هدنة غزة: إسرائيل تنازلت قليلاً... لكن استهداف أبناء هنية أربك المفاوضات

مصدر مصري أكد استمرار المشاورات لحسم «الخلافات»... و«حماس» لا تعرف شيئاً عن 40 رهينة

محتجون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة (رويترز)
محتجون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة (رويترز)
TT

هدنة غزة: إسرائيل تنازلت قليلاً... لكن استهداف أبناء هنية أربك المفاوضات

محتجون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة (رويترز)
محتجون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة (رويترز)

تعقدت المفاوضات بين «حماس» وإسرائيل على «هدنة مؤقتة»، بعدما أُعلن مساء الأربعاء عن استهداف عائلة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، بينما كانت إسرائيل تقول إنها قدمت تنازلاً بعودة 150 ألف فلسطيني إلى شمال غزة دون فحوص أمنية.

وأفاد تلفزيون «الأقصى» الفلسطيني، (الأربعاء)، بمقتل 3 من أبناء هنية و3 من ذويهم في قصف إسرائيلي استهدف سيارة بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. وأوضح التلفزيون عبر حسابه على «تلغرام» أن حازم وأمير ومحمد هنية أبناء رئيس المكتب السياسي للحركة قُتلوا مع 3 من أحفاد هنية في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف سيارتهم.

وقال هنية، إن مقتل ثلاثة من أبنائه لن يؤثر على مطالب الحركة في مفاوضات وقف إطلاق النار. وأضاف في مقابلة إعلامية: «مطالبنا واضحة ومحددة ولا تنازل عنها، وإذا كان العدو يعتقد أن استهداف أبنائي في ذروة المفاوضات وقبل أن يصل رد الحركة سيدفع (حماس) إلى أن تغير موقفها فهو واهم».

وفي وقت سابق، نقلت «رويترز» عن مسؤولين إسرائيليين أن إسرائيل وافقت خلال محادثات في مصر حول وقف لإطلاق النار في غزة على تنازلات تتعلق بعودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع، لكنها تعتقد أن حركة «حماس» لا تريد التوصل إلى اتفاق.

عملية إسقاط جوية لمساعدات في قطاع غزة (رويترز)

تنازل إسرائيلي

وقال المسؤولان المطلعان على المحادثات إنه بموجب اقتراح أمريكي بشأن الهدنة، ستسمح إسرائيل بعودة 150 ألف فلسطيني إلى شمال غزة دون فحوص أمنية.

وأضافا أنه في المقابل، سيُطلب من «حماس» تقديم قائمة بأسماء الرهائن من النساء والمسنين والمرضى الذين تحتجزهم وما زالوا على قيد الحياة.

وقالت «حماس»، الثلاثاء، إن أحدث مقترح تسلمته من الوسطاء المصريين والقطريين لا يلبي المطالب، لكنها ستدرسه بشكل أعمق قبل الرد.

مفاوضات القاهرة

وفي القاهرة، حيث تجري المفاوضات الرامية إلى «هدنة مؤقتة» في غزة، فإن المشاورات لا تزال تراوح مكانها، رغم أن مراقبين يأملون في أن تنجح «ضغوط الوسطاء» في تمرير اتفاق طال انتظاره.

وتواصل القاهرة جهودها لإنهاء الحرب في غزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفلسطيني محمود عباس، مساء الثلاثاء، «مواصلة بلاده لجهودها في مساندة الأشقاء في فلسطين على جميع الصعد»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية المستشار أحمد فهمي.

واستضافت القاهرة الأحد الماضي جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين حركة «حماس» وإسرائيل، بحضور ممثلين من قطر والولايات المتحدة وإسرائيل وحركة «حماس».

عائلة تزور قبر أحد أقاربها في بداية عيد الفطر، في مقبرة في رفح جنوب قطاع غزة، في 10 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

مصر لن تفتش النازحين

وخلال الجولة عرض مدير المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز مقترحاً أميركياً للتهدئة تم تسليمه إلى حركة «حماس».

وأكد مصدر مصري مسؤول، الأربعاء، لقناة «القاهرة الإخبارية»، أن «المفاوضات ما زالت مستمرة بين جميع الأطراف للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وحسم الخلافات بين الجانبين».

لكن المصدر، الذي لم تسمّه القناة، نفى «وجود أي مقترح أميركي بأن تقوم مصر بمهمة تفتيش النازحين داخل غزة قبل عودتهم إلى ديارهم في شمال القطاع».

وتعد عودة النازحين إلى شمال غزة من بين نقاط الخلاف بين إسرائيل و«حماس»، وفي هذا السياق تداولت وسائل إعلام أنباء عن مقترح أميركي في إطار اتفاق الهدنة، «تتولى بموجبه مصر تفتيش النازحين في غزة، في طريق عودتهم من الجنوب إلى الشمال».

وكانت حركة «حماس» أعلنت، الثلاثاء، أنها «تعكف على دراسة المقترح الذي تسلمته من الوسطاء بشأن اتفاق التهدئة»، مشيرة إلى أن «المقترح لم يستجب لأي من مطالب الشعب الفلسطيني، وأن موقف إسرائيل لا يزال متعنتاً».

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الأربعاء، أن «(حماس) رفضت المقترح الأميركي للهدنة»، وأشارت إلى أن «الحركة تستعد لطرح خطتها الخاصة من أجل وقف الحرب».

وعدت الصحيفة «رفض (حماس) دليلاً على الخلاف الواسع بين الطرفين»، إضافة إلى أنه «يعكس ثقة الحركة الزائدة في إمكانية أن يسهم الضغط الدبلوماسي والمحلي على إسرائيل في إنهاء الحرب».

ولا يعتقد الوزير الفلسطيني الأسبق وعضو طاقم مفاوضات «أوسلو» مع إسرائيل حسن عصفور، أن «هناك أملاً في تحقيق اتفاق تهدئة في ظل تعنت تل أبيب».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «حكومة نتنياهو تريد إنهاء القضية الفلسطينية والمقترح الأميركي الأخير لم يُقدّم للتهدئة، بل عُرض لترفضه (حماس)، وهو ما حدث».

وأضاف عصفور، أن «المقترح الأميركي تزامن مع إشارات إلى مطالب أميركية لمصر وقطر بالضغط على (حماس) لقبول المقترح». ولفت إلى أن «المقترح الأميركي يستند إلى حيثيات الأمر الواقع ورؤية اليوم التالي لغزة كما وضعتها حكومة نتنياهو».

يتفق معه خبير الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا توجد إمكانية لدى الوسطاء للضغط سواء على حركة (حماس) أو على إسرائيل»، لكنه يشير إلى أنه «لا سبيل لتحقيق التهدئة إلا بموافقة الحركة على إطلاق سراح 40 رهينة إسرائيلية ضمن المرحلة الأولى».

وكان الرئيس الأميركي حثّ مصر وقطر على الضغط على «حماس» من أجل الموافقة على اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.

وأكد عصفور أن «المقترح الأميركي هو محاولة لامتصاص غضب عالمي بدأ يتسارع ضد الحرب على قطاع غزة، لا سيما مع حادثة مقتل عاملين في (المطبخ المركزي العالمي)، لكنه لا يطرح أساساً حقيقياً للتهدئة، حيث يسعى لمحاصرة (حماس) ووضعها موضع الرافض لأي اتفاقات».

وقال عصفور: «لا يمكن لوسيط منحاز مثل الولايات المتحدة أن يقدم مقترحاً حقيقياً للحل أو يضغط للتهدئة». وأشار إلى أن «(حماس) رفضت المقترح، لكن رفضها جاء متسرعاً، بدلاً من محاولة التلاعب المضاد، بالحديث عن تقديم رؤية شاملة للحل ضمن آليات خاصة».

وتطالب «حماس» بوقف نهائي لإطلاق النار وسحب إسرائيل قواتها من كل أنحاء قطاع غزة وزيادة تدفق المساعدات مقابل إطلاق سراح المحتجزين لديها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بينما تصر إسرائيل على مواصلة الحرب، وتهدّد بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية التي باتت الملاذ الأخير لسكان قطاع غزة.

رجل يزور قبر أحد أحبائه في بداية عيد الفطر، في مقبرة في رفح جنوب قطاع غزة، في 10 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

مقترح أميركي

بدوره، قال عكاشة إن «المقترح الأميركي يضع مطالب الشارع في الجانبين في حسبانه، فهو يدرك أنه لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية وقف إطلاق النار دون الإفراج عن الرهائن، كما يدرك ضرورة إمداد قطاع غزة بمزيد من المساعدات في ظل وضع إنساني كارثي، مع زيادة عدد الفلسطينيين المفرج عنهم في إطار صفقة التبادل»، مشيراً إلى أن «واشنطن ترى وقف إطلاق النار دون حسم مسألة عدم تهديد إسرائيل في المستقبل خطاً أحمر».

وأضاف، أن «الوسطاء يحاولون البناء على ما يمكن أن يحدث من تنازلات من الجانبين لإتمام الصفقة»، مشيراً إلى أنه «في إطار المناورة، تسعى إسرائيل لإظهار نفسها وكأنها منفتحة على المفاوضات في حين يتم تحميل (حماس) مسؤولية استمرار الحرب».

ويتضمن المقترح، الذي تسلمته حركة «حماس» خلال جولة المفاوضات الأخيرة بالقاهرة، وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، وإطلاق سراح 40 محتجزاً إسرائيلياً في مقابل إطلاق سراح ما بين 800 و900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يومياً وعودة النازحين من شمال غزة إلى بلداتهم.

وقال مسؤول إسرائيلي ومصدر مطلع على المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس»، (الأربعاء)، إن «حركة (حماس) أبلغت الوسطاء بأنها غير قادرة حالياً على تحديد 40 محتجزاً إسرائيلياً تنطبق عليه الشروط في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار»، بحسب ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

وأضاف المصدران أن «عدم قدرة (حماس)، أو عدم رغبتها، في إبلاغ إسرائيل بالرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم أحياء، يمثل عقبة رئيسية».وقال المسؤول الإسرائيلي إنه «في ظل عجز (حماس) عن الوصول إلى 40 محتجزاً في الفئات المقترحة، فإن إسرائيل تضغط على (حماس) للإفراج عن الرهائن الأصغر سناً، بما في ذلك الجنود».


مقالات ذات صلة

قوات إسرائيلية تقتحم «مستشفى كمال عدوان» في شمال غزة

المشرق العربي فلسطيني متأثر قرب جثة طفل قبل دفنه بغزة الجمعة (أ.ف.ب)

قوات إسرائيلية تقتحم «مستشفى كمال عدوان» في شمال غزة

تستهدف القوات الإسرائيلية مستشفيات «كمال عدوان» و«الإندونيسي» و«العودة» بشكل متكرر، في وقت ينفذ فيه الجيش الإسرائيلي هجمات بالجزء الشمالي من قطاع غزة.

المشرق العربي جنود إسرائيليون في قطاع غزة ديسمبر 2023 (رويترز)

«القسام» تعلن تفجير أحد مقاتليها نفسه بقوة إسرائيلية في شمال غزة

أعلنت «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم (الجمعة)، أن أحد مقاتليها فجّر نفسه في قوة إسرائيلية في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي عمود من النيران في أعقاب ضربات على مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون 20 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

«حماس» تدين «العدوان» الإسرائيلي على الحوثيين في اليمن

أدانت حركة «حماس» الفلسطينية التي تخوض حرباً مع إسرائيل في قطاع غزة، الخميس، الضربات الإسرائيلية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي قذيفة مورتر أطلقها جنود إسرائيليون على غزة (رويترز) play-circle 03:06

تقرير: الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك مع بداية الحرب في غزة

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، اليوم الخميس، أن الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك في بداية الحملة العسكرية بقطاع غزة؛ لتمكين القادة من إصدار أوامر بشن هجمات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي قال مسعفون إن الصحافيين الخمسة كانوا ضمن 26 شخصاً على الأقل قتلوا في غارات جوية إسرائيلية قبل الفجر (إ.ب.أ) play-circle 00:37

مقتل 5 صحافيين بضربة إسرائيلية في غزة... وإسرائيل تقول إنها استهدفت مسلحين

قال مسؤولون في قطاع غزة إن غارة جوية إسرائيلية قتلت خمسة صحافيين فلسطينيين أمام مستشفى، اليوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
TT

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

دأب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، على التلميح إلى غياب «الرقابة والشفافية» عن مشروعات إعادة الإعمار بشرق البلاد، التي يديرها «صندوق» يشرف عليه بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني».

وقال الدبيبة أكثر من مرة، إن أجهزة «تبني مشروعات في بعض مدن ليبيا دون أن تمر على الأجهزة الرقابية»، وهو ما عدّه محللون إشارة ضمنية إلى مشروعات إعمار شرق ليبيا. وسبق ذلك تصريح آخر للدبيبة ضمن فعاليات أقيمت في 9 ديسمبر (كانون الأول)، قدر فيه حجم الإنفاق في هذه المشروعات بأكثر من 40 مليار دينار خلال العام الحالي (الدولار يساوي 4.91 دينار).

وفي حين تجنب الدبيبة توجيه اتهامات مباشرة للصندوق والقائمين عليه، آثر الحديث عما «خصص لإحدى الجهات، غير الخاضعة للرقابة، في دفعة واحدة، ما يتجاوز ميزانية التنمية في ليبيا لأكثر من 4 سنوات». ويأتي حديث الدبيبة في أجواء تتصاعد فيها الاتهامات بـ«الفساد» بين جبهتي شرق ليبيا وغربها.

في هذا السياق، عدّ أستاذ القانون بجامعة طرابلس، فرج حمودة، عدم إخضاع «جهاز الإعمار» في شرق ليبيا لأجهزة الرقابة، «تصرفاً خارج نطاق القانون؛ حتى إن صدر عن جهة تشريعية»، متسائلاً عن سبب عدم اللجوء إلى القضاء الدستوري.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.

ويترأس بلقاسم حفتر «صندوق إعمار ليبيا» منذ بداية عام 2024، بتكليف من مجلس النواب الذي مُنح امتيازات واسعة، وفق قانون سنّه البرلمان يستثني كل الإجراءات، والتعاقدات من الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة؛ وهما أرفع جهازين رقابيين سياديين في ليبيا.

بلقاسم حفتر يتفقد مشروعات يشرف عليها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

ويتمسك فرج حمودة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن الأجهزة الرقابية تفرض رقابة سابقة ولاحقة على هذه المشروعات، حفاظاً على المال العام، محذراً مما يعتقد أنه «باب مفتوح على مصراعيه لمزيد من التجاوزات المالية، خصوصاً مع الإنفاق عالي التكلفة».

ولا توجد أرقام مفصلة لميزانية إعادة إعمار المنطقة الشرقية، التي ينفذها «الصندوق» بتعاون مع شركات عربية وأجنبية، لكن التكلفة الاستثمارية بلغت نحو 950 مليون دولار خلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) الماضيين، وفق آخر أرقام مصرف ليبيا المركزي.

وفي مقابل ما ذهب إليه حمودة، يعتقد المحلل الاقتصادي الليبي، علي الصلح، أن إنشاء صندوق إعمار ليبيا «جاء متماشياً مع متطلبات المرحلة واحتياجات المواطنين، وفي ظل منافسة باتت واضحة، في مقارنة ما يبدو مع مشروعات تنفذها حكومة الدبيبة في العاصمة».

ورغم أن الصلح يقر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «إصدار قانون خاص للصندوق واستثناءه من الرقابة أصبحا محل جدل»، إلا أنه «تخلص من قيود ومراجعات قد تكون دون جدوى، وسرّع وتيرة جهود البناء والإعمار، بما لقي ارتياح المواطنين»، وفق اعتقاده.

وذهب الصلح إلى القول إن أهمية «تحديد حجم نفقات المال العام وغرضها يأتيان أولوية قبل الرقابة، دون مساءلة ومحاسبة حقيقيتين»، متسائلاً في المقابل عما رآها «نفقات عامة لحكومة (الوحدة) لا تخضع لمعايير واضحة».

صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)

ومؤخراً، ذكرت وكالة التحقيق الأميركية «سنتري» أن تكلفة إعادة الإعمار أثقلت كاهل الميزانية العامة، مما تسبب في أزمة لمصرف ليبيا المركزي.

لكن، وعلى نحو أبعد من الحديث عن الأرقام والشفافية، تبدو «المناكفة» تفسيراً مرجحاً لتلميحات الدبيبة، وفق عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، الذي أشار إلى «غياب تام للرقابة والشفافية في ليبيا».

ويبدو أن الهدف من هذه التلميحات، حسب تصريح قزيط لـ«الشرق الأوسط»، هو «حشد خصوم حفتر في غرب البلاد»، متوقعاً «تبخر هذه الاتهامات حال إتمام صفقة توحيد». كما تحدث عما قال إنه «تواصل لم ينقطع بين رئيس حكومة (الوحدة) وقائد الجيش الوطني وصفقات أنجزت بينهما».

ومن بين عدة مدن بشرق ليبيا، كانت مدينة درنة هي الأكثر في تكبد فاتورة الخسائر البشرية والمادية جراء فيضانات سبتمبر 2023، إذ اختفت أحياء بكاملها، ودمرت مدارس وأسواق وبنيات تحتية عامة؛ إلى جانب آلاف الوفيات، ونزوح آلاف آخرين من منازلهم.

لكن درنة شهدت مؤخراً افتتاح عدد من المشروعات، التي يشرف عليها «صندوق إعادة إعمار ليبيا»، من بينها «جسر وادي الناقة»، ومقرّ مديرية أمن درنة، بالإضافة إلى مسجد الصحابة.