي حقيقي في السودان لا بد أن «يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم دون إملاءات أو ضغوط من أي أطراف خارجية، وبالتشاور مع أطروحات المؤسسات الدولية والإقليمية الفاعلة».

كما شدد الوزير المصري على «أهمية معالجة الأزمة من جذورها عبر التوصل إلى حل سياسي شامل حفاظاً على مصالح الشعب السوداني ومقدراته، وعلى أمن واستقرار المنطقة كلها».

شكري يلقي كلمته خلال «منتدى أسوان للسلام» (الخارجية المصرية)

وفي مايو (أيار) الماضي، دعت وزارة الخارجية المصرية القوى السياسية والمدنية السودانية لمؤتمر موسع في القاهرة، بهدف «الوصول إلى توافق حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان، عبر حوار وطني سوداني - سوداني»، بحضور «الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين». ورجّحت مصادر مصرية وسودانية عقد المؤتمر في يوليو (تموز) الحالي، «من أجل جذب أكبر عدد من المشاركين».

ورغم أن مصر لم تعلن رسمياً موعداً محدداً لعقد المؤتمر؛ فإن «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)» السودانية، التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك، أعلنت مساء الاثنين، ترحيبها بدعوة مصر لعقد مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية يومي الأحد والاثنين المقبلين بالقاهرة.

وأفادت «تقدم» بأن الدعوة تأتي لمناقشة موضوعات «وقف الحرب، ومعالجة الأزمة الإنسانية، وسبل التهيئة للمسار السلمي لحل الأزمة».

من جهة أخرى استعرض وزير الخارجية المصري في مداخلته عدداً من الأزمات التي تشهدها القارة الأفريقية، داعياً إلى تضافر الجهود الإقليمية والدولية لدعم تعزيز الأمن والاستقرار في القارة، مؤكداً أن مصر ترى أهمية تطبيق مبدأ «الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، بعيداً عن التدخلات الخارجية التي تسهم في تعقيد الأوضاع في بعض الدول الأفريقية».

ويُعقد «منتدى أسوان»، بمشاركة موسى فقي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وأحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعدد من الوزراء الأفارقة، ووفود رفيعة المستوى من مسؤولي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، فضلاً عن ممثلي منظمات إقليمية ودولية معنية بقضايا السلم والأمن.

ونوه شكري، في كلمته، إلى ما تشهده النسخة الرابعة للمنتدى من إطلاق مبادرات «تعزز من الملكية الأفريقية لجهود السلم والأمن»، ومنها «تدشين شبكة أفريقية جديدة لمنع التطرف المؤدي إلى الإرهاب»؛ تجمع المراكز العاملة في هذا المجال بهدف تعزيز التعاون فيما بينها.

كما أعلن الوزير المصري جائزة «منتدى أسوان» لإعادة الإعمار والتنمية، التي سيتم تقديمها لأول مرة لأحد النماذج الأفريقية الواعدة؛ تثميناً لجهوده في بناء السلام في القارة الأفريقية.