ما تداعيات التصعيد في العلاقات الصومالية - الإثيوبية؟

بعد قرار مقديشو طرد سفير أديس أبابا

الرئيس الصومالي معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (الرئاسة الصومالية على منصة إكس)
الرئيس الصومالي معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (الرئاسة الصومالية على منصة إكس)
TT

ما تداعيات التصعيد في العلاقات الصومالية - الإثيوبية؟

الرئيس الصومالي معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (الرئاسة الصومالية على منصة إكس)
الرئيس الصومالي معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (الرئاسة الصومالية على منصة إكس)

دخلت العلاقات الصومالية - الإثيوبية منعطفاً جديداً من «التوتر»، بعد قرار الحكومة الصومالية طرد سفير إثيوبيا، وإغلاق قنصليتين إثيوبيتين، واستدعاء سفيرها في أديس أبابا، وسط احتدام للخلاف حول خطة إثيوبية للحصول على ميناء وقاعدة عسكرية في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي. ووفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فإن التصعيد الأخير يزيد حدة المخاوف من تداعيات أمنية وسياسية، لا تقتصر فقط على العلاقات الصومالية - الإثيوبية، بل تمتد إلى «تهديد الاستقرار الإقليمي» في منطقة القرن الأفريقي التي تعاني توتراً متصاعداً.

واستدعت الحكومة الصومالية سفيرها في أديس أبابا، عبد الله محمد ورفا، وطالبت السفير الإثيوبي، مختار محمد واري، بمغادرة البلاد في غضون 72 ساعة. وأفاد بيان صادر عن وزارة الخارجية الصومالية بأن «السفير الإثيوبي لدى البلاد، أُرْسِلَ إلى بلاده»، كما صدر قرار بـ«إغلاق قنصليتين إثيوبيتين في ولاية بونتلاند الإقليمية وإقليم أرض الصومال»، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الصومالية، الخميس. وأضاف البيان أن الحكومة الصومالية «مارست أقصى درجات ضبط النفس مع إثيوبيا، إثر توقيعها مذكرة تفاهم غير قانونية مع إقليم أرض الصومال، واتخذت هذا القرار حفاظاً على سيادتها الوطنية».

وقال مكتب رئيس الوزراء الصومالي، في بيان، تعليقاً على قرار طرد السفير الإثيوبي، إن «تدخل الحكومة الإثيوبية الواضح في الشؤون الداخلية للصومال يمثل انتهاكاً لاستقلال الصومال وسيادته».

رئيس الوزراء الإثيوبي خلال مراسم التوقيع مع رئيس «أرض الصومال» موسى بيهي عبدي بأديس أبابا في يناير الماضي (رويترز)

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد وقَّع في أول يناير (كانون الثاني) الماضي، مذكرة تفاهم تحصل بموجبها بلاده غير الساحلية على 20 كيلومتراً من الساحل في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، لإنشاء قاعدة بحرية هناك، ما أثار غضب الصومال، ومخاوف من أن يتسبب الاتفاق في مزيد من الاضطراب بمنطقة القرن الأفريقي.

وسبق للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن وصف اتفاق الميناء بأنه «غير قانوني». وقال في فبراير (شباط) الماضي، إن بلاده «ستدافع عن نفسها» إذا مضت إثيوبيا فيه قدماً، كما أصدر محمود قراراً بإلغاء مذكرة التفاهم، كما تقدمت مقديشو بعدة شكاوى إلى مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي.

خطر حقيقي

التصعيد الأخير لا تقتصر تداعياته على العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، بل يمتد تأثيره إلى التأثير على العلاقة بين الحكومة الصومالية الفيدرالية وبين إقليمي «بونتلاند» و«أرض الصومال»، هذا ما يراه الباحث الصومالي المتخصص في الشؤون الإقليمية، حسن عويس، الذي أشار إلى أن المخططات الإثيوبية تمثل «خطراً حقيقياً» على الصومال، وتسعى إلى إذكاء التوتر بين الحكومة الفيدرالية وبين إقليمي بونتلاند و«أرض الصومال»، إذ «تسعى أديس أبابا إلى تعزيز هذا التوتر ما يمكنها من النفاذ داخل تلك الأقاليم وتحقيق أهدافها».

وقال عويس إن قرار طرد السفير الإثيوبي وإغلاق القنصليتين جاء بعد سلسلة من التحركات الإثيوبية التي رأتها مقديشو «مزعزعة لأمن البلاد»، مشيراً إلى أن تلك الخطوة قد تكون «مقدمة لإجراءات تصعيدية أخرى مستقبلاً؛ إذا ما واصلت أديس أبابا نهجها في التعامل مع الصومال». ولفت في هذا الصدد إلى وجود خطط محتملة لمنع الرحلات الجوية الإثيوبية من الهبوط في مقديشو، وهرجيسا (عاصمة إقليم أرض الصومال)، وغاروي (عاصمة إقليم بونتلاند)، وهذا التطور حال اللجوء إليه سيكون بمثابة «تصعيد كبير في التوترات الدبلوماسية بين البلدين، وقد يؤدي إلى تعطيل السفر الجوي والتجارة الإقليمية».

ومن المتوقع ألا يؤدي طرد السفير الإثيوبي، وإغلاق القنصليتين إلى تصعيد التوتر مع أديس أبابا وحدها، بل مع إقليمي «أرض الصومال» و«بونتلاند»، اللذين تثور شكوك حول مدى امتثالهما لتنفيذ قرار الحكومة الفيدرالية، وفق ما يراه الباحث الصومالي المتخصص في الشؤون الإقليمية. وتصاعد التوتر بين مقديشو والسلطات في «بونتلاند»، مطلع الأسبوع الماضي، عندما قال مجلس ولاية «بونتلاند» إنه انسحب من النظام الاتحادي بالصومال، وسيحكم نفسه بشكل مستقل، وسط خلاف بخصوص تغييرات دستورية.

وأعلنت بونتلاند، وهي منطقة شبه صحراوية تقع في شمال شرقي الصومال الغنية بالنفط، وتضمّ ميناء بوصاصو الحيوي، الحكم الذاتي في عام 1998، وشهدت العلاقات مع الحكومة المركزية في مقديشو توتراً متكرراً خلال السنوات الماضية.

و«أرض الصومال»، هي أيضاً منطقة شبه صحراوية تقع على ساحل خليج عدن، محمية بريطانية ثم حصلت على استقلالها في عام 1960 واندمجت مع الصومال، التي كانت تحتلها إيطاليا لتكونا معاً جمهورية الصومال، ثم انفصلت «أرض الصومال» وأعلنت استقلالها عن جمهورية الصومال في عام 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق سياد بري، لكنها لم تحصل على اعتراف دولي.

جانب من استقبال مسؤولين إريتريين أطقم القطع البحرية الروسية في مصوع (حساب وزير الإعلام الإريتري على إكس)

فرض الأمر الواقع

ورأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير صلاح حليمة، أن التصعيد الأخير بطرد الصومال للسفير الإثيوبي، وإغلاق قنصليتي «أرض الصومال» و«بونتلاند» يعكس إدراكاً من جانب السلطات الصومالية بعدم كفاية الإجراءات القانونية التي جرى اتخاذها للضغط على إثيوبيا للتراجع عن مساعيها للحصول على المنفذ البحري في «أرض الصومال» بصورة «غير شرعية». وأضاف حليمة أن بعض التقارير التي أشارت إلى إمكانية تراجع إثيوبيا بضغوط من قوى دولية كبرى في الآونة الأخيرة ثبت أنها مجرد «محاولات لكسب الوقت»، وهو ما دفع الحكومة الصومالية إلى التصعيد، لافتاً إلى أن استمرار أديس أبابا في نهج فرض الأمر الواقع ومخالفة قواعد القانون الدولي «تقود إلى تصعيد خطير» على السلم والأمن في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

وأشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية إلى أن التوتر الحالي لا يقتصر فقط على العلاقات الصومالية - الإثيوبية، بل «يمس الأمن الإقليمي في تلك المنطقة الهشة، ويهدد كثيراً من الدول»، من بينها الدول العربية والأفريقية المتشاطئة في البحر الأحمر، فضلاً عما يثيره التوتر من مخاوف بشأن انزلاق الأمر إلى «صدام مباشر وتدخل إقليمي ودولي»، خصوصاً في ظل وجود قوى بحرية عسكرية بكثافة في المنطقة، سواء في صورة أساطيل أو قواعد عسكرية، إضافة إلى المخاوف الأمنية المتعلقة بانتشار التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى استغلال التوتر الإقليمي لمزيد من التمدد في تلك المنطقة.

الفرقاطة «مارشال شابوشنكوف» في ميناء مصوع خلال مناورات ذكرى تأسيس العلاقات بين روسيا وإريتريا (وزير الإعلام الإريتري على إكس)

وحتى الآن لم يعلن عن مصير 3000 جندي إثيوبي متمركزين في الصومال في إطار مهمة حفظ سلام تابعة للاتحاد الأفريقي لمحاربة عناصر حركة «الشباب» المتطرفة التابعة لتنظيم «القاعدة»، بعد خطوة طرد السفير الإثيوبي، وإغلاق القنصليتين.

وتنشط في منطقة القرن الأفريقي كثير من التنظيمات المتطرفة، كما توجد في جيبوتي المجاورة للصومال عدة قواعد عسكرية لدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين واليابان، كما تنشط تحركات بحرية على خلفية استهداف «الحوثيين» للملاحة الدولية بالبحر الأحمر، وأجرت روسيا مناورات بحرية مع إريتريا، الأسبوع الماضي. ويُذكر أن الحكومة الصومالية وقعت في فبراير الماضي، اتفاقية دفاعية مع تركيا، تقضي بالتعاون في مجال الأمن البحري وحماية الشواطئ، وتدريب قوات من الجيش، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الصومالية عقب توقيع الاتفاق.


مقالات ذات صلة

«داعش» يتبنى هجوماً دامياً على قاعدة عسكرية في الصومال

شمال افريقيا سيارات تابعة لضباط أمن صوماليين متوقفة بالقرب من فندق سيل مسرح هجوم جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» في مقديشو بالصومال 15 مارس 2024 (رويترز)

«داعش» يتبنى هجوماً دامياً على قاعدة عسكرية في الصومال

أعلن تنظيم «داعش»، اليوم (الأربعاء)، مسؤوليته عن هجوم على قاعدة عسكرية في منطقة بونتلاند شمال شرقي الصومال، أمس (الثلاثاء)، أودى بحياة ما لا يقل عن 20 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
شمال افريقيا وزير الخارجية والتكامل دون الإقليمي والغابونيين بالخارج ريجيه أونانجا ندياي خلال استقبال عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تُعمق حضورها الأفريقي بتعزيز التعاون مع الغابون

وصل وزير الخارجية المصرية، الدكتور بدر عبد العاطي، الجمعة، إلى العاصمة الغابونية ليبرفيل، في ثاني محطات جولته الأفريقية التي بدأت، الخميس، بتشاد.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس التشادي إدريس ديبي خلال لقاء بدر عبد العاطي في إنجامينا (الخارجية المصرية)

مصر تعزز تعاونها مع تشاد عبر مشروع «ربط بري»

تعزز مصر تعاونها مع تشاد عبر مشروع طريق «الربط البري» بين البلدين، وأكدت مصر أن «المشروع سيدعم جهود التنمية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا وزير خارجية مصر رفقة السكرتير التنفيذي لتجمع دول الساحل والصحراء أمس في إنجامينا (رئاسة مجلس الوزراء المصري)

مصر تبحث مع تجمع دول الساحل والصحراء سبل الحرب على الإرهاب

أعرب وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي عن استعداد القاهرة لدعم تجمع دول الساحل والصحراء في مواجهة «التحديات المشتركة»، ولكنه ركز على مكافحة الإرهاب.

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم العربي عناصر من الجيش الوطني الصومالي (رويترز)

اتهامات صومالية لإثيوبيا تلقي بظلالها على «اتفاق المصالحة»

اتهامات صومالية لإثيوبيا باستهداف قواتها تعد الأولى منذ إعلان المصالحة بين البلدين برعاية تركية في 11 ديسمبر الحالي وبعد نحو عام من الخلافات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان يرحب بوساطة تركيا مع الإمارات

 البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيدة السوداني/ فيسبوك)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيدة السوداني/ فيسبوك)
TT

السودان يرحب بوساطة تركيا مع الإمارات

 البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيدة السوداني/ فيسبوك)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيدة السوداني/ فيسبوك)

رحبت الحكومة السودانية بالمبادرة التركية للتوسط بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، التي عرضها نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران، الذي يزور البلاد، على المسؤولين السودانيين.

وقال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن السودان رحب بالمبادرة التي حملها المسؤول التركي الزائر، واصفاً زيارة دوران بأنها كانت «ناجحة». وكان الوزير أكد في تصريحات سابقة، أهمية التفاوض مع أبوظبي، وأن باب التفاوض مع الإمارات سيظل مفتوحاً على الدوام.

ووصل دوران إلى بورتسودان، برفقته وفد رفيع من وزارته، في زيارة رسمية دامت يوماً. وتأتي الزيارة على خلفية عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مبادرة على رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، للتوسط بين الخرطوم وأبوظبي.